كتبت صحيفة “البناء”: يقترب اليوم الأربعين من الحرب الوحشية التي تحوّلت إلى مذبحة مفتوحة بحق الناس الآمنين والأطفال والنساء من جانب جيش الاحتلال، وحرب دمار شامل تحظى بتغطية الإدارة الأميركية بأمل تحقيق انتصار عسكري يمكّن حكومة الكيان من النزول عن شجرة التصعيد، وهو ما يبدو أبعد فأبعد كل يوم، مع ما يكشفه ما توثقه قوات القسام وتقوم بنشره عن الدبابات المحترقة لجيش الاحتلال، وعن احتفاظ المقاومة بقدرتها الصاروخية والقدرة على التحرك والرمي، وقد استهدفت أمس وأصابت تل أبيب. أما على جبهة الحدود مع لبنان فقد انتبه جيش الاحتلال، كما نقلت القناة الثالثة عشرة عن مسؤولين كبار فيه، أن حزب الله خدع الكيان والحكومة والجيش بسقوف منخفضة لمعادلته بإسناد غزة، وسعيه لاستبعاد الحرب، ليخوض عملياً حرباً حقيقية كاملة، يُقتل فيها ويُصاب العشرات من الجنود والضباط، وتحولت معها عشرات المستوطنات الى أماكن بلا سكان، و»يقرّر وحده من يجب أن يعيش ومن يجب أن يموت في منطقة الشمال».
على الصعيد السياسي، تبدو المفاوضات الدائرة بوساطة قطرية قد بلغت مرحلة متقدمة، ولا تزال العقبة أمامها رغبة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بتحقيق نصر يبرر فيه إعلان الهدنة، التي يبدو أن العودة إلى الحرب بعدها تزداد صعوبة. وكشف الناطق بلسان قوات القسام معالم الصفقة المفترضة بالإشارة الى تضمنها هدنة لخمسة أيام يتم خلالها الإفراج عن خمسين امرأة وطفلاً محتجزين في غزة مقابل مئة من الأسرى النساء والأطفال لدى الاحتلال، وتأمين دخول سبعة آلاف شاحنة من المؤن والمواد الطبية والوقود. وقال أبو عبيدة إن لا أمل لنتنياهو بتحقيق أي نصر مذكراً بتدمير عشرين آلية خلال اليومين الماضيين، محذراً من مقتل المزيد من الرهائن بفعل قصف جيش الاحتلال لمناطق غزة المختلفة، مع الكشف عن مقتل مجندة سبق وتمّ بث تسجيل لها تدعو فيه للتدخل للإفراج عنها والانتباه إلى أن القصف قد يتسبب بقتلها وقتل الرهائن.
من جهته نتنياهو قرّر المضي بالمزيد من إجراءات التعسف والتوحش، فتحدّث مع مجلسه الوزاري وحكومته عن سحب ترخيص مكاتب ومراسلي قناة «الميادين»، بما أكد عزمه المضي في ارتكاب الجرائم، وتحميل الإعلام، في طليعته «الميادين»، مسؤولية تفاعل الشارع العربي والشارع العالمي مع الفلسطينيين وما يتعرّضون له من مذبحة مفتوحة، مسجلاً الشهادة لـ «الميادين» بصدق انتمائها لفلسطين وفعالية أدائها في نشر الحقيقة. وعلى خلفية القرار انطلقت مواقف تضامنية وحملات تأييد لـ»الميادين» وإشادة بمواقفها وأدائها الإعلامي الصادق.
ولا تزال مواقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في يوم الشهيد السبت الماضي محل متابعة ورصد محلي وخارجي لجهة الهدوء الذي رافق الخطاب والرسائل المتعددة الوجهات وقوله إن «الميدان يتكلّم»، ما يُخفي مساراً من التصعيد العسكري التدريجي في عمل المقاومة على الجبهة الجنوبية، لا سيما أنه وبعد انتهاء خطاب السيد نصرالله وجّهت المقاومة ضربات نوعية وقاسية وجديدة للاحتلال الإسرائيلي موقعة عشرات القتلى والجرحى أحدثت صدى كبيراً في الجبهة الشمالية وفي المستويات السياسية والعسكرية في كيان الاحتلال وحضرت بقوة في نقاشات اجتماع «مجلس الحرب الإسرائيلي».
وعلمت “البناء” أن عدداً من السفارات الأجنبية والعربية في لبنان استفسر من شخصيات سياسية وصحافيين وخبراء عن معنى “الميدان يتكلم”، وماذا يقصد السيد بهذا الأمر وما هي ترجماته العملية على أرض الواقع، من دون أن يحصلوا على أجوبة شافية.
إلا أن خبراء في الشؤون العسكرية والاستراتيجية يشيرون لـ”البناء” الى أن السيد نصرالله أراد تسليط الضوء على أهمية عمل المقاومة العسكري في الجنوب، ولكي تكون العمليات هي الحدث وليس الإعلان الاستباقي عنها، لأن أرض المعركة هي التي تحدّد وجهة الحرب. ويعني أيضاً بأن المقاومة انتقلت الى مستوى جديد من العمليات العسكرية التي ستؤلم العدو وتشعره بخطورة توسيع الجبهة مع لبنان.
ونقلت أوساط سياسية ومطلعة على الميدان في الجنوب لـ”البناء” أن “ثقة قيادة المقاومة كبيرة بالمقاومين وبالقدرات التي يملكونها وبالقدرة على الاستمرار بالوتيرة النارية نفسها والصعود تدريجياً لفترة طويلة لسنوات وأكثر، والقدرة أيضاً على إلحاق أكبر خسائر ممكنة بالعدو وتحقيق الإنجازات”، ملمحة الى “احتمال إدخال المقاومة أسلحة جديدة الى المعركة ستصدم العدو”، كاشفة أن “المقاومة ومحورها يمتلكون الكثير من أوراق القوة المتعددة التي إذا ما استخدمها ستردع العدو وتدفعه لوقف الحرب على غزة”. وأكدت الأوساط على التلاحم الميداني بين حركة أمل وحزب الله في التصدّي لأي عدوان إسرائيلي على لبنان، مشددة على التنسيق المستمر بين القيادتين في الميدان والسياسة والتفاوض.
وواصلت المقاومة مسار عملياتها النوعية، حيث أعلن حزب الله “استهداف قوة مشاة في موقع الضهيرة بالصواريخ وحقّق إصابات مباشرة”. وقالت وسائل إعلام إسرائيلية “إن عقب دوي صفارات الإنذار في الجليل الغربي تمّ رصد إطلاق 18 صاروخاً من لبنان. وتم الإعلان عن إصابتين في مستوطنة “نتوعا” جراء إطلاق صاروخ مضاد للدروع من لبنان”. وأعلن الحزب “اننا استهدفنا قوة مشاة قرب ثكنة برانيت بالصواريخ الموجهة وأوقعنا فيها إصابات مؤكدة بين قتيل وجريح”. وأعلن أيضاً “اننا استهدفنا موقع الراهب بالأسلحة المناسبة وحققنا فيه إصابات مباشرة”. واستهدف موقع بياض بليدا الإسرائيلي وموقع المرج في هونين المحتلة، وموقع الرمثا في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، وموقع حدب يارون.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية عن “مقتل مستوطن إسرائيلي يعمل في شركة الكهرباء نتيجة إطلاق حزب الله صاروخاً مضاداً للدروع”.
ويرتفع منسوب الذعر لدى كيان الاحتلال من تطور جبهة الشمال مع تنامي عمليات المقاومة في لبنان التي تشكل خطراً كبيراً على “إسرائيل” وفق خبراء عسكريين، في ظل الخسائر البشرية والمعنوية والنفسية والاقتصادية الفادحة. حيث تجاوز عدد المُصابين الصهاينة في مستشفيات الشمال الألف، وفق وزارة الصحة الإسرائيلية. فيما كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن قوات الإحتلال الإسرائيلي أجلت أكثر من 125 ألف شخص، حيث تمّ إجلاء سكان بلدات في الشمال مع الحدود مع لبنان، والجنوب، بالقرب من غزة، بعد هجوم مقاتلي حركة حماس المباغت في السابع من تشرين الأول”.
وأعربت مراجع سياسية عن خشيتها من توسيع العدو الإسرائيلي لهجماته ضد لبنان بعد تعرّضه لضربات قاسية من المقاومة خلال اليومين الماضيين، وذلك بعد تلقي هذه المراجع الأحد الماضي رسائل دبلوماسية خطيرة تتضمن تحذيرات جدّية من رد إسرائيلي عنيف على عمليات حزب الله، وفق ما علمت “البناء”.
وتردّدت معلومات أمس، أن جيش الاحتلال كان ينوي توجيه ضربات في مناطق متقدّمة في الجنوب ولبنان في أعقاب اجتماع “مجلس الحرب الإسرائيلي” أمس الأول، لكن الضغوط الأميركية على حكومة الاحتلال حالت دون ذلك.
ومساء أمس، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس أركان جيش الاحتلال صادق على “خطة دفاع وهجوم للجبهة الشمالية وأوعز بالجاهزية لكافة وحدات قوات الجيش”.
الى ذلك، واصلت قوات الاحتلال اعتداءاتها على القرى الحدودية الجنوبية، واستهدف قصف مدفعي منطقة “عين الزرقاء” بين طيرحرفا والناقورة وعلما الشعب واشتعلت النيران بالأحراج المتاخمة للخط الأزرق قبالة بلدات الناقورة وعلما الشعب والضهيرة جراء القصف واستهدفت مدفعية الاحتلال الاسرائيلي أحد المنازل في حي “أبو لبن” في بلدة عيتا الشعب الحدودية للمرة الخامسة. وتعرّضت أطراف رميش لقصف مدفعي. في المقابل وجهت المقاومة الإسلامية في لبنان رشقة كبيرة من الصواريخ من الجنوب باتجاه الأراضي المحتلة في الجليل الغربي.
وتمدّد الجنون الإسرائيلي ليطال المدنيين والصحافيين على الحدود، واستهدفت مدفعية الاحتلال بالقذائف على مقربة من مكان عمل عدد من الصحافيين في بلدة يارون ما أدى الى اصابة مصوّر الجزيرة عصام مواسي بجراح طفيفة وتضرّر عربة البث.
وأدانت العلاقات الإعلامية في حزب الله استهداف العدو الصهيوني لوسائل الإعلام العاملة في الجنوب، معتبرة هذا الاستهداف “جريمة موصوفة واعتداءً سافر يهدف إلى منع الإعلام من فضح ممارساته الإرهابية”.
ولفتت الى أن “هذه الجريمة الجديدة تضاف إلى سجل العدو المليء بالجرائم بحق الصحافيين ووسائل الإعلام في فلسطين ولبنان من قتل الإعلاميين وتدمير المقار الإعلامية، وإننا على ثقة أن ذلك لن يمنع الصحافيين الأحرار من مواصلة أداء رسالتهم الشريفة في نقل صور الصمود والبطولة والمقاومة وكذلك فضح جرائم العدوان”.
بدوره رأى عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الإجتماعي معن حمية أنّ هذا الاستهداف يكشف حقد العدو وعنصريته وهمجيته، وإمعانه في انتهاك أحكام القانون الدولي الإنساني التي توفر الحماية للإعلاميين أثناء الحروب.
واعتبر حمية أنّ العدو الصهيوني يحظى برعاية أميركية ـ غربية تمدّه بكلّ أدوات القتل الأشدّ فتكاً، وهذا العدو الذي قتل آلاف الأطفال في غضون شهر لن يتورّع عن استهداف الصحافيين، بعدما وضعهم جزءاً من بنك أهدافه وصبّ جامّ صلفه على كلّ ما هو مدني في بلادنا.
على صعيد آخر، استقبل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا التي غادرت بكركي من دون الإدلاء باي تصريح. وتم التداول خلال اللقاء في مختلف المواضيع، وكان تشديد على أن أحوج ما يكون إليه لبنان اليوم هو انتخاب رئيس للجمهورية، اذ ان الولايات المتحدة الاميركية مهتمة باستقرار لبنان على كل الصعد، وترفض دخوله في حرب غزة.
وفي موضوع انتهاء ولاية قائد الجيش، كرّر البطريرك الراعي “موقفه الرافض لإسقاط قائد الجيش”. وقال الراعي أمام زواره: “يخلقون العقد والمطلوب واحد وهو انتخاب رئيس للجمهورية”.
وفي سياق ذلك، برز كلام النائب غسان سكاف الذي التقى البطريرك الراعي، بقوله إن “بكركي لن تسلّم بتغييب الموارنة عن القرار السياسي والعسكري ولن تقبل بتجرّع الكأس الثالثة بعدم وجود ماروني في موقع قيادة الجيش بعد موقع الرئاسة وحاكمية مصرف لبنان”. وتابع: “نخشى من ترتيب شرق أوسط جديد من دون المسيحيين، لذلك من الضروري توافق أهل البيت الماروني أولاً ثم البيت الوطني، والمؤسسة العسكرية أمام وضع مصيري ممكن أن يُهدّد أمن البلد لذلك علينا إبعادها عن مرارة الشغور”.
وكان التمديد لقائد الجيش حضر في عين التينة، حيث استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري وفد كتلة “الجمهورية القوية” برئاسة النائب جورج عدوان باحثة معه في مشروع قانون تأجيل التسريح لرتبة عماد، الذي تقدمت به منذ أيام.
وبعد اللقاء، قال عدوان: “الظرف الاستثنائي دفعنا الى سلوك طريق استثنائي في ملف قيادة الجيش ويجب ألا نترك الامور للحظة الأخيرة وأخذنا وعداً من بري بأنه سيتريث حتى نهاية الشهر وبعدها سيعين جلسة سيكون اقتراحنا أول بنودها”. اضاف: “بري يفضل ان يتم التمديد عبر مجلس الوزراء وإذا لم يحصل ذلك ودعينا الى جلسة لمجلس النواب سنحدّد موقفنا من كيفية التعاطي معها في وقت لاحق آخذين في الاعتبار الأوضاع كلها”.
وعلمت “البناء” أن الرئيس بري أبلغ وفد كتلة القوات بأن هناك متسعاً من الوقت حتى نهاية الشهر الحالي لدراسة الملف واتخاذ القرار المناسب”.
علمت “البناء” من مصادر عليمة أن الرئيس بري حريص كل الحرص على الجيش اللبناني ولن يسمح بالتفريط بوحدته وبمعنويات ضباطه وجنوده، خصوصاً في حالة الحرب والتحديات التي تواجه لبنان.
وكان لافتاً استبقال الرئيس بري لمدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد طوني قهوجي.
ويعقد مجلس الوزراء صباح اليوم جلسة تردّد أن التمديد لقائد الجيش سيكون على جدول أعمالها، إلا أن وسائل إعلام ذكرت أنه “من غير المرجح أن يطرح ملف قيادة الجيش لعدم نضوجه”.
وعلمت “البناء” أن السفيرة الأميركية في لبنان دورثي شيا تتواصل مع أكثر من مرجع ومسؤول للدفع باتجاه إيجاد مخرج قانوني للتمديد لقائد الجيش تحت دواعي الحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان. إلا أن مصادر مطلعة على الملف لفتت لـ”البناء” الى أن “التمديد متعثر حتى اللحظة لأسباب سياسية وقانونية ودستورية، لا سيما أن قوى سياسية عدة لم تحسم أمرها بعد خصوصاً الثنائي الشيعي الذي لم يقل كلمته النهائية في هذا الملف، علماً أن حزب الله وفق المصادر غير متحمّس للتمديد لعون لأسباب عدة أهمها مراعاة حليفه التيار الوطني الحر الذي يرفض بدوره رفاضاً قاطعاً هذا التمديد إسوة بالمواقع السابقة الشاغرة والتي تم التعامل معها وفق القوانين”.