كتبت صحيفة “البناء”: في خطوة تفسّر التباطؤ في المفاوضات بعد انسداد آمال الكيان بتحقيق إنجاز عسكريّ يُغيّر الموازين وينعكس على موازين التفاوض، جاءت حملة جيش الاحتلال على الضفة الغربية وإعادة احتلال مدن ومخيّمات الشمال بما يعادل فرقة عسكرية، كما قالت بيانات هيئة البث الإسرائيلية، والعملية التي تهدف إلى القضاء على بؤر المقاومة في الضفة الغربية لإطلاق يد المستوطنين المسلحين في السيطرة على الأراضي وتهجير الفلسطينيين من ممتلكاتهم لتوسيع المستوطنات وزيادة أعداد المستوطنين، جاءت في توقيتها الذي كان مؤجلاً لما بعد الحسم في غزة، أو ما بعد فرض اتفاق بشروط حكومة بنيامين نتنياهو، وخصوصاً ما بعد فرض الردع على جبهة لبنان، يبدو أن تسريع روزنامته عائد لليأس من هذه الثلاثية، حسم غزة أو اتفاق مناسب أو ردع لبنان، ولأن الرهان لتغيير الموازين العسكرية والتفاوضية مع غزة كان مؤسساً على الرهان على ربح الردع مع لبنان، فلا يبدو التوقيت بعيداً عن نتائج ما حملته عملية الأربعين التي نفذتها المقاومة رداً على عملية الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال القائد فؤاد شكر، بحيث صار على الكيان اعتبار أن أفضل ما يمكن أن تقدّمه حرب غزة هو الفرصة لخوض غمار حملة عسكرية كبرى في الضفة الغربية، قبل التسليم بالفشل العسكري في غزة والعجز عن ربح معركة الردع مع لبنان وفرض شروط تفاوضيّة جديدة على المقاومة في غزة.
خلال يوم كامل كانت المعارك مستمرّة في مدن ومخيمات جنين وطولكرم وطوباس، وكانت مجموعات المقاومة تقاتل من شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت بالأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية والعبوات الناسفة، مقابل حشد جيش الاحتلال لأحدث معداته وتقنياته بما فيها الطيران الحربي والطائرات المسيّرة. وأكدت بيانات فصائل المقاومة على قدرتها على الصمود والمواجهة، وعلى أن خوض حرب الشوارع سوف يغيّر معادلات القوة ويلحق بجيش الاحتلال خسائر تلزمه على الانكفاء.
في جبهة لبنان عودة إلى معادلات القوة التي فرضتها المقاومة قبل استهداف الضاحية الجنوبية ورد المقاومة، والصواريخ تستهدف ثكنات الاحتلال ومواقع قوّاته، بينما أرخت الحرب بظلالها على مناقشات مجلس الأمن الدولي الخاصة بالتجديد لقوة اليونيفيل لسنة أخرى، دون أن تقدّم واشنطن وعواصم الغرب مشاريع تعديل مهام اليونيفيل، كما كل مرّة بصورة تستحضر كيفية تقديم خدمات للأمن الإسرائيلي.
وبعد عودة قواعد الاشتباك بين حزب الله والعدو الإسرائيلي في الجبهة الجنوبية إلى ما قبل اغتيال القائد السيد فؤاد شكر، بقيت الأنظار منصبّة على تداعيات الردّ على الكيان الإسرائيلي وسط تشديد الرقابة العسكرية على الإعلام والتكتم عن الخسائر التي لحقت بالأهداف التي استهدفتها المقاومة وانعكاساتها على مسار المفاوضات الدائرة في القاهرة بين المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال الإسرائيلي وما تتركه من نتائج سترسم معالم المرحلة المقبلة. لكن وفق مصادر مطلعة على موقف المقاومة لـ»البناء» فإن جولة الحساب مع العدو الإسرائيلي لم تُقفل بل إن حزب الله يحتفظ لنفسه بحق الردّ مجدداً عندما يرى ذلك مناسباً كما أن إيران ستنفذ وعدها برد قاسٍ على اغتيال القائد إسماعيل هنية، الى جانب الحساب اليمني رداً على استهداف العدو لميناء الحديدة، ولذلك العدو على موعد مع ضربات نوعيّة جديدة قد تكون أكثر إيلاماً وقسوة من رد حزب الله.
وشدّدت المصادر على أن محور المقاومة يعمل وفق استراتيجية محددة وأولويات تنطلق من مصلحة القضية الفلسطينية وضرورة وقف العدوان على الشعب الفلسطيني لا سيما في غزة والاستمرار بمساندة المقاومة في القطاع، والاستمرار باستنزاف العدو قدر الإمكان من دون جرّه الى الحرب التدميرية التي قد يراها لمصلحته لاستدراج الأميركيين اليها، لذلك محور المقاومة لن يكون البادئ بالحرب الشاملة لكنه سيخوضها إذا فرضت عليه وسيكشف عن مفاجآت نوعيّة ستغير مسار المعركة والحرب القائمة ووجه المنطقة وتؤدي الى فتح جبهات جديدة وسيخرج الكيان الإسرائيلي من هذه الحرب مهزوماً وبنتائج كارثية.
وتشير مصادر دبلوماسية لـ”البناء” الى أن اتصالات مكثفة جرت في الكواليس الإقليمية والدولية لاحتواء التصعيد بين حزب الله و”إسرائيل” ولتلافي توسع الحرب، وذلك عبر ضغوط غربية بقيادة أميركية على الحكومة الإسرائيلية من جهة وعلى الحكومة اللبنانية من جهة ثانية، إضافة الى اتصالات غير مباشرة أميركية – إيرانية في عُمان الى جانب دخول وسطاء أوروبيين وعرب على خط المحورين الأميركي الإسرائيلي من جهة والإيراني العراقي اليمني – حزب الله من جهة ثانية. ووفق المصادر فإن الأميركيين وإن جاهروا مراراً بتقديم الدعم لـ”إسرائيل” والدفاع عنها في أي هجوم عليها من محور المقاومة، لكنهم وجهوا لها النصائح بعدم توسيع الرد على رد حزب الله لتفادي التورط بحرب شاملة مع حزب الله ستؤدي الى تداعيات خطيرة في ظل غرق الجيش الإسرائيلي في مستنقع غزة وحرب استنزاف قد تطول وفشل في تحقيق أهدافها رغم مرور أحد عشر شهراً.
وتشير أوساط مواكبة للمفاوضات لـ”البناء” الى ضغوط أميركية على حكومة نتنياهو للتوصل الى حل يرضي الطرفين ويؤدي الى وقف اطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى على دفعات، لكن نتنياهو يرفض ويطلب ضمانات تتعلق بعدد وهوية الأسرى والأماكن التي سيتوجّهون اليها، وبالسيطرة على المعابر الحدودية بين غزة ومصر لضمان عدم تهريب حماس الأسلحة من مصر الى غزة، إضافة الى مستقبل غزة لجهة إدارتها ووضعها الأمني وضمان عدم خروج حماس منتصرة من الحرب وإعادة ترميم نفسها والعودة الى حكم القطاع. وتعول الأوساط على جولة المفاوضات في القاهرة في حال قدم نتنياهو وحماس تنازلات مقابلة. لكن الأوساط ترجح فترة “ستاتيكو” في غزة والمنطقة تتخللها جولات تصعيد متعددة حتى الانتخابات الأميركية.
وفي إطار متابعة ردة فعل الكيان الإسرائيلي على رد حزب الله، ذكرت صحيفة “إسرائيل هيوم” أن وزارة الحرب وجيش الاحتلال، في كيان العدو، يدرسان إلغاء مشروع منطاد “طل شمايم” بعد أن استطاع حزب الله إصابته في شهر أيار الماضي.
وبحسب الصحيفة، يدرس العدو عدم إصلاح المنظومة وإغلاق الوحدة المخصّصة التي أنشئت لتشغيل المنطاد، ومن المفترض أن يُتخذ قرار حول هذا الموضوع في الأيام المقبلة. وكان من المقرّر أن توفّر المنظومة، والتي تشمل المنصّة الجوية التي طوّرتها شركة TCOM الأميركية ومنظومة الرادار المتقدم الذي طوّرته شركة “إلتا” للصناعات الجوية، لـ”إسرائيل” قدرة مكملة لمنظومة الكشف ولمنظومة “الدفاع” الجوي التابعة لسلاح الجو “الإسرائيلي”.
بدوره، ذكر موقع “يديعوت أحرونوت” أن مستشفيات الشمال تعلم أنها ليست النهاية بعدما حصل يوم الأحد 25 آب وتُدرك أنها فقط مرحلة في الحرب.
وبحسب “يديعوت أحرونوت”، مستشفيات الشمال ليست بحاجة إلى التذكير، فالحرب بالنسبة لها حيّة ومشتعلة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، فقد عالج مركز الجليل الطبي في نهاريا حتى الآن 1700 جريح، في حين عالج مستشفى زيف حتى الآن 450 من المُصابين بنيران حزب الله.
ويقول مدير مستشفى زيف في صفد البروفيسور سلمان زرقا: “لقد انتهى تبادل إطلاق النار بالفعل، لكن أيام المعركة لم تنتهِ بعد. لقد مضى بالفعل 11 شهرًا على أيام لا نهاية لها من المعركة، في الحرب. وأيام المعركة هذه تمثل بالتأكيد تحديًا للمؤسسة الصحية”.
وعكست زيارة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو إلى حدود شمال فلسطين المحتلة مع لبنان، تراجعاً في الخطاب التصعيديّ، انسجاماً مع انكفاء الاحتلال بالإعلان عن انتهاء العمليات العسكرية بعد رد حزب الله فجر الأحد، خوفاً من اندلاع مواجهة شاملة، وزعم نتنياهو في تصريحه بأن “الهجوم الاستباقي على لبنان ليس نهاية المطاف وسنواصل لإعادة السكان”.
وواصل العدو الإسرائيلي عدوانه على لبنان، وقصفت مسيرة إسرائيلية سيارة على طريق دمشق – بيروت قرب جسر الزبداني. وأشارت وسائل إعلام سورية إلى سقوط 4 شهداء في استهداف السيارة.
وسُجّلت أمس 4 غارات إسرائيلية استهدفت أطراف تومات نيحا في البقاع الغربي. كما استهدفت مسيّرة إسرائيلية شاحنة صغيرة “بيك أب” على الطريق الدولية بعلبك – حمص، في محلّة رسم الحدث – شعت شرق بعلبك.
في المقابل، شنّت المقاومة هجومًا جويًا بمسيّرة انقضاضية على المقر المستحدث للّواء الغربي في الجيش الصهيوني جنوب مستعمرة “يعرا” في شمال فلسطين المحتلة، مستهدفة أماكن تموضع واستقرار ضباطه وجنوده وأصابت أهدافها بدقة. كما، استهدف مجاهدو المقاومة موقع رويسات العلم وموقع السماقة في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة بالأسلحة الصاروخية وأصابوهما إصابة مباشرة، كما استهدفوا موقع بياض بليدا بالأسلحة المناسبة وأصابوه إصابة مباشرة. كما قصفوا مباني يستخدمها جنود العدو في مستوطنة المنارة بالأسلحة المناسبة، كما استهدفوا للمرة الثانية مباني يستخدمها جنود العدو في مستوطنة المنارة بالأسلحة المناسبة.
إلى ذلك، توجّه حزب الله إلى اللبنانيين جميعًا بالتهنئة والتبريك بالذكرى السنوية السابعة للتحرير الثاني، تاريخ انتصار لبنان وشعبه وجيشه ومقاومته على الجماعات التكفيرية المسلحة وطردها من حدود الوطن وخاصة أهلنا الشرفاء في البقاع الذين قدّموا الغالي والنفيس في معركة الشرف والكرامة واستنقاذ وطننا من الشر والتكفير والفتنة ومنحوا شعبهم وبلدهم الأمن والاستقرار.
ولفت الحزب في بيان الى أن “حرب تحرير الجرود التي خاضتها المقاومة والجيش اللبناني بالتعاون مع الجيش العربي السوري إلى تخليص لبنان من إرهاب الجماعات التكفيرية الإرهابية التي عاثت فسادًا في الأرض وهدّدت أمن لبنان واستقراره وأمن منطقتنا خدمة للمشروع الصهيوني الأميركي”. وأشار الى أن “الذكرى تمر هذا العام في ظل طوفان الأقصى والملحمة البطولية التي يخوضها الشعب الفلسطيني المقاوم والمعتدى عليه والذي يشكو قلّة الناصر والمعين إلّا من جبهات الإسناد التي تُقدّم أعظم التضحيات إسنادًا وانتصارًا للحق في وجه الباطل والعدوان وهي أكثر من أيّ وقت مضى مُصرّة على المضيّ في هذا الخط والسبيل”.
على صعيد آخر، وافق مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بالإجماع أمس، على تجديد مهمة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل” لعام آخر. وتسيّر اليونيفيل دوريات على الحدود الجنوبية للبنان. وكانت قد أُنشئت اليونيفيل في 1978. ويجري تجديد مهمة اليونيفيل سنوياً وكان من المقرر أن تنتهي مهمتها الحالية السبت المقبل.
وأشار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الى أن “تجديد لولاية اليونيفيل أمر ضروري للحفاظ على الاستقرار في جنوب لبنان، ونحن نقدر الدعم والتعاون المستمر من مجلس الأمن في هذا الصدد”. وأكد ميقاتي، “التزام لبنان في العمل بشكل وثيق مع اليونيفيل لمواجهة التحديات والتهديدات التي تواجه الاستقرار في الجنوب. كما نجدد التزام لبنان تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة وفي مقدمها القرار 1701”.
وأعربت وزارة الخارجية والمغتربين في بيان، عن “شكرها وتقديرها الكبيرين لكل الجهود التي بذلت في الأشهر الأخيرة لإقرار هذا التمديد، لا سيما من قبل الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وتحديداً فرنسا بصفتها حاملة القلم، والجزائر التي واكبت، كعضو غير دائم في المجلس، بشكل حثيث مسار التمديد وأبدت كل الدعم لمطالب لبنان”.
كما شكرت “باقي الدول الأعضاء التي وافقت على التمديد، إدراكاً منها لأهمية وجود قوات الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان ودورها في الحفاظ على الاستقرار، لا سيما في ظل الظروف الحالية”.