كتبت صحيفة “البناء”: كشفت وكالة رويترز منتصف ليل أمس، عن أنباء تقول بعودة قطر إلى مساعي التفاوض حول اتفاق ينهي الحرب في غزة، وأن وفد حركة حماس عائد إلى الدوحة للتفاوض، بما يؤكد حسابات فصائل المقاومة الفلسطينية أن حال الإنهاك الذي بلغه جيش الاحتلال بصورة فرضت وقف إطلاق النار مع لبنان سوف يفرض حراكاً متسارعاً على مسار غزة، وقد ظهر أمس، من حادثة توبيخ الناطق بلسان جيش الاحتلال الجنرال دانيال هغاري من قبل رئيس الأركان بعد احتجاج رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على تدخل هغاري في الإدلاء بتصريحات عن مسار تشريعيّ يجيز للضباط تقديم إحاطة لرئيس الحكومة عن غير طريق تسلسلهم الهرميّ، بعدما كانت التحقيقات التي أجراها الجيش حول حادثة مقتل الأسرى الستة أثناء محاولة تحريرهم، وكشفت نتائجها بصورة غير منعزلة عن الصراع الخفيّ بين الجيش ورئيس الحكومة، مؤكداً مسؤولية الجيش عن مقتل الأسرى، بصورة حملت رسالة واضحة مضمونها أن السعي لتحرير الأسرى بالقوة هو خيار خاطئ وفاشل ولا ينتج عنه سوى قتل المزيد من الأسرى الأحياء، ما يعني أن الجيش يضع صوته لصالح اعتماد طريق التفاوض وصفقة التبادل طريقاً وحيداً لاستعادة الأسرى.
في سورية، نجح الجيش بتثبيت خط الدفاع الذي أقامه حول مدينة حماة وامتدادات أريافها، موسعاً حدود حزام الأمن لحماة باستعادة بلدات وقرى في الأرياف، ومانعاً جماعة جبهة النصرة ومن معها من تحقيق مزيد من التوغل، نافياً ما تروّج له بعض القنوات من تقدم في حماة أو نحوها، بصورة قالت إن هجوم جبهة النصرة المدعوم من تركيا والمؤيد من واشنطن وتل أبيب قد استنفد اندفاعته التي بدأ بها وبدأ يراوح مكانه، بينما تداولت صفحات تابعة لجماعات تقاتل مع النصرة تسجيلات لمسلحين يستغيثون ويندّدون بغياب الدعم عنهم بما يسهّل استعادة الجيش السوريّ لعدد من القرى دون قتال.
لبنانياً، تجتمع اليوم في الناقورة لجنة المراجعة المعنية بالبت بشكاوى الأطراف حول خروقات وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، وأمامها أكثر من مئة خرق إسرائيلي موثق، واعتداءات لم تتوقف متسببة بالمزيد من الشهداء والجرحى يومياً، بينما الطلعات الجوية وتجوال طائرات الدرون في أجواء لبنان على مدار الساعة وعلى مساحة أغلب المناطق اللبنانية، جعل لبنان ضفة غربية أخرى، وبانتظار ما سيصدر عن اللجنة، أعلنت رئاسة الحكومة العزم على عقد اجتماع الحكومة يوم بعد غد السبت في ثكنة الجيش اللبناني في صور تعبيراً عن دعم الجيش وإعلان الاهتمام بمتابعة الوضع في الجنوب.
وفيما لم تضع الحرب بين لبنان والعدو الإسرائيلي أوزارها بعد تصاعدت مخاوف دول المنطقة ومنها لبنان من الهجمات الإرهابية على المحافظات الشمالية والشرقية في سورية لا سيما محافظة حلب، ما سيترك تداعيات كبرى على مستوى الإقليم برمّته وعلى الداخل اللبناني الذي عانى من التهديد الإرهابي وتداعياته خلال الحرب على سورية. وحذّرت مصادر في فريق المقاومة من خطورة ما يجري في سورية على لبنان وكل المنطقة، ورأت فيه امتداداً لما للعدوان الإسرائيلي على لبنان، وأشارت لـ»البناء» الى أنه وبعد تأكد العدو من أنه لن يستطيع كسر محور المقاومة من حلقته اللبنانية وأن حزب الله استطاع تجاوز الضربات المؤلمة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بدأ التخطيط لضرب المحور من البوابة السورية للالتفاف على المقاومة في لبنان، وتطبيق ما يريده العدو ولم يقبل به لبنان في الاتفاق، بل ورد في ورقة الضمانات الأميركية لـ»إسرائيل» لوقف إطلاق النار، الا وهو قطع طرق الإمداد لحزب الله من سورية، فكانت الحرب على سورية بنسختها الجديدة. ودعت المصادر الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني والمقاومة الى رفع درجة التأهب تحسباً لأي هجمات إرهابية على لبنان إسوة بما أعلنته دولة العراق من استنفار لجيشها على الحدود مع سورية للدفاع عن المجال الحيوي العراقي من سورية، كما أن سورية هي أيضاً المجال الحيويّ والمدى الجغرافي للبنان، وتهديد أمنها هو تهديد لأمن لبنان.
في غضون ذلك، تراجعت حدة الاعتداءات الإسرائيلية والخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار، وذلك عقب صواريخ المقاومة التحذيرية وعشية انعقاد الاجتماع الأول للجنة الدولية المكلفة مراقبة القرار 1701. وشددت أوساط رسمية لـ«البناء» أن الاتفاق تعرّض لاهتزاز لكنه لن يقع، فهو مصلحة لكافة الأطراف وهناك إرادة دولية أميركية – إسرائيلية عربية وكذلك إسرائيلية – لبنانية بفرض تطبيق هذا الاتفاق. متوقعة انحسار الاعتداءات الاسرائيلية فور بدء اللجنة عملها في الجنوب، موضحة أن «إسرائيل» حاولت فرض أمر واقع أمني عسكري في الجنوب لكنها لم تستطع في ظل موقف لبناني موحد برفض أي تغيير في مضمون الاتفاق او تطبيق استنسابي إسرائيلي للاتفاق. ووضعت الأوساط الاعتداءات الإسرائيلية في إطار رسائل الحكومة للداخل الإسرائيلي، لإخماد أصوات المعارضة وتطمين المستوطنين بالعودة الى شمال فلسطين المحتلة. وتوقعت الأوساط استمرار الخروقات الإسرائيلية طيلة مهلة الستين يوماً، لكن بنسب متفاوتة وأقل حدة من الأسبوع الماضي.
وفي سياق ذلك، أكد وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن خلال مؤتمر صحافي على هامش اجتماع حلف شمال الأطلسي في بروكسل أن «وقف إطلاق النار في لبنان صامد رغم الحوادث التي وقعت أخيراً»، لافتاً إلى أن «آلية المراقبة تعمل كما كان مخططاً»، وفق ما نقلت «فرانس برس». وقال: «نحن نستخدم الآليّة التي وضعت عندما يتمّ الإعراب عن مخاوف بشأن انتهاكات».
غير أن ما لفت الأوساط السياسية الداخلية، هي تصريحات مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون العربية والشرق الأوسط مسعد بولس اللبناني الأصل بقوله لمجلة « «Le point الفرنسية إن «الاتفاق شامل للغاية ويغطي كل النقاط الضرورية. كان هناك سوء فهم في البداية، خصوصاً في لبنان، حيث اعتقد البعض أن الوثيقة تتعلق فقط بالمنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، لكن هذا غير صحيح. الاتفاق يشمل البلد بأكمله، ويتناول مسألة نزع سلاح جميع المجموعات المسلحة، سواء الميليشيات أو الجماعات شبه العسكرية». وأشار الى أن «النص واضح جدًا في تطبيق قرارات الأمم المتحدة، سواء القرار 1701 أو 1559. وبموجب هذه القرارات، يُسمح فقط لمؤسسات محدّدة بحيازة السلاح في لبنان، وهي الجيش اللبناني، وقوى الأمن الداخلي، والجمارك، وشرطة البلدية».
غير أن جهات معنية لفتت لـ«البناء» الى أن تطبيق الاتفاق هو فقط في منطقة جنوب الليطاني وليس على كامل الأراضي اللبنانية، لا سيما أن الاتفاق يستند الى مرجعية واحدة هي القرار 1701 الذي يشمل فقط منطقة جنوب النهر وليس كامل لبنان. وحذرت الجهات من تفسير الاتفاق بغير محله، ومن نيات البعض بوضع الجيش اللبناني في مواجهة المقاومة وأهل الجنوب. مشيرة الى أن آلية تطبيق القرار واضحة والجيش اللبناني هو المعنيّ فقط. مؤكدة أن المقاومة لا تزال موجودة ولا أحد يستطيع نزع سلاحها وهي الضمانة والقوة الوحيدة مع الجيش اللبناني لردع أي تهديد للبنان أكان إسرائيلياً أو إرهابياً.
ونشر الإعلام الحربي لحزب الله فيديو بعنوان: «للقدس وفينا وعُدنا بنصرٍ».
ونقل نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عن رئيس المجلس نبيه بري قوله إنه «في الأيام القليلة المقبلة سينطلق عمل لجنة المراقبة ومع انطلاق عملها، الأمور ستضبط بشكل أفضل. وهذا الاتفاق أنجز من أجل أن يبقى وأنجز من أجل أن ينجح، وأعتقد إن شاء الله في الأيام المقبلة ستتغير هذه المعطيات واللجنة تصبح فعالة وتنعدم الخروقات والاعتداءات على اللبنانيين».
وأكد بوصعب أن «الجلسة التي حدّدها دولة الرئيس بتاريخ 9 كانون الثاني لانتخاب رئيس للجمهورية قائمة في تاريخها وهي ستستمر الى حين تصاعد الدخان الأبيض وينتخب رئيس الجمهورية، لا زلنا في مرحلة التباحث حول اسم يتوافق عليه الجميع اسم توافقي، كما سبق وأكد الرئيس بري، أسم يحظى بـ86 صوتاً يكون عنواناً للتوافق وليس رئيساً تحدياً يُفرض بطريقة أو بأخرى». ورداً على سؤال حول إمكانية التوافق؟ أجاب: «التوافق هو العنوان الأساسي والمرحلة المقبله تتطلب التوافق وتحمل المسؤولية من كافة الأفرقاء كي نمضي نحو تأمين الاستقرار وإعادة الثقة بلبنان والبدء في مرحلة إعادة الإعمار، أما في حال لم يتأمن التوصل الى توافق، فالجلسة هي التي ستحدّد المسار، لكن الأفضل الوصول الى توافق بدل أن يكون هناك رئيس بـ 65 صوتاً أي أن يكون هناك فريق رابح على آخر بطريقة التحدي».
وواصلت القوى السياسية لقاءاتها واتصالاتها في إطار جولة مشاورات للتوصل الى توافق على مرشحين قبل موعد الجلسة الشهر المقبل، حيث استقبل رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل النائب فؤاد مخزومي في حضور النائبة ندى البستاني، وتمّ بحث القضايا المختلفة ومرحلة ما بعد وقف النار وإنجاز استحقاق الانتخابات الرئاسية.
واستقبل النائب أديب عبد المسيح في دارته في بلدة كفرحزير الكورة، النائب طوني فرنجية وتباحثا في أمور عدة على الصعيد الوطني والمناطقي، أهمها الملف الرئاسيّ.
واستقبل سفير مصر في لبنان علاء موسى نواب كتلة «الاعتدال الوطني»، حيث جرى نقاش التطوّرات على الساحة اللبنانية بدءاً باتفاق وقف إطلاق النار إذ أكد السفير موسى «دعم بلاده لجهود استقرار لبنان والحفاظ على سيادته». كما تطرّق الاجتماع إلى الاستحقاقات السياسية المقبلة وعلى رأسها انتخاب رئيس الجمهورية، حيث عرض نواب كتلة «الاعتدال الوطني» تقديرهم في هذا الصدد. من جانبه عبر السفير موسى عن دعم مصر لكافة جهود إنهاء الفراغ الرئاسي وصولاً لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية في الجلسة المقرّرة يوم ٩ كانون الثاني.
بدورهم، عبر المطارنة الموارنة عن تأييدهم الدعوة إلى انتخابِ رئيسٍ جديد للجمهورية في التاسع من كانون الثاني المقبل. وهو مطلب طالما أكّد عليه صاحب الغبطة عملاً بأحكام الدستور اللبناني. ويترقّبون أن يكون ذلك فاتحةً لانتظام عمل المؤسسات الدستورية، وبدايةً لانطلاق لبنان نحو الأمن الراسخ والإصلاح المرجو. وسجلوا ارتياحًا حَذِرًا بعد بدء سريان وقف إطلاق النار، «ويعوّلون على حكمة الجانب اللبنانيّ في التعاطي معه، ويتأسّفون على الخروقات الحاصلة، ويأملون من المجتمع الدوليّ ولجنة المراقبة الدوليّة العمل على احترام بنود اتفّاقيّة وقف إطلاق النار واستتباب الأمن في لبنان وخصوصًا في الجنوب، وتكريس عودة المواطنين إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم. «
وفي حين تعقد جلسة حكومية صباح السبت المقبل، في «ثكنة بنوا بركات» في صور، أشار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في كلمة له بمستهل جلسة مجلس الوزراء أمس في السراي، إلى أنه «مضى أسبوع على وقف إطلاق النار وما زلنا نرى الخروقات الاسرائيلية التي تحصل وهي بلغت حتى الآن أكثر من ستين خرقاً. وقد لمست من خلال اتصالاتي مع الدول التي شاركت في التوصل الى وقف اطلاق النار وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا حرصاً على معالجة هذا الموضوع». أضاف: «من هنا حصل في اليومين الأخيرين، تثبيت أكيد لوقف إطلاق النار، ونأمل أن يتحوّل الى استقرار دائم، رغم اننا نتخوف ونحذر من خروقات تعيدنا إلى اجواء القلق».
وشدّد على أن «لبنان السلام والكرامة يقول للعائدين إلى أرضهم وبلداتهم، إن الحكومة ستواكب عودتكم الكريمة وتبذل جهدها لتحصين وجودكم ودعم صمودكم الاجتماعي والعمراني في بلداتكم، كما نقول لأصدقاء لبنان: كل الشكر والتقدير لجهودكم ودعمكم المعنويّ والإغاثيّ، متطلعين معاً إلى مزيد من التفاعل والتضامن».