كتبت صحيفة “النهار”: اليوم الموافق الأول من تشرين الثاني يصادف موعد ذكرى سنة كاملة على بدء الشغور في رئاسة الجمهورية وسط أجواء وتطورات وظروف تشد بلبنان الى الأسوأ مما مر به طوال سنة الفراغ الرئاسي هذه. عشية هذا اليوم ، بدت الازمة الرئاسية برمتها كأنها منسية ولا تعوضها تصريحات قليلة ومتفرقة لا تقدم ولا تؤخر في تبديل الصورة القاتمة الموغلة في الغموض حيال ازمة تمادت الى حدود ان صارت في مرتبة هامشية الان امام صعود مخيف لاولويات مواجهة شبح الحرب الذي يقض مضاجع اللبنانيين. لم تشهد “مؤسسات” الدولة والسلطة ولا مؤسسات السياسة أي محطة توقف امام مرور سنة على لبنان بلا رئيس، ولبنان بلا نظام دستوري سوي بالحد الأدنى، ولبنان بلا ناظم ولا ضابط ولا مايسترو فيما البلد يتخبط في اخطر وأسوأ ما عرفه من أزمات تكاد تتسبب بانحلال شمولي في كل قطاعاته. مرت وتمر ذكرى سنة على الفراغ الرئاسي وسط اشتداد غير مسبوق في الانسداد والانفصال والانقسام السياسي العمودي بما ينذر بان تكون سنة الفراغ لم تكف، وبان العداد العبثي للازمة الذي لم توقفه كل الجهود والوساطات الداخلية والخارجية، أيا كانت، لوضع حد للفراغ المتمادي، ماض في استهلاك مزيد من اعمار اللبنانيين والتسبب بمزيد من المأسي لهم، هذا في حال افتراض الاحتمال “الإيجابي” بان يمر كابوس الخوف من الحرب بسلام ، فكيف لو…؟
لذلك ، وامام الخواء السياسي المخزي الذي استقبلت فيه الذكرى السنوية “الأولى” للفراغ الرئاسي ، ومع غياب أي ردات فعل داخلية او خارجية يعتد بها بما يعكس تهميشا مقلقا للغاية للازمة الرئاسية سيرتد حتما بمزيد من العقم الطالع، بدا المشهد ساخرا جدا وسط انغماس الوسط النيابي والسياسي “بمراجعة” خطة الطوارئ الحكومية تحسبا لوقوع حرب ولو ان هذه الخطة مطلوبة بإلحاح شديد. ولكن الكثير من ملامح الهروب من مواجهة ما يطلب اللبنانيون ان يعرفوه عن مستقبل معالجة الازمة الرئاسية كما عن سبل ضمان عدم توريط او تورط او استدراج لبنان الى حرب ، ارتسم على مشهد الذكرى السنوية للشغور الرئاسي.
“خطة الطوارئ”
في تلك الوقائع عقدت اللجان النيابية المشتركة جلسة لدرس خطة الطوارئ الحكومية برئاسة نائب رئيس المجلس الياس بو صعب وحضور عدد من الوزراء وجمع كبير من النواب. ولعل التذكير بالازمة الرئاسية في ذكرى سنة من عمرها جاء على لسان النائب ملحم خلف الذي بادر الى طرح أن تتحول الجلسة إلى جلسة لإنتخاب رئيس للجمهورية مع وصول عدد النواب المشاركين في الجلسة إلى 86 نائباً وفقاً للمادتين 75 و76 من الدستور اللبناني والطلب إلى رئيس المجلس نبيه بري الحضور لتتحول الجلسة إلى جلسة انتخابية، فصفق له النواب. اما في المناقشات والمداخلات فاكد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل أن “لبنان ما زال يستطيع تجنب الانجرار الى الحرب عبر نشر الجيش اللبناني بشكل كامل على الحدود اللبنانية ومنع أي محاولة لجرّ لبنان الى حرب لا يريدها اللبنانيون” مطالباً بأن تتركز المناقشات في مجلس النواب حول كيفية تجنب الكارثة بدل معالجة تبعاتها. وطالب النائب ميشال معوض بتحويل الجلسة إلى “مناقشة كيفية حماية لبنان وليس مناقشة خطة لمواجهة الحرب”. كما لفت النائب مروان حمادة، إلى أنه “ليس لدينا اموال لتطبيق هذه الخطة، لذلك أتمنى أن نضع كل الجهد لانتخاب رئيس للجمهورية ولحماية لبنان من الدخول بحرب”.
واجمل بو صعب خلاصة الجلسة موضحا ان “النواب طرحوا اسئلة عن دور الحكومة ورئيسها في تحييد لبنان عن الحرب، وذلك يعني ان يتحدث المجتمع الدولي بوقف الحرب انما هذا الموضوع لا يعني لبنان فقط بل العدو الاسرائيلي ايضا. وتحدث الزملاء عن كيفية التضامن وان يبقى لبنان خارج الحرب المباشرة ومدى جهوزيتنا والخطة الموضوعة. وحكي عن القرار 1701” . وقال: “كان تأكيد أنه في حال فرضت الحرب علينا فلبنان سيكون موحدا. وتطرق النقاش الى كيفية عمل الوزارات وفق الخطة الموضوعة”. وبدا لافتا انتقاد بو صعب “لغياب وزير الدفاع فهو متغيب عن هذا العمل وهذا خطأ. أقول ذلك من باب الملاحظات كي نبقى متضامنين، ونأمل ان يؤخذ ذلك بالاعتبار وان نعمل فريقا واحدا في مواجهة احتمال العدوان الاسرائيلي. صحيح أننا لا نريد الحرب ولكن الحكومة ستلام اذا لم تضع خطة، ومن الجيد انها فكرت بها وهناك اجوبة ستقدم في اللجان”.
وفي موازاة ذلك كان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي يجتمع مع المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان عمران ريزا، ويبحث معه موضوع”خطة الطوارئ الوطنية” التي أعدتها”اللجنة الوطنية لتنسيق مواجهة مخاطر الكوارث والازمات الوطنية” بالتعاون مع المنظمات الدولية.
اما في المشهد السياسي فرفض حزب الكتائب “أن يكون مصير لبنان رهن كلمة أمين عام حزب مسلّح من هنا أو وزير خارجية دولة أخرى من هناك”، وحمل الحكومة ورئيسها “مسؤولية اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع إقحام لبنان في الحرب الدائرة والإيعاز للقوى الشرعية اللبنانية بوضع حدّ للدعوات إلى التسلّح ونشر السلاح وشرعنة إطلاق الصواريخ التي تقودها الفصائل المسلّحة والعمل فورًا على نشر الجيش اللبناني على كامل الحدود لحماية البلد تطبيقًا للقرار 1701 بالتنسيق مع قوات حفظ السلام” . كما طالب رئيس مجلس النواب “بالدعوة إلى جلسة لمناقشة خطة لبنانية تحصن لبنان وحق الدولة بقرار الحرب والسلم وتحميه من أي انزلاقة إلى كارثة محتّمة عوض الدعوة إلى جلسات فرعية تناقش لملمة ذيول حرب لم يقرّرها اللبنانيون ولن تحمل إلى الشعب اللبناني سوى المزيد من المآسي والانهيار”.
“القوات” والتمديد للقائد
ووسط هذه المناخات ، شكل تقديم ” تكتل الجمهورية القوية” باقتراح قانون للتمديد لرتبة عماد “بما يبعد اي خضات عن المؤسسة العسكرية في هذا الظرف الدقيق” مفاجأة حملت دلالاتها لجهة توفير التغطية المسيحية للتمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون والالتفاف حول محاولة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الحؤول دون هذا التمديد. وجاءت خطوة “القوات اللبنانية” هذه غداة اعلان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي سابقا وليد جنبلاط ان “حزب الله” أيضا يمانع في التمديد لقائد الجيش مسايرة لباسيل. في المقابل أكد النائب جورج عدوان لدى إعلانه عن اقتراح التمديد ان “المصلحة الوطنية تقتضي التصرف بشكل استثنائي لذا تقدم تكتل “الجمهورية القوية” باقتراح قانون يمدّد لرتبة عماد لاتاحة استمرار قيادة الجيش لأن أي اختلال في المؤسسة العسكرية يهدد أمن لبنان القومي”. وأوضح ان “اقتراحنا مساره الهيئة العامة مباشرةً في جلسة ببند وحيد لحفظ المصلحة الوطنية العليا ونتمنى أن تتم الدعوة الى جلسة في الأيّام المقبلة على أبعد تقدير للتصويت على الاقتراح”.
وسرعان ما برز موقف سلبي لرئيس مجلس النواب نبيه بري من مشروع “القوات” عكسته اوساطه اذ نقلت عنه انه “لا يمشي a la carte وانه يتساءل لماذا استفاقت القوات الان على التشريع بعدما رفضته سابقا ولماذا تطرح التمديد لقائد الجيش ولم تطرحه في حالة حاكم مصرف لبنان والمدير العام للامن العام ” مستبعدا ان يمر هذا المشروع.
الوضع الميداني
على صعيد الجبهة الميدانية جنوبا، احتدمت المواجهات بعد الظهر بعدما ساد الهدوء النسبي صباحا. وتعرضت أطراف بلدتي راميا وعيتا الشعب، لسقوط عدد من القذائف الفوسفورية مصدرها المواقع الاسرائيلية الحدودية. ثم قصف الجيش الاسرائيلي اطراف بلدة بليدا، قبل ان يعلن “حزب الله” ظهرا انه “تم اكتشاف كمين لقوة اسرائيلية متموضعة على تلة الخزان في محيط موقع العاصي، فقامت مجموعة الشهيد الاستشهادي حسين منصور باستهدافها بالصواريخ الموجهة ما ادى الى تحقيق اصابات مباشرة فيها وسقوط جميع أفرادها بين قتيل وجريح”. كما اعلن “حزب الله” استهدافه موقع المرج الإسرائيلي في وادي هونين مقابل بلدة مركبا بالصواريخ الموجهة. واستهدف ايضا دبابة ميركافا بالصواريخ الموجهة لدى تحركها في محيط ثكنة برانيت “ما أدى الى تدميرها وسقوط طاقمها بين قتيل وجريح”. وقرابة الثانية، تجدد القصف الاسرائيلي على محيط بلدة مروحين وترافق مع اطلاق قذائف حارقة على أحراج بلدة علما الشعب. كما تعرضت منطقة وادي العليق الواقعة ما يين بلدتي مروحين والبستان لقصف بالقذائف الفوسفورية والحارقة. واطلقت مسيرات إسرائيلية أربعة صواريخ على حديقة ايران في مارون الراس. وقصف الجيش الاسرائيلي مركبا وحولا رداً على قصف “حزب الله” مستوطنة حفات جلعاد.
ووزّع الإعلام الحربي في “حزب الله” مساء رسماً يُبيّن حصيلة العمليات العسكرية ضدّ المواقع الإسرائيلية الحدودية في جنوب لبنان منذ 8 تشرين الأول وحتى البارحة . وتُظهر الأرقام أنّ العمليات قُبالة الحدود الجنوبية أسفرت عن مقتل وجرح 120 جنديّاً إسرائيليّاً وتدمير 9 دبابات وإسقاط مسيّرة إسرائيلية. كما أعلن “حزب الله” عن تنفيذ 105 هجمات منذ طالت منظومات استخبارات واتصالات وأنظمة تشويش و33 راداراً.
الوسومالنهار