كتبت صحيفة “البناء”: في واشنطن لم تعد المنافسة الرئاسية تدور حول الشؤون الأميركية الداخلية، ولا حول السياسات الأميركية الخارجية، سواء في حرب أوكرانيا أو حرب غزة، بل صارت حلبتها الرئيسية ساحات المحاكم ومنصات المحلفين، وفي جولة أولى سجلت محكمة نيويورك أوّل إدانة قضائية للرئيس السابق دونالد ترامب بتهم جنائية في 34 ملفاً مُثاراً أمام المحكمة تحت عنوان التزوير والتهرّب الضريبي، وبعد الحكم علق ترامب بالقول إنّ الأمر كناية عن استغلال للقضاء في المعركة الرئاسية، وإنّ الحكم النهائي يصدر يوم الانتخابات.
في المنطقة يواصل بنيامين نتنياهو حفلة الجنون التي تجلّت بالجرائم الوحشية بحق النازحين الذين أحرقتهم القنابل الأميركية على أيدي جنود جيش الاحتلال وهم نيام في خيامهم في رفح، فيوزع الاستفزازات يميناً ويساراً، وكان لافتاً ظهور عدد من الشخصيات المؤيدة له على قنوات عبرية وعربية لمهاجمة مصر وقطر، ما يضع استهداف الجيش المصري والتقدّم نحو محور فيلادلفيا من قبل جيش الاحتلال في إطار قرار بمواصلة الاستفزاز بما يبدو أنه محاولة للضغط للحصول على موقف داعم لطروحات نتنياهو التفاوضية، بينما المقاومة تؤكد أنّ الخط الفاصل في تقرير مصير المسار التفاوضي، لا يزال إنهاء العدوان، وبدون هذا البند لا مكان لصفقة تبادل، وحتى يقتنع الاحتلال بذلك فالمقاومة تواصل قتالها وتلقّن الاحتلال كلّ يوم دروساً جديدة، وقد اعترف بالأمس بعدد جديد من الجنود القتلى وعشرات الجرحى، بينما على جبهات اليمن والعراق ولبنان مزيد من الفعالية والإنجازات.
لبنانياً تزامن الكلام المنسوب للمبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان عن خطر زوال لبنان السياسي، مع كلام معاكس للمبعوث الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين عن مستقبل واعد للبنان، حيث قال «إنّ شبكة الكهرباء في لبنان، على سبيل المثال، تعمل لبضع ساعات فقط» في اليوم، وقال «لدينا حلّ لذلك، لقد وضعنا حزمة يمكن أن تخلق حلاً من شأنه أن يوفر لهم الكهرباء لمدة 12 ساعة في فترة زمنية قصيرة». ولفت إلى أنّ المرحلة الأخيرة ستكون اتفاق الحدود البرية بين لبنان و»إسرائيل».
يطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عصر اليوم خلال الاحتفال التأبيني الذي يقيمه الحزب لمناسبة رحيل فقيد العلم والجهاد العلامة الشيخ حسين كوراني، في مجمع الإمام المجتبى بالضاحية الجنوبية لبيروت. ويتطرّق السيد نصرالله وفق معلومات «البناء» إلى التطورات الأخيرة في غزة ورفح والموقف الأميركي والمجتمع الدولي من المجازر الإسرائيلية. كما يتحدّث عن الجبهة الجنوبية ويرد على التهديدات الإسرائيلية الأخيرة بتوسيع العدوان على لبنان. كما يعيد السيد نصرالله التذكير في سياق عيد المقاومة والتحرير، بأهمية المقاومة وسلاحها في الدفاع عن لبنان وقوة ردع العدو في ظل صمت المجتمع الدولي وضرب العدو الإسرائيلي بعرض الحائط كل القرارات والمواثيق والقوانين الدولية وقرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية من دون رادع. وقد يعرج السيد نصرالله في ما تبقى من وقت الى الملف الرئاسي اللبناني في ضوء زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الى لبنان ولقاءاته مع القيادات السياسية.
ونقل زوار مراجع مطلعة على موقف المقاومة الميداني والسياسي لـ»البناء» تأكيدها بأن «حزب الله وفصائل المقاومة اللبنانية لن توقف عملياتها العسكرية ضد مواقع العدو وتجمعاته على طول الحدود والعمق الذي تحدده قيادة المقاومة، وكل تجمع لجنود وضباط العدو وآلياته ومشاركة مسيراته وطائراته سيكونان هدفاً لنيران وصواريخ وعبوات وكمائن المقاومة التي لن تأبه لا بتهديد ولا وعيد ولا أصوات من هنا وهناك. فالمقاومة لا يمكن لها أن توقف الحرب لتريح حكومة الاحتلال، فيما جيش العدو الإسرائيلي يتمادى بجرائمه ضد الفلسطينيين، لذلك المقاومة أعدت لكافة السيناريوات وستردّ على أي حماقة للعدو ضد لبنان من دون تردد وبوقت قصير وبضربات مؤلمة، وأي حرب مقبلة مع لبنان ستعمق أزمة وهزيمة العدو وستسرّع في انهياره وزواله». وترى المراجع بأن «الحرب في غزة ورفح قد تطول لأشهر إضافية وكذلك جبهات الإسناد إلا إذا توقف العدوان على غزة، ولا مؤشرات على موافقة إسرائيلية على وقف إطلاق النار ووقف الحرب لأسباب عدة، ولذلك فإن جبهات الإسناد مستمرة وسترفع من وتيرة عملياتها ضد المواقع والمصالح الإسرائيلية والأميركية في المنطقة ولن يسمح محور المقاومة لأميركا و»إسرائيل» تغيير المعادلة لصالح العدو».
وفي سياق ذلك، أكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم استمرار المقاومة في لبنان بمساندة غزّة إلى أن يتوقف إطلاق النار بالكامل في قطاع غزّة، مؤكداً أن «لا شيء يوقف هذه الجبهة إلّا بتوقف إطلاق النار هناك». وقال: «لقد مرّت ثمانية أشهر على هذه المواجهة، وقام حزب الله مع المقاومين في حركة أمل وكلّ المقاومين الآخرين على إيقاع قرار حرب يحقق نموذجاً مميزاً في تحقيق الأهداف بإيقاع فرضته المقاومة على العدوّ الصهيوني».
وأشار قاسم إلى أنه «على الرغم من كلّ محاولات «إسرائيل» وتهديداتها بتوسعة دائرة الحرب، مع ذلك فقد بقيت طوال الأشهر الثمانية مجبورة على أن تخضع لهذا الأداء»، مشدّداً على أن المقاومة مستعدّة للأسوأ إذا تصرّفت «إسرائيل» بطريقة مختلفة. أضاف: «نحن هنا في لبنان على الرغم من انشغالنا بهذه المعركة فقد عملنا بدقّة متناهية لنبقي وتيرة حياة اللبنانيين على ما هي عليه، وهذه أرقى تضحية يمكن أن تكون، بدل أن يسأل بعضهم: لماذا تفتحون الجبهة يجب أن يشكرنا مئات المرات لأننا فتحناها بمقدار أبقى حياته وحياة أولاده وحياة اللبنانيين كما هي من دون أن تتزعزع على كلّ المستويات التربوية والثقافية والتجارية والاقتصادية والحياة اليومية الاجتماعية».
وسيطر نوع من الهدوء النسبي على الجبهة الجنوبية. وأعلن حزب الله انه استهدف «انتشاراً لجنود العدو في محيط موقع عداثر بالقذائف المدفعيّة وأصابه إصابة مباشرة». في المقابل، شن طيران العدو الاسرائيلي غارتين على أطراف بلدة حانين. أيضاً، سمع في بعلبك صوت انفجارين ناجمين عن خرق الطيران الحربي الإسرائيلي جدار الصوت.
على صعيد الدبلوماسية والجهود الفرنسية الرامية لضبط الحدود والتوصل الى وقف إطلاق النار بين حزب الله و»إسرائيل»، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان أن «إسرائيل لم تردّ بعد على مقترحات باريس لخفض التوتر في جنوب لبنان». وأوضح لوموان في إفادة صحافية يومية، «تلقينا رداً إيجابياً نسبياً من اللبنانيين لكنني أعتقد أننا لم نتلق أي رد من «إسرائيل» حتى الآن».
وكانت فرنسا تقدمت بمقترحات مكتوبة للجانبين تتضمّن انسحاب حزب الله مسافة عشرة كيلومترات من الحدود مع فلسطين المحتلة بينما توقف الأخيرة غاراتها على جنوب لبنان.
وفي حادث يعكس حجم القلق والإرباك في جيش الاحتلال والخوف من عمليات المقاومة، أفادت هيئة البث الإسرائيلية بأن «الجيش الإسرائيلي أسقط بالخطأ طائرة إسرائيلية موجّهة عن بُعد من طراز «هرمز 900» قرب منطقة «شلومي» قرب الحدود مع لبنان».
رئاسياً، غادر الموفد الفرنسي جان إيف لودريان بيروت، من دون أن تثمر جهوده في إقناع هؤلاء بالتوافق حول انتخاب رئيس للجمهورية، وفق ما نقل مصدر ديبلوماسي فرنسي لوكالة «فرانس برس». وقال المصدر إنّ لودريان «لم يُحقّق أي خرق يُذكر» في الملف الرئاسي، بعد لقائه قوى سياسية رئيسية في لبنان بينها «حزب الله».
وأضاف المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أنّ «كل فريق متشبّث بمواقفه، ممّا دفع لودريان الى تحذير المسؤولين الذين التقاهم من أنّ وجود لبنان السياسي نفسه بخطر»، مع استمرار الشرخ في البلاد. وحذّر لودريان خلال لقاءاته في بيروت من «مخاطر إطالة أمد الأزمة» وسط السياق الإقليمي المتوتّر، مشدّداً على «الضرورة الملحّة لانتخاب رئيس للجمهورية من دون تأخير»، وفق المصدر الديبلوماسي.
وكان السفير الفرنسي لدى لبنان هيرفي ماغرو زار دارة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل فور عودته من إيطاليا وعقد معه لقاء مطولاً، في حضور النائبة ندى البستاني ومسؤولي العلاقات الدبلوماسية في «التيار» طارق صادق وبشير حداد.
ووضع ماغرو النائب باسيل في أجواء الزيارة الأخيرة للموفد الفرنسي جان ايف لودريان إلى لبنان، كما تطرق إلى الملف الرئاسي وسبل تنشيطه من أجل التوصل لانتخاب رئيس.
وفيما أكد لـ»البناء» أكثر من مصدر التقى لودريان بأنه لم يذكر أسماء مرشحين ولا خيار «المرشح الثالث» ولم يضع فيتو على أحد، كما لم يُزكّ أحداً، ولم يطلب من رئيس تيار المردة سليمان فرنجية سحب ترشيحه ولا من الثنائي حركة أمل وحزب الله دعم مرشح آخر، أشارت المصادر الى أن لودريان تحدث في العموميات وناقش العقد والعقبات التي تحول دون الاتفاق على إجراء تشاور بين الأطراف السياسية حول مواصفات الرئيس وفرص المرشحين وخريطة انتخابه الدستورية، بما يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن، كما حذر القيادات من التأخير في إنجاز الملف الرئاسي وتداعيات ذلك على كافة المستويات.
ووفق معلومات «البناء» فإن «لودريان سمع في لقاءاته في عين التينة والضاحية الجنوبية الكلام نفسه، استعداد «الثنائي» للحوار لكن دون شروط مسبقة مثل التراجع عن دعم فرنجية، وأي حوار أو تشاور يجب أن يعقد برئاسة الرئيس نبيه بري أو من ينتدبه لهذه المهمة، ووضع جدول أعمال للحوار يقارب الملفات الخلافية في البلد لتسهيل الانتخاب ومهمة الرئيس المقبل، كما تبلغ لودريان بأن رفض البعض للحوار ووضع عراقيل وذرائع لتبرير رفضه لا تنطلي على أحد، وربط الدعوة الى جلسات انتخابية بعقد دورات مفتوحة يبغي تعطيل الحياة التشريعية والملفات الحياتية للمواطنين التي تتطلب تشريعات دائمة بالتعاون مع الحكومة».
وأفادت مصادر إعلامية بأنّ الرئيس بري مستعدّ للدعوة الى التشاور وفق آليته إذا قررت الكتل الرافضة المشاركة واذا لم تقبل فلا شيء سيتغيّر. وكشف المصدر، بأن «لودريان لم يأت على ذكر الخيار الثالث أمام الرئيس نبيه بري والنائب محمد رعد ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية»، مضيفةً «إنّ لودريان بحث في آلية التشاور فقط متبنياً رؤية رئيس حزب القوات سمير جعجع برفض صيغة الحوار والإصرار على التشاور». وذكرت أن «بري كان مستعداً للتنازل عن ترؤس الحوار وتلزيمه لنائبه الياس بوصعب بناء على وعد قطعته الخماسية له بإقناع رافضي الحوار بالمشاركة إنما سلبية جعجع أعادته لقواعده وإصراره على ترؤس الحوار».
كما علمت «البناء» أن لودريان لم ينجح بإقناع جعجع بالسير بعقد طاولة «تشاور رئاسية» لأيام برئاسة بري، رغم ضمانته له بأن يدعو رئيس المجلس بعد نهاية التشاور بالدعوة الى جلسات انتخابية متتالية. ما أدّى الى سقوط مقترح لودريان وبطبيعة الحال إجهاض جهود اللجنة الخماسية ما يفتح الباب أمام أزمة رئاسية طويلة الأمد قد تمتد للعام المقبل.
وأعلن عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم أن «رئيس مجلس النواب نبيه بري يتعاطى من ضمن صلاحياته ولا ينتظر أحداً لمنحه صلاحيات فوق صلاحياته ولا إمكان لإنتاج رئيس للجمهورية من دون حوار». وأكد في حديث تلفزيوني أن «مطلوب آلية للتفاهم وإيجاد مخرج في الملف الرئاسي وكلّ ما يُطرح اليوم يعود بالأساس إلى مُقترح برّي الذي أعلن عنه منذ البداية». وأشار إلى أن «خلال اللقاء بين برّي والموفد الفرنسي جان ايف لودريان لم يُطرح الخيار الثالث كما لم يُطرح خيار سحب رئيس تيار المردة سليمان فرنجيّة».
بدوره، اعتبر عضو كتلة «الاعتدال الوطني» النائب وليد البعريني أن لم يعُد هناك وجود لأيّ مبادرة ويجب الدخول بطرح أو أسلوب جديد لتحريك المياه الراكدة في لبنان. وأكد البعريني في حديث إذاعي أننا لا نزال في معسكرين، وإذا لم يقرّرا التقدم خطوة للالتقاء على طريق إيجابية، إذاً لن يكون هناك أي جديد في موضوع الاستحقاق الرئاسي. وشدّد على أن الموفد الفرنسي جان إيف لودريان لم يذكر موضوع الخيار الثالث ولكنه اعتبر أن المرشحَين غير قادريَن على حصد الأصوات اللازمة للنجاح، فيما هو لم يدخل في تسمية أي مرشح ثالث باعتباره أن الموفد الفرنسي واللجنة الخماسية يقوم دورهما على تقريب وجهات النظر.
ورأى البعريني أن الدعوة إلى الحوار وترؤس الرئيس نبيه بري المشاورات في حال تمت الدعوة نقطتان تواجهان صعوبات، قائلاً: طلبنا من اللجنة الخماسية والموفد الفرنسي التعاون معنا في هاتين النقطتين لإيجاد مخرج واستكمال مبادرة تكتل «الاعتدال الوطني». وقال: «لا توقع إيجابياً من القمّة الفرنسية – الأميركية، والمنطقة على «فوهة بركان» والوضع صعب، لذا لن يحصل انتخاب رئيس في المرحلة المقبلة لأنّه لا نوايا مبطّنة تريد ذلك، على عكس الظاهر».