كتبت صحيفة “الأخبار”: عكست اعتداءات العدوّ التي طاولت البقاع اللبناني، بعد استهداف المقاومة مقارّ الدفاع الجوي والصاروخي في الجولان المحتل ومنطقة الجليل، تصعيداً نوعياً، ما يضع المعركة على حافة التدحرج الى سيناريو أشدّ خطورة. في المقابل، عكس تصعيد حزب الله ردوده على العدوان الذي توسّع مدى وعمقاً إصراره على عدم فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة. وعدم الخضوع لضغط توسيع مدى المواجهة. وهو ما أشار إليه أمس رئيس معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي مانويل تراغتنبرغ، في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر السنوي السابع عشر للمعهد، بقوله إنه «في نهاية المطاف، لن يستسلم حزب الله ما دامت الحرب في غزة مستمرّة. ويتعيّن على أولئك الذين يصرّون على تنفيذ ضربة عسكرية إسرائيلية حاسمة في لبنان، بينما لا نزال منخرطين في غزة، أن يفكروا بعناية في احتمال إطلاق عشرات الآلاف من الصواريخ على إسرائيل». فيما رأى رئيس المجلس الإقليمي في الجليل الأعلى غيورا سالتس أن «إسرائيل فقدت قوتها الرادعة»، بعد إطلاق المقاومة أمس 100 صاروخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل والجولان.ولليوم الثاني على التوالي، استهدف العدو البقاع، بغارة جوية على مبنى سكني على الطريق الدولي بين بلدتَي السفري وسرعين، حيث سقط شهيد وثمانية جرحى. كما استهدفت مسيّرة إسرائيلية مبنى في بلدة النبي شيت. وادّعى الجيش الإسرائيلي أنه استهدف «مجمعات مهمة» لحزب الله. وقد جاءت الغارات غداة عدوان نفذته مقاتلات العدو ليل الاثنين – الثلاثاء استهدف مبنى في بلدة أنصار خلف مستشفى دار الأمل الجامعي، ومستودعاً بين شمسطار وطاريا.
وتؤكد طبيعة الحدث وساحة تنفيذه ورسائله وتداعياته المحتملة، أن القرار صدر عن المستويات العليا في المؤسستين السياسية والأمنية في كيان الاحتلال، إذ إن الحدث أكبر من أن تتفرّد به مستويات ميدانية ولو على مستوى قيادة المنطقة الشمالية. والعمق الجغرافي للاعتداءات وتوزّعها وتكرارها، على وقع ردود حزب الله، يكشف عن رسائلها الاستراتيجية وعن حجم الضغوط على العدو على جبهته الشمالية، كما لا يمكن فصلها عن الخيارات التي يلوّح بها العدو.
هذا التصعيد جاء بعد فشل محاولات واشنطن تفكيك جبهات الإسناد، ورفض حزب الله التعاطي مع أيٍّ من المطالب التي حملها الموفد الأميركي عاموس هوكشتين قبل إنهاء الحرب على غزة. كما يندرج في سياق تصاعد تبادل النيران الذي فاقم الضغوط على كيان العدو وعلى المستوطنين. فبحسب «القناة 12» في التلفزيون الإسرائيلي، «بدأت الصورة في الأسابيع الأخيرة تتغيّر… عندما انتقل حزب الله الى إطلاق صليات ثقيلة باتجاه الجليل والجولان»، في إشارة الى تصاعد ضربات المقاومة، في المبادرة والرد على تجاوز العدوّ خطوطاً رسمت الإطار الجغرافي ووتيرة المعركة، عبر توسيع نطاق اعتداءاته لتشمل منازل ومدنيين في قرى خارج الخط الأمامي للجبهة.
مع ذلك، لم تكن مفاجئةً محاولة العدو توسيع نطاق ردوده واعتداءاته. بل إن حصر المعركة ضمن نطاق جغرافي ملاصق لفلسطين طوال خمسة أشهر، مع خروقات محدودة، هو إنجاز للمقاومة وفَّر لها هامشاً أوسع في إسناد غزة، وأفشل المحاولات الإسرائيلية لفرض معادلة تتصل بالمرحلة التي تلي، مع إصرار حزب الله على مواصلة الضربات المدروسة بدقة.
لذلك، يسعى العدو، عبر رفع مستوى اعتداءاته التي تأخذ طابع الرد – لأسباب استراتيجية وردعية – الى محاولة إرساء معادلة فشل في تحقيقها في الأشهر الخمسة الماضية برفع منسوب الأثمان التي يدفعها حزب الله وبيئته، ومحاولة تقييد ردود حزب الله في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.
ومن الواضح أيضاً، أن من ضمن الرسائل الرئيسية لهذه الاعتداءات، محاولة العدو إضفاء مزيد من الجدية والمصداقية على تهديداته بأنه لن يسلِّم بالمعادلة التي تحكم المعركة القائمة، وأنه في حال عدم تلبية مطالبه التي حملها المبعوث الأميركي، فإنه مستعد للمخاطرة برفع منسوب اعتداءاته حتى لو انطوت على إمكانية التدحرج إلى مواجهة عسكرية أشد. وهو يراهن في ذلك على أن حزب الله لن يردّ على هذه الاعتداءات، استناداً إلى تقديره بأن أولوية الحزب هي عدم توسيع نطاق المعركة لتشمل بقية المناطق اللبنانية.
في المقابل، يمكن التأكيد أن حزب الله لن يسمح للعدو بفرض معادلته، ولا استغلال أولويته في منع استباحة المدنيين، ولا ثنيه عن مواصلة إسناد غزة، مهما بلغت الضغوط. لذلك ستبقى القاعدة التي تحكم أداءه هي فرض قيود على ردود العدو واعتداءاته، وفق تقديره للوضع الميداني ومتطلباته، وبما يخدم مجموعة أهداف: مواصلة الضغط على العدو، تقييد اعتداءاته وتحييد المدنيين بأقصى ما يمكن، وعدم التدحرج الى حرب.
ميدانياً، استهدفت المقاومة الإسلامية صباح أمس، مجدداً، مقر قيادة الدفاع الجوي والصاروخي في ثكنة كيلع والقاعدة الصاروخية والمدفعية في يوآف ومرابض المدفعية المنتشرة في محيطها بأكثر من مئة صاروخ كاتيوشا «رداً على الاعتداءات الإسرائيلية على أهلنا وقرانا ومدننا، وآخرها في محيط مدينة بعلبك».
وفي سلسلة بيانات متلاحقة، أعلن الإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية استهداف مواقع: الراهب، الجرداح، جل العلام، حدب يارين، بركة ريشا وثكنة زرعبت بصواريخ «بركان». كما استهدف الأجهزة التجسسية في مواقع بركة ريشا وجل العلام، رويسات العلم، زبدين وثكنة برانيت. وتصدّت المقاومة لمسيّرة إسرائيليّة في أجواء المناطق الحدوديّة مع فلسطين المحتلّة، ما أجبرها على التراجع.
ونعى حزب الله اثنين من مقاوميه هما: محمد علي جمال يعقوب من مدينة بعلبك، وصادق حسين جعفر من بلدة جرماش في البقاع.
تحضيرات «المرساة الصلبة»
أكدت وسائل إعلام إسرائيلية، أمس، أن جيش العدو بدأ التحضير لعمليّة «المرساة الصلبة»، وطلب تعزيزات للجنود الذين يقاتلون على الحدود مع لبنان، إضافة إلى توفير ملاجئ جماعية لعشرات الآلاف من الإسرائيليين. وذكرت قناة «كان» العبرية أن وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين عقد مناقشة طارئة تحضيراً لسيناريو إمكانية انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع في إسرائيل في حال اندلاع حرب شاملة مع حزب الله، وسط «تقديرات بإمكان انقطاع التيار الكهربائي عن «60% من أنحاء البلاد لمدة لا تقل عن 24 – 48 ساعة»، مشيرة إلى أن «شركة الكهرباء زادت من احتياطاتها من الفحم والوقود البديل استعداداً لذلك، كما تواصل المسؤولون المختصون مع نظرائهم الأوكرانيين لأخذ دروس من التجربة الأوكرانية في الحرب مع روسيا».