كتبت صحيفة “النهار”: يشرع الموفد الرئاسي الفرنسي الى لبنان جان ايف لودريان اليوم في جولة لقاءات واسعة جديدة في اطار مهمته الرئاسية المفتوحة في لبنان وسط معالم اندفاع فرنسي متجدد لإحياء وساطة طالما تعثرت ولم تشق طريقها بعد الى اختراق الطريق المسدود الذي يعترضها كما يعترض سائر الجهود الداخلية والخارجية لانهاء الفراغ الرئاسي المتمادي منذ سنة وشهر. ولكن وصول لودريان إلى بيروت ايذانًا باستئناف مهمته شكل مؤشرا الى مثابرة باريس وعدم تراجعها عن المضي قدما في مبادرتها الرئاسية، ولكن هذه المرة ببعد إضافي شديد الحساسية والخطورة يتصل بخطر انزلاق لبنان الى حرب مع إسرائيل الامر الذي سيضفي دلالات جديدة طارئة على التحرك الفرنسي ويوجه الأنظار الى أهمية ما سيحمله الموفد الفرنسي من توجهات وأفكار علما ان ابرز من سيلتقيهم لودريان اليوم، في اليوم الأول من تحركه، البطريرك الماروني الكاردينال مار بشار بطرس الراعي ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع .
وفي مؤشر إضافي الى دلالات التنسيق الفرنسي السعودي حيال لبنان التقى لودريان في الرياض امس المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا وأفاد السفير الفرنسي في الرياض لودوفيك بوي على حسابه ان ” اللقاء كان مثمرا وان فرنسا والمملكة العربية السعودية تعملان يدا بيد من اجل استقرار لبنان وأمنه ولإجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية في اسرع وقت “.
ونقل مراسل “النهار” في باريس سمير تويني عن مصادر ديبلوماسية ان ثمة رسالتين سياسية وامنية في حوزة لودريان في زيارته لبيروت . الأولى تتضمن طرحين سياسيين لانتخاب رئيس للجمهورية باسرع وقت . الطرح الأول من خلال عقد مؤتمر في الدوحة على غرار مؤتمر الدوحة السابق في محاولة لتامين توافق بين اللاعبين اللبنانيين على اسم مرشح يتم انتخابه توافقيا. وباريس في هذا السياق لا تدعم اي مرشح وتترك للاطراف اللبنانية التوافق عليه وذلك تحت رعاية المجموعة الخماسية (فرنسا والولايات المتحدة ومصر والسعودية وقطر). غير ان قطر ليست متحمسة لعقد هذا المؤتر في الدوحة. اما الطرح الثاني فهو مطالبة المجموعة الخماسية من الرئيس نبيه بري فتح دورة انتخابية لانتخاب رئيس من الاسماء المطروحة على ان تبقى الدورات مفتوحة حتى انتخاب الرئيس. غير ان هذا العرض غير متوفر حتى الان لان مواقف الاطراف اكثر تشددا مما قبل حرب غزة.
لكن باريس تريد من خلال اعادة فتح ملف ملء الشغور الرئاسي ابقاء الملف اللبناني الغائب حاليا عن طاولة اي مفوضات اقليمية حول مستقبل منطقة الشرق الاوسط. رغم ان باريس فقدت الكثير من مونتها على بعض الاطراف بعد المواقف التي اتخذها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى جانب اسرائيل بعد هجوم حماس على غلاف غزة.
اما بالنسبة الى الملف الامني فلدى باريس مخاوف كبيرة من انجرار لبنان الى حرب مع اسرائيل تكون مدمرة . وسيؤكد لودريان خلال زيارته الموقف الفرنسي الداعي الى ابقاء لبنان خارج هذه الحرب وعدم تهديد القرار الدولي ١٧٠١ الذي امن الاستقرار على حدود لبنان منذ عام ٢٠٠٦.
رسالة ماكرون
وعلى نحو متزامن مع وصول لودريان الى بيروت وزعت دوائر السرايا الحكومي نص الرسالة التي وجهها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لمناسبة عيد الاستقلال والتي اكد فيها “أن تهيئة الظروف المناسبة لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وتشكيل حكومة عمل أمر ملّح، وان ممثله الشخصي، جان ايف لودريان، يواصل العمل في هذا الاتجاه”. وقال ماكرون:” إن فرنسا، ونظراً للعلاقات التاريخية التي تربط بلدينا، تضاعف جهودها لتعزيز استقرار لبنان وأمنه واستقلاله. ونحن دعمنا هذه الاهداف باستمرار”. واضاف: “إن امتداد رقعة الصراع إلى لبنان سيكون له عواقب وخيمة على البلد وعلى الشعب اللبناني.
تدرك فرنسا ان لديها مسؤولية فريدة تجاه بلدكم، مسؤولية تترجم بشكل خاص من خلال الدور الذي نضطلع به ضمن قوات حفظ السلام اليونيفيل. يجب ألا يستخدم أي طرف الاراضي اللبنانية بشكل يتعارض مع مصالحه السيادية. وعلينا اليوم تجنب الأسوأ. لذلك أحثّكم على مواصلة جهودكم في هذا الاتجاه”.
وتابع”بالإضافة إلى هذه القضية الأساسية، هناك حاجة ملحة لتحقيق الاستقرار في المؤسسات اللبنانية. فالشغور الرئاسي المستمر منذ أكثر من عام يلقي بثقله على قدرة البلاد على الخروج من الأزمة الحالية وتجنب التدهورالأمني المرتبط بالحرب المستمرة في غزة. فمن دون رئيس أو حكومة فاعلة، لا احتمال للخروج من المأزق الأمني والاجتماعي والاقتصادي والمالي الذي يعاني منه في المقام الاول الشعب اللبناني”.
في سياق اخر التقى مساء امس الرئيس نجيب ميقاتي المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للامين العام لـ”حزب الله” حسين الخليل وعلم أنهم بحثوا في جملة مواضيع متعلقة بالحكومة وجلسة مجلس الوزراء التي ستعقد ظهر اليوم ، كما جرى التطرق الى موضوع التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون .
اما في المواقف الداخلية البارزة عشية لقاءات لودريان في بيروت فطالب المكتب السياسي لحزب الكتائب “حزب الله” وفريقه السياسي “بالتخلي عن مرشّحهم الرئاسي وملاقاة المعارضة لانتخاب رئيس سيادي جامع يشكل انتخابه مدخلاً لملء كل المناصب الشاغرة وتمتين وضع لبنان في الداخل عبر استعادة القرار الحر وتطبيق القرارات الدولية ولا سيما الـ1701 وفي الخارج عبر استعادة علاقاته الدولية”. واذ اعتبر “أن المخرج القانوني الوحيد هو تأجيل تسريح قائد الجيش إلى حين انتخاب رئيس للبلاد” اعتبر المكتب السياسي “أن “حزب الله” يمارس أقصى درجات الإطباق على الدولة ومصادرة قرارها في ظرف مصيري مستغلاً الحرب لفرض معادلاته القتالية والشغور لفرض شروطه في اختيار رؤساء وقادة للمواقع الأساسية والمؤثرة في الحياة السياسية”. ورأى “أن الحكومة بما تمثله في ظل هذا الواقع باتت في موقع المتقاعس عن الدور المطلوب منها في صون البلد ودستوره ومؤسساته بخضوعها للقواعد التي يمليها “حزب الله” وحلفاؤه في اختيار المشاركة في الحروب وربط ما يسمّيها الساحات وتعريض لبنان لاعتداءات هو بغنى عنها وتكبيد اللبنانيين خسائر جديدة في الأرواح والممتلكات، ثم المجاهرة علنًا بالتعويض عليهم من أمواله الخاصة من دون أن يجرؤ مسؤول رسمي على رفض إيكال أمر الشعب اللبناني إلى غير دولته في تخلّ غير مسبوق عن سيادة الدولة” .