كتبت صحيفة “الأنباء” الالكترونية: لا قرارات محكمة العدل الدولية، ولا كل أصوات الاستنكار استطاعت أن تردع إسرائيل عن استمرارها في ارتكاب المجازر، طالما أنها مطمئنة إلى الدعم الغربي الذي يتضح أن بعض مواقفه العلنية التي تدين شكلاً وخجلاً ممارسات إسرائيل، ينقضها الدعم العسكري والسياسي اللامتناهي لدولة الإرهاب تحت مسمى “الحفاظ على أمن إسرائيل”. وإلا كيف يفسر العالم إستمرار تل أبيب بحرب الإبادة في غزة؟
والى قافلة طويلة من مئات الآلاف، انضم امس أكثر من مئة شهيد وسبعمئة وخمسين جريحا امتزجت دماؤهم مع الطحين الذي انتظروه أسابيع في شمال غزة، فيما العالم لم يصدق بعد أن هناك مجاعة تضرب القطاع المنكوب من أقصاه الى أقصاه.
وعلى المقلب الآخر، مع لبنان، تستمر الحرب الإسرائيلية جنبا الى جنب مع التهديدات بالتوغل شمالاً في عمق الأراضي اللبنانية. ولأن الجنون الإسرائيلي في ذروته، ولأن الحقد والإجرام خبره لبنان طويلا من الكيان الإسرائيلي، فإن هذه التهديدات لا يمكن اعتبارها أنها من باب التهويل بدون أخذها على محمل الجد.
غير أن مصادر أمنية استبعدت عبر “الأنباء” الإلكترونية قيام اسرائيل بالتوغل شمالاً أو حتى مجرد التفكير بذلك، لأن قادة العدو يعلمون علم اليقين ما يواجهونه في الجنوب وفي لبنان، وأن مشاهد العمليات الانتحارية والمواجهات الميدانية التي تعرضوا لها في الاجتياحات السابقة لم تمح بعد من ذاكرتهم، وهي التي أجبرتهم على الانسحاب في 25 أيار من العام 2000.
وتوقعت المصادر أن يعمد العدو بحال قرر التوسع في عمليته الى قصف البنى التحتية اللبنانية كما فعل في حرب تموز 2006، لكنه غير مستعد للتوغل بضعة أمتار داخل الخط الأزرق باتجاه القرى الجنوبية لأنه يعرف ما ينتظره هناك.
وفي تعليقه على التهديدات الاسرائيلية وعدم التزام العدو بتطبيق الهدنة في الجنوب، أشار عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ميشال موسى في حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى أن “الهدنة المتفق عليها بين إسرائيل وحماس في غزة يجب أن تشمل الوضع في جنوب لبنان قياساً على ما كان قائماً في اتفاق وقف إطلاق النار السابق. وما تم الاتفاق عليه في غزة يجب أن يطبق في الجنوب، علماً ان حزب الله لم يبادر ولا مرة بإطلاق النار، بل كان في كل مرة يرد على الاعتداءات الاسرائيلية بشكل دائم”.
وعما إذا كان هناك ضمانات دولية للضغط على اسرائيل للالتزام بوقف إطلاق النار، رأى موسى أن “هذا الأمر هو جزء من المحادثات مع الدول المعنية، وهذا يتعلق بموقف اسرائيل ونجاح عملية تبادل الأسرى وفك الحصار عن غزة والتوقف عن قتل الأبرياء”، وأضاف: “إذا لم يكن هناك ضغط دولي على اسرائيل لوقف المجازر أكان في غزة او في جنوب لبنان فلا أمل بالتوصل إلى اتفاق جدي لوقف اطلاق النار، لأن اسرائيل لديها مشاكلها الداخلية، ولهذا يسعى نتنياهو للهروب الى الأمام”.
توازياً اعتبر النائب السابق شامل روكز في اتصال مع “الأنباء” الإلكترونية أن “التوغل في الجنوب من طروحات نتنياهو، وأن كل شيء وارد بعد فشل اسرائيل في غزة وعدم تحقيق أهدافها بالقضاء على حماس؛ ولهذا السبب يريد رئيس وزراء العدو نقل الجبهة الى الشمال، لكن هذا الأمر ليس محصوراً بالجنوب وحده. فهذه حرب شاملة وحزب الله هو احتياط استراتيجي لمحور عريض يبدأ في لبنان وينتهي في إيران، لكن جنون نتنياهو قد يأخذ المنطقة الى حرب شاملة. أما ما نشهده اليوم فلا يخرج عن إطار المناوشات، ولم يتم اللجوء بعد لسلاح الدقة لا من قبل إسرائيل ولا من قبل حزب الله، لكن في حال فرضت الحرب قد تنقلب الأمور رأسا على عقب”.
محلياً في غضون ذلك بقيت معضلة الزيادات التي أقرتها الحكومة على رواتب القطاع العام قبل يومين مدار اهتمام، وفي هذا السياق رأى روكز أن “هذه الزيادات غير منصفة، إذ إن ما أعطي للعسكريين والمتقاعدين لا يؤمن الحد الأدنى من معيشتهم الكريمة ولا يلبي الطموحات”، وتابع: “لا يمكن لأحد أن يعيش براتب 220 دولار”، مشيراً الى وجوب القيام بدراسة معمقة لهذه المطالب ووضع آلية للتحرك مستقبلاً مع الأخذ بالوضع المالي في البلد في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة”، معتبرا أن التحركات على الأرض والعودة الى الاضراب رهن بالمستجدات.
وفي ظل كل ذلك تبقى العين على التطورات العسكرية في الجنوب، معطوفة على تطورات غزة. فما يحكى عن خطط لمستقبل المنطقة لن يكون بعيدا عن الميدان الذي سيحدد بطبيعة الحال المسار السياسي.