كتبت صحيفة “الديار”: تمديد الهدنة في غزة ليومين اضافيين قابلين للتجديد، وانسحاب التهدئة على الحدود الجنوبية، مؤشر على وجود رغبة دولية واقليمية تقودها الولايات المتحدة الاميركية لتهيئة الارضية المناسبة لاخراج «اسرائيل» من مستنقع غزة، وكذلك من احتمال توسع المواجهة المضبوطة حتى الآن مع حزب الله.
هذه المحاولة لا تعني حكما ان تجدد الحرب ليس خيارا واردا بقوة، خصوصا بعدما انكشفت اكاذيب قوات الاحتلال بالصورة والصوت في شمال القطاع، وثبّتت حركة حماس انها لا تزال تسيطر ميدانيا في مناطق، ادعى «كبينيت» الحرب انها باتت خارج سيطرة المقاومة، وسط ضغوط داخلية تتعرض لها حكومة العدو الاسرائيلية لاستئناف القتال، لان التوقف الآن يعني الهزيمة في الجنوب والشمال، خصوصا ان حزب الله قد نجح في وضع قواعد اشتباك جديدة على طول الجبهة، ووحده مَن يملك قرار ابقاء 70 الف مستوطن خارج المستوطنات.
هذه المعادلة فرضت نقاشا داخليا في كيان العدو، وعلت الاصوات المطالبة بعدم الرضوخ للضغوط الاميركية، لان وقف القتال الآن في غزة يعني هزيمة ستمتد مفاعليها الى الاجيال المقبلة، وستعطي حزب الله ايضا انتصارا لا نقاش فيه، في ظل غياب اي معطيات جدية حول «اليوم التالي» لوقف الحرب، حيث يرفض الحزب الرد على كل «الرسائل» المباشرة وغير المباشرة التي ترتبط بمصير»قواعد الاشتباك»، التي كانت سائدة قبل السابع من تشرين الاول. هذا القلق في «اسرائيل» ينسحب ايضا على بعض «خصوم» حزب الله في الداخل، وسط خشية من تسويات على حسابهم في الاستحقاقات الاساسية في البلاد وفي مقدمها الرئاسة الاولى، التي بذل القطريون جهودا لتحريكها الاسبوع الماضي، ولم يصلوا الى اي نتيجة يمكن البناء عليها، في ظل طروحات وصفتها مصادر مطلعة لـ «الديار» بانها مجرد «بالونات اختبار» في توقيت غير مناسب.
وفي الاطار نفسه يصل المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت مساء اليوم باوراق «مبعثرة»، محاولا «جس نبض» القوى السياسية الفاعلة حيال دور بلاده في الملف اللبناني من «بوابة» الـ 1701، ولماما الملف الرئاسي «المجمد» الى ما بعد الحرب. وعلم في هذا السياق، انه سيسمع كلاما واضحا من «الثنائي الشيعي» بان ما قبل «طوفان الاقصى» غير ما بعده، وباريس ستدفع ثمن انحيازها «الاعمى» للعدوان الوحشي الاسرائيلي على غزة، بحرمانها من تحقيق اي انجاز لديبلوماسيتها المتعثرة اصلا. واذا كانت تبحث عن دور فلن تجده في بيروت الغارقة شوارعها بالمياه، وتخوض قواها السياسية لعبة مصالح ونكايات سياسية عنوانها قيادة الجيش المفتوحة على مستقبل قائدها الرئاسي.
تحرك «الوقت الضائع»!
وفي هذا السياق، لفتت تلك الاوساط، الى ان الحراك الديبلوماسي القطري او الفرنسي يأتي في الوقت الضائع، ومن المستبعد ان يصل الى اي نتيجة راهنا، لان ملف لبنان أصبح مرتبطاً بالتسوية السياسية الكبرى ما بعد توقف الحرب على غزة، وقبل ذلك لن تتبلور اي صيغة سياسية واقتصادية، فنتائج المواجهة ستكون هي الحاكمة، وسيتحدد معها مَن هي القوى الاساسية التي ستكون لاعبا رئيسيا على «الطاولة»، واذا كانت الدوحة تلعب دورا جوهريا في الهدن المتجددة في غزة، فهي لا تملك حتى الآن اي قدرة فاعلة على التأثير في الملف اللبناني، بغياب «الصفقة» الاقليمية الدولية المنتظرة.
في المقابل، تبدو باريس معزولة عن اي دور جدي في الاحداث، ولا يتوقف احد عند رأيها في اي شيء متصل بالتطورات الاقليمية المتفجرة، ولا تملك عمليا اي «اوراق» يمكن ان تضغط بها لاحداث اي خرق، فكل الاطراف في الداخل والاقليم، وحتى القوى الدولية سوف تظل ممسكة بكل اوراقها، الى حين انقشاع غبار المعركة المفتوحة على كافة الاحتمالات.
ووفقا للمعلومات، بعد الموقف الفرنسي المتحيز لـ «اسرائيل»، لن يتعامل حزب الله مع باريس كما قبل الحرب في غزة، وهذا ما سيكتشفه لودريان عند وصوله الى بيروت، كما سيسمع كلاما مشابها من رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي سيبلغها صراحة بان الديبلوماسية الفرنسية قد اطلقت «النار على قدمها» من خلال موقفها الصادم تجاه عملية الابادة الاسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة. وبمعنى آخر ستدفع باريس في بيروت ثمن موقفها من الحرب في غزة.
«انا اتحرك فانا موجود»
في المقابل، تشير اوساط مطلعة الى ان لودريان لا يحمل اي افكار رئاسية جديدة، وهو يزور بيروت تحت عنوان «انا اتحرك… فاذا انا موجود»، لا اكثر ولا اقل، خصوصا انه لا يملك اي «خارطة طريق» جديدة على المستوى الرئاسي. لكن الجديد الذي سيطرحه لودريان يرتبط بالقرار»1701»، وامكانية تفعيله على ارض الواقع بعدما جرى «تمزيقه» عملانيا من خلال المواجهة على الحدود الجنوبية. وتسعى باريس الى الحصول على اجوبة حول مصير هذا القرار خلال «استراحة المحارب» في الهدن الممدة، ومع معرفته المسبقة بان حزب الله لن يفرّط بما حققه من ربط نزاع مع جبهة غزة، ولن يتراجع عما حققه من انجاز رضخ له «الاسرائيليون»، حيث الزمهم بقواعد «الاشتباك» التي فرضها ميدانيا، الا انه سينقل مجددا تحذيرات جدية من احتمال توسع رقعة الاشتباك في حال انهيار الهدنة الجديدة، وسيحاول الحصول على ضمانات تريدها «اسرائيل» حول ترتيبات مع بعد الحرب لجهة العودة الى قواعد «الاشتباك» السابقة، اي تراجع قوات «الرضوان» عن الخطوط الامامية، والعودة الى ما بعد الليطاني.
لا اجابات حول «اليوم التالي»
ووفقا لمصادر مطلعة، لن يحصل لودريان الآتي من الرياض على اي اجابة على تساؤلاته، ولا اجوبة مجانية تمنح لـ «الاسرائيليين» في خضم مواجهة مفتوحة على كافة الاحتمالات. وباريس ليست طرفا مؤهلا راهنا كي تلعب دورا، اكبر منها في هذه المرحلة، واي حديث عن منح العدو ضمانات على الحدود غير واقعي، ولن يحصل عليها في جبهة تحتل اهمية كبرى في الصراع الدائر، حيث تعترف كل من فرنسا والولايات المتحدة بأن اشتعال الجبهة في لبنان على نطاق واسع وليس القتال في غزة، هو الذي قد يجرّ المنطقة إلى حرب، ولهذا ستبقى استراتيجة «الغموض البناء» على حالها، وكذلك معادلة الردع المفتوحة على كافة الخيارات.
وفي هذا السياق، وبعد عودتها الى بيروت يوم الجمعة الماض،ي اثر مشاركتها في جلسة مجلس الامن حول القرار 1701، التقت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، وأعلنت فرونتسكا من السراي انها وضعت ميقاتي فن اجواء لقاء مجلس الأمن في نيويورك، «وما قلته في كلمتي بالنسبة إلى القرار 1701 وضرورة التمسك به وتنفيذه على أرض الواقع، وكيفية حماية لبنان من الحرب في المنطقة، إضافة الى موضوع الإصلاحات ودور مؤسسات الدولة وانتخاب رئيس للجمهورية». وذكرّت بأن مجلس الأمن يهتم كثيرا بموضوع لبنان، لأن له دورا استراتيجيا في المنطقة، كما ان موقف مجلس الأمن موحّد في شأن لبنان.
باريس «ومعركة» التمديد للقائد؟
ووفقا لزوار السفارة الفرنسية، فان لودريان سيدعم الموقف الاميركي – القطري الداعي للتمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون، حفاظا على المؤسسة العسكرية وليس باعتباره مرشحا رئيسيا في السباق الرئاسي، لان الفرنسيين لم يكونوا معنيين بدعم هذا الترشح، دون ان يعني ذلك انهم يمانعون وصوله الى بعبدا، لكنها ليست «معركتهم».
لكن هذا الملف لا يزال عالقا في اتون مواجهة سياسية وقانونية تمنع انتاج صيغة قابلة للتنفيذ. وبما ان «الصفقة الكاملة» لم تنضج بعد، من المستبعد حتى الآن ان يحصل التمديد من مجلس النواب، ويبقى خيار تعيين رئيس للاركان على «الطاولة»، باعتباره اهون الشرور في حال لم يتم التوصل الى تسوية قبل نهاية الشهر المقبل.
وفي هذا السياق، اكد وزير الزراعة عباس الحاج حسن ان الحل لقيادة الجيش يحتاج الى مزيد من الانضاج والتأني نظراً لأهميته، أما عن طرح تأجيل التسريح في الحكومة «فلما يجي الصبي من صلّي عالنبي»، وإذا تعثّر الحل في الحكومة فالى البرلمان، ولفت الى ان بري كان واضحاً بموضوع التعيين، أي أن ما سرى على باقي المناصب يسري على قيادة للجيش والأَولى انتخاب رئيس.
الضعف جنوبا سينعكس على الشمال؟
وفي سياق الربط «الاسرائيلي» بين جبهتي غزة والجنوب، وتاكيداً لعدم نضج الجهود الديبلوماسية بعد، أكّدت وسائل إعلامٍ «إسرائيلية» أنّ «اي خلل في الجبهة الجنوبية سينعكس حكما على الجبهة الشمالية، ولفتت الى ان حركة حماس نجحت في إظهار أنّها لم تهزم في شمالي قطاع غزّة»، وأنّ رئيس مكتب الحركة في القطاع يحيى السنوار، أنزل كارثةً بـ «الإسرائيليين».
كما تحدّثت وسائل إعلام «إسرائيلية» عديدة بخصوص ظهور مقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسّام- الجناح العسكري لحركة حماس، في مناطق شمالي قطاع غزّة التي شهدت أعنف الأعمال القتالية والتوغل البري «الإسرائيلي»، مُشدّدةً على أنّ الحركة نجحت في إظهار قدرتها على إرسال عناصرها إلى شمالي غزّة «بالرغم من وجود الجيش الإسرائيلي في مكانٍ قريب، حيث استعرضت قواها خلال تسليم الدفعة الثالثة من الاسرى.
وفي هذا السياق، اشارت صحيفة «إسرائيل اليوم الإسرائيلية» الى ان حركة حماس «بعيدة عن الانهيار»، ودعت إلى استمرار العمليات العسكرية «الإسرائيلية» ضد قطاع غزّة بهدف «كسر الحركة»، لان تحقيق هذا الهدف هامٌ «من أجل تحقيق ما اسمته «انتصارٍ إسرائيلي» في الجبهة الشمالية أيضاً. وقالت الصحيفة، إنّه خلافاً لادعاءات «الجيش الإسرائيلي» في الأيام الأخيرة، «لا تزال حماس تتمتع بسيطرة قوية على الأرض»، مشيرة إلى «أن هذه السيطرة في مختلف مناطق قطاع غزّة، وليست فقط في جنوبه». وأشارت إلى أنّ عواقب العمل الضعيف «للجيش الاسرائيلي» ضد حركة حماس «ستكون إقليمية»، لافتةً إلى «أنّه بعد نحو 50 يوماً من القتال، يكرّر «الجيش الإسرائيلي» مراراً وتكراراً رسالة مفادها أنّ قيادة حماس وسيطرتها في شمالي قطاع غزّة قد تضررت بشدة، وأنّ معظم كتائبها في هذه المنطقة تفكّكت، في حين أنّه منذ بدء وقف إطلاق النار فإنّ عكس ذلك تماماً هو ما يحصل».
«اصبع في عين اسرائيل»
ولفتت الصحيفة الى وضوح التزام عناصر حماس بتوجيه قيادتهم بإيقاف إطلاق النار، ما يدلّل على تنظيمٍ عالٍ، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ عملية تحرير الأسرى من قطاع غزّة «تجري تماماً كما تريد حماس، وأنّها تملي هوية الأسرى الذين يتم إطلاق سراحهم، وتحدّد الجداول الزمنية للإفراج عنهم». ودعت الصحيفة «الجيش الاسرائيلي» الى استئناف عملياته حتى لو مورست ضغوط دولية هائلة على إسرائيل»، وبرأيها «ممنوع تماماً التوقف الآن»، وإذا لم تعمل «اسرائيل» بقوة غير متناسبة في قطاع غزّة، «فإنّ ضعفها سينعكس على المنطقة بأسرها، وتداعيات التراخي والضعف الإسرائيلي، ستنعكس بشكل خاص على الحدود الشمالية مع لبنان، حيث تمّ إجلاء عشرات الآلاف من المستوطنين من منازلهم قبل أكثر من شهر»، مؤكّدةً أنّ «إظهار تردّدٍ أو ضعف في جبهة غزّة، سوف يجعل الأمور تنفجر في وجهها في جنوب لبنان».
وفي هذا السياق، وتحت عنوان «إصبع في عين إسرائيل: الفيديو الذي كشف المالك الحقيقي»، كتب المحلل العسكري بموقع «واللا» الإخباري «الاسرائيلي» أمير بوحبوط، أن اللقطات التي وزعتها حماس تظهر إطلاق سراح المختطفين قرب نصب المقاومة الفلسطينية في غزة، تثير تساؤلات حول مستوى «السيطرة الإسرائيلية» على المنطقة، ومستوى الالتزام بمواصلة العملية. فالمشهد الذي بثته كتائب القسام أثار سخط «الإسرائيليين»، ونسف رواية جيشهم في الأيام الأخيرة بأنه سيطر على مدينة غزة وقضى على مقاتلي الحركة فيها، حيث بدت المنطقة مناقضة تماما لما قاله الجيش، إذ خرج مقاتلو القسّام بعتادهم العسكري الكامل، وبدوا مسيطرين تماما على المكان.
اعادة الاعمار جنوبا
في هذا الوقت، افادت الاحصاءات الاولية الى ان نحو61 وحدة سكنية تضررت جزئيا اوكليا، من جراء الاعتداءات الاسرائيلية على القرى الجنوبية، واذا كان مجلس الجنوب سينهي خلال يومين المسح على الاضرار، حيث لا يملك في موزانته الا 300 مليار ليرة غير كافية للتعامل مع الاضرار، كشف عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله، أنّ حزب الله بدأ بدفع تعويضات للمتضرّرين من العدوان الصهيوني على القرى الحدودية، داعياً «أولئك الذين لم يفهموا المقاومة إلى عدم الرهان على ضعفها» . وقال فضل الله في الاحتفال التكريمي الذي أقامه الحزب للشهيد يوسف كرم جواد في حسينية بلدة عيتا الشعب الجنوبية: «في الوقت الذي كانت تقدّم فيه المقاومة خيرة مجاهديها وخيرة الشباب في لبنان شهداء، وتواجه العدو وتحمي الناس بالدم، كانت تشكيلات حزب الله تعمل في القرى والبلدات وعلى خطوط النار من أجل إحصاء الأضرار ودعم شعبنا»، مشيراً إلى أنها «لم تنتظر الهدنة، بل كانت حاضرة على مدار الساعة في الميادين الصحية والمعيشية والخدمية المتنوعة، ووفقاً لما يتوافر لنا من إمكانات، لدعم الناس الصامدين أو النازحين، وهذا جزء من عمل المقاومة، ومن يقدّم تضحيات ودماء لا يبخل بأي شيء آخر».
وأضاف فضل الله: «ولكن هذا لا يُعفي المؤسسات الرسمية من القيام بواجباتها وإحصاء الأضرار والتعويض على الناس، وأن تكون المساعدات التي تأتي لهذه المعركة من حقّ الناس وأن تصل إليهم. ونحن من جهتنا سنبذل كل جهد مع مؤسسات الدولة، ولا يخلط مَن هم في الموقع الرسمي بين ما نقوم به وما هو عليه، وهذا الأمر يحتاج إلى كل تعاون فيما بيننا أولاً، وبيننا وبين المؤسسات الرسمية».