كتبت صحيفة “البناء”: بينما تتواصل الاتصالات المكثفة حول تفاصيل هدنة إنسانية تحدّث الأميركيون عن قرب التوصل لإعلانها وتمتد لثلاثة أيام، تقول مصادر متابعة لملف التفاوض إن ثلاثة ملفات تؤخر الاتفاق على بنودها، الأول هو السعي الأميركي لربط الهدنة بالإفراج عن رهائن بينهم مَن يحملون جنسية كيان الاحتلال من غير مزدوجي الجنسية لحاجة رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو أن يظهر لأهالي الرهائن نجاحه بحل جزئي لملفهم ربطاً بموافقته على الهدنة الإنسانية، كما سبق ووعدهم؛ بينما تشترط حركة حماس في غير مزدوجي الجنسية عملية تبادل يخرج بموجبها عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، طالما أن البحث عن صفقة جزئية، مقترحة تبادل النساء والأطفال وكبار السن والمرضى من الطرفين، وهو ما يعتبره نتنياهو دخولاً في مسار التبادل الذي طلبته حماس منذ البداية، بينما قامت حكومة الكيان بوضع سقف مرتفع هو إطلاق الرهائن دون مقابل.
العقدة الثانية هي حاجة نتنياهو لصورة نصر يقدّمها للرأي العام مع إعلان الهدنة، خصوصاً أن هناك شكوكاً كبيرة بالقدرة على العودة الى الحرب بعد الهدنة، مع عدد قتلى جيش الاحتلال الذي ستكشفه الهدنة بإجبار الحكومة إبلاغ الأهالي بمصير أبنائهم، ويبدو أن الوضع الميداني لا يساعد نتنياهو على التقاط هذه الصورة، حيث المقاومة تثبت سيطرتها على الميدان وتواصل مواجهاتها النوعية من مسافات الالتحام القريبة فتحرق الدبابات وتصيب الضباط والجنود بين قتيل وجريح.
قوات القسام أعلنت أن مقاتليها يخوضون معارك ضارية مع قوات الاحتلال في كل جبهات الاشتباك، معلنة جردة أولية بخسائر الاحتلال خلال أسبوع المواجهة البرية بتدمير 136 دبابة وناقلة جند وشاحنة وجرافة، بينما كانت الجبهات المساندة تقدّم المزيد من الوقائع المبشّرة. ففي العراق أعلنت المقاومة العراقية استهداف القواعد الأميركية في العراق وسورية بالصواريخ وشوهدت الحرائق تشتعل في هذه القواعد، بينما كان أنصار الله في اليمن يعلنون إسقاط مسيرة أميركية موجهة نحو اليمن، وكان البنتاغون يعترف بسقوط الطائرة بنيران أنصار الله فوق البحر الأحمر، بينما كانت المقاومة العراقية تعلن ضرب عدد من القواعد الأميركية في سورية والعراق.
بانتظار إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله السبت المقبل، والتي ستكون الثانية منذ بدء الحرب على غزة، وفيما تحقق المقاومة الفلسطينية المزيد من الإنجازات الميدانية في صد العدوان الإسرائيلي البري على قطاع غزة مكبدة جيش الاحتلال خسائر فادحة في صفوف الجيش وآلياته العسكرية، حافظت الجبهة الجنوبية على وتيرة التصعيد بين المقاومة الإسلامية في لبنان وقوات الاحتلال الإسرائيلي التي تعمدت استهداف المدنيين وسيارات الإسعاف رداً على العمليات النوعية التي تنفذها المقاومة في مواقع بعمق فلسطين المحتلة.
وأكدت مصادر مطلعة على الوضع الميداني لـ«البناء» أن المقاومة مستمرة في عملياتها العسكرية ضد كافة مواقع الاحتلال على طول الجبهة من الناقورة الى مزارع شبعا ومرتفعات جبل الشيخ طالما الحرب على غزة مستمرة وستبقى المقاومة على هذه الوتيرة من العمليات وستتوسّع تدريجياً كلما طالت الحرب على غزة»، مشيرة الى أن «العدو الإسرائيلي باستهدافه المدنيين يوسع قواعد الاشتباك ويدفع المقاومة الى إطلاق صواريخ الى عمق الأراضي المحتلة»، موضحة أن «المقاومة تسيطر على الوضع الميداني وعلى أتم الاستعداد ولديها كامل الإمكانات والمقومات والكثير من أوراق القوة والتكتيكات العسكرية التي تمكنها من إشغال كامل جيش الاحتلال المنتشر على الجبهة الشمالية وتكبيده خسائر فادحة». كما شددت المصادر على أن «المقاومة مستعدّة لجميع الاحتمالات والفرضيات منها توسيع الحرب إذا فرضت على لبنان»، مضيفة أن المقاومة قادرة على الرد بقسوة على استهداف المدنيين اللبنانيين بقصف أهداف مدنية في المستوطنات الإسرائيلية ما بعد عكا ونهاريا وحيفا والمقاومة لديها بنك أهداف عسكرية ومدنية وحيوية كبيرة جداً في إسرائيل».
ورأت المصادر أن «إطلاق صواريخ أمس الأول من سورية على الجولان السوري المحتل هو رسالة على العدو تلقفها بأن جبهة الجولان قد تشتعل بأي لحظة»، وتوعّدت المصادر العدو بأن المقاومة أعدّت مفاجآت ميدانية ما يمكنها من إدخال الرعب الى جنود الاحتلال ومستوطني الشمال وكل «إسرائيل»». ورأت المصادر أن كيان الاحتلال سيكون بعد نهاية الحرب أمام إشكالية كبيرة وهي إعادة مستوطني الشمال الذين هاجروا وسط مخاوف لدى المستوطنين بأن ينفذ السيد نصرالله تهديداته ويرسل مقاتلي حزب الله الى الجليل ويتكرر سيناريو 7 تشرين الماضي بعدما فقد المستوطنون الثقة بجيش الاحتلال غير القادر على حمايتهم.
ونقلت مصادر ميدانية لـ«البناء» أن الحركة على عمق 5 كلم معدومة حتى للدوريات الإسرائيلية العسكرية، فيما الحركة على عمق أكثر من 5 كلم شبه معدومة أيضاً، ما يعكس حالة الخوف الكبيرة لدى المستوطنين وجنود الاحتلال معاً.
وفي سياق ذلك، أشارت صحيفة «هآرتس» في تقرير لها الى أن «الإسرائيليين غادروا بلداتهم الواقعة عند الحدود اللبنانية ولجأوا إلى وسط «إسرائيل» في اليوم الأول للحرب على غزة، ومباشرة بعد تردّد الأنباء عن الهجوم المفاجئ والواسع لمقاتلي حركة حماس في «غلاف غزة» في الجنوب»، ما يدل على «أزمة ثقة شديدة بين الجيش والسكان الذين أؤتمن بالدفاع عنهم».
ولفتت الصحيفة في تقريرها إلى أن «جولة في الشمال المهجور تكشف عن أن أزمة الثقة بين الجيش الإسرائيلي ومواطني «إسرائيل» لم تتوقف في الجنوب، والكثير من سكان الشمال قرروا مغادرة بيوتهم والرحيل باتجاه وسط البلاد، بالرغم من عدم تلقيهم تعليمات واضحة بهذا الخصوص».
وأضافت: «الأزقة الخالية في البلدات، الشوارع الخالية، المتاجر المغلقة والدبابات في شوارع المدن والشوارع المركزية تدل على شدة استهداف الشعور بالأمن لدى الكثيرين من سكان الشمال».
وينظر سكان البلدات الحدودية في شمال «إسرائيل» بحسب الصحيفة، إلى هجوم حماس في جنوب «إسرائيل» على أنه «تحقيقٌ للكوابيس التي خافوا منها طوال سنين. والخوف من سيناريو مشابه في بيوتهم دفع الكثيرين منهم إلى المغادرة منذ اليوم الأول للحرب».
ونقلت الصحيفة عن أحد المستوطنين قوله إنه متأكد من وجود أنفاق حفرها حزب الله وتمتدّ إلى «بلدات إسرائيلية». وأضاف: «لا أعتقد أنهم في الجيش يكذبون علينا، وإنما ببساطة هم لا يعرفون كل شيء. وتخوّفنا هو أن أحداً ما في الجيش الإسرائيلي لم يدرك أنهم لا يعرفون كل شيء».
وتختم الصحيفة التقرير بالقول: «من يريد إعادة توطين الشمال والجنوب ينبغي أن يدرك أن التوقع هو القضاء على التهديد الموجود أمام بيت كل واحد منا. وهذا يعني حرب حتى النهاية. وأي حل آخر لا يهم السكان الذين يشاهدون حزب الله من الشرفة».
ومساء أمس أفادت وسائل إعلام إسرائيلية عن تفعيل الدفاعات الجوية بعد رصد طائرة بدون طيارة فوق الجليل الأعلى اخترقت الأجواء من لبنان.
وفي وقت لاحق، زعمت قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية بأنه «تم اعتراض الطائرة التي قامت بتفعيل حالة التأهب في الجليل الأعلى».
وسجلت المقاومة أمس، سلسلة عمليات نوعية ضد مواقع الاحتلال، وأعلن حزب الله استهداف «بالأسلحة المناسبة قوة مشاة صهيونية في محيط قاعدة شوميرا وأوقع فيها إصابات مؤكدة». وقالت المقاومة الإسلامية في بيان: «ردًا على العدوان الصهيوني الآثم الذي استهدف سيارة إسعاف تابعة لكشافة الرسالة الإسلامية هاجم مجاهدو المقاومة الإسلامية بالأسلحة المباشرة قوة مشاة إسرائيلية قرب ثكنة دوفيف وأوقعوا فيها إصابات مؤكدة بين قتيل وجريح».
وقصفت المقاومة هدفًا عسكريًا إسرائيليًا عند حدود بلدة الضهيرة في القطاع الغربي.
وأقرّ الناطق العسكري الإسرائيلي بإصابة جنديين في إطلاق صاروخ مضاد للدروع على منطقة دوفيف قرب الحدود مع لبنان.
في المقابل استمرّ العدوان الإسرائيلي على القرى والبلدات الحدودية، وأطلقت مدفعية جيش الاحتلال ثلاث قذائف على أحراج السنديان في المنطقة الواقعة بين بليدة ومزرعة حلتا والسلامية في قضاء حاصبيا. كما تعرضت أطراف الناقورة ومنطقة اللبونة لقصف مدفعي إسرائيلي. وسقطت ٣ صواريخ في زرعيت وشتولا وسجل قصف مدفعي إسرائيلي طال خراج بلدة رميش.
وأفيد عن استهداف منزل وسط بلدة حولا بقذيفتين في وقت سقطت قذيفة في وسط البلدة من دون أن تنفجر كما سقطت قذائف بجانب الملعب لكن لم يسجل وقوع إصابات بل اندلاع حرائق. وسقطت قذائف مدفعيّة وقنابل مضيئة على أطراف بلدة راشيا الفخار – العرقوب وعلى أحراج بلدة حلتا وخراج بلدة كفرشوبا وسط تحليق لطيران الاستطلاع الإسرائيلي. وتعرضت بلدتا ميس الجبل وبليدا لقصف معادٍ عنيف. كما قصفت قوات الاحتلال بالقذائف الفوسفورية أطراف بلدة عيتا الشعب. وأطلقت قنابل مضيئة فوق كفرشوبا بغية حرق الأراضي الزراعية، وقصفت حلتا وبسطرة.
وأشار نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم إلى أن «حركة حماس والفصائل الفلسطينية هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، فكل الشعب الفلسطيني مقاوم، وكل الأعمال لإيجاد شرخ بين الناس والمقاومة من خلال القتل والمجازر والتدمير سينقلب على الكيان الإسرائيلي».
ولفت الى أن «أميركا هي التي تدير العدوان على غزة، وكل الجرائم التي تحصل هي جرائم أميركية إسرائيلية، وأميركا تتحمل مسؤولية كل ما يحصل». وقال: «من يريد عدم توسعة الحرب عليه أن يوقف الحرب. استمرار هذه الحرب يحمل تداعيات لا يعلم أحد ماذا سيكون المستقبل وهل يمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة في منطقتنا أم لا». مضيفاً: «إذا أردتم أن تقاتلوا المقاومين في مواجهتكم قاتلوهم، أما أن تعتدوا على المدنيين، فهذا له حساب مختلف، وستدفعون ثمنه من المدنيين لديكم لأنكم لا تفهمون إلَّا بهذه الطريقة».
وشدّد قاسم على أنه «لا يمكن لـ«إسرائيل» أن تنتصر في عدوانها لأنَّها تواجه شعباً، وليس بإمكانها أن تأخذ بالسياسة ما لم تأخذه بالحرب»، معتبراً أن «الحل هو بإيقاف العدوان وإطلاق المعتقلين ووضع حدٍّ للكيان الغاصب، والمقاومة ستبقى ما دامت هناك أرض محتلة».
على المستوى الرسمي، التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري، في عين التينة، سفير فرنسا في لبنان هيرفي ماغرو حيث تناول البحث الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة على ضوء تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والقرى الحدودية اللبنانية. وشدّد السفير الفرنسي خلال اللقاء على أهمية تجنب لبنان توسّع رقعة الصراع في المنطقة.
الى ذلك، أشارت أوساط سياسية في فريق المقاومة لـ«البناء» إلى أن «كل الوساطات والموفدين الأميركيين والأوروبيين وآخرهم آموس هوكشتاين لن تنجح بثني المقاومة على وقف العمليات العسكرية وتهدئة الجبهة الجنوبية لمساندة المقاومة في غزة»، مشيرة الى أن المسؤولين اللبنانيين أسمعوا الموفد الأميركي ما هو مناسب بأن الإشكالية ليست في الجبهة الجنوبية بل في العدوان الإسرائيلي على غزة، وأي تهدئة للجبهة الجنوبية لن يحصل قبل وقف العدوان على غزة وإطلاق مسار التفاوض غير المباشر على تبادل الأسرى وفك الحصار».
على الصعيد الحكومي، علمت «البناء» أن الحكومة والمسؤولين في الدولة يتصرفون على أساس أسوأ السيناريوات، ومنها توسّع الحرب وتمددها الى أغلب لبنان، أو ذهاب حكومة الحرب المجنونة في «إسرائيل» الى عدوان عسكري شامل على لبنان لنقل المعركة من غزة الى لبنان وتوريط الأميركيين فيها، ولذلك تسعى الدوائر الحكومة والوزارات بالتعاون مع البلديات والجمعيات الأهلية ومنظمات دولية إنسانية الى إجراء الاستعدادات المناسبة لمواجهة تداعيات أي حرب مقبلة وتوفير مقوّمات الصمود من مواد غذائية أساسية وقمح ومياه ووقود ومواد طبية ومستشفيات وخطة لنقل المواطنين إلى أماكن آمنة وإيواء النازحين».
وفي سياق ذلك، ترأس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اجتماعًا للجنة الوزارية للأمن الغذائي، حيث طمأن وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام بعد الاجتماع بأن «موضوع استيراد القمح يسير على الطريق الصحيح، والتمويل موجود بالتنسيق مع البنك الدولي، ولا وجود لأي أزمة تتعلق بموضوع كميات القمح والطحين الموجودة خلال هذه الفترة».
وكشف أنّه تم التأكيد لميقاتي بـ»أننا اتخذنا إجراءات استباقية باستيراد كميّات أكبر بشكل سريع جدًا، وطلبنا تعاون كافة الوزارات المعنية بإنهاء المعاملات لاستيراد ما يقارب نحو ستين الف طن ليكون لدينا مخزون يكفي نحو اربعة أشهر في حال حصول اي امر طارئ، لا سمح الله».
أفاد بأنّ «الجو كان إيجابيًا وهناك تطمينات من المستوردين تفيد بأن هناك بضاعة تكفي لثلاثة اشهر، وهناك بضاعة سترد تكفي لأربعة اشهر مقبلة على أساس حصول تننسيق كامل بين الوزارات المعنية لإدخال البضائع وايصالها الى الأسواق اللبنانية».
بدوره، أشار وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حمية في تصريح له عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الى ان «الاجتماع الوزاري الموسّع غداً الخميس (اليوم) في مرفأ بيروت بمشاركة وزراء الزراعة والاقتصاد والتجارة والصناعة، مع كافة الإدارات ومدراء المرافئ والجهات المعنية فيها، يأتي للبحث في عملية تخزين البضائع لديها، ومعدل الأيام المطلوبة لإتمام عملية الكشف والتسليم لكل جهة بعينها، وذلك لضمان متابعتها في اتخاذها لكافة الإجراءات المسهلة والمسرعة لهذه العملية ذات الأبعاد الوطنية والاستراتيجية والاجتماعية».