كتبت صحيفة “الأخبار”: لم تحتج حماسة اجتماع الخماسية الدولية سوى الى ايام قليلة لتبيان خطأ الرهان على بعث الروح في انتخاب الرئيس. ما تناهى من مناقشاتها الى الافرقاء اكد المؤكد: الشغور يراوح مكانه. فهم هؤلاء ان الاختلاف في الآراء كان في صلب ما تحدث فيه السفراء
من بعض ما وصل الى افرقاء محليين عن اجتماع الخميس الفائت (25 كانون الثاني) لسفراء دول الخماسية، ان عودة الموفد الفرنسي الخاص جان ايف لودريان الى بيروت في جولة تحرّك جديدة تنتظر حصوله على تفويض دولها له، غير المعطى كلياً في الوقت الحاضر.يتفق السفراء الخمسة على الحاجة الى مرشح جديد لرئاسة الجمهورية. يتقاطعون على الاعتقاد بأن انتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية متعذر. يتقاطعون كذلك على ان من الصعوبة بمكان انتخاب رئيس لا يوافق عليه الثنائي الشيعي. الا انهم يختلفون على المرشح. لكل من فرنسا والسعودية وقطر مرشح يختلف عن الآخر. يقال ان باريس تجاري الرياض في تأييد انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون، فيما تحبذ الدوحة المدير العام للامن العام بالانابة اللواء الياس البيسري. رابعتهم القاهرة تبحث عن دور، فيما الاوسع تأثيراً واشنطن لا مرشح لها يشغل اهتمامها سوى القرار 1701. يكاد يكون مرشحها الوحيد في الوقت الحاضر.
لا مغزى للموقف الاميركي سوى انه يتطابق مع موقف حزب الله، لكن في وجهة مغايرة تماماً لكل ما يدور من حوليْهما: ما يعني الحزب حالياً انطفاء حرب غزة ومن ثمّ النظر في ما سيكون عليه التفاوض على القرار 1701. بذلك، دون سائر دول الخماسية كما الافرقاء اللبنانيين، يستحوذ القرار 1701 على انشغال الطرفيْن الاكثر فاعلية في الاستحقاق الرئاسي وفي الاستقرار الداخلي كما على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية. لكل من واشنطن وحزب الله مفهوم مختلف لقرار مجلس الامن وتفسيره وطريقة تطبيقه، ما يجعل اي تفكير لهما في استعجال انتخاب الرئيس في وقت قريب قليل الاهمية، هامشياً ان لم يُقل منسياً.
ليس الزوار الدوليون السياسيون وحدهم اكبّوا على الطلب من السلطات اللبنانية العودة الى القرار 1701 في الجنوب، فسحاً في المجال امام عودة آمنة للمستوطنين الاسرائيليين. ثمة زوّار في الخفاء لا يفصحون عن مهماتهم. يحضرون ويرحلون في صمت بعيداً من الاضواء هم رؤساء استخبارات عسكرية اوروبية مهمومون بأمن اسرائيل. بينهم المعروف اهتمامه كألمانيا، وبعضهم غير معروف اهتمامه كرومانيا. يصل رؤساء اجهزة استخبارات لمهمة محددة هي حض الحكومة اللبنانية على العودة الى قرار مجلس الامن.
بذلك يتكشّف واقع الاهتمام الدولي بالجزء اللبناني في حرب غزة اكثر منه ذاك المتصل بالدولة اللبنانية وتحديداً انتخاب رئيس للجمهورية. الاول يعبّر عن الاستقرار الاقليمي تتداخل فيه اكثر من دولة، لكن اسرائيل اول مَن يريده، فيما الثاني شأن محض محلي يعني اللبنانيين دون سواهم سواء اتفقوا او تنابذوا كما الآن. ذلك ما تشير اليه معطيات اضافية:
1 – ليس بين المسؤولين اللبنانيين مَن يسمع زائراً دولياً، سياسياً او امنياً، يربط تنفيذ القرار 1701 بانتخاب الرئيس، او العكس. يكتفون بالسؤال عن مآل قرار مجلس الامن فقط.
2 – الربط الجاري الكلام عليه ليس الا من صنع افرقاء الداخل، لم يتورط فيه احد في الخارج وليس في جدول اعمال دول الخماسية، ولا حتماً ناقشوه في اجتماعهم الاخير. الا انهم، كسواهم من زملائهم العرب والدوليين، يسألون عن القرار 1701 على انه عامل استقرار في جنوب لبنان ومع اسرائيل.
3 – تحوّل الجدل الدائر من حول الربط بين القرار والاستحقاق، او عدم ربط احدهما بالآخر، الى مادة جديدة للاشتباك السياسي في ما بين الافرقاء المحليين لا سيما منهم الاطراف المسيحيين. بالتأكيد جميعهم معنيون بانتخاب الرئيس وشركاء فيه في مجلس النواب وخارجه، ويملك بعضهم فيتو منع وصول غير المرغوب في وصوله، بيد انهم ليسوا كذلك ابداً حيال القرار 1701 الذي لا يمسك بناصيته سوى فريق واحد فقط هو الثنائي الشيعي: الرئيس نبيه برّي سياسياً في ما يشترطه على كل مَن يفاتحه في تطبيقه لدى استقباله من الزوار على انه هو المحاور الشيعي غير المستغنى عنه، وحزب الله اللاعب الميداني الوحيد على ارض القرار والطرف المباشر في حرب غزة.
4 – المثير للانتباه المصادفات المستجدة في الآونة الاخيرة في تقاطعات تجعل حزب الله وحزب القوات اللبنانية طرفيْها. حدث ذلك في تمديد بقاء قائد الجيش في منصبه سنة جديدة دونما ان يُصوّت له الحزب، بيد انه مثّل الغطاء السياسي لاكتمال نصاب البرلمان. الآن يتقاطعان على رفض ربط الاستحقاق الرئاسي بتنفيذ القرار 1701.
في حسبان حزب القوات اللبنانية، وهو يرفض الربط، معارضته اي صفقة سياسية تنشأ عن الموافقة على تنفيذ القرار في مقابل وصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية على انه مكافأة لحزب الله. ما يريده تطبيقه بلا شروط بارغام حزب الله على اخلاء منطقة عمليات القوة الدولية، وكذلك انتخاب رئيس للجمهورية يستفز حزب الله ولا يكتفي بأن يكون محايداً.
وجهة النظر المقابلة اكثر تشعباً. في حسبان حزب الله انه ممسك بإحكام بالاستحقاقيْن في آن: ما دام يملك فيتو قاطعاً يمنع انتخاب رئيس للجمهورية لا يوافق عليه، الا انه في الوقت نفسه متمسك بمرشحه المتمسك هو الآخر بالاستمرار في ترشحه ما دام يحتفظ منذ جلسة 14 حزيران بـ51 صوتاً لم يقل اي من اصحابها انه تخلى عنه. القيمة المضافة اخيراً تأكيد الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط انه لا يمانع في انتخاب فرنجية. فوق ذلك كله، ليس خافياً ان حزب الله يدير الظهر كلياً للاستحقاق بينما اهتمامه بحرب غزة واستمرار اشتعال الجبهة الجنوبية مع اسرائيل.
اما القرار 1701 فشأن آخر عند حزب الله: هو اول المعنيين به ويكاد يكون الوحيد ما خلا ارسال الحكومة اللبنانية الجيش الى منطقة عمليات القوة الدولية في الجنوب. ما يُسمع عن موقف الحزب من قرار مجلس الامن غاية في الوضوح: لا عودة الى القرار 1701 على نحو ما كان عليه بين عام 2006 واندلاع حرب غزة بإبعاد حزب الله الى شمال الليطاني في مقابل تفلّت اسرائيلي في انتهاكاته. إما يُطبّق كاملاً او لا يُطبّق. سواء اضيف اليه في مرحلة ما بعد حرب غزة التفاوض على استعادة مزارع شبعا وB1 والنقاط الـ13 المختلف عليها او من دونها، لا رجوع اليه من دون توقّف الانتهاكات البرية والبحرية والجوية. المُحصى لدى السلطات اللبنانية مذذاك ما يزيد على 34 الف انتهاك اسرائيلي خلال 18 عاماً، في المقابل لم تسجّل القوة الدولية يوماً على مر السنين تلك انتهاكاً لبنانياً له. تالياً تطبيق متوازن له من جانبي الحدود.
ما يُسمع من يقين حزب الله ان لا تطبيق جدياً وفعلياً وحقيقياً للقرار 1701 انطلاقاً من الاعتقاد بأن ما تحتاج اليه اسرائيل يومياً هو انتهاك الاراضي اللبنانية لاسيما منها الجزء الاساسي والجوهري فيه، وهو الطلعات الجوية لطائراتها ومسيّراتها لمراقبة “خلف خطوط العدو”، مواقع حزب الله وراء الحدود، ورصد تحركاته ونشاطاته ومحاولة تقييد تحركاته. من دون انتهاك جوي كهذا تعرف اسرائيل انها قد تستيقظ يوماً على أنفاق لحزب الله تحت اراضيها.
يقارب حزب الله القرار 1701 اليوم على انه وجهة نظر على ما تفعل الدولة العبرية، كما لو انه مشطور الى تفسيرين.
الوسومالأخبار