كتبت صحيفة “النهار”: اذا كانت الأجندة المحلية توزعت في الأسبوع الماضي بين تحرك سفراء مجموعة الدول الخماسية المعنية بأزمة الفراغ الرئاسي في لبنان وجلسات مناقشة الموازنة واقرارها، فان الاستحقاق الداهم والمثير للمخاوف المتزايدة منذ نحو أربعة اشهر استمرّ ويعود مثقلا بمزيد من المخاوف حيال انزلاق لبنان الى حرب تنصب أفخاخها بصورة مكشوفة إسرائيل وتحشد لها التهديدات مقترنة بالحشود العسكرية. كما ان التطورات الإقليمية المتلاحقة في المنطقة تشكل عاملا إضافيا من عوامل ازدياد القلق لبنانيا لا سيما في ظل التداعيات المتوقعة للهجوم الذي استهدف امس قاعدة في شمال شرق الأردن وادى الى مقتل ثلاثة جنود اميركيين واصابة 34 آخرين بجروح وما يمكن ان يستتبعه ويستدرجه من تداعيات خطيرة في المنطقة من شأنها ان تنعكس على الجبهة الجنوبية.
ولأن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وضع يده مجددا على جرح الأهالي الجنوبيين النازف بسبب استجرار الخراب والدمار والشلل الى المناطق الحدودية، وتحدث باسمهم مباشرة ونقل ما يصله منهم من شكاوى مباشرة، اشعل هواة التخوين المعروفي الاتجاهات والارتباطات والتمويل والتوجيه مجددا هوايتهم و”ثقافتهم” مستهدفينه بالمشين والمقذع من التعبير السوقي عبر مواقع التواصل الاجتماعي في حين ان أحدا لا يجرؤ على وضع الأصبع على فداحة الخسائر البشرية وجسامة الدمار اللاحق بعشرات البلدات والقرى في المنطقة الحدودية والاهم على معاناة ما بات يقرب من مئة الف نازح جنوبي من منازلهم. لذا عاد الجنوب الملتهب الى صدارة المشهد الداخلي وسط ارتفاع لافت ومقلق في مستوى المواجهات الميدانية المنذرة بتصعيد مطرد علما ان الساعات الثماني والأربعين المنصرمة اتسمت أيضا بتصاعد حرب الشائعات التي يجري عبرها تداول مواعيد مزعومة او مفترضة حول شن عملية إسرائيلية في العمق اللبناني وتاليا اشتعال الحرب الواسعة في حين وزعت معلومات عن مناورات إسرائيلية تحاكي عملية برية ضد “حزب الله”.
وفي أي حال، فان الحركة المتصلة بنتائج الاجتماع الذي عقده سفراء دول المجموعة الخماسية، الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، الأسبوع الماضي في دارة السفير السعودي وليد بخاري، ستستأنف هذا الأسبوع اذ علم ان السفراء الخمسة سيزورون غدا الثلثاء رئيس مجلس النواب نبيه بري لاطلاعه على أجواء تحركهم الجديد ويعتقد ان زيارتهم لعين التينة ستكون منطلقا لجولة واسعة تستتبع بلقاءات للسفراء مع رئيس الحكومة والقيادات السياسية ورؤساء الكتل النيابية.
الجنوب
واما المشهد الميداني في الجنوب، فشهد تصعيدا حادا متواصلا في عطلة نهاية الأسبوع ولوحظ ان مستوى استهداف الغارات الإسرائيلية للمباني المدنية والتجارية قد ازدادا بصورة لافتة ومتعمدة لأحداث اكبر حجم من التدمير. وامس سقط أربعة جرحى في قصف مدفعي إسرائيلي على بلدة حولا كما استهدفت غارة إسرائيلية أطراف بلدتي مروحين ورامية. ودوت صفارات الإنذار في كريات شمونة في أصبع الجليل وذكر ان “حزب الله” استهدف المستوطنة بصواريخ مضادة للدروع ذات تقنية جديدة . وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن “طائرات مقاتلة هاجمت موقعين عسكريين تابعين لحزب الله في محيط قريتيْ زبقين وحولا في جنوب لبنان”. واشار الى ان “الجيش الاسرائيلي أطلق نيران المدفعية لإزالة التهديد باتجاه مناطق عدة في جنوب لبنان”.
كما نفّذ الطيران الحربي الاسرائيلي عصرا هجوماً استهدف بلدة عيتا الشعب واتبعها بغارة ثانية استهدفت بلدة مارون الراس فيما كان القصف المدفعي المباشر يطاول أطراف بلدة الناقورة وجبل اللبونة. وكانت المدفعية الإسرائيلية استهدفت ايضا حرج بلدة مركبا ومنطقة مشعرون الواقعة بين بلدتي مركبا وطلوسة وسقطت القذائف الفوسفورية بين المنازل، كما استهدف القصف المدفعي بلدة كفركلا.ثم نفّذ الطيران الحربي الإسرائيلي غارة عنيفة على الضهيرة الفوقا استهدفت منزلا مؤلفا من ثلاثة طوابق، ما دفع بفرق الاسعاف الى التوجّه فوراً الى المكان. ومساء شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارة على بلدة مروحين مما أدى الى وقوع إصابات في مبنى دمر تماما.
وفي المقابل شن “حزب الله” هجمات عدة على المواقع الإسرائيلية فاعلن انه استهدف انتشارا للجنود الإسرائيليين في ثكنة راميم، كما اعلن انه استهدف بالصواريخ الجنود الإسرائيليين شرقي موقع بركة ريشا كما استهدف انتشارًا للجنود الإسرائيليين في محيط ثكنة هونين بصاروخ بركان، ومن ثم استهدف تجمعًا للجنود الإسرائيليين في موقع تل شعر. ونعى الحزب ثلاثة من مقاتليه هم صادق محمد هاشم وعلي جمال شكر وحسين حلاوي كما نعى المصور الصحافي امير علي عيسى الذي قضى في حادث سير .
الراعي… وعودة
وسط هذه الأجواء الملبدة تناول البطريرك الراعي الوضع القائم في الجنوب في عظته امس فقال بعدما أعرب عن اسفه ” أن نرى شعبنا في لبنان في حالة الذلّ والفقر والتقهقر الإجتماعيّ إقتصاديًّا وماليًّا وترقيًّا”..” يعرب لنا أهالي القرى الحدوديّة في الجنوب عن وجعهم لتخلّي الدولة عنهم وعن واجباتها ومسؤوليّاتها تجاههم. فهم بكبارهم وصغارهم يعيشون وطأة الحرب المفروضة عليهم والمرفوضة منهم إذ يعتبرون ان لا شأن للبنان واللبنانيّين بها. ويكتبون إلينا: “نعيش ضغوط الحرب النفسيّة وتسحق أعصابنا أهوال الغارا ت اليوميّة وأصوات القذائف المدويّة. وأطفالنا محرومون من وسائل الترفيه ولا يتلقون تعليما مدرسيًا منتظمًا إلا عن بُعْد بسبب الإقفال القسري لمدارسنا الذي فرضته الحرب الحالّية.
ويتابعون:”بإمكانكم أن تتصّوروا مدى الفشل والفوضى والإخفاق والقلق الذي يترتّب على هذا الواقع المرير، وتداعياته على المستقبل التعليميّ والنفسيّ لأولدنا…ويضيفون: اسمحوا لي اقولها بالفم الملآن – ليس تخليًّا عن القضايا الوطنيّة ولا العربية ، بل انطلقًا من صدقي مع ذاتي – أرفض أن أكون وأفراد أسرتي رهائن ودروعا بشريّة وكبش محرقة لسياسات لبنانية فاشلة، ولثقافة الموت التي لم تجّر على بلادنا سوى الإنتصارات الوهميّة والهزائم المخزية. إنّنا نسمعهم وقلبنا ينزف دمًا. ونعمل كلّ ما بوسعنا لمساعدتهم بشتى الوسائل بالتعاون مع ذوي الإرادات الحسنة” .
وعقب الحملة التي طاولت البطريرك الراعي عبر مواقع التواصل الاجتماعي أفيد ان عددا من المحامين في حزب “حركة التغيير” سيقدمون اليوم بشكاوى جزائية امام النيابة العامة التمييزية في بيروت ضد كل من تناول البطريرك الماروني بالإساءات.
وبدوره تطرق متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة الى وضع الدولة فقال”هل يبنى بلد بلا رأس يتولى قيادة المجموعة الحاكمة والتنسيق بين أعضاء الجسد؟ وهل يبنى بلد بلا حكومة تضع الخطط الإصلاحية وتنفذها، عوض إعداد موازنة هي كارثة على البلد كما أجمع معظم النواب، وبلا قضاء نزيه وعادل لا يسكت على ظلم ولا يساوم على حقيقة؟” . وأشار الى ان “جريمة المرفأ عار على دولتنا وعلى بعض قضاتنا ليس فقط لأنهم لم يقوموا بواجبهم في جلاء الحقيقة وفرض العدالة، بل لأنهم ساهموا في طمسها معرقلين التحقيق نزولا عند رغبة سياسيين يستغلون نفوذهم، ويتهربون من المثول أمام قاضي التحقيق عوض إثبات براءتهم، وإعطاء المثل الصالح في احترام القانون. كما أنهم استهانوا بأرواح الضحايا ولم يعيروا آلام ذويهم أية أهمية. كذلك لم ينصفوا من أصيبوا في أجسادهم وفي ممتلكاتهم ولم يجدوا التفاتة من الدولة، ومنهم من يعاني حتى الآن”.