كتبت صحيفة “النهار”: اهتز لبنان واللبنانيون على وقع الانباء الصادمة والصاعقة عن المجزرة الجماعية البشعة التي ارتكبتها إسرائيل في قصفها للمستشفى الأهلي – المعمداني في غزة والتي تشكل جريمة حرب مروعة ووجهت الدعوات ليلا في كل المخيمات الفلسطينية في لبنان للخروج بمسيرات غضب رفضًا للجريمة. وندد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالقصف لذي طال المستشفى وقال: “مئات الشهداء في مستشفى المعمداني في غزة بفعل الاجرام الاسرائيلي والضمير العالمي الساكت عن الظلم والحق فإلى متى؟”.
وإذ انهالت الاستنكارات الرسمية والسياسية والشعبية للمجزرة التي حصلت عشية زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل والأردن كان الوضع على الحدود الجنوبية يسجل ما يمكن اعتباره اليوم الثاني الأشد عنفا بعد “الاحد الصاروخي” الاخير حيث التهبت المواجهة المباشرة امس بين “حزب الله” والقوات الإسرائيلية. وبدا لافتا ان تبادل الهجمات الصاروخية والقصف المدفعي تحول الى مواجهة متواصلة لم تنقطع طوال النهار وفي ساعات المساء وفاق عدد المواقع والاهداف العسكرية الإسرائيلية التي استهدفها الحزب العشرات باعتراف إسرائيل التي لاحظت زيادة أنشطة الحزب وعاودت التهديد بإعادة لبنان الى العصر الحجري. ومع ازدياد معالم التصعيد الميداني هذه بدا واضحا ان لبنان الرسمي، عبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب، يخوض حملة ديبلوماسية استباقية تصاعدية تمثلت في الاجتماعات الموصولة في السرايا والخارجية في انعكاس واضح لازدياد المخاوف من المواجهات الميدانية كما في ظل سيل التحذيرات التي يتلقاها المسؤولون اللبنانيون وعبرهم “حزب الله” من تبعات التورط في توسيع الحرب الجارية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة. ويترقب لبنان في هذا السياق باهتمام شديد ما ستنتهي اليه الحركة الديبلوماسية الاستثنائية التي ستشهدها إسرائيل والأردن اليوم مع زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن ولقاءاته في إسرائيل ومن ثم مشاركته في قمة رباعية في عمان، خصوصا لجهة ما اذا كانت ستبلور اتجاهات الى لجم الحرب ومنع اتساعها نحو لبنان .
ولكن المعالم الميدانية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية عكست تصعيدا لافتا وسخونة عالية عشية وصول الرئيس بايدن الى المنطقة . اذ شهدت الجبهة الجنوبية تصعيدا منذ ساعات الصباح الأولى وبعد الظهر وكان من ابرز الوقائع استهداف “حزب الله” خيمة للقوات الإسرائيلية في داخلها جنود في مستوطنة راميم مقابل بلدة مركبا. وردّت القوات الاسرائيلية بالقصف على خراج بلدتي رميش ويارون. ثم اعلن الجيش الإسرائيلي ان صاروخا مضادا للدبابات أطلق على أحد مواقعه على الحدود اللبنانية، وان المدفعية الاسرائيلية ردّت مستهدفة مواقع إطلاق النار. واكدت مصادر اسرائيلية سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف الجيش الاسرائيلي بعد استهداف دبابة عسكرية بصاروخ موجه على الحدود بين لبنان واسرائيل، قبل ان يعلن الاعلام الاسرائيلي عن إطلاق صاروخ ثان مضاد للدروع كما افيد ان “حزب الله” استهدف أجهزة التجسس والتصوير والجمع الحربي في موقع جل الدير في القطاع الأوسط. ولاحقا تبنى الحزب عملية قصف آلية للجيش الاسرائيلي، معلنا استهداف موقع زرعيت والصدح وجل الدير والمالكي وبركة ريشا بالأسلحة المباشرة. وقصفت المدفعية الإسرائيلية الطريق بين بلدتي كفركلا والعديسة. وأعلن الجيش الإسرائيلي عن قتل 4 مسلحين حاولوا التسلل عبر الشريط الحدودي لمحاولة زرع قنبلة في مستوطنة حانيتا. في السياق، اعلن الصليب الأحمر اللبناني ان ٤ فرق توجهت إلى منطقة علما الشعب لنقل جثث ٤ شهداء جراء القصف الإسرائيلي، وتردد انها تعود للمتسللين. ونعى “حزب الله” امس خمسة من مقاتليه .
وبازاء هذا التصعيد شدد رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي على أن “إسرائيل ستتصدى لأي عملية عسكرية تنطلق من المنطقة الشمالية”. وهدد بقوله : “سنعيد لبنان إلى العصر الحجري إذا هاجمنا حزب الله” لافتًا إلى أنه “إذا تدخّل أعداؤنا بسبب الحرب على غزة فالولايات المتحدة ستتدخّل”.
“التحرك الاستباقي”
وسط هذا الاحتدام رأس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اجتماعا لـ”هيئة ادارة الكوارث والازمات الوطنية” في السرايا أوضح خلاله “إن مروحة الاتصالات الخارجية والداخلية التي أجريناها أظهرت حرصا على لبنان والاستقرار فيه، وابعاده قدر المستطاع عن النيران المشتعلة من حوله”. وقال “نحن نواصل اتصالاتنا لاعادة الاستقرار الى الجنوب، والاولوية في هذا السياق هي ضرورة ان يكون الموقف اللبناني موحدا تجاه القضية الفلسطينية وهذا ما لمسناه في هذه المحنة، ونتمنى الثبات عليه من كل القيادات. الوحدة اللبنانية اساسية لتجاوز هذه المرحلة الصعبة وتقوية الموقف اللبناني من التطورات”.
وأعلنت وزارة الخارجية انه “في اطار الحملة الديبلوماسية الاستباقية الهادفة لمنع التصعيد وانزلاق الأوضاع في المنطقة إلى الأسوأ وبالتشاور المفتوح مع رئيس مجلس الوزراء”، عقد وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب سلسلة اجتماعات حيث التقى على التوالي سفراء ٢٦ دولة لبحث آخر التطورات في غزة والجنوب . وشدد بو حبيب على “اننا في لبنان لسنا هُواة أو دُعاة حرب بل نرغب في الحفاظ على الهدوء والاستقرار لذلك يجب وقف الاستفزازات والاعتداءات الاسرائيلية المتزايدة على الحدود الجنوبية، والقتل المتعمد للصحافيين وإستهداف المدنيين والجيش اللبناني ومراكزه، ومواقع اليونيفيل، وقصف القرى والبلدات المأهولة بالمدنيين”. وشدد على “ضرورة وضع حد لإستمرار التصعيد في غزة المستمر منذ احد عشر يوما ما قد يؤدي الى ما لا تُحْمَدُ عُقباه على الشعوب والدول في المنطقة، وعلى المصالح الدولية.”
وغداة زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا استقبلت بيروت وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الذي اعلن أن بلاده” تعمل لعدم تمدد الحرب إلى لبنان والبلدان الأخرى وأنّها تتضامن مع الموقف المِصري بشأن ما يجري في غزة”. وطالب المجتمع الدولي “بأخذ خطوة لتأسيس دولة فلسطينية عاصمتها القدس على حدود 1967.” وأشار إلى أنّ وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلاميّ يجتمعون اليوم في جدة.
المعارضة… وجنبلاط
اما في المشهد السياسي الداخلي فأصدر امس نواب قوى المعارضة بياناً عبّروا فيه عن تضامنهم التام مع الشعب الفلسطيني ورفضهم لجرّ لبنان إلى حرب أو تحويله الى ساحة صراع ومواجهة. وقالوا من مجلس النواب “يملك لبنان من خلال جيشه وقواه العسكرية الحق الدستوري في الدفاع عن كل شبر وكل مواطن على الأراضي اللبنانية عند الاعتداء عليه ولكننا نرفض بشكل مطلق جر لبنان الى حرب سيكون ثمنها غاليا جدا على لبنان، الذي بذل غاليا وما يزال في سبيل القضية الفلسطينية، لكنه يرفض ان يكون وقودا في نار مصالح دولة أخرى، تحاول تحقيق المكاسب على حساب دم أبنائنا ودمار بلادنا وهي وحلفائها في لبنان كانوا السبب في الانهيار الكامل الذي أصابنا”. وتابعوا: نحن كنواب في البرلمان اللبناني، وممثلي الشعب والأمة، جئنا نقول لا، لا للحرب، لا لجرّ لبنان نحو الدمار، لا لتحكم اي كان بسيادة لبنان وبقرار الحرب والسلم، لا لإدخالنا في مجهول مغامرات لا مصلحة للبنان فيها. لقد دفع وطننا أثمانا باهظة في الأمس القريب والبعيد نتيجة الصراعات الإقليمية إلى أن تفككت مؤسساته وانهارت مقوماته وهاجر جزء كبير من شعبه”.
وعقدت جلسة لمجلس النواب أعاد خلالها انتخاب أعضاء هيئة مكتب المجلس ورؤساء اللجان النيابية . وسجلت مطالبة عدد من نواب المعارضة بمناقشة تطورات الوضع في الجنوب، وإصدار توصيات بشأنها، الا ان الرئيس نبيه بري رفض واعلن جهوزيته لعقد جلسة خاصة بذلك. ولاحقا واثناء لقائه رؤساء اللجان النيابية والمقررين، سأل بري “امام ما يجري في المنطقة وتصاعد العدوان الاسرائيلي على فلسطين وغزة ولبنان، نحن أمام فرصة لانتخاب رئيس للجمهورية فهل نتلقفها”؟
ومساء استقبل الرئيس ميقاتي النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تيمور جنبلاط والنائب وائل أبو فاعور. وقال جنبلاط على الاثر: “يعمل دولة الرئيس جاهدا على طريقته، كما نعمل نحن، على محاولة تجنيب لبنان الحرب باتصالاته العربية والدولية. نحن بشكل متواضع نعمل على النفس ذاته، ولكن لا شك في أن جهود دولة الرئيس جبارة، على أمل أن تثمر وأن ترمم ايضا الجبهة الداخلية، لان بعض الناس في الجبهة الداخلية كأنهم في واد ثان”. أضاف: “كنا نأمل مثلا أن يفرج هذا الظرف عن رئيس للجمهورية، وانتخابات لجان من دون مقاطعة الخ. يبدو ان بعض الناس في عالم آخر، سنبقى الى جانب دولة الرئيس في كل الجهود التي يقوم بها، على أمل ألا نستدرج إلى الحرب” .