على رغم السخونة الآخذة في التصاعد على الجبهة الجنوبية لاحت مؤشرات ارتفاع الرهانات على تحركات ديبلوماسية تتقدمها الديبلوماسية الفرنسية التي أطلقت أخيرا العنان لاتصالات ديبلوماسية وأمنية بين لبنان وإسرائيل سعيا الى إعادة اعتبار تنفيذ القرار 1701 كما وضع بحذافيره الحل الأسرع والأمثل لتجنيب لبنان حربا مدمرة دأبت فرنسا على التحذير منها. ولعل من ضمن هذه المؤشرات ان إسرائيل بادرت امس على نحو نادر إلى “إبداء الأسف” لقتلها الرقيب الشهيد في الجيش اللبناني عبد الكريم المقداد وجرح أربعة عسكريين لبنانيين اخرين في قصف لمركز عسكري في الجنوب، كما قول وزير دفاعها يوآف غالانت : “سنبعد حزب الله وراء نهر الليطاني عبر تسوية دولية استنادا لقرار أممي وإذا لم تنجح التسوية الدولية فسنتحرك عسكرياً لإبعاد “حزب الله” عن الحدود”. كما ان صحيفة “يديعوت احرونوت” الإسرائيلية نقلت عن مسؤولين إسرائيليين ان واشنطن تدرس إمكانية التوصل الى تسوية بين إسرائيل ولبنان في شأن الحدود. ووفق المسؤولين نفسهم، فإن المبعوث الأميركي إلى لبنان اموس هوكشتاين يعمل لإبرام اتفاق لتقليص احتمالات التصعيد، وتسوية الحدود البرية المقترحة ستكون على غرار اتفاقية الحدود البحرية. وقالت الصحيفة إن “الهدف من الاتفاق المحتمل هو إبعاد “حزب الله” بشكل دائم عن الحدود”.
وفي معلومات لـ”النهار” امس ان وفدا امنيا فرنسيا جديدا سيحضر الى بيروت في اليومين المقبلين بعد الزيارة التي قام بها مدير المخابرات الفرنسية برنار أيمييه قبل أيام. وتم امس تحديد مواعيد للوفد مع المسؤولين الذين طلب الاجتماع بهم .
وفي السياق افادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين انه على رغم شدة التوتر التي تسود الوضع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية فأن احتمال قيام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بزيارة القوة الفرنسية العاملة ضمن قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام اليونيفيل خلال فترة عيد الميلاد يبدو واردا. فالرئيس الفرنسي يزور سنويا في مناسبة عيد الميلاد القوات الفرنسية المنتشرة في الخارج ومن بين الدول التي يمكن ان يزورها لبنان، علما ان القرار النهائي لم يتخذ بعد وهناك دول أخرى مرشحة لتكون مكان زيارته. اما في الوضع القائم على الحدود اللبنانية الإسرائيلية فتعتبر باريس ان “حزب الله” هو الذي يتحمل مسؤولية القصف من لبنان على إسرائيل وليس “حماس”، لذا توجه باريس الرسائل الى “حزب الله” عبر القنوات الفرنسية العديدة من كبار المسؤولين الفرنسيين الذين زاروا لبنان لهذه الغاية. وهذه الرسالة التي تم تكرارها ومفادها ان على “حزب الله” التوقف عن القصف نحو إسرائيل وان فرنسا تعتبر انه هو من يخرق القرار ???? اذ لا يحق للحزب ان يكون له سلاح ثقيل جنوب الليطاني ولدى “حزب الله” حاليا في جنوب الليطاني ترسانة أسلحة ضخمة مؤلفة من صواريخ واسلحة ثقيلة. وتلفت باريس الى ان اسرائيل تستهدف اليوم تدمير ترسانة سلاح “حماس” في غزة ومن المستبعد ان تترك ترسانة “حزب الله” في لبنان كما هي في جنوب الليطاني. وترى باريس انه اذا لم يدرك اللبنانيون و”حزب الله” ذلك فهناك كارثة تهدد البلد. وهذا هو مضمون كل الرسائل الفرنسية التي توجه الى الحزب والى المسؤولين اللبنانيين. اما زيارة ماكرون للقوة الفرنسية في لبنان فلم تحسم بعد علما انه سبق للرئيس الفرنسي ان اثبت انه مستعد للمخاطرة لانه معني باستقرار لبنان وامنه. كما تكرر باريس ان الوضع الداخلي المتدهور مع الفراغ من دون رئيس جمهورية ودون قائد للجيش ودون حاكم مصرف لبنان يتطلب التمديد لقائد الجيش من اجل امن البلد وهذه قناعة الديبلوماسية الفرنسية .
وامس ندّدت الخارجية الفرنسية بالقصف الإسرائيلي الذي أودى بجندي لبناني، وقال المتحدث باسم الوزارة “إن فرنسا تشعر بقلق بالغ إزاء استمرار الاشتباكات على الحدود بين لبنان وإسرائيل”، داعيا “جميع الأطراف” إلى “أقصى درجات ضبط النفس”. واضاف: “تعرب فرنسا عن قلقها العارم إزاء مواصلة المواجهات على الحدود اللبنانية مع إسرائيل. وتشجب القصف الإسرائيلي الذي أودى بحياة أحد أفراد القوى المسلّحة اللبنانية. وتتقدم بالتعازي الحارّة لذويه . وتعرب فرنسا مجدّدًا عن دعمها للجيش اللبناني الذي يضمن وحدة البلاد واستقراره. وتذكّر بحرصها على سيادة لبنان وتنفيذ جميع الأطراف المعنية قرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تنفيذًا كاملًا”. وختم:”يتعيّن على جميع الأطراف ممارسة أقصى درجات ضبط النفس من أجل تجنيب اشتعال الوضع الذي لن يمكن للبنان أن يتعافى منه. وتهدّد هذه المواجهات أمن قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان التي يكتسي الحفاظ على قدرتها على العمل وأمنها أهميّة جوهريّ”.
المشهد الداخلي
اما في المشهد الداخلي فبدا لافتا امس تزامن زيارتين قام بهما تباعا كل من السفير الإيراني مجتبى اماني ووفد من “حزب الله” لكليمنصو حيث التقيا الرئيس السابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، السفير بحضور رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب تيمور جنبلاط والنائب وائل أبو فاعور والوزير السابق غازي العريضي . وضم وفد “حزب الله” المعاون السياسي للامين العام لـ”حزب الله” حسين الخليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا . وكان النائب السابق وليد جنبلاط زار رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد وقدم اليه التعازي بنجله.
وفي المواقف من تطورات الوضع الجنوبي اكد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، ان بيان حركة “حماس” الاخير “غير مقبول لا شكلًا ولا مضمونًا وهو يمسّ بالسيادة اللبنانيّة كما يحاول من جديد الإساءة إلى العلاقة بين اللبنانيّين والفلسطينيّين” مطالبا الحكومة بوضوح شديد بالضغط على “حزب الله” لوقف كل هذه المهزلة” .
وحضرت القضية نفسها اضافة الى مسألة الشغور الذي يتهدد قيادة الجيش، في الاجتماع الشهري للمطارنة الموارنة في بكركي . ودان المطارنة ” فتح جبهات جديدة في جنوب لبنان لأيّ فصيلةٍ من الفصائل الفلسطينيّة لأنّه إنتهاكٌ لسيادة لبنان كدولةٍ مستقلّة. وذكروا بأنّ “قرار الحرب والسلم يجب أن يكون في يد الدولة اللبنانيّة وحدها لما له من تبعات على كامل الشعب اللبنانيّ”. كما اعتبروا “أنّ الدولة اللبنانيّة التي من حقّها الحصريّ أن تأخذ قرار الحرب والسلم، يجب أن تكون مكتملة الأوصاف بمؤسّساتها الدستوريّة، وأن يكون لديها أداة ٌ فعّالة للدفاع عن البلاد وأهلها. وهذا دور الجيش الذي ينبغي أن يُحافظ عليه كمؤسّسة دستوريّة أساسيّة، ويساند في وحدته وقيادته والثقة به، ولا يُسمح للفراغ أن يهدّد مراكز القيادة فيه”.
وأعربوا عن “خشيتهم أن يؤدّي تغييب رأس الدولة الى مزيد من الإستفرادات بقرار الحرب باسم لبنان، وإلى شلّ الجيش، والعبث بالقرار 1701، واستعمال لبنان كساحة في صراعات عسكريّة إقليميّة وفتح حدوده وساحته مجدّداً أمام السلاح غير اللبنانيّ؛ كلّ ذلك هو خروج فاضح على الميثاق وعلى اتّفاق الطائف الذي أعاد السلم الداخلي والخارجي إلى لبنان”.
وسيقوم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اليوم بزيارة تضامنية إلى الجنوب على رأس وفد من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك وسيستهل الراعي زيارته التفقدية من مطرانية صور المارونية على أن ينتقل بعدها إلى مطرانية الروم الكاثوليك ويتخلل الزيارة لقاء مع ممثلي الطوائف الروحية الإسلامية والمسيحية في المنطقة.
شكوى وتصعيد
الى ذلك، اوعز وزير الخارجية عبدالله بوحبيب امس الى بعثة لبنان لدى الامم المتحدة بتقديم شكوى جديدة الى مجلس الامن الدولي ردا على استهداف الجيش اللبناني وسقوط شهيد وجرحى عسكريين، وردا أيضا على رسائل المندوب الإسرائيلي في الامم المتحدة لمجلس الامن.
واعلن الجيش الإسرائيلي إنه “يراجع ضربة ألحقت ضررا بقوات لبنانية في جنوب لبنان”، في إشارة الى القصف الذي تسبب في مقتل جندي لبناني . وكتب الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي “نؤكد ان أفراد الجيش اللبناني لم يكونوا أهداف هذه الغارة . جيش الدفاع يتأسف على هذا لحادث ويقوم بالتحقيق في ملابساته”. وكان أهالي بلدة شمسطار وقرى غرب بعلبك اقاموا امس تشييعا حاشدًا للرقيب الشهيد المقداد .
وعلى الصعيد الميداني استمر التصعيد على طول خطوط المواجهة جنوبا حيث نفذ الطيران الاسرائيلي المسيّر غارة استهدف خلالها المنطقة الواقعة بين بلدتي مارون الراس ويارون وتزامن ذلك مع قصف مدفعي على المنطقة نفسها. كما افيد عن سقوط إصابات إثر إستهداف الجيش الإسرائيلي منزلاً في بلدة ميس الجبل. وتحدثت المعلومات عن سقوط قتيل وجريحين جراء هذا الاستهداف. وطاول القصف المدفعي أطراف مارون الراس وأطراف بلدة يارون واطراف بلدات الفرديس- راشيا الفخار – مزرعة حلتا خراج كفرشوبا ومزرعة السلامية خراج بلدة الماري قضاء حاصبيا . وتعرضت اطراف بلدات عيتا الشعب ، كونين ، يارون ، مارون الراس ، و بليدا لقصف مدفعي .
في المقابل، اعلن حزب الله ” في بياناته استهداف العديد من المواقع والتجمعات العسكرية الإسرائيلية وهي : موقع الرادار ، رويسات القرن ، مستوطنة ميتات ، موقع الضهيرة ، حدب البستان ، جل العلام ، تل شعر ، الراهب ، المالكية ، راميم، الموقع البحري .