كتبت صحيفة “النهار”: على مقربة من التشييع الحاشد الذي أقيم في بلدة خربة سلم للقيادي الميداني البارز في “حزب الله” وسام حسن طويل الذي اغتالته إسرائيل اول من امس، صعدت الدولة العبرية امس إعصار الاغتيالات فاستهدفت قياديا اخر لا يقل أهمية في موقعه الميداني في “حزب الله” بوصفه مسؤول الوحدة الجوية في الحزب علي حسين برجي، الامر الذي يرسم علامات شديدة الخطورة حيال مسار التصعيد المتدحرج الذي تتبعه إسرائيل على الجبهة الجنوبية للبنان ان في حرب الاغتيالات او في المواجهة الميدانية. وبطبيعة الحال فان توغل الردود الميدانية لـ”حزب الله” على الاغتيالات على النحو الذي حصل امس في استهداف الحزب لموقع القيادة العسكرية الإسرائيلية في الجليل الأعلى الواقع في مدينة صفد يعتبر مؤشرا لاقتراب العد العكسي للانفجار الشامل المحتمل بين إسرائيل والحزب من النقطة التي قد يصعب معها لجم او ردع او احتواء الانزلاق الى الحرب، سواء كان متعمدا او بفعل تطور سريع غير محسوب لخسائر موجعة يسددها احد الفريقين الى الاخر في لحظة مواجهة ضارية.
تبعا للتصعيد المخيف الذي توالت فصوله امس ان بحرب التصفيات وان بالمواجهات الميدانية لم يعد غريبا “تهافت” الموفدين الدوليين والغربيين الى بيروت على النحو الحاصل بما يعكس تصاعد المخاوف الخارجية الى ذروتها من تفلت المواجهات الجارية عند الحدود اللبنانية الجنوبية مع إسرائيل من ضوابط الخطوط الحمر التي ظلت قائمة حتى الان رغم الضراوة التي بدأت تظلل المواجهات. ولذا ستتركز الأنظار من اليوم على المهمة الجديدة التي يتولاها كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين الذي علمت “النهار” انه سيصل اليوم الى بيروت في زيارة تستمر يومين، وتسبق وصول السفيرة الأميركية الجديدة ليزا جونسون غدا لتسلم منصبها كقائمة بالأعمال للولايات المتحدة الى ان تقدم أوراق اعتمادها كسفيرة الى رئيس الجمهورية العتيد عقب انتخابه. المعلومات عن مهمة هوكشتاين ظلت عرضة للاجتهادات المحلية من دون أي دقة كافية وحاسمة في انتظار شروعه في اللقاءات مع المسؤولين الرسميين التي سيبدأها من دون انتظار السفيرة الجديدة بما يعكس الطابع العاجل والاستثنائي لزيارته وما سينقل خلالها من أفكار واتجاهات تهدف الى تبريد الجبهة الميدانية جنوبا أولا والانطلاق في مفاوضات جديدة تهدف الى تحريك ملف ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل. وعلمت “النهار” ان هوكشتاين سيبقي لقاءه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الى خاتمة زيارته يوم غد بعد ان يكون انهى لقاءاته الأخرى في بيروت. وكان هوكشتاين التقى قبل يومين في روما نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب.
وعشية وصول المبعوث الاميركي، جال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، جان بيار لاكروا على المسؤولين اللبنانيين الرسميين مؤكدا “التزام الأمين العام والأمم المتحدة تجاه لبنان وإستمرارهما في بذل الجهود مع المجتمع الدولي لخفض التصعيد وصولاً الى وقف دائم لإطلاق النار”. واثار الموفد الأممي تخوفه من إستمرار التصعيد القائم في المنطقة ولبنان ودعا “كل الاطراف الى التهدئة، والى دعم الجيش في جنوب لبنان واستمرار التعاون بينه وبين اليونيفيل بشكل وثيق”. وأفادت معلومات ان لاكروا طلب من لبنان اتخاذ اجراءات محددة لمنع تدهور الاوضاع نحو الأسوأ فيما حمل لبنان لاكروا رسالة بضرورة التنفيذ الشامل للقرار 1701 بما فيه الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
غير ان وزيرة الخارجية الألمانية انالينا بيربوك التي كان يفترض ان تصل امس الى بيروت من القاهرة لتبدأ محادثات مع عدد من المسؤولين، علمت “النهار” ان وصولها تأخر بسبب مسالة لوجستية إدارية متعلقة بجوازات السفر لكن زيارتها المقررة للبنان قائمة ولم تلغ وستلتقي الرئيس نجيب ميقاتي قبل الظهر. واصدرت وزارة الخارجية اللبنانية بيانا أعتذرت فيه من الصحافيين “لإلغاء الموعد الذي كان مقررا مساء اليوم (امس) بين الوزير عبدالله بو حبيب ونظيرته الألمانية لأسباب خارجة عن ارادتنا”.
التصعيد المتقابل
في غضون ذلك اكتسبت المواجهات الميدانية بين إسرائيل و”حزب الله” دلالات جديدة وتراكمية من الخطورة مع تسعير إسرائيل حرب التصفيات لكوادر الحزب فيما اتسمت ردود الحزب ببعد ميداني تمثل باستهداف الأعماق العسكرية الإسرائيلية. وفي يوم ميداني اخر اتسم بتصعيد كبير استهدفت إسرائيل صباحا سيارة في بلدة الغندوريّة في قضاء النبطية بصاروخ موجه، قتل فيها 3 عناصر لـ”حزب الله” والسيارة التي استهدفت كانت تبعد عن المدارس في البلدة حوالي الـ300 متر ما سبب حالة من الهلع عند الطلاب والاهالي. وعلى الأثر اطلق 20 صاروخاً من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل في وقت واصلت إسرائيل قصف مناطق في الجنوب.
بعد ذلك سُجلت غارة بصاروخين اطلقا من مسيّرة استهدفت سيارة متوقفة بجانب الطريق في بلدة خربة سلم على مسافة قصيرة من موكب تشييع القيادي في “حزب الله” وسام الطويل. وادعت وسائل إعلام إسرائيلية ان الضربة التي استهدفت سيارة في بلدة خربة سلم أدت الى مقتل مسؤول العمليات الجوية في “حزب الله” واشارت هيئة البث الإسرائيلية الى تصفية مسؤول وحدة المسيرات في “حزب الله” علي حسين برجي. ولكن “حزب الله” اصدر بيانا ليل امس نفى فيه “نفيا قاطعا الادعاء الإسرائيلي الكاذب الذي لا صحة له على الإطلاق ” باغتيال من سماه تارة مسؤول وحدة المسيرات في حزب الله او مسؤول القوة الجوية تارة أخرى”. واكد الحزب ان “الأخ المجاهد مسؤول وحدة المسيرات في حزب الله لم يتعرض بتاتا لاي محاولة اغتيال”.
في المقابل، كان “حزب الله” اعلن انه “في إطار الرد على جريمة اغتيال الشيخ صالح العاروري وإخوانه المجاهدين الشهداء في الضاحية الجنوبية لبيروت وجريمة اغتيال القائد الشهيد الأخ المجاهد وسام الطويل (الحاج جواد) قامت المقاومة الإسلامية في لبنان باستهداف مقر قيادة المنطقة الشمالية التابع لجيش العدو في مدينة صفد المحتلة (قاعدة دادو) بعدد من المسيرات الهجومية الانقضاضية”. ايضا، اعلن استهدافه موقع البغدادي وثكنة وموقع حانيتا وتجمعا للجنود في محيط ثكنة أدميت وموقع رويسات القرن .
ونعى “حزب الله” تباعا عيسى علي نور الدين من بلدة برج قلاويه ومحمد شريف السيد ناصر من بلدة حي الفيكاني في البقاع وحسن عبد الحسين اسماعيل من بلدة عيتا الشعب. وفي وقت لاحق نعى علي حسين برجي “أبو مهدي” من بلدة مركبا.
وفي تشييع حاشد اقيم في بلدة خربة سلم للقيادي في الحزب وسام حسن طويل اعلن الشيخ نبيل قاووق في كلمة باسم الحزب ” نقول لرئيس حكومة العدو نتنياهو لو لم تكن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت لما كانت تتوسل أميركا والدول الغربية لعودة المستوطنين إلى مستوطنات الشمال، ولما كانت إسرائيل تستجدي الأمم المتحدة والدول الكبرى لتطبيق 1701، ولما كانت إسرائيل تطلب الحماية من أميركا و20 دولة في العالم لتوفير الحماية للسفن الإسرائيلية في البحر الأحمر”.
وقال:”سنبقى في ميادين القتال ننصر غزة بسلاحنا وأقدس دماء شهدائنا، وليس هناك لغة بيننا وبين العدو إلا الصواريخ والمسيرات حتى نصنع النكبة الكبرى لإسرائيل، ليس بيننا وبينكم إلا القتال والمفاجآت الكبرى حتى نرفع بإذن الله مع شعبنا في فلسطين ومع أهلنا في العراق وفي اليمن وكل ساحات المقاومة، رايات الانتصار، وراية فلسطين فوق أسوار القدس وقبة الأقصى”.
المفاوضات والرئاسة
اما في تداعيات الوضع الميداني على المشهد السياسي فلوحظ ان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع عاود اطلاق تحذيراته من ربط أي مفاوضات تتعلق بالوضع في الجنوب بالازمة الرئاسية. وقال في موقف جديد امس “إن هذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلًا، فرئاسة الجمهوريّة ليست بدلًا عن ضائع، ولن تكون جائزة ترضية لمحور المقاومة، ولن تكون أمرًا ملحقًا لأيّ صفقة لا من قريب ولا من بعيد. إنّ رئاسة الجمهورية في لبنان هي موضوع قائم بحدّ ذاته لا علاقة له بأيّ صفقة أخرى. فبعد كلّ الذي جرى في لبنان وما يعيشه المواطن اللبناني أصبحنا وأكثر من أي وقت آخر بأمس الحاجة الى رئيس جمهوريّة فعليّ ، همّه ، ليس ترتيب أمور محور الممانعة ولا خدمته، إنما تنظيم أمور الجمهورية اللبنانية والالتفات إلى مصالح الشعب اللبناني. نرفض أيّ رئيس صوريّ لا يتمتّع بالصفات المطلوبة لرئيس الجمهوريّة في هذه المرحلة، ويأتي كجزء من تسوية إقليميّة يجري النقاش فيها في الوقت الحاضر”.