كتبت صحيفة “الديار”: تجاوزت وقاحة السفيرة الاميركية في بيروت دورثي شيا، وقاحة جيش الاحتلال الاسرائيلي الذي يدعي العفة ويمارس هواية القتل الممنهجة في غزة، ويواصل حربه على لبنان، فالسفيرة منحت لنفسها حق تصنيف المقاومة في لبنان وفلسطين بالارهاب، فيما دولتها ترعى وتشارك في اكبر مذبحة في التاريخ الحديث، وترسل بوارجها لتهديد حزب الله ومنعه من تعديل موازين القوى في حرب الابادة المستمرة منذ الثامن من الجاري.
واذا كان اي من مسؤولي الدولة في لبنان لم ولن يجرؤ على وضع حد للسفيرة، التي تجاوزت كل الاعراف الديبلوماسية وتتصرف دون حياء، فان المقاومة على طول الحدود الجنوبية ترد بالنار على تهديدات واشنطن، وتدير معركة ممنهجة مع قوات الاحتلال التي لن تحصل على اي نوع من التطمينات حيال طبيعة وحدود المعركة الدائرة، لانها غير معنية بطمأنة العدو الذي يفرغ مستوطناته على الحدود.
في هذا الوقت، وفيما اكد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ان «الاتصالات الديبلوماسية مستمرة»، قال انه «لن يطمئن الا عندما يحصل وقف إطلاق نار في غزة، وما دام وقف النار غير موجود، والاستفزازات الاسرائيلية لا تزال مستمرة، سيبقى الحذر قائما». وفي هذا السياق،علمت «الديار» ان المسؤولين اللبنانيين لا يأخذون التطمينات الدولية حيال تحييد لبنان عن حرب غزة على محمل الجد، فالحركة الديبلوماسية الواسعة التي يشهدها لبنان، وآخرها مكالمة وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن مع ميقاتي، لم تحمل اي ضمانات اميركية على المدى الطويل، وانما هدفت الى الحصول على تطمينات لبنانية لـ «اسرائيل»، لمنع حزب الله من فتح جبهة بتوقيت لا يناسب دولة الاحتلال التي تتخبط في قراراتها، وهو امر لا يملكه ميقاتي، فالتطمينات من واشنطن تحديدا، تشير الى ان «اسرائيل» لن تكون المبادرة الى فتح حرب مع لبنان الآن، والى أن الولايات المتحدة نجحت في إقناعها ومنعها من الذهاب نحو اي تصعيد راهنا… لكن ماذا عن الاسابيع المقبلة؟ وماذا لو قررت «اسرائيل» الهروب الى الامام من مأزقها في غزة؟ كل هذا تحدده المعطيات الميدانية ساعة بساعة، ولن تقع المقاومة في «فخ» اي خديعة قد يكون ثمنها باهظا، خصوصا ان ثمة مَن في «اسرائيل» قد اصابه «الجنون»، ويسير بعيون مفتوحة نحو ارتكاب اخطاء تتجاوز في تداعياتها اسرائيليا ما حصل في «طوفان الاقصى».
عنصر المفاجأة؟
وفي النتائج العملانية، اكدت مصادر مطلعة ان حزب الله افقد «حكومة الحرب المصغرة الاسرائيلية» عنصر المفاجأة، الذي كان يخطط له بعض من اعضائها، وفي مقدمتهم وزير الحرب يوآف غالانت بتوجيه ضربة مفاجئة للمقاومة، ووصلت الى قمة الجهوزية بما يجعلها تتحكم بمسار الميدان وتطوراته ، وقد اعترفت صحيفة «اسرائيل هايوم» المقربة من رئاسة الحكومة، بان حزب الله نجح في ضرب 75 في المئة من تقنيات الرصد والتجسس الاسرائيلية التي لا تغطي فقط جنوب لبنان وانما المنطقة باسرها، ولفتت الى ان «اسرائيل» باتت مضطرة الى استخدام المسيّرات على مدار الساعة، لتغطية النقص الحاد في المعلومات حول الجبهة المقابلة.
ولفتت الصحيفة الى ان التوتر في الشمال عمّق المخاوف من مفاجأة جديدة من جهة لبنان، في الوقت الذي تستثمر فيه «اسرائيل» قوات كبيرة في معركة برية داخل غزة. ولفتت الى ان بامكان حزب الله أن يشل «إسرائيل» إلى الأبد ويدفع ثمناً هامشيا جدا مقارنة بالثمن الذي تدفعه، سواء من خلال إخلاء السكان من بلدات الشمال، وتجميد الاقتصاد، والامتناع عن عملية واسعة في غزة.
«اسرائيل» فقدت المبادرة
وفي سياق الحديث عن فقدان «اسرائيل» المبادرة، نقلت صحيفة «يديعوت احرنوت» عن مسؤول امني «اسرائيلي» تأكيده انه سيتعين على «كابينت الحرب» أن يتخذ في الأيام القريبة المقبلة، وربما في الساعات القريبة المقبلة، وقال انه «قرار ذو أهمية مصيرية». ولفتت الصحيفة الى ان ثمة أزمة ثقة بين نتنياهو والجيش داخل «الكابينت» الضيق و»الكابينت» الموسع، فنتنياهو منع قراراً للمبادرة بحملة عسكرية في الشمال، رغم أن الجيش ووزير الدفاع غالنت أوصيا بها. كان في مركز الجدال طلب أميركي للامتناع عن «ضربة إسرائيلية» مسبقة إلى لبنان. وضم الأميركيون إلى القائمة رزمة مساعدة عسكرية سخية، ومرابطة حاملتي طائرات أمام شواطئ لبنان، وتعهدت بإسناد «الجيش الإسرائيلي» إذا فتح حزب الله الحرب. لكن لا ضمانة بالا يفعل ذلك؟!
الحرب كانت الاسبوع الماضي؟!
اقر الون بن ديفيد في صحيفة «معاريف» ان «اسرائيل» كانت قريبة جداً الأسبوع الماضي من فتح جبهة أخرى مع حزب الله في الشمال. وكشف ان بعضا من المتحملين للمسؤولية عن قصور السبت الأسود دفعوا إلى هذا، ربما على أمل محو الأخطاء التي أدت إلى النتائج الرهيبة. لكن كثيرين في جهاز الأمن عارضوا وحذروا من أن «إسرائيل» غير جاهزة لحرب شاملة في عدة جبهات. ووفقا لصحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية، فان منظومة العلاقات بين نتنياهو ووزير الدفاع تصعّب العمل المشترك على مختلف الجبهات. واحتدمت الامور بعد أن سرّب نبأ استخدام نتنياهو «الفيتو» على عملية عسكرية مبادر إليها ضد حزب الله. وفي أثناء زيارة بايدن إلى البلاد، منع نتنياهو غالنت من تفصيل تقديراته على مسمع من الرئيس الأميركي، واكتفى غالنت بابلاغ وزير الخارجية انتوني بلينكن أنه أراد مهاجمة الحزب على نحو مفاجىء، لكنه توقف بقرار من جهات أخرى، اي نتانياهو.
القضاء على حزب الله!
وفي هذا السياق، كتبت صحيفة «معاريف الاسرائيلية» ان حرب غزة يجب ان تنتهي بإنجاز لا لبس فيه، والأهم أن يكون مقدمة للمرحلة التالية التي هي تفكيك حزب الله… فـ «إسرائيل» برأيها لا يمكن ان تتحمل تهديد الحزب، الذي يبث خطراً من حدودها الشمالية على أراضيها، لهذا يجب تفكيكه من جذوره. وتفكيك حماس في القطاع سيعمق الثقة في «إسرائيل» والولايات المتحدة والعالم الحر، بشأن ضرورة استمرار المعركة للقضاء على حزب الله.
اخلاء المستوطنات
ميدانيا، تواصلت حرب الاستنزاف واشغال قوات الاحتلال على طول الخط الحدودي الفاصل مع فلسطين المحتلة، ووصفت وسائل إعلام إسرائيلية ما يجري في الشمال بانه جولة القتال الأكبر بين «إسرائيل» وحزب الله منذ حرب تموز. ونقلت عن وزارة الحرب انه تم اجلاء 27 الف مستوطن من 28 بلدة على الحدود مع لبنان، كما تم اجلاء 23 الفا من مستوطنة كريات شمونة، وسيتم اخلاء 11 الفا آخرين من 14 مستوطنة. وقد اصبح مجموع المستوطنين النازحين 61 الفا مع احتمال ارتفاع هذا العدد في الايام المقبلة.
المواجهات الميدانية
وتجدد القصف بعد ظهر امس على الحدود الجنوبية، وبلغ قصف مدفعي اسرائيلي أطراف بلدة رميش، فيما افادت معلومات بأن 12 قذيفة أطلقها جيش العدو في اتجاه مركز الجدار للجيش اللبناني في خراج بلدة رميش، وقد أصيب المركز بقذيفة من دون اصابات وسقطت 11 قذيفة في محيطه. وسبق ذلك قصف مسيّرة إسرائيليّة لخراج بلدة كفرحمام بصاروخين، وقصفت مسيرة معادية بثلاثة صواريخ محيط بلدة كفرشوبا. كما قصفت مدفعية الاحتلال بلدات مركبا وبني حيان ومجدل سلم. واعلن حزب الله استهداف موقع المرج مقابل بلدة مركبا بالصواريخ الموجهة.
في هذا الوقت، اعلن جيش الاحتلال ان الدفاعات الجوية اعترضت مسيّرة من لبنان اخترقت من جهة البحر قبالة عكا. كما سجل سقوط صاروخ في مستوطنة كريات شمونة الواقعة قرب الحدود مع لبنان. وتحدث الاعلام الاسرائيلي عن اصابة مستوطنين اثنين بجروح جراء سقوط صاروخ على مستوطنة كريات شمونة. كما تعرض موقع لقوات الاحتلال لاطلاق صواريخ في مسكاف عام.
في هذا الوقت، نجحت فرق الصليب الأحمر بالتنسيق مع قوات «اليونيفيل»، في سحب 3 جثامين من مرتفعات حلتا بعد منتصف الليل، تعود إلى عنصرين من سرايا المقاومة هما علي كمال عبدالعال وحسين حسان عبدالعال من حاصبيا، كانا يحاولان سحب جثمان أحد عناصر المقاومة، قبل أن يستهدفهما القصف الإسرائيلي. واعلن الصليب الأحمر في بيان ان طواقم الصليب الأحمر اللبناني نقلت بعد ظهر امس من خراج بلدة كفرحمام إلى مستشفى مرجعيون الحكومي، جثمان شهيد و4 جرحى، تم استهدافهم بالقصف الإسرائيلي، وجرت هذه العملية بالتنسيق مع الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل.
من جهته، نعى حزب الله بعد ظهر امس الشهيد مصطفى حسين زعيتر من بلدة جلالا البقاعية، وعباس علي السوقية «علي الهادي» من بلدة عيناتا.
19 الف نازح في الجنوب
في غضون ذلك، اكدت «المنظمة الدولية للهجرة» التابعة للامم المتحدة ارتفاع عدد النازحين من المنطقة الحدودية في الجنوب إلى أكثر من 19 ألف شخص ، وأوردت المنظمة في تقرير أنها وثّقت نزوح 19,646 شخصاً «ضمن الجنوب وفي مناطق أخرى في البلاد»، مشيرةً إلى ازدياد في عدد النازحين يومياً منذ بدء الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب. وأوضحت المنظمة أن معظم النازحين التحقوا بأفراد من عائلاتهم، فيما لجأ آخرون إلى ثلاث مدارس تحوّلت إلى مراكز إيواء في مدينة صور الجنوبية.
الموقف الاميركي «الوقح»
وفي موقف يخالف كل المعايير الديبلوماسية، اعلنت السفيرة الأميركية دوروثي شيا، خلال احياء الذكرى الأربعين لتفجير مقرّ مشاة البحرية الأميركية في بيروت في 23 تشرين الأول 1983، ان بلادها ترفض، ويرفض الشعب اللبناني، تهديدات البعض بجرّ لبنان إلى حرب جديدة. وقالت «نحن مستمرون في نبذ أي محاولات لتشكيل مستقبل المنطقة من خلال الترهيب والعنف والإرهاب ، وأنا هنا أتحدث ليس فقط عن إيران وحزب الله، بل وأيضاً عن حماس وآخرين، الذين يصوّرون أنفسهم كذباً على أنهم «مقاومة» نبيلة، والذين ومن المؤكّد أنهم لا يمثلون تطلّعات أو قيم الشعب الفلسطيني، في حين أنهم يحاولون حرمان لبنان وشعبه من مستقبلهم المشرق»!
لا مقترحات لدى باسيل
في هذا الوقت، لم تحمل جولة بدأها امس رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل اي مبادرة واضحة لاخراج البلاد من حالة الاستعصاء السياسي، ولا اوهام رئاسيا، كما تقول اوساط مطلعة. فبعد قطيعة طويلة ومشادات سياسية، زار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في السراي، وجرى عرض للتطورات الراهنة، دون حصول اتفاق على عودة اللقاءات. وفيما يزور رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل ظهر اليوم، التقى باسيل رئيس الحزب «الاشتراكي» السابق النائب وليد جنبلاط في كليمنصو، وقال بعد اللقاء « وجدت الكثير من نقاط التفاهم مع جنبلاط، وحرصا على مواضيع أساسية، بينها تأييد قضية الشعب الفلسطيني وحق لبنان في الدفاع عن نفسه، وبذل كل الجهود لتجنيب لبنان واللبنانيين الحرب التي يهددونا بها، وألا يكون ثمة سبب لأن يحملنا أحد مسؤوليتها». من جهته، أشار جنبلاط إلى أن «القواسم المشتركة مع باسيل في طليعتها كيف نستطيع أن نوفر على البلاد اندلاع أو اتساع الحرب، وهذا يعني أن نكوناً معا صوتاً واحداً من أجل نصح بعض القوى ألا تتوسّع الحرب، لأن الحرب قد تندلع من جهتنا، وقد تندلع من جهة إسرائيل. من جهة إسرائيل، هذا ليس من شأننا، من جهتنا، علينا أن نضبط الأمور وذلك بالتشاور ونصح الأخوان في حزب الله أن تبقى قواعد الاشتباك كما هي». وتابع: «لاحظنا أن بعض التنظيمات المعنية تنتشر في الجنوب، نحن نريد أن يكون هذا الانتشار تحت وصاية حزب الله وإمرته، أما أن تنتشر وتجرنا إلى المجهول، فهذا أمر خطر جداً». وحذّر جنبلاط من أنها «قد تكون هذه المرحلة أخطر مرحلة من الحروب طوال حياتي السياسية، مصير لبنان على المحك»؟
ماذا عن قيادة الجيش؟
وقبيل اللقاء مع جنبلاط، اشارت مصادر «الاشتراكي» انه على باسيل عدم الخلط بين قائد الجيش ومصلحة المؤسسة العسكرية، وبالتالي القبول بتعيين رئيس للاركان تلافياً للشغور. ووفقا للمعلومات، ثمة صيغتان يعمل عليهما لتفادي الشغور في قياددة الجيش: الاولى اقتراح صيغة للتمديد لرئيس الأركان اللواء الركن أمين العرم واستدعاؤه من الاحتياط، بعد إحالة قائد الجيش على التقاعد وتلافيا للفراغ في رأس المؤسسة العسكرية. ووفقا للقانون من الممكن استدعاء اللواء العرم من الاحتياط في حال لم يمرّ 15 شهراً على تقاعده، وإعادة تعيينه رئيساً للأركان، ففي حال انتهت ولاية قائد الجيش، يحلّ رئيس الأركان مكان القائد. في المقابل يسوق نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بموافقة ضمنية من الرئيس نبيه بري لصيغة عرضها على وزير الدفاع موريس سليم وتقضي بالتمديد لقائد الجيش سنة واحدة؟ والحسم يبقى بيد باسيل الذي تجنب فتح الملف مع جنبلاط بالامس.
«معضلة» النزوح السوري
في هذا الوقت، اتفق وزيرا خارجية لبنان وسوريا عبد الله بو حبيب وفيصل المقداد في دمشق امس على الاستمرار في التنسيق لمتابعة عودة السوريين من لبنان وضبط الحدود وتبادل تسليم المطلوبين. وتدارس الجانبان، وفق بيان مشترك، معالجة التحديات المتصلة بأزمة النزوح السوري في لبنان»، وشددا على»أهمية التعاون المشترك لضمان العودة الكريمة للمهجّرين السوريين إلى وطنهم الأم، وضرورة تحمّل المجتمع الدولي والأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة مسؤولياتهم في المساعدة على تحقيق هذا الهدف. ووفقا لمصادر مطلعة، كان اللقاء ايجابيا لكن لا شيء ملموس حتى الان لكيفية ترجمة النيات الحسنة الى وقائع خصوصا ان مسألة عودة النازحين تحتاج الى تغيير جذري في موقف الدول الغربية التي تبدو معنية حتى اليوم بابقاء النازحين في لبنان، وهذا يعني ان «المعضلة» مستمرة ولا حل قريب.