كتبت صحيفة “النهار”: دخل الفراغ الرئاسي في لبنان امس سنته الثانية وسط مشهد سياسي هو الأشد تخبطا منذ بدء الازمة الرئاسية، ومشهد امني شديد التوجس حيال “حالة الحرب” التي تعيشها الجبهة الجنوبية منذ الثامن من تشرين الأول المنصرم، ومشهد اقتصادي واجتماعي يراوح بشدة بين الخشية من تفلت الضوابط المالية التي سادت في الأشهر الأخيرة والشلل الزاحف باطراد على سائر القطاعات الإنتاجية والسياحية في ظل تعاظم التحذيرات من انزلاق لبنان الى حرب جديدة مع إسرائيل.
واذا كان استقراء مسار التطورات المرتبطة بالواقع الميداني على الجبهة الحدودية بين لبنان وإسرائيل يرتبط الى حد بعيد بالكلمة التي سيلقيها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في الثالثة من بعد ظهر غد الجمعة، فان اكثر ما استرعى المراقبين الحملة الإعلامية الدعائية التي انطلقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويظهر فيها نصرالله باوضاع مختلفة خاطفة وهو يراجع الرسالة التي اعدها للالقاء غدا. اذ ان هذه الخطوة “النادرة” عكست اتجاها واضحا لدى “حزب الله” لتعميم الانطباعات في الداخل والخارج ورسائل في كل الاتجاهات، بان الرسالة ستكون حدثا مدويا بذاته في تقرير وتحديد ورسم المسار المقبل للمواجهة الجارية بين “حزب الله” وبعض الفصائل الحليفة له وإسرائيل عند الحدود الجنوبية.
وفي سياق متصل بالواقع الناشئ في الجنوب اتخذت الجولة التفقدية التي قام بها السفير البابوي في لبنان المونسنيور بابلو بورجيا على القرى الحدودية في بنت جبيل ودبل، ورميش، و عين إبل دلالات بارزة اذ تفقد الاهالي هناك واطلع على أوضاعهم وحاجاتهم ورافقه في الجولة رئيس “المؤسسة المارونية للانتشار” رئيس جمعية “سوليدارتي” شارل الحاج. كما تفقد الوفد المستشفى الميداني في رميش وقدم مساعدات غذائية للاهالي الصامدين في البلدة.
ولعله من باب الغرابة المطلقة وسط هذه الأجواء، وبالتزامن مع مرور سنة على الفراغ الرئاسي، ان الاحتمالات الخطرة التي تحدق بالبلد لم تأخذ “الجهد” الموازي نفسه لمعركة سياسية ناشئة شقت طريقها بسرعة في الساعات الأخيرة من خلال “تنسيق” عاجل بين مكونات الحكومة وعلى رأسها الفريق الذي يقاطع جلسات مجلس الوزراء أي “التيار الوطني الحر” لاسقاط محاولة كتلة “القوات اللبنانية” التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون. ويبدو وفق المعطيات الماثلة ان “توافقا” نادرا وسريعا سيكتمل لمنع هذا التمديد على قاعدة “مسايرة” “التيار الوطني الحر” في مقابل موافقة الأخير على تعيين رئيس للاركان في الجيش. وبذلك، وفي حال مضت الأمور في اتجاه اسقاط التمديد لقائد الجيش سيكون ذلك بمثابة “إزاحة” للمرشح الرئاسي “الثالث” الأكثر حظا من طريق منافسيه الأساسيين، وتاليا تحقيق مكسب أساسي لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل طبعا اذا سقط التمديد لعون بالضربة القاضية بالتوافق بين باسيل والثنائي الشيعي والحزب التقدمي الاشتراكي و”تيار المردة” وبقية مكونات الحكومة.
مقارنة…
في أي حال اثار كلام رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في مجلس الوزراء امس عن مقارنة “إيجابية ” بين ما كانت عليه الأوضاع قبل سنة وما هي عليه اليوم، استغرابا لدى أوساط معارضة رأت في هذا التقويم “ما يقلل من خطورة الفراغ الرئاسي ويمنح حكومة تصريف الاعمال شهادة حسن سلوك لا تستحقها فيما الواقع، في نظر هذه الأوساط، ان ما ينطبق على نهاية العهد العوني قبل سنة لم يختلف في شيء عما ساد بعده طوال سنة الفراغ تحت سيطرة حكم الفريق الممانع”. وكان الرئيس ميقاتي اعتبر في جلسة مجلس الوزراء امس “ان مقارنة الوضع بين اليوم والتاريخ ذاته من العام الفائت، عند حصول الشغور الرئاسي، يوجب علينا ان نقول بأنه افضل بكثير مما كان عليه رغم كل المهاترات والحملات التي تشن. وهذا الجهد مرده الى عمل جميع الوزراء في وزاراتهم للحفاظ على كيان الدولة ومؤسساتها. وحتى على الصعيد الاقتصادي فالقاصي والداني يشهد على الجهد الكبير المبذول”. اما في موضوع الحرب فرأى “ان هناك سباقا بين وقف اطلاق النار وتفلت الأمور” معتبرا ان “وقف اطلاق النار (في غزة) لفترة خمسة ايام امر ضروري تحت عنوان انساني، وخلال هذه الفترة تكون الاتصالات الدولية ناشطة من اجل اتمام عملية تبادل الاسرى لارساء هدنة دائمة من أجل الاتفاق على الخطوط المطلوبة لاحلال السلام في المنطقة”. واكد ان” لبنان موجود في كل الاتصالات الديبلوماسية التي تجري، وفي سياق هذه الاتصالات زرت دولة قطر للاطلاع على آخر الاتصالات وامكان الوصول الى وقف اطلاق النار، وبعدها يمكن البدء بالمساعي الأخرى”.
وقال: “كفانا حروبا في لبنان، فنحن مع خيار السلام. أما قرار الحرب اليوم فهو في يد إسرائيل.. هذه الحكومة تقوم بعملها دستوريًا وتحرص على ابقاء لبنان حاضرًا في المحافل الدولية ليقول كلمته ويدافع عن حقوقه ويرفع الصوت. وفي الفترة القليلة المقبلة ساستكمل جولتي العربية.الوقت للانقاذ، والتضامن الوطني ضروري. الاخطار الكيانية تحوط بنا وبالمنطقة، وواجبنا ان نلتقي ونتحاور ونفكر معاً للوصول الى حل وطني”.
ملف التمديد
اما في موضوع قيادة الجيش فشددت الهيئة السياسية في “التيار الوطني الحر” إثر إجتماعها برئاسة باسيل على “مبدأ التيار رفض أي تمديد لأي مسؤول تنتهي ولاية خدمته”. وقالت في رد على طرح “القوات اللبنانية ” ان “هذا مبدأ يتبعه التيار منذ انخراطه في الحياة السياسية. امّا من يخرج عن مبادئه كتقديم اقتراح قانون للتمديد لشخص، بحجّة الخوف على الفراغ في وقت تتوفر فيه وسائل اخرى قانونية لمنع هذا الفراغ، ويكسر مبدأ رفضه لتشريع الضرورة، لا لسبب الاّ للنكايات السياسية والمصالح الخاصة، فهذا شأنه ويبقى على الرأي العام ان يحكم على تقلباته وادائه”.
غير ان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، نفى ان تكون “القوات” قد تخلت عن موقفها المبدئي برفض التشريع في ظل الشغور الرئاسي من خلال اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي الى تعديل سن التسريح من الخدمة العائد لرتبة عماد في الجيش الذي قدمه تكتل الجمهورية القوية، مشددا على “ان موقفنا مبدئي بان المجلس النيابي هو راهنا هيئة ناخبة تجتمع فقط من اجل انتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي لا يجوز التشريع قبل انجاز الانتخابات الرئاسية”. وقال:” لكن الجلسة التي ندعو اليها ليست جلسة تشريعية بالمعنى التقليدي او العادي، بل لها علاقة بالامن القومي ومصير البلد والناس ككل، لافتا الى ان الشرق الاوسط على صفيح ساخن، ولبنان من اكثر النقاط المعرضة للمخاطر، وبالتالي في مرحلة على هذا المستوى من الخطورة هل يجوز ان نلعب في وضعية الجيش وهو من المؤسسات القليلة جدا التي ما زالت واقفة على رجليها وتقوم بمهامها”.
الوضع جنوباً
على الصعيد الميداني توترت الاوضاع على الحدود الجنوبية بعد ظهرامس واستهدف “حزب الله” موقعين للجيش الإسرائيلي في المالكية والبياض مقابل عيترون وبليدا فرد الجيش الاسرائيلي بقصف أطراف البلدتين بالقذائف الفوسفورية والانشطارية. واعلن الاعلام الإسرائيلي إطلاق صاروخ مضاد للدروع على جبال “راميم” في الجليل الأعلى رد عليه الجيش الإسرائيلي بنيران المدفعية. وتوسّع القصف المدفعي الإسرائيلي إلى خراج بيت ليف وقصف على أطراف بلدتي رامية وعيتا الشعب. كما انفجر عدد من الألغام في منطقة بئر شعيب في أطراف بلدة بليدا بسبب إندلاع النيران في المنطقة جراء قصفها بقذائف ضوئية من الجيش الاسرائيلي. واعلن “حزب الله”استهداف بياض بليدا كما مقر قيادة كتيبة زرعيت المستحدثة وتجمع آلياته وقواته في خلة وردة.