كتبت صحيفة “الأخبار”: الجهود الأميركية لفرض استسلام على لبنان من خلال القبول بترتيبات أمنية، وفق شروط العدوّ جنوباً، لا تركّز على الجانب المتعلق حصراً بالاتصالات مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي. إذ إن واشنطن ترغب في الاستثمار السياسي، وتجد نفسها أمام مطالبات ملحّة من القوى اللبنانية «الحليفة» لها، التي «تريد المساعدة في التخلص من حزب الله»، وإنشاء «جبهة داخلية تلاقي الطلبات الأميركية من خلال برنامج يقوم على فكرة فرض رئيس جديد للجمهورية من دون انتظار موافقة حزب الله». ويبدو أن الجهات الفاعلة في هذا السياق لا تزال تقتصر على من تجمّعوا في معراب الى جانب قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وسط مخاوف عبّر عنها مرجع رسمي بارز، من تورط بعض هؤلاء في «أعمال استفزازية تهدف إلى خلق فوضى أمنية».
عملياً، يعرف الأميركيون أنه لم تتشكل بعد أيّ «جبهة لبنانية واسعة». فزعيم الغالبية الدرزية وليد جنبلاط يجد نفسه أقرب الى «تحالف بري – ميقاتي»، ويرفض جبران باسيل وسامي الجميل، كل من موقعه، العمل ضمن جبهة واحدة مع سمير جعجع، مع اكتشاف السفارة الأميركية، في ما يتعلق بالنواب «التغييريين»، أن ثلاثة منهم يمكن الوثوق بهم، وهم: مارك ضو وبولا يعقوبيان ووضاح الصادق.
مع ذلك، فإن الجهات اللبنانية «المستعجلة» تعتقد بأنها من يتحكّم بجدول الأعمال الأميركي. وبعض المجانين بين هؤلاء لا يريدون سماع أيّ رأي آخر، حتى ولو كان من فريقهم السياسي. لذلك، عبّر «جماعة معراب» عن استغرابهم من تحذير بعض وجوه «شيعة السفارة» السفيرة الأميركية ليزا جونسون، من أن «الحملة العسكرية الإسرائيلية والحملة السياسية تصيبان كل الطائفة الشيعية وليس حزب الله وحده». وبينما يعمل «جماعة معراب» بنصيحة رجلهم الراحل لقمان سليم بأن الشيعة لن يستفيقوا إلا بعد نكبة تصيبهم جميعاً، نصح «شيعة السفارة» الأميركيين، بخطوات «تساعد في إحداث اختراق داخل الطائفة، بعدم وضع كل الشيعة في سلّة واحدة مع حزب الله وحركة أمل». ويردّد بعض «شيعة السفارة» أن جونسون «تتعامل بجدية مع ملاحظاتهم، وأنها طلبت من حلفاء لها بين الناشطين والمسؤولين المحليين الانتقال بالحديث الى مرحلة احتضان الشيعة والفصل بينهم وبين حزب الله». ولكن لأن جونسون «واقعية»، لم تقدم أيّ وعد بأن إسرائيل ستميّز في ضرباتها. وهي «سمعت من بعض رجالها الخلّص، أنه يجب إدراك المخاطر الكبيرة التي ستنجم عن أيّ محاولة لعزل الشيعة، لأن الوقائع اللبنانية لا تسمح بذلك، وأيّ محاولة لفرض وقائع ستؤدي الى انهيار بقية مؤسسات الدولة، وفي مقدّمها الجيش اللبناني». ونقل عن أحد «أركان شيعة السفارة» قوله إن الطريقة المتبعة ستقود الى حالة من الفوضى «التي تناسب حزب الله بقوة، وخصوصاً أنه يتمتع بقدرات بشرية وعسكرية ومالية كبيرة جداً».
مع ذلك، فإن جميع اللاعبين المحليين الساعين الى استثمار الحرب يركّزون على الملف الرئاسي. لكن حملة الضغوط الهادفة الى انتخاب فوري لرئيس الجمهورية تلقّت ضربة، ليس فقط من معارضي الخطوة محلياً، بل حتى من قبل الأميركيين أنفسهم. إذ كان لافتاً أن الموفد الرئاسي عاموس هوكشتين تجنّب ملف ترشيح العماد جوزيف عون في محادثاته مع بري وميقاتي. وهو يعتقد أن الملف سيكون جزءاً من أيّ اتفاق يتعلق بنهاية الحرب، علماً أن هوكشتين، الذي يرغب في أن يكون ملف الرئاسة بيده حصراً، قال مراراً «إن الملف يخصّ أكثر من جهة في لبنان والمنطقة والعالم».
وبحسب ما بات معلوماً، فإن لقاء عين التينة الذي جمع بري وميقاتي وجنبلاط، كان يمكن أن يضم أيضاً رئيس التيار الوطني. لكن الأخير لديه مقاربة لا تجعله ينخرط تماماً مع فريق لديه معه مشكلات كبيرة في إدارة أمور البلاد. كما أن ميقاتي وجنبلاط، أقلّه، ليسا شديدي الترحيب بضمّ باسيل وحده من الجبهة المسيحية. إلا أن التوافق معه ثابت على أنه لا يمكن انتخاب رئيس في ظل استمرار الحرب، وأنه لا يمكن لهذا التحالف، بما يمثل سياسياً ونيابياً، أن يقبل بأن تفرض الولايات المتحدة أو أيّ جهات خارجية اسماً على مجلس النواب، في تكرار لما حصل عام 1982.
في هذه الأثناء، كان ثنائي أمل وحزب الله قد تفاهم مع المرشح سليمان فرنجية للتأكيد على استمرار ترشيحه. لكن فرنجية، الذي يسأل عن تأثير التطورات على معركته، نصح الحلفاء بعدم التنازل تحت الضغط القائم حالياً، وأنه شخصياً سيستمر بموقفه رغم كل الضغوط التي يتعرّض لها مباشرة، أو من قبل بعض المحيطين به. وقد شكل موقف فرنجية مفاجأة غير سارّة لفريق قائد الجيش الذي كان يحصر خصومه الجديّين بباسيل، وبأن الأخير هو من يقود الحملة المضادة داخل لبنان وخارجه. حتى إن داعمي عون يحمّلون باسيل مسؤولية تحريض أقطاب الكنيسة على عدم السير في خيار عون، لأنه يشكل تحدياً لقسم غير قليل من اللبنانيين. وينظر المقربون من قائد الجيش بقلق الى احتمال «حصول تفاهم أولي بين باسيل وأطراف لقاء عين التينة، على اعتبار أن الرئيس التوافقي يشمل لائحة لا تضم سليمان فرنجية ولا جوزيف عون أيضاً». ومع ذلك، يتحدث هؤلاء عن أن موقف بري وجنبلاط «غير نهائي، وسيكون قابلاً للتغيير مع الوقت ومع حصول ضغوط سعودية وأميركية». ومع ذلك، فإن داعمي عون «يحاولون معرفة ما قصده رئيس المجلس بالحديث عن أن ترشيح عون يتطلب تعديلاً دستورياً وأنه أمر صعب حصوله الآن»، لأنهم «ناموا على سابقة انتخاب العماد ميشال سليمان بعد اتفاق الدوحة، حين جرى الأخذ برأي الوزير السابق بهيج طبارة بأن مسألة المهل (شرط انقضاء مدة زمنية بعد استقالة موظفي الفئة الأولى) تصبح ساقطة في حالة الشغور الرئاسي والحاجة الملحّة الى ملء الموقع.
ماذا عن الحكومة؟
يقول مرجع سياسي بارز إن المشكلة مع المستعجلين لا تتعلق بموقع الرئاسة فقط، لأن هؤلاء «يعتقدون بأن مشكلة لبنان ستحلّ بمجرد انتخاب رئيس للجمهورية، وهم يتجاهلون العقبات الأكثر خطورة، المتعلقة بنوعية الحكومة الجديدة، والتي تفرض ورشة كبيرة تبدأ بالمعركة على اسم رئيسها لتصل الى مهمتها السياسية ونوعية الائتلاف النيابي الذي ستمثله، الى جانب المعارك على الحقائب الوزارية الرئيسية». ويلفت المرجع إلى أن «المتحمسين» للانتخابات الرئاسية يتصرفون وكأن هناك تعديلاً مرتقباً لاتفاق الطائف، أو كأن رئيس الجمهورية المقبل سيكون بمقدوره إدارة الحكم واتخاذ القرارات الأساسية متجاوزاً مجلس الوزراء، ومتناسين أن وصول أي شخص الى سدة الرئاسة في لبنان لا يوفر الحلول الحقيقية، لأنها تحتاج الى مخارج لا تصدر إلا عن مجلس الوزراء، كما أنها تحتاج الى تغطية فعلية من مجلس النواب. ولفت المرجع إلى أن خطورة الأمر نابعة من كون «المستعجلين» يعتقدون بأن الولايات المتحدة ستفرض أيضاً اسم رئيس الحكومة الجديد، وهم يتصرفون وكأن البلاد سقطت بيد الأميركيين، وهم لا يقدّرون خطورة الأمر، كما لا يدققون في طبيعة الإشكالات التي ستبرز عند الجماعات اللبنانية الأخرى.
ولفت المرجع الى ما قاله رئيس الحكومة لقناة «العربية»، قبل يومين، عن أن اتفاق الطائف هو الركيزة الثابتة لمعالجة إدارة البلد، وإشارته المباشرة الى عدم العبث به. وقد فهم حديث ميقاتي على أنه إشارة صادرة من «العقل العميق للسنّة في لبنان»، حيث يسود الانطباع بأن الضغوط التي أبعدت سعد الحريري عنوة عن لبنان، تسببت بضرب التمثيل القوي لرئاسة الحكومة، وأن هناك من يريد جعل موقع رئيس الحكومة هامشياً. وهو أمر سيؤدي الى مشكلة كبيرة تأخذ بعداً طائفياً، علماً أنه طالما «يتمتع ثنائي أمل وحزب الله» بتمثيل الغالبية الساحقة من الشيعة في لبنان، وأن زعيم الأغلبية الدرزية وليد جنبلاط وخصمه المحلي طلال أرسلان يدعمان التحالف مع الثنائي، فإن البلاد ستكون مقبلة على مشكلة تجعل رئيس الجمهورية الجديد من دون أي قدرة على الفعل».
ما الذي يقلق قائد الجيش؟
لليوم الثالث على التوالي، شهدت منطقتا اليرزة والفياضية وطريق الشام المؤدية إليهما زحمة سير خانقة نتيجة تدابير أمنية مشدّدة، اتخذها الجيش اللبناني الذي نصب حواجز دقّقت في الهويات، في كل الطرق المؤدية إلى وزارة الدفاع ومقر قائد الجيش، وأدّت إلى حبس الآلاف في سياراتهم منذ الظهر حتى السابعة مساء.
ولم تُعرف أسباب هذه التدابير الفجائية في منطقة عسكرية تضم عدداً من المدارس ومستشفى. وزاد الطين بلّة أن الزحمة تزامنت مع القصف الإسرائيلي الذي استهدف مبنى في الطيونة، ما أثار الهلع بين العالقين في الزحمة. وقد حاول عناصر عسكريون بعد تفاقم الوضع تنظيم المرور عبثاً. ولم تُفلح المراجعات لتبيان أسباب التدابير العسكرية بعدما عزا المعنيون الأمر إلى «السلطات العسكرية العليا».