كتبت صحيفة “الديار”: يواكب حزب الله مجريات الحرب الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني في غزة ميدانيا عبر رفع منسوب استهدافاته النوعية لمواقع قوات الاحتلال التي تعرض بعضها بالامس لهجمات مركزة غير مسبوقة بغزارة النيران. هذا التصعيد المتدحرج ومداه، وكيفية التعامل مع المستجدات سياسيا وعسكريا سيكون محور الكلمة المرتقبة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله غدا، تزامنا مع قمة عربية تبدو دون «انياب» جدية لوقف الهمجية الاسرائيلية، حيث تغيب اي ارادة لاتخاذ اجراءات عملية لوقف الحرب وفرض صيغة سياسية مقبولة ومنصفة للفلسطينيين بعدها. في هذا الوقت لا تزال واشنطن واسرائيل تناوران في مسألة الهدن الانسانية التي تبدو مجرد «خديعة» لامتصاص نقمة الراي العام على الارتكابات الاسرائيلية، وشراء للوقت كي يحقق جيش الاحتلال انجازا ميدانيا غائبا حتى الساعة. وامام هذه المعضلة لا تزال المخاوف مرتفعة من حصول انزلاق الى مواجهة مفتوحة على الحدود الجنوبية نتيجة اي «خطا» قد يكون غير مقصود، كما يحذر الاميركيون، او نتيجة قرار اسرائيلي بارضاء الاصوات المتطرفة داخل الحكومة التي تدفع باتجاه ضرب حزب الله، وهو ما عبر عنه بالامس وزير الحرب الاسرائيلي يوآف غالانت الذي اعلن ان اسرائيل مصممة على حماية الحدود، وقال إذا ارتكب نصرالله خطأ فسيتحمّل «حزب الله» ولبنان نتائجه. ووفقا لمعلومات «الديار» فقد وصلت تحذيرات دبلوماسية غربية الى المسؤولين اللبنانيين من احتمال بقاء حرب غزة الى امد طويل، ولكن باشكال اخرى، حيث تقوم الخطط الاسرائيلية على اعتماد الارض المحروقة لعدم السماح لسكان غزة من العودة الى منازلهم، ووقف اطلاق النار لن يحصل مع استمرار الجيش الاسرائيلي بعمليات منتقاة، وكان السؤال الجوهري ماذا سيفعل حزب الله؟ وهل ستبقى جبهة الجنوب مفتوحة؟ ام سنعود الى قواعد الاشتباك السابقة؟ كلها اسئلة بقيت دون اجوبة، فيما تبدو واشنطن مصرة على الحصول على تطمينات للجانب الاسرائيلي الذي لا يملك ما يقوله لمستوطني الشمال. داخليا، اجبر تحرك شعبي غاضب من سياسة الادارة الاميركية السفيرة دوروثي شيا على الغاء زيارة كانت مقررة بالامس الى دار الفتوى، وفيما لا يزال القلق من الشغور في قيادة الجيش مدار تحركات واتصالات لم تصل بعد الى صيغة نهائية للحل، برز سياسيا تحرك بعيد عن الاضواء للمدير السابق للامن العام اللواء عباس ابراهيم لاعادة احياء الملف الرئاسي، بالتنسيق مع قطر، بدأه بلقاء مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على ان يستتبع بجولة تشمل العديد من القيادات السياسية.
ماذا عن جبهة الجنوب؟
فمع تصاعد العمليات العسكرية جنوبا، اشارت المعلومات الى ان التحذيرات الدبلوماسية الغربية تقوم على افتراض بان الحرب غير قريبة من نهايتها في غزة، وقد تمتد إلى استنزاف طويل ودموي، لان اسرائيل تعمل على بقاء غزة مدمرة وخالية من معظم سكانها، بحجة عدم عودة حركة حماس الى حكم القطاع، فطرد السكان الفلسطينيين وتحويل بيوتهم إلى أكوام من الركام وتقييد دخول الوقود إلى القطاع، كانت الخطوة الكاسرة للتوازن التي استخدمتها إسرائيل في المواجهة الحالية، خلافاً لكل جولات القتال السابقة. وحتى لو أعلن في القريب عن وقف معين لإطلاق النار بضغط من واشنطن، فلن تسارع إسرائيل إلى الانسحاب وتسمح بعودة السكان إلى شمال القطاع. لأنهم إذا عادوا، إلى أين سيعودون؟ لا بيوت لهم أو شوارع أو مؤسسات تعليم أو محلات تجارية أو بنى تحتية لمدينة حديثة. وبحسب الاوساط الدبلوماسية، لن توافق اسرائيل على الانسحاب وإعادة السكان والسماح بإعادة إعمار المدينة اذا لم يتم التوصل الى صيغة لادارة سياسية جديدة لقطاع غزة، دون حماس، اي ان الصور القاسية ستبقى على حالها ،وستحاول اسرائيل بمساعدة واشنطن حل ملف الاسرى والرهائن وقد يتغير شكل العملية العسكرية لامتصاص الضغط الدولي، لكن في النتيجة سيبقى على القطاع مدمرا دون السماح لاهله بالعودة او الاستقرار مع الابقاء على ضربات انتقائية، وهذا يطرح السؤال الكبير، ماذا عن جبهة الجنوب؟ وهل ستبقى مفتوحة الى امد طويل؟ وكيف سيتكيف حزب الله مع الاستراتيجية الاسرائيلية الجديدة اذا ما اصبحت امرا واقعا؟ طبعا هذا السيناريو يعمل الاميركيون على تسويقه ويريدون الحصول على ضمانات، لن يحصلوا عليها، بحسب مصادر مقربة من حزب الله، حول طبيعة تصرفه في المرحلة المقبلة اذا ما تحولت المواجهة الى حرب استنزاف طويلة!
«معضلة» الجبهة الشمالية
وفي هذا السياق، اشارت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية الى ان الكابينت والجيش لا يزالان يرسمان سلم الأولويات للحرب قطاع غزة اولا حيث الجيش هناك في حالة هجوم. اما الجبهة الشمالية وعلى الرغم من هجمات حزب الله المتزايدة، وهو الخصم الأقوى من حماس، فتعطى لها الآن الأولوية الثانية. وإسرائيل هناك في حالة دفاع، لكن ثمة معضلة تحتاج الى حل، فرئيس الحكومة بنيامين نتانياهو تحدث عن الحاجة إلى إعادة السكان على الحدود مع لبنان إلى بيوتهم وتمكينهم من العيش بأمان. لكن لم يقل كيف؟ المغزى العملي لهذه الأقوال، الذي يفضل رئيس الحكومة عدم إعطاء تفاصيل حوله، هو إبعاد «قوة الرضوان» عن مناطق الحدود. رؤساء المجالس في المنطقة يقولون لقادة الجبهة الشمالية بشكل واضح: لن نعود إلى بيوتنا إلى حين إبعاد قوة الرضوان من هناك. وكشفت الصحيفة انه «كلما نزلنا إلى الأسفل، من الحكومة إلى هيئة الأركان وإلى قيادة المناطق والألوية، نسمع أقوالاً حازمة أكثر بخصوص الحاجة إلى معالجة موضوع حزب الله بعد حماس، أو عند الحاجة في موازاة ذلك»، لكن الأميركيين يرون ذلك بشكل مختلف، ويفضلون أن تركز إسرائيل على قطاع غزة، ولكن استمرار الحرب في غزة والاحتكاك المتزايد في الشمال يزيدان خطر ارتكاب الأخطاء. ووفقا لمعلومات الصحيفة فان زيارة عاموس هوكشتاين الى بيروت هدف في جزء منها الى تفحص امكانية استئناف الجهود لترسيم متفق عليه لخط الحدود البري الذي بدأ قبل الحرب. لكنها جزمت بصعوبة رؤية كيف يمكن لأحد الانشغال بذلك في وقت يجري فيه قتال على جانبي الحدود. ونقلت عن اوساط امنية اسرائيلية قولها «يبدو أننا سنحتاج إلى أكثر بكثير من عملية سياسية لتهدئة سكان منطقة الشمال بأنه لن يتكرر «هجوم إرهابي» في مستوطناتهم مثل الهجوم الذي حدث في الجنوب».!
هل يملك حزب الله «ياخونت»؟
في هذا الوقت، وفي اطار التحذير من تنامي قدرات حزب الله القتالية، نقلت وكالة رويترز عن مصدرين قالت انهما مطلعان على ترسانة الحزب إن الصواريخ الروسية القوية المضادة للسفن «ياخونت» الذي يصل مداها الى 300 كيلومتر، باتت بحوزة الحزب وتتيح له تنفيذ التهديد المستتر الذي أطلقه السيد حسن نصرالله لاستهداف السفن الحربية الأميركية. وقال أحد المصدرين إن قدرات حزب الله المضادة للسفن تطورت بشكل كبير منذ عام 2006، حين اظهر لأول مرة قدرتها على ضرب سفينة في البحر، من خلال إصابته لسفينة حربية إسرائيلية في البحر المتوسط خلال الحرب. وأضاف المصدر دون الخوض في التفاصيل:هناك «ياخونت»، وبالطبع هناك أشياء أخرى إلى جانبه.وقال إن استخدام حزب الله لهذا السلاح لاستهداف السفن الحربية المعادية، سيكون مؤشرا على تحول الصراع إلى حرب كبرى في المنطقة. ووفقا لثلاثة مسؤولين أميركيين حاليين ومسؤول أميركي سابق، فإن حزب الله بنى مجموعة مثيرة للإعجاب من الأسلحة التي تتضمن صواريخ مضادة للسفن. وقال أحد المسؤولين: من الواضح أننا نولي اهتماما كبيرا لذلك، ونأخذ القدرات التي لديهم على محمل الجد. وتجدر الاشارة الى ان صاروخ «ياخونت» ينطلق من الأرض صوب هدفه على ارتفاع منخفض يتراوح بين 10 و16 مترا وهو ما يحول دون رصده. وهو نسخة متطورة عن الصاروخ «بي-800 أونيكس» الذي تم استخدامه لأول مرة في عام 1993، وتم تطويره في عام 1999 للتصدير من شركة دفاع روسية، ويمكن إطلاقه من الجو أو الأرض أو الغواصات.
هجمات نوعية للمقاومة
وقبل يومين على إطلالة ثانية لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في يوم «الشهيد»، شهدت الجبهة الجنوبية تطورا نوعيا في عمليات المقاومة، وفيما اقرت وسائل اعلام العدو بان حزب الله رفع مستوى هجماته كما ونوعا، والحدث كان بالامس في المطلة حيث اعلنت المقاومة عن إصابة دباباتي ميركافا وسقوط طاقميهما بين قتيل وجريح في هجوم غير مسبوق في كثافته، واشارت وسائل إعلام إسرائيلية الى ان حزب الله أطلق 8 صواريخ مضادة للدبابات. كما استهدف الحزب موقعاً إسرائيلياً في هونين وآخر في تل رياق، واستهدف حزب الله بصاروخ موجه ثكنة راميم الإسرائيلية قبالة بلدة مركبا في القطاع الأوسط. وتم استهداف قوة مشاة إسرائيلية مؤللة في قرية طربيخا اللبنانية المحتلة بالأسلحة الصاروخية وحققت المقاومة فيها اصابات مباشرة.ودوّت صفارات الإنذار في شتولا في القطاع الأوسط حيث تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن تعرّضه لوابل من الصواريخ. واعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن طائرة بدون طيار تعرضت لإطلاق نار فوق مزارع شبعا، ولفتت وسائل إعلام إسرائيلية إلى إطلاق صاروخ مضاد للدروع من لبنان باتجاه مرغليوت في منطقة إصبع الجليل. وقصف جيش الاحتلال أطراف بلدتي حولا ومركبا وكفركلا وتل نحاس وسهل الخيام وسهل مرجعيون. كما استهدف القصف المدفعي أطراف بلدات رميش وعيتا الشعب وراميا وبيت ليف بأكثر من 30 قذيفة، وشبّت حرائق في أحراج بلدتي راميا وعيتا الشعب جراء قصفهما بقذائف حارقة. وطال القصف خراج بلدة الهبارية والعديسة والقوزح. وكانت قذيفة إسرائيلية سقطت على كفركلا بالقرب من موقع قوى الأمن الداخلي من دون أن تنفجر، وقام الجيش اللبناني بمعاينتها وتفجيرها.واستهدف القصف المدفعي الإسرائيلي أطراف بلدة رميش. كما تعرض خراج الوزاني للقصف بعدد من القذائف. وسجل قصف مدفعي وفوسفوري اسرائيلي على سهل مرجعيون بالقرب من محلة الحوش. وسقطت قذيفتان مدفعيتان معاديتان على طريق مشروع 800 تحت حرج صنوبر البويضة في مرجعيون وطالت شظاياها المنازل القريبة من دون وقوع اصابات. وسقطت قذيفة إسرائيلية قرابة الثانية من بعد الظهر على كفركلا بالقرب من موقع قوى الأمن الداخلي من دون أن تنفجر. وقام الجيش اللبناني بمعاينتها وتفجيرها. فيما بلغ الطيران الاسرائيلي الاستطلاعي سماء بيروت في ظل استمرار للتحليق في القطاعين الغربي والأوسط ومدينة صور ومجرى نهر الليطاني.
شيا «غير مرغوب بها»
في هذا الوقت، تسببت تظاهرة غاضبة أمام دار الفتوى في تأجيل زيارة السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا لمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، امس، وفور تسرّب خبر الزيارة، احتشد عدد من المتظاهرين الذين رفعوا الأعلام الفلسطينية واللافتات وأطلقوا الهتافات المنددة بسياسة الولايات المتحدة وأحرقوا العلمين الإسرائيلي والأميركي، وطالبوا المفتي بعدم استقبال السفيرة.وفقاً لما ذكره بيان صادر عن داء الفتوى، فان القرار بتأجيل الزيارة، إثر دعوات تناقلها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، دعت لقطع الطريق على موكب السفيرة لمنعها من الوصول إلى وجهتها، بالإضافة إلى الاعتصام الذي نفّذه مواطنون رفضوا هذه الزيارة، أمام دار الفتوى في منطقة عائشة بكار.وشدد المفتي عبد اللطيف دريان، في تصريح، على «ضرورة إيقاف الدعم الأميركي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والطلب من الإدارة الأميركية الضغط على الكيان الصهيوني بوقف عدوانه على غزة» ..
تحرك على الخط الرئاسي
داخليا، كشفت اوساط مطلعة، ان المدير العام السباق للامن العام اللواء عباس ابراهيم بدأ جولة لتحريك الملف الرئاسي بلقاء مع رئيس تكتل لبنان القوي جيران باسيل، والتحرك جاء ربطا بملف الشغور المرتقب في المؤسسة العسكرية ويجري البحث في امكانية تحقيق خرق جدي في المدى القريب ضمن سلة متكاملة تشمل ملفات اخرى على مستوى السطة التنفيذية والادارية في عهد الرئيس الجديد. وعلم في هذا السياق، ان اللواء ابراهيم الذي يلعب دورا في الملف المتصل بالاسرى والرهائن في غزة، بحث مع المسؤولين القطريين في ملف الرئاسة ويعمل بالتنسيق مع الدوحة لتحريك الملف من جديد ضمن صيغ مبتكرة باتت ملحة لمواكبة التحولات الكبيرة الحاصلة اليوم والتي يمكن ان تنتج عن «طوفان الاقصى» حيث ستكون المنطقة امام «شيء جديد» وعلى لبنان المواكبة في ظل تماسك داخلي يبدأ بملء الفراغ في بعبدا وفي كل المراكز الحساسة التي باتت بالانابة.
تحولات اميركية
ووفقا للمعلومات، السفارة الاميركية في بيروت ليست بعيدة عن هذا الحراك وكان للسفيرة الاميركية دوروثي شيا موقف ملفت امام زوار عوكر حين المحت الى امكانية القبول بانتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية اذا ما حصل على دعم احدى الكتل المسيحية الوازنة، مشددة على ان بلادها قلقة ازاء احتمال الفراغ في قيادة الجيش ولا ترغب بالمخاطرة في هذا الموقع الحساس على الرغم من الرضى على تجربة حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري، لكن هذا لا يعني برايها القبول باستنساخ التجربة في المؤسسة العسكرية.
مخرج حكومي للتمديد؟!
وفي هذا السياق، لا يزال ملف الفراغ في قيادة الجيش في مقدمة الاهتمامات داخليا، وفي هذا الاطار، يبدأ وفد الجمهورية القوية جولته على المسؤولين لشرح ابعاد اقتراح التمديد لقائد الجيش، من عين التينة يوم الاثنين المقبل،لا تزال الاقتراحات لتفادي الشغور في قيادة الجيش، دون نتيجة لغاية الآن، وفيما نفى وزير الدفاع موريس سليم وجود اقتراح يتضمن تعيين مدير المخابرات العميد طوني قهوجي أو العميد ايلي عقل قائداً للجيش،والعميد حسان عودة رئيساً للأركان،والعميد رياض علام مديراً للادارة، والعميد منصور نبهان مفتشاً عاماً، اشارت مصادر مطلعة الى طلب رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي دراسة قانونية تسمح للحكومة بتأجيل تسريح قائد الجيش، متخطية وزير الدفاع، وهو طرح لا يحتاج الا إلى قرارعادي في مجلس الوزراء. لكن هذا المخرج يصطدم حتى الان بعدم وجود قرار نهائي وحاسم من «الثنائي» الشيعي حيال مسألة التمديد. وفي هذا السياق، أكد مستشار ميقاتي الوزير السابق نقولا نحاس أن ملف التمديد لقائد الجيش قيد الدرس والتطور، والعمل قائم على خطين إما عبر القوانين التي تقدم في مجلس النواب، أو من خلال معالجة داخل الحكومة، بانتظار أن تتبلور الصورة أكثر للوصول إلى حل معقول وموزون يؤمن الحفاظ على أمن لبنان، متوقعاً الوصول إلى خواتيم الملف قبل نهاية العام الجاري.