كتبت صحيفة “النهار”: مع أن معظم الأوساط السياسية الداخلية نظرت إلى مجريات الساعات الثماني والأربعين الأخيرة، التي تميّزت بـ”العودة” إلى ملفات الداخل وفي مقدمها مسائل الأزمة الرئاسية ومسار المواجهات الحربية في جنوب لبنان بما يشكل إعادة إحياء للحيوية السياسية حتى ضمن محطات ومنبريات سجالية، فإن الواقع عكس أهمية ودلالات بارزة لهذه العودة لا يمكن القفز فوقها بتسرّع وخلفيات جامدة.
ذلك أن نفض الغبار عن أزمة الفراغ الرئاسي ولو تمترس الفريقان العريضان، الثنائي الشيعي بلسان رئيس مجلس النواب نبيه بري والمعارضة المسيحية والمستقلة بلسان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، اللذين شكلا قطبي العودة إلى المشهد السياسي الداخلي في محطتي اليومين الأخيرين، بدا بمثابة إعادة ترسيم للواقع السياسي المأزوم برمته بما يؤهل هذا المشهد أقله مبدئياً ونظرياً لتلقي جرعات أو محاولات جديدة من التحركات أو الوساطات الداخلية والخارجية لإيجاد مخارج للأزمة السياسية التي باتت أشدّ تعقيداً وصعوبة بعد “حرب المشاغلة” في الجنوب.
وتمثل ذلك في مواكبة المناخ الداخلي العائد إلى الأزمة الرئاسية بمعطيات تتحدث عن عودة تحريك التنسيق السعودي الفرنسي حول الوضع في لبنان واحتمال عودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان عقب زيارة له للرياض سيقابل فيها الفريق السعودي المكلف بالملف اللبناني. كما ثمة مؤشرات حيال تحرك محتمل جديد للمجموعة الخماسية متى تجمعت عوامل كافية تشجعها على ذلك.
وفي أي حال، فإن الكلمة التي القاها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع مساء أمس في المهرجان الحاشد الذي أقيم في معراب لإحياء “ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية” انطوت على عناصر جديدة وغير تقليدية رأى فيها مراقبون تجرّؤاً استثنائياً من هذا الفريق المسيحي الأساسي لجهة اعلان جعجع خريطة طريق تتجاوز موقفه التقليدي الثابت من الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً لجهة دعوته المفاجئة الى حوار وطني مفتوح في بعبدا عقب انتخاب رئيس للجمهورية وفق الدستور للبحث في تعديل الدستور والقضايا المصيرية المتصلة بعنوان “أي لبنان نريد؟”. كما انسحب الأمر نفسه على تأييده صيغة جديدة تشمل كل شيء إلا حدود لبنان ووحدته.
بري والحوار
افتتاح إعادة ترسيم المشهد المأزوم داخلياً، بدأ مع الكلمة التي وجّهها الرئيس بري في مناسبة ذكرى اختفاء الإمام موسى الصدر التي تناول من ضمنها ملف الإستحقاق الرئاسي، مؤكداً “بإسم الثنائي الوطني، حركة امل و”حزب الله” أن هذا الاستحقاق هو إستحقاق دستوري داخلي لا علاقة له بالوقائع المتصلة بالعدوان الإسرائيلي، سواء في غزة أو في الجنوب اللبناني، بل العكس كّنا أول من دعا في جلسة تجديد المطبخ التشريعي وأمام رؤساء اللجان إلى وجوب أن تبادر كل الأطراف السياسية والبرلمانية إلى التقاط اللحظة الراهنة التي تمر بها المنطقة من أجل المسارعة إلى إنجاز الإستحقاق الرئاسي بأقصى سرعة ممكنة تحت سقف الدستور وبالتشاور بين الجميع من دون إملاء أو وضع فيتو على أحد”.
وقال: “اليوم نعود ونؤكد ما طرحناه في 31 آب (أغسطس) من العام الماضي في مثل هذا اليوم، هو لا يزال دعوة مفتوحة للحوار أو التشاور، لأيام معدودة تليها دورات متتالية بنصاب دستوري دون إفقاده من أي طرف. تعالوا غداً إلى التشاور تحت سقف البرلمان، وصولاً الى رئيس وطني جامع يستحقه لبنان واللبنانيون في هذه اللحظة الحرجة من تاريخه”.
وسارع نواب القوى المعارضة إلى الرد على دعوة بري وأعلنوا “حرصهم على التشاور مع جميع الكتل والنواب الزملاء تحت قبة البرلمان للوصول إلى إنهاء الشغور الرئاسي تحت سقف الدستور والمؤسسات، كما جاء في كلمة رئيس المجلس النيابي والذي دعا فيها إلى التشاور في المجلس، وبناء عليه، نؤكد كنواب قوى المعارضة ضرورة حضورنا إلى المجلس لعقد جلسة عامة مفتوحة طال انتظارها لانتخاب رئيس للجمهورية ينطلق من بعد دورتها الأولى التشاور الذي تحدث عنه رئيس المجلس يليه دورات متتالية بنصاب دستوري دون إفقاده من أي طرف”.
جعجع وخريطة الطريق
وأما خطاب جعجع، فأبرز ما تضمنه اعتباره أن “محور الممانعة يزجّ بلبنان في حربٍ عبثيّة لا أفق لها. وهي حرب يرفضها اللبنانيون وفرضت عليهم فرضاً، ولا تمتّ إلى قضاياهم ومصالحهم بصلة ولا تخدم إلا مشاريع ومخططاتٍ خارجيّة”، مشيراً إلى أن “هذه الحرب التي انخرط فيها “حزب الله” يجب أن تتوقّف قبل أن تتحوّل إلى حرب كبيرة لا تبقي ولا تذر”.
وسأل: “كيف يسمح “حزب الله” لنفسه بأخذ اللبنانيين إلى حيث لا يريدون وإلى حيث يريد هو فقط وبما يخدم مشروعه وارتباطاته. من أجاز لـ”حزب الله” وأعطاه التفويض لأنْ يصادر قرار اللبنانيين وحريّتهمْ ويحتكر قرار الحرب والسلم، وكأنّ لا دولة ولا حكومة ولا سلطة ولا مؤسساتٍ ولا شركاء له في البلد، ولا شعب حتى”. وأعلن أنه “إذا كان البعض يريد تعديل الدستور فلا مانع لدينا. فلننتخبْ رئيساً للجمهورية أولاً، وتبعاً للدستور، وبعدها نحن جاهزون، لا بل ندعو، إلى طاولة حوار وطنيّة فعليّة في قصر بعبدا حيث نطرح كلّ شؤوننا وشجوننا الوطنيّة، يتركّز النّقاش فيها على عنوانٍ أوحد: أيّ لبنان نريد؟ ونتّفق على أنّنا لن نخرج من هذا الحوار كما خرجنا من كل الحوارات السابقة، فيما البلد يواصل انهياره، ومؤسساته تتآكل، وشعبه يموت ويهاجر”.
واعتبر أنّ “انتخاب رئيس الجمهورية يجبْ ألّا يكون موضع مساومةٍ بلْ يجبْ أنْ يبقى مستنداً إلى قواعد دستوريةٍ واضحة لا لبْس فيها ولا تخضع لأيّ اجتهاد. وعلى الرئيس نبيه بري أنْ يدعو وكما نصّ الدستور إلى جلسة انتخابٍ مفتوحةٍ بدوراتٍ متتاليةٍ حتى التوصّل إلى انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة. ولْيفزْ منْ يفزْ ويلْقى التهنئة والمباركة من الجميع بدلاً منْ أنْ نظلّ في دوّامة التعطيل والدعوات العقيمة إلى حوارٍ، جرى ويجري كلّ يومٍ ومنْ دون أنْ يؤدّي إلى أيّ نتيجة… الطريق إلى قصر بعبدا لا تمرّ في حارة حريك، والدخول إلى قصر بعبدا لا يكون من بوابة عين التينة ووفْق شروطها وحوارها المفتعل. الطريق إلى قصر بعبدا تمرّ فقطْ في ساحة النّجمة ومنْ خلال صندوق الاقتراع”.
باسيل في البقاع
في مقابل الاستقطاب الثنائي بين المعارضة والثنائي الشيعي، سارع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الى محاولة إيجاد فسحة تمايز لتياره على طريقة “ضربة على الحافر وضربة على المسمار” بإزاء كل من الفريقين. وبعد ساعات من منعه من دخول بلدات في البقاع الأوسط ضمن جولته الأخيرة، قال باسيل خلال عشاء لهيئة التيار في زحلة أن “ما حصل معنا بزحلة يزيدنا اصراراً على أننا لن نسمح بأن يقفل علينا الطريق أو يمنعنا من التحدث مع الآخر وفي المقابل سنفتح عقولنا وقلوبنا لكل الناس”.
وفي الملف الرئاسي، اعتبر أنه “يجب أن نسعى لتأمين الإجماع على التوافق الرئاسي ويجب ألا نسمح لمن لديه دون الثلث أن يمنع الحوار وانتخاب رئيس”. وأضاف: “في المقابل هناك من راهن على التطورات لانتخاب رئيس وأن يفرض علينا رئيس، وهذا الأمر يدفعنا أن نؤيد الدعوة إلى الحوار التي وجهها رئيس مجلس النواب نبيه بري، والمهم أن نيتنا ألا نغيّب احداً عن عملية التشاور والتوافق.
ولكن إذا لم نؤمن الإجماع هذا لا يسمح لأحد دون الثلث أن يعطل عملية الانتخاب لأنه يراهن على دخول إسرائيل، ونحن معنيون بالتأكيد على أن انتخاب الرئيس هو مفتاح الحل للأزمات في لبنان”. وشدّد في المقابل على أن “انتظار حرب غزة لانتخاب رئيس هو جريمة للبنان، والداخل اللبناني يدرك أهمية انتخاب الرئيس في الذهاب إلى المفاوضات”.
الجنوب
أما على الجبهة الميدانية، فأكد أمس وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من الحدود الشمالية مع لبنان، أن “الثمن الذي ندفعه لن يذهب سدى وسنواصل ضرب “حزب الله” حتى نعيد سكان الشمال”.
وخيّم الهدوء الحذر على الجبهة الجنوبية قبل الظهر، فيما أفيد عن تحليق مكثف للطيران الاسرائيلي فوق منطقة حاصبيا ومزارع شبعا وصولاً حتى أجواء البقاع منفذاً غارات وهمية فوق المنطقة. وأفيد عن القاء مسيّرة إسرائيلية قنابل للمرة الرابعة أمس بالقرب من الجدار الحدودي في بلدة كفركلا. كما شنت مسيّرة غارة استهدفت بلدة عيتا الشعب. وأفاد مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة أن الغارة الإسرائيلية التي استهدفت بلدة عيتا الشعب أدت إلى إصابة أربعة أشخاص بجروح.
وتعرضت آلية للجيش اللبناني لرشقات نارية من موقع زرعيت الإسرائيلي على طريق مروحين خلال تنقلها على طول الحدود الجنوبية لتزويد مراكز الجيش بالمواد التموينية.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن سقوط إصابتين بحالة خطيرة جراء عملية إطلاق صاروخ مضاد للدروع من لبنان تجاه مستوطنة يوفال في الجليل الأعلى.
وأعلن “حزب الله” أنه رداً على الاعتداء على بلدة رميش استهدف دورية للجيش الإسرائيلي قرب حاجز كفريوفال وحقق إصابات مؤكدة. ومساء شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي غارة على بيت ليف أدت الى وقوع إصابتين كما أغار على بلدتي بيت طاحون والعديسة.