كتبت صحيفة “النهار”: ما بين استحضار مطار رفيق الحريري الدولي إلى مسرح “الأهداف الحيوية المحتملة”، واستعادة فيديو آخر لمناطق حيوية ولأعماق في إسرائيل، يمكن اختصار التطورات المتسارعة على ضفتي الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية في الساعات الأخيرة بأنها توغّل بالغ الخطورة نحو انفجار حرب التهويل بـ”بنوك الأهداف” التي أعدها كل من “حزب الله” وإسرائيل وكأن الحرب واقعة في أي لحظة. وحتى لو بدا بديهياً الردّ على تقرير “التلغراف” البريطانية حول ما صورته بأنه جسر تسليح إستراتيجي للحزب أقامته ايران عبر المطار، فإن هذا الأمر لا يمكن عزله عن حرب التهويل المتبادل بين إسرائيل والحزب ببنوك الأهداف المدنية والعسكرية، في حين تتصاعد المخاوف من مؤشرات ميدانية ومعطيات ديبلوماسية تنحو جميعها في اتجاه التحذيرات من اقتراب انفجار حرب واسعة.
وآخر هذه المواقف تمثّل في إعتبار ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أمس، أن “خطر نشوب صراع يشمل “حزب الله” أمر حقيقي ومن شأنه أن يؤثر بشكل خطير على المنطقة وخارجها”، في حين بدأ أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين زيارته لبيروت وسط اشتداد وطأة المخاوف من الحرب. كما أن المخاوف على لبنان حضرت في استقبال الملك الأردني عبد الله الثاني في قصر الحسينية أمس الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ونجله رئيس الحزب تيمور جنبلاط والنائب وائل أبو فاعور، وتناول اللقاء، بحسب وكالة “بترا” التطورات في المنطقة. وأكد الملك عبد الله “ضرورة التوصل لوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، وأهمية استمرار إيصال المساعدات الإنسانية لكل مناطق القطاع، لوقف تفاقم الكارثة الإنسانية”. وحذر من خطورة توسع دائرة الصراع بالإقليم، مشدداً على أهمية استقرار لبنان واستدامة الأمن فيه.
المطار
انفجار ملف المطار حصل مع نشر صحيفة “تليغراف” البريطانية تقريراً تحدثت فيه نقلاً عن “مصادر” قالت إنها من داخل مطار بيروت أن “حزب الله ” يخزن كميات هائلة من الأسلحة والصواريخ والمتفجرات الإيرانية في المطار. وفصّل التقرير أنواع هذه الصواريخ وأحجامها وميزاتها الميدانية. وأثارت هذه المعلومات المخاوف من أن مطار رفيق الحريري، قد يصبح هدفا عسكرياً رئيسياً. ونقل التقرير عن أحد العاملين في المطار: “هذا أمر بالغ الخطورة. الصناديق الكبيرة الغامضة التي تصل عبر رحلات مباشرة من إيران تشير إلى تدهور الوضع. عندما بدأت هذه الصناديق بالوصول إلى المطار، شعرنا بالخوف لأننا كنا نعلم أن هناك شيئًا غريبًا يحدث”. ونقلت الصحيفة عن الاتحاد الدولي للنقل قوله: “نعلم منذ سنوات بتخزين “حزب الله” الأسلحة في مطار بيروت ونريد إغلاق مطار بيروت وإزالة كل الأسلحة والمتفجرات”.
طائرة لشركة طيران الشرق الاوسط في مطار بيروت الدولي الذي يتعرض لتهديدات.
غير أن مصادر في الاتحاد الدولي للنقل سارعت إلى نفي ما ورد في صحيفة “التلغراف” عن الاتحاد معلنة أنه “غير صحيح، والاتحاد لم يدلِ بأي تصريح للصحيفة”. ثم أعلن اتحاد النقل الجوي في لبنان أن “خبر وجود أسلحة وصواريخ في مطار بيروت مجرد أضاليل وأكاذيب هدفها تعريض المطار والعاملين فيه للخطر وندعو وسائل الاعلام إلى الحضور والتأكد بأنفسهم”.
وعقد وزير الاشغال العامة والنقل علي حميه مؤتمراً صحافياً في المطار نفى فيه تخزين أسلحة في المطار. وردّ على مقال “التليغراف” البريطانية، وقال: “مقال سخيف وأتمنّى على الصحيفة أن تُراجع وزارة النقل البريطانية التي كانت زارت المطار ميدانيًّا في 22 كانون الثاني (يناير) 2024”. ولفت إلى أن موظفي المطار ليسوا معنيين بفتح الصناديق التي تصل بل جهاز الجمارك وجهاز أمن المطار، واتحاد النقل الجوي الدولي نفى إصدار أي بيان أو تصريح للتليغراف داعياً كل وسائل الإعلام والسفراء إلى جولة ميدانية يوم غدٍ في كل مرافق مطار بيروت “لأنّو ما عنّا شي مخبّا”. وقال حمية:”بالتنسيق مع الرئيس نجيب ميقاتي نحن في طور إعداد دعوى قضائية ضد صحيفة التليغراف البريطانية لأن المقال الصادر عنها يسعى إلى تشويه سمعة مطار بيروت الدولي”. وأشار الى “أن المطار وجهة لتشويه سمعة لبنان منذ عشرات السنوات وهناك تقارير عن ألف خرق جوي فوق الأراضي اللبنانية وخصوصاً فوق المطار يُضاف إليها التشويش، ونحمّل السفراء رسالة وطلب لوقف إنتهاكات العدو فوق المطار”. ولفت إلى أنّ الجمارك تمثل الدولة في حماية مطار رفيق الحريري ولا يمكن التشكيك فيها.
فيديو آخر
ولم يكن ممكناً عزل نشر التقرير عن أجواء اقدام “حزب الله” على نشر فيديو آخر بعد فيديو “الهدهد” عرض فيه مجدداً مجموعة من الصور الجوية أظهرت على ما يبدو أنها إحداثيات لمواقع عسكرية وحيوية إسرائيلية، في مناطق حساسة ومهمة في حيفا ومحيطها. ونشر الفيديو مرفقاً فيه ترجمة لمقتطفات من تهديدات للأمين العام حسن نصر الله يتوعد فيها إسرائيل بقوله: “من يفكر بالحرب معنا سيندم”، واللافت أن أغلب المواقع المشار اليها في المقطع منها ما هو عسكري ومنها “شريان حياة”. وبحسب الفيديو أظهر مناطق حيوية على بعد 36 كلم جنوب مدينة حيفا في إسرائيل، ومنها محطة أوروت رابين لتوليد الكهرباء التي تقع في مدينة الخضيرة (حديرا)، والتي تبعد عن الحدود اللبنانية الجنوبية نحو 73 كلم. ومن بين الأهداف محطة لتوليد الطاقة في أسدود، ومحطة دوراد لتوليد الكهرباء والطاقة جنوب عسقلان التي تعمل بالغاز الطبيعي والقريبة من قطاع غزة، والتي تبعد عن الحدود اللبنانية أكثر من 170 كلم.
وتزامن ذلك مع احتدام ميداني واسع، إذ كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن اعتراض مسيّرة بعد تسللها من لبنان إلى منشآت عسكرية حساسة ومحطة أمنية في الجليل، لافتة إلى أن المسيّرة كانت تستهدف منشأة أمنية عسكرية حساسة تابعة لمجمع الصناعات الأمنية رافائيل. وأشارت وسائل اعلام اسرائيلية إلى أن طائرة مسيَرة انفجرت في مستوطنة “إيليت هشاحار” شرق صفد ما أدى الى اندلاع حريق في المنطقة. وتحدثت تقارير أولية عن وقوع إصابات جراء الحادث وأعترف الجيش الإسرائيلي بشن “حزب الله” ثلاثة هجمات أمس على الجليل وبإصابة جندي بجروح خطرة.
بارولين ولقاء بكركي
اما الداخل اللبناني، فبدأ يشهد مؤشرات تعكس تصاعد المخاوف من حرب كبيرة محتملة، ومن أبرز التحركات الاستثنائية لقاء سيعقد ظهر غد الثلاثاء في الصرح البطريركي في بكركي يضمّ رؤساء الطوائف المسيحيّة والإسلاميّة في حضور أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، بدعوة من البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي.
ووصل الكاردينال بارولين إلى بيروت بعد ظهر أمس في زيارة تستمر حتى صباح الخميس المقبل، ملبياً دعوة من جمعية فرسان مالطا. وسيلتقي بارولين رئيسي مجلس النواب نبيه بري وحكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي. وفي أجندته أيضا لقاء في بكركي مع البطريرك الراعي ورؤساء الطوائف المسيحية.
وصرح بارولين لدى وصوله حيث استقبله في المطار وزير الخارجية عبدالله بو حبيب: “جئنا إلى لبنان في مبادرة للقيام بكل ما يلزم لمساعدته ونقول لكم صلوا لنا”. وقال ردًّا على سؤال عمّا يمنع انتخاب رئيس الجمهورية أنّه “سؤال صعب الإجابة عليه”، مضيفًا: “لا نعلم ما يمنع اللبنانيين أو ربما أعلم، ولكن لن نتكلم عن هذا الموضوع الآن، ما يمكنني قوله أنّ الفاتيكان قلق جدّا من هذا الوضع، نحن نتابع هذا المسار”. وأضاف: “نهتم بلبنان للحفاظ على هويّته الفريدة في الشرق الأوسط، ونقوم بكل ما في وسعنا للمساعدة”.
وإذا كان يحمل مبادرة محددة، قال: “هناك برنامج محدد خلال هذه الزيارة، لنرى ما يمكننا فعله، سنبذل قصارى جهدنا من دون التظاهر بفعل كل شيء”.
ونفت مصادر المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى علمها بما تردد عن انعقاد قمة روحية مسيحية- إسلامية في بكركي غداً. وابلغ نائب رئيس المجلس العلامة الشيخ علي الخطيب “النهار” أن لاعلم له بانعقاد مثل هذه القمة وأن بكركي لم تفاتحه بمثل هذا الامر. وقال: “تلقينا دعوة كريمة الى مأدبة الغداء التي سيقيمها غبطة البطريرك الراعي على شرف موفد الفاتيكان إلى لبنان. ولا نعتقد اطلاقاً أن بكركي في وارد ما يشاع عن امكان تحويل الدعوة الى قمة روحية، ونرى أن ثمة من يروج لأمر غير موجود واستطراداً لم يطرح على بساط البحث والتداول “.
وتحدثت معلومات لاحقاً عن اتجاه لدى الفريق الشيعي الى مقاطعة اللقاء في بكركي احتجاجاً على ما ورد في عظة البطريرك الراعي أمس التي ورد فيها تعبير العمليات الإرهابية، إذ قال “إنّنا نفهم معنى عدم وجود رئيس للجمهوريّة: إنّه رئيس يفاوض بملء الصلاحيّات الدستوريّة، ويطالب مجلس الأمن تطبيق قراراته لا سيما القرار 1559 المختصّ بنزع السلاح، والقرار 1680 الخاص بترسيم الحدود مع سوريا، والقرار 1701 الذي يعني تحييد الجنوب. وبعد ذلك يُعنى هذا الرئيس بألّا يعود لبنان منطلقًا لأعمال إرهابيّة تزعزع أمن المنطقة واستقرارها، وبالتالي بدخول لبنان نظام الحياد، وتحويله من واقع سياسيّ وأمنيّ إلى واقع دستوريّ يعطيه صفة الثبات والديمومة من خلال رعاية دوليّة”.