دراسة للدكتور حسان فلحه (مدير عام وزارة الاعلام اللبنانية)، تلقي الضوء حول الإعلام العام واقع ملتبس في لبنان الحاجة إليه وانتفاؤها.
وجاء في الدراسة تحت عنوان “الإعلام العام واقع ملتبس في لبنان الحاجة إليه وانتفاؤها”، ينص تنظيم الادارات العامة في لبنان على أن جهاز الدولة المركزي يتألف من المديريات العامة لرئاستي الجمهورية والوزارة، والوزرات التى تستحدث بقانون خاص وتلغى به (1) في اشارة إلى مركزية واضحة لإدارة شؤون البلاد، ومنها إدارة الإعلام العام استنادًا الى مقدمة الدستور التي نصت على ان لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، والتي كفلتها المادة ١٣ منه، بأن “حرية إبداء الرأي قولاً وكتابة وحرية الطباعة وحرية الاجتماع وحرية تاليف الجمعيات كلها مكفولة ضمن دائرة القانون “(٢).
بما يؤكد ان الدولة اللبنانية، “دولة واحدة موحدة ذات سلطة مركزية قوية “كما جاء في وثيقة الوفاق الوطني التي اقرها اتفاق الطائف عام 1989، والتي نصت على “إعادة تنظيم جميع وسائل الاعلام في ظل القانون وفي إطار الحرية المسؤولة بما يخدم التوجهات الوقائية وانهاء حالة الحرب”.
إن هذه الاحاطة التشريعية المُؤَسِسة لطبيعة الاعلام في لبنان و ماهيته ، واضحة في العناية بالاعلام العام او بإدارة السلطة لعملية التحكم بالتنظيم لوسائل الاعلام المختلفة والترخيص لها والقيام بدور فاعل و جوهري على مستويي القطاعين العام والخاص.
الا ان التطور التقني الكبير في مجال الاعلام ووسائل التواصل والمعرفة ، وتغيير طبيعة عمل وسائل الاعلام ودور الاعلام ووظيفته، يطرح اشكالية منطقية في جدوى بقاء الاعلام العام او انتفاء الحاجة الى بقائه، في ظل المتغيرات في اساليب اكتساب المعرفة ، وتقلص سيادة الدول بفعل التكنولوجيا الحديثة في عالم المعرفة التي اسقطت الحدود الجغرافية والمكانية واختصرت المسافة الزمنية الى مستوى يقاس باللحظة واجزائها في عمليات الإطلاع والوصول الى المعلومات من دون عوائق تذكر من خلال توافر الوسائط الاعلامية والمعرفية التي تتصف بردم الفروقات بين الطبقات الاجتماعية لصالح تمدد مساحة العدالة بين الافراد والجماعات في إمكانية امتلاك وسائل التواصل والاعلام واستخدامها.
ان حضور الدولة او السلطات يطرح اشكالية ترك الاعلام الحديث للقطاع الخاص بعد انحسار هيمنة الاعلام التقليدي بفعل التكنولوجيا الحديثة وتوغل المنصات المعرفية والاعلامية الى مفاصل الحياة الانسانية كافة والانسياب الى ميادينها كلها . هذا يفرض تشخيص حضور الاعلام العام في بلد مثل لبنان ومعرفة تداعيات غيابه تحت تأثير التعدد الطائفي والمذهبي الذي يلقي بثقله على انماط ادارة شؤون البلاد ، عدا عن حضور التعدد الحزبي و التنوع الثقافي والفكري ، وكلها عوامل تعطي هذا البلد مميزات خاصة ناتجة عن تركيبته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والدينية يضاف اليها الموقع الجغرافي شديد التعقيد، ويترافق ذلك مع الأزمات المالية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، من هنا يأتي التساؤل المشروع ، الحاجة الى الاعلام العام أو انتفاء هذه الحاجة.
بداية لا بد من الاحاطة بمفهوم الاعلام العام وكينونة وجوده بشكلٍ مختصر ومكثف، وعمليات تمويله في عدد من البلدان ذات المواصفات الفكرية الحرة أو التعددية والمساحة المفردة لحرية التعبيير والرأي والقول التي تتجانس إلى حد ما مع طبية التنوع اللبناني الفكري والثقافي.
الاعلام العام public media هو الإعلام الذي يتم تمويله كليا او جزئيًا من الحكومات او المؤسسات العامة التابعة لها ، وتشغيله من قبلها من اجل تقديم الخدمات في حقل المعلومات و تثقيف الجمهور وتعليمه وترفيهه بهدف تحقيق المصلحة العامة وتلبية حاجات المجتمع التعليمية والثقافية والاجتماعية والمعلوماتية. ويتم تمويله غالبا من خلال الرسوم والضرائب الحكومية بما يمكنه من تقديم محتويات تخدم المجتمع على المستويات الوطنية عوض السعي لتحقيق الأرباح المباشرة من خلال الاعلانات والدعايات التجارية على قاعدة تقديم معلومات موثوق بها وبرامج توعوية وتثقيفية وتعليمية و وثائقية وغيرها ، وهو اعلام جماهيري لا يتوخى الربحية المادية اوالعائدات المالية المباشرة ، وهذا ما يميزه بشكلٍ جوهري عن الاعلام الخاص الذي تتحكم فيه غالبا عناصر الربحية التجارية والمنفعة المادية المباشرة ، عدا عن ان الاعلام العام قد يشمل وسائل الاعلام والتواصل كافة بغية الوصول الى الجمهور الاوسع في سياق تركيزه على المصلحة العامة والوطنية ، والسعي الى ايجاد تفاعل بين المجتمع المستهدف والاهداف المرتقب تحقيقها من نقل الرسائل والمعلومات التى تؤثر على الرأي العام ومن ثم تحويلها الى سلوكيات عملية .على قاعدة ان الوعي حال فكرية. والسلوك فعل مادي.
و تعتبر وسائل الاعلام الحكومية عادة انها منافذ اعلامية مملوكة من الحكومة او تديرها بشكل كبير وتتأثر (٣) بسياساتها.
وهي تختلف عن وسائل اعلام الخدمة العامة التي تم ايجادها كمؤسسات لخدمة المصلحة العامة، وتعمل بشكل مستقل او تحت سيطرة الحكومة . ويكون تمويلها من الضرائب او الرسوم العامة ، او من خلال مجالات الاستثمار. الفرق الرئيس يكمن في مستوى الاستقلال عن نفوذ الحكومة والالتزام بخدمة المصلحة العامة الواسعة بدلا من المصالح الحزبية و السياسية او الاجندة الحكومية المحددة مسبقا .(٤).
ان وسائل الاعلام العامة هي المؤسسات او المنظمات الاعلامية التى يتم تمويلها وتشغيلها من اجل الصالح العام. وغالبا ما تركز على المحتوى التعليمي والثقافي والإعلامي والاجتماعي (٥).
التمويل الحكومي وحرية الإعلام العام
الا ان التمويل يبقى المعيار الاساسي في تحديد نمط العلاقة بين سلطات الدولة وهذا الاعلام العام. او وسائل الاعلام التى تقدم خدمة الاعلام العام .
ففي فرنسا الاعلام العام لايعتبر اعلاما حكوميا صرفا او تابعا للدولة ،وانما هو اعلام يموله دافعوا الضرائب في البلاد ، وعليه ان يلتزم بتقديم محتوى يحترم ميثاق الشرف الاعلامي (6).
بينما يقدر حجم الضرائب على الافراد في الولايات المتحدة الامريكية المخصصة لصالح الاعلام العمومي باربعة دولارات سنويًا على الشخص الواحد (7)
وتتولى مؤسسة الاعلام العمومي (CPB)
توزيع عائدات دافعي الضرائب على المؤسسات الإعلامية العمومية . الرئيس الاميركي دونالد ترامب في ولايته الاولى عام ٢٠١٧ ،اقترح وضع حد نهائي للإعلام العمومي في الولايات المتحدة الامريكية (8). نظرا لحجم التكلفة المالية التى تتكبدها الدولة والتعقيدات التى تواجه استيفاء الرسوم والضرائب لصالح هذا الاعلام .
(8) – المصدر ذاته،
اما في بريطانيا فإن التهرب من دفع الرسوم العائدة لصالح الاعلام العمومي يعتبر جريمة جنائية ، وقد بلغت ايرادات هيئة الاذاعة البريطانية عام ٢٠١٦ حوالي ٤،٧ مليار جنيه استرليني(9)
في اسبانبا يتم تمويل هيئة الإذاعة والتلفزيون الاسبانية مباشرة من الحكومة عبر الضرائب المخصصة لتمويل الهيئة.(10)
اما في المجر فقد بلغت ميزانية المؤسسة الإعلامية MTVA التابعة للدولة عام ٢٠١٨ حوالي ٣٠٩ مليون دولار اميركي تدفع من موازنة الحكومة ، وهي تدير محطات التلفزة والاذاعة ووكالة الانباء المجرية الرسمية (11).
في حين ان الحكومة البرازيلية تقوم بدفع اكثر من ثمانين بالمئة من تكاليف تشغيل هيئة الإذاعة والتلفزيون البرازيليه والباقي يتاتى من ايرادات الانتاج والاشتراكات (12).
– في حين ان هيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية تشغل ١٧ اذاعة وسبع قنوات تلفزيونية في المقاطعات الاربع
– وتمول جميعها من دفع المقيمين لرسوم تشغيل هذه الوسائل.(13)
– وعليه فان التمويل المالي يظهر الرابط الفعلي بين هذه الدول وهذا النوع من الاعلام، ومساحة التأثير والتحكم والاشراف والادارة، أقله على المستوى المالي .
وبالتالي فإن الاعلام العام يتكون من الإدارات والهيئات و المؤسسات الاعلامية المتنوعة المرئية والمسموعة والمطبوعة ، ومن وسائل الاعلام والتواصل المختلفة التى تؤدي المهمات الاساسية للخدمة العامة ، وتمول بشكل رئيسي من الدولة مباشرة او جزئيا من خلال الرسوم والضرائب على القيمة المضافة مثل بريطاينا و تحديدًا هيئة الإذاعة البريطانيه التى تسهم الدولة بشكل كبير في تمويلها مباشرة ودعمها المالي ، و ترسي اسس عملها التشريعي ، ورسم سياساتها و خطوطها التحريرية الاساسية و وضع المعايير العامة التى يجب الالتزام بها ، و مثل فرنسا التى يعتبر لبنان اقرب اليها تاريخيا من ناحية استقاء معظم تشريعاته و قوانينه من القوانين والانظمة الفرنسية ولاسيما على المستوى الإعلامي، حيث في فرنسا يتكون الاعلام العام من ست هيئات لها اهداف محددة ، ابرزها اتاحة المعلومات ونقلها ودعم الثقافة الفرنسية ، وهي عبارة عن ثلاث شركات عامة محدودة ذات برامج وطنية وتمتلك الدولة كامل اسهمها وهي : France Télévisions وRadio France وFrance Médias Monde (FMM). ((14)
يتم تعيين الرؤساء التنفيذيين من قبل هيئة تنظيم الاتصالات السمعية و البصرية والرقمية (ARCOM) .
اما المؤسسات الموازية الاخرى ،فهي ١- المعهد الوطني المرئي والمسموع (INA)، وهي مؤسسة وطنية صناعية وتجارية عامة .
٢-شركة ARTE France، وهي مجموعة تعنى بنشر البرامج وتوزيعها للقناة الثقافية الاوروبية ARTE، وتعمل تحت مجلس ادارة اشرافي ، ورأس مالها يتأتى من تلفزيونات فرنسا بنسبة ٤٥٪ ، و ٢٥ ٪ من الدولة ، واذاعة فرنسا الدولية بنسبة ١٥٪ و INA بنسبة ١٥٪ (15).
٣-شركة TV5 Monde ويتكون رأسمالها من إذاعات الحكومات الشريكة في فرنسا و سويسرا و موناكو وبروكسل و كندا – كيبك.
ويحدد دفتر الشروط الخاص بمؤسسات البث الاعلامي العام المسموح والمحظورات .
وتتولى ابرز المهمات التى تتمحور في ١-مجال المعلومات ، ضمان المعلومات المستقلة و التعددية الثقافية والاجتماعية والتربوية التى يمكن ان تعرّف العالم بها وتوفر له ابعادها المحلية والوطنية والدولية وتناول جميع المواضيع والمساهمة في إعطاء الجمهور المستهدف الاسس المناسبة لايجاد السبل الكفيلة بتكوين المعرفة الصحيحة لديه في مواجهة تعدد مصادر المعلومات وتكاثرها
٢-في المجالات الثقافية والتربوية:انتاج اعمال فرنسية اصيلة عالية الجودة ودعمها وعرضها مثل الافلام والمسلسلات ولاسيما الأفلام الوثائقية والرسوم المتحركة والعروض المسرحية الحية في سياق نشر المحتويات الثقافية وجعلها في متناول الجميع ،فضلا عن انتاج برامج تعكس تنوع المجتمع الفرنسي.
٣- اتخاذ الاجراءات على المستوى العالمي والخارجي لتعزيز قيم الديموقراطية و التعددية وحرية الاعلام والصحافة عدا عن نشر الثقافة واللغة الفرنسيتين.
الإعلام العام اللبناني: مهام وأهداف
في لبنان الذي يعتبر من الدول الاساسية في منظمة الفرنكوفونية والذي نسخ التجربة الفرنسية واعتمدها في إداراته الاعلامية في القطاع العام فإن وزارة الاعلام التي تعتبر المظهر الأبرز للإعلام العام تتولى إعلام الراي العام واقتراح السياسية الانبائية و التوجيهية وتطبيقها والتى من شأنها ان تنمي الثقافة و الشعور الوطني والاجتماعي بالتعاون مع السلطات ذات العلاقة (16).
.
ومن مهامها الاساسية ، الدعاية للبنان في الخارج ، فضلا عن النظر في القضايا المتعلقة بالانباء وقوانينها وانمائها و المطبوعات و بوسائل النشر والاعلان على انواعها المختلفة ، والقيام بالرقابة التى تفرضها القوانين في هذه الحقول ، كما نيط بالوزارة العمل على انماء الاذاعة اللبنانية وتنشيطها (17).
و قد وسعت مهام الوزارة بموجب التعديلات التى تضمنها المرسوم الاشتراعي رقم ٢٥/١٩٨٣، الذي أولَى الوزارة مهام اقتراح السياسة الإعلامية التى من شأنها ترسيخ الشعور المشترك بوحدة الوطن وتقوية الروابط في شتى الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية و التربوية والاقتصادية ، وتطبيقها مع السلطات ذات العلاقة (18).وهذه المهام كانت احدى النتائج المتعددة التى فرضتها الحوادث الامنية والسياسية التى بدأت في نيسان من العام ١٩٧٥ و ما تبعها من تطورات امنية وحروب وانقسامات ، اتت في سياق وضع حد لتداعيات الحرب والتأسيس للاستقرار والسلم الداخليين من هنا طغى الجانب السياسي على مهام الوزارة و عملها .
و هذا التعديل ايضا شمل انماء الاذاعة اللبنانية وتنشيطها ونقل برامجها الى المناطق اللبنانية كافة ، محليا ، واقليميا وعبر القارات ، بهدف بلورة الشخصية اللبنانية ونشر الدعاية للبنان بما يسهم في شد اواصر العلاقة بين اللبنانيين في الوطن وسائر انحاء العالم .
وهذا قد يشكل الاسس الفعلية لوجود الاعلام العام او الرسمي ، ويدفع الى التمسك باستمراريته وبقائه في ظل غياب شبه كلي حينها للإعلام المرئي الخاص المرخص له اصولا من السلطات العامة المعنية ، و اتصافه بالنزاعات الحزبية بشكل عام وكبير و التموضع خلف المعتقدات والافكار والعصبيات السياسية والدينية والطائفية بشكل خاص نتيجة انه وليد بيئته الطبيعية في بلدٍ متعدد الطوائف والمذاهب ، يضم ١٧ طائفة ،عدا عن التنوع الثقافي والفكري.
مع العلم ان تسمية “وزارة الاعلام” الغت عبارة “وزارة الانباء” (19)، والتى كانت تستخدم سابقا بعدما وردت في قانون التأسيس تحت عبارة “وزارة الارشاد والانباء والسياحة” (20).والقصد من ذلك توسيع اطار حرية الاعلام وابعاد التدخل الرسمي او تدخل السلطة في العمل الإعلامي، واعطاؤه استقلالا اكبر واوسع .
كذلك اولى المشرع حينها ، وزارة الاعلام عملية توثيق العلاقات المتبادلة بين الدولة والصحافة والسهر على تطبيق القوانين والانظمة في شؤون المطبوعات ووسائل البث والنشر والاعلان على انواعها .
واناط بوزارة الاعلام توثيق العلاقات المتبادلة بين الدولة والرأي العام في لبنان وفي الخارج عن طريق اصدار الدراسات التوثيقية المختلفة، ونشرها. واتاح لها دور ايجاد الارتباط اللازم بين الدولة ممثلة بوزارة الاعلام و شركة تلفزيون لبنان ،وغيرها من المؤسسات العاملة في الحقول السمعية و البصرية والاعلامية كافة ، ولاسيما الاشراف على جميع الاخبار والبرامج الاخبارية و مراقبتها (21).
ان التطور التقني اطاح معظم هذه المهام و قلص القدرة على تطبيقها ومنح القطاع الخاص اولوية خاصة في التمدد اكثر على المساحة الاعلامية ،
ولاسيما مع صدور القانون رقم ٣٨٢ / ١٩٩٤
الذي هدف الى تنظيم البث التلفزيوني والاذاعي بأي تقنية او وسيلة او جهاز ، ايا كان وضعها ، وتنظيم الامور والقواعد المتعلقة بهذا البث (22).
وقد قصد هذا القانون بالاعلام المرئي والمسموع كل عملية بث تلفزيوني او اذاعي توضع بتصرف الجمهور من إشارات وصور و اصوات و كتابات لا تتصف بطابع المراسلات الخاصة ، وذلك بواسطة القنوات و الموجات واجهزة البث والشبكات وغيرها من تقنيات البث واساليبه و وسائله واخضع تاسيس اي مؤسسة في لبنان لترخيص مسبق من الدولة ممثلة بالسلطة التنفيذية وتحديدا مجلس الوزراء بعد استطلاع راي المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع ، وهذا الامر ينسحب على البث الفضائي من ناحية اصدار القرار بالترخيص للمؤسسات الاعلامية بهذا النوع من البث مع اعطاء صلاحية الاقتراح لوزير الاعلام حصرا .(23).
وتضمنت مواد هذه القوانين الرقابة على مضامين بث هذه المؤسسات وعلى مداخيلها المالية، و تم اصدار دفاتر الشروط النموذجية للمؤسسات الاعلامية التلفزيونية والاذاعية وفق فئات عامة تتضمن نوعية برامجها وطبيعتها البرامجية كافة بما فيها البرامج الإخبارية والبرامج السياسية، وتصنف هذه المؤسسات ضمن الفئة الاولى ، او تلك الفئات الاخرى المتعلقة فقط بالبرامج غير السياسية والاخبارية الاخرى وتشمل البرامج العلمية والاجتماعية والثقافية والتربوية والاقتصادية والترفيهية ، وغيرها فضلا عن فئة المؤسسات الاعلامية المرمزة.
ان هذه التصنيفات و التنظيمات القانونية والتشريعات للاعلام لم يعد باستطاعتها ان ترعى الترخيص لوسائل اعلام حديثة تختلف عن نوعية الاعلام التقليدي المعروف سابقا ، فضلا عن عدم توافر النصوص القانونية التى تمكّن من تغطية معظم المساحات الإعلامية المستجدة بفعل التقدم العلمي المتسارع على مستوى المحتوي او الوسيلة والمنصة او الموقع ، ولاسيما مواقع البث الالكتروني و منصات التواصل الاجتماعي والاعلامي والمعرفي التى فرضت ذاتها بقوة التقنيات لا بقوة القانون وحضوره ، غير الموجودة نصوصه اصلا حتى تاريخه .
المواقع الالكترونية ومنصات التواصل الاعلامي تعمل من دون نصوص قانونية ترعى عملها ما اضعف من حضور الدولة وبالتالي غيب القطاع العام وترك الامر لنمو القطاع الخاص على الشاكلة التى يشهدها لبنان في هذا السياق.(المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع اخذ علما بانشاء ١١٧٠ موقعا الكترونيا في لبنان حتى تاريخ 17/3/2025 (24)
◦ كما ان القوانين والانظمة لم تعد تفي بالغرض لتحقيق الاهداف المنشودة على مستوى الاعلام العام (الرسمي) المنوطة بالقطاع العام .لان وفرة المعلومات التي اتاحتها وسائل الاعلام والتواصل الحديثة ، اسقطت سطوة الدولة ورقابتها وقدرتها في التحكم بدفق المعلومات بشكل كبير .
◦ ان دور وزارة الاعلام وفق الانظمة و الهيكلية الحالية تقلص الى مستوى يصعب معه ان تكون ذات فاعلية توازي اداء القطاع الخاص ورقابته او حتى تنظيمه او إعطاءه تراخيص لتأسيسه او تحديد حدود نشاطه نظرا للفجوات الكبيرة بين التشريعات والقوانين والانظمة من جهة وبين التطور التقني والمهني الهائل من جهة اخرى .على سبيل المثال لا الحصر يمنع قانون المطبوعات دخول المطبوعات الاجنبية الا بقرار من وزير الاعلام (25)
عدا عن تقادم تعريف الصحفي و الشروط التى يجب ان يستوفيها وفق قانون المطبوعات والتى لم تواكب التطورات الحاصلة على طبيعة العمل الاعلامي والتغييرات الجوهرية على وظيفة الاعلام و دروه ، والتبدلات التقنية التى لا تعير مكان اقامة الصحفي او المدير المسؤول اي اهمية على عكس القانون الحالي (قانون المطبوعات)، حيث ان تحديد مكان الاقامة امر لا تهاون فيه وشرط اساسي من شروط عمل المطبوعة واستمرارها ، والا بإمكان السلطات العامة المعنية ان تتخذ التدابير والإجراءات القانونية اللازمة في حين ان قانون المرئي والمسموع لم يحدد من هو الإعلامي وما هي الفئات العاملة في الاعلام؟ أوالشروط المطلوبة، والتي من الممكن ان تنضوي تحت هذه التسمية مثل المحرر او المذيع او المعد او الكاتب او المخرج او غير ذلك من الاعمال، بل تم الاكتفاء بإيراد مادة عامة جدا في قانون تنظيم الاعلام المرئي والمسموع بانه يمكن العودة الى قانون المطبوعات في حال عدم وجود نص واضح يرعى العمل في مجال الاعلام المرئي والمسموع ، وبالاخص في حال التقاضى واللجوء الى المحاكم للبت باي قضية تتعلق بهذا الشان . وهذا ينم بوضوح عن التعثر المزمن لدى السلطات العامة المعنية بمواكبة التطورات التكنولوجية ، والتقدم على مستوى وسائل المعرفة و منصات التواصل الاجتماعي والاعلامي وتحديدا من الناحيتين التشريعية والتقنية لجهة انشاء هذه الوسائل او رعاية عملها . وهذا الشان يشمل الاوضاع الادارية والوظيفية على مستوى الهيكليات وعدم مواكبتها طبيعة العمل الاعلامي الحديث ،وكيفية تأمين الاعتمادات المالية وحجم هذه الاعتمادات كما هو الواقع في وزارة الاعلام التى تتصف بتقادم الهيكلية الوظيفية وعدم مجاراة متطلبات العصر الحديث على مستوى التقدم الاعلامي
الوضع الاداري والوظيفي لوزارة الاعلام
ان الملاك الاداري لوزارة الاعلام يتضمن ٥٨٦ مركزا وفقاً للهيكلية التنظيمية الصادرة بمرسوم (من الفئة الخامسة الى الفئة الاولى ). لم يطرأ اي تعديل جوهري نهائيا عليه منذ العام ١٩٨٣ باستثناء اخر تعديل يعود للعام ٢٠٢٠ ،(26)،من خلال اضافة ثلاث دوائر فقط ، واحدة للاعلام الالكتروني والرقمي وتتولى العمل على تنظيم قطاع المواقع الاعلام الالكتروني المحلية ذات الطابع العام في لبنان واقتراح ادخال تعديلات على النصوص الحالية والسهر على مهنية عمل تلك المواقع والتزامها قواعد اخلاقيات الاعلام وآدابه والانتظام العام ،والدائرة الثانية للمعلوماتية تعمل على وضع نظام متكامل للمعلوماتية في وزارة الاعلام و تنفيذه والتنسيق مع الوحدات كافة في الوزارة لاجراء اعمال المكننة ، فضلا عن وضع دراسات حول تطوير برامج المعلوماتية والتدريب .والعمل على خزن المعلومات وتنسيقها و استعادتها عند الحاجة والقيام بالاعمال الاحصائية على اختلافها عدا عن انشاء شبكة داخلية وربط الوحدات والعاملين في الوزارة ، والدائرة الثالثة للتواصل والحوار استحدثت لتشكل نقطة تواصل ولقاء بين المواطنين ومؤسسات القطاع الخاص وهيئات المجتمع المدني من جهةٍ وادارات الدولة من جهة اخرى ، بغية السعي الى تفعيل التواصل المجتمعي وتعزيز الحوار الوطني
العاملون في الوزارة
عدد الموظفين في الوزارة العام ٢٠٢٥، هو ١٨ موظفا فقط ، في حين ان عدد المتعاقدين بموافقة مجلس الخدمة المدنية يبلغ ٣٣٨ متعاقدا ، جلهم من المتعاملين السابقين الذين تمت تسوية وضعهم بموجب المرسوم ٥٢٤٠/٢٠٠١ (مرسوم الفائض)، من خلال اعادة تنظيم الاوضاع الوظيفية للعاملين في الوزارة من تحويل التعامل الى التعاقد وفق الحاجة الفعلية ، وتوزيع الباقي على الادارات والمؤسسات العامة الاخرى ، وهي من اهم عمليات الاصلاح الاداري في القطاع العام على المستوى الوظيفي التى شهدها لبنان لجهة توزيع الفائض من العاملين من غير الموظفين على ادارات الدولة العامة و مؤسساتها والبلديات الخاضعة لرقابة مجلس الخدمة . فضلا عن حوالي اربعين متعاقدا على شراء خدمات لزوم مديريتي الوكالة الوطنية والدراسات والمنشورات). وهذا النوع من الاستخدام لا يفعّل العمل المستمر ولا يسد الحاجة على مستوى الاعلام العام، لان صيغة العمل الاعلامي هذه، لها طبيعة وظيفية تعاقدية مؤقتة، في حين ان هيكلية الوزارة لها طابع دائم في المراكز الوظيفية.
ان الملاك الاداري والاعلامي تحديدا، المتقادم دفع عند العام ٢٠٠٢ وما بعده، الى استحداث مهام وظيفية (غير منصوص عليها في هيكلية وزارة الاعلام)، بموافقة مجلس الخدمة للتعاقد مع الاشخاص الذين كانوا من متعاملين سابقا على مهام يتطلبها العمل الاعلامي الحديث مثل البث الفضائي و الستلايت و الانترنت والصيانة فضلا عن تشغيل المواقع الالكترونية لكل من الوحدات المعنية. وقد تم ذلك لان هيكلية الوزارة لم تعد تواكب العصر على مستوى العمل الإعلامي ، حيث ان الوزارة موزعة على ثلاث مديريات، هي:
١-مديرية الوكالة الوطنية للاعلام .
٢-مديرية الاذاعة اللبنانية .
٣-مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية.
يضاف إليها مصلحة الديوان التي تتولى عمليا تنظيم البريد وإعداده وتوزيعه والتأكد، من مدى انطباق المعاملات الادارية والمالية مع الأنظمة والقوانين ومتابعة تسييرها وتتبع لها مباشرة دائرة الاعلام الأجنبي والمراسلين الأجانب والعرب. في العام 2024 تم انجاز أكثر من 2100 معاملة بريد للصحافة الأجنبية.
ويترافق إشغال مراكز الوزارة بصيغة التعاقد الموقت، ما يجعل هذه المراكز شاغرة وفق القانون اللبناني الذي يعتبر هذا الاشغال للوظائف و بهذه الصيغة غير دائم و لا يرتب حقاً لشاغليها بالاستمرار في حال تم التعيين الوظيفي فيها اصولا.، ما يجعل الوزارة تعمل مع شغور حاد في اغلب المراكز والوظائف الاساسية
مثل المحررين و الصحفيين ، و مدخلي المعلومات والتقنيين والفنيين و الحراس والحجاب(27)
في موازاة ذلك ، فان الوضع المالي المتواضع يحتاج الى اعادة نظر شاملة في تحديد المتطلبات والحاجات لخدمة الاعلام العام ،اذ ان موازنة عام ٢٠٢٤ تبدو جدا متواضعة مع الحاجة الى تأمين الحد الادنى لتسيير العمل الإعلامي الحديث وكذلك الامر بالنسبة لموازنة العام ٢٠٢٥، التى طرأت عليها تعديلات بسيطة لاتمكن من اتخاذ اجراءات ذات تاثير كبير او ايجابي ،
وهي مقسمة على فصلين (28).
(28)- قانون موازنة العام ٢٠٢٤.
الفصل الاول -المديرية العامة مجموعة موازنته ، ٢١٩٤٠٤٩٥٦٠٠٠
مئتان وتسعة عشر مليارا واربعمائة واربعة ملايين وتسعماية وستة وخمسون الف ليرة لبنانية).
◦ والفصل الثاني -مديرية الاذاعة مجموع موازنته ،، ٩٩٣٦٠٤٤٨٠٠٠ تسعة وتسعون مليارا وثلاثمائة وستون مليونا واربعمائة وثمانية واربعون الف ليرة لبنانية .
◦ الفصلان الاول والثاني يتضمنان بالدرجة الاولى اعتمادات الرواتب وبدلات التعاقد والتجهيزات العادية ، فضلا عن المساهمات التي ترصد لكل من شركة تلفزيون لبنان
◦ والمجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع ،ونقابتي الصحافة ،و المحررين وغيرها من جمعيات اعلامية مثل “نقابة المصورين الصحافيين ” و مصممي الغرافيك دزاين .
◦ في المقابل ان الاجراءات التى اتخذتها الحكومات المتعاقبة خفضت كل الاعتمادات المالية التى تعتبر غير ذات اولوية وفق سلم تم اعتماده من قبل وزارة المالية ، وحصر الامر في السنوات الست الاخيرة تقريبا بالرواتب و بدلات التعاقد ومتمماتها .فضلا عن بعض الاعمال التشغيلية .
◦ يتضح من خلال هذا السياق ان وزارة الاعلام المنوط بها اداء امور جوهرية في اطار الحكم على مدى الحاجة الى الاعلام العام وتحديدا فعالية هذا الدور ، تواجه تحديات رئيسة عدة لاداء دورها او الاستمرار هذا الدور ، ابرزها ثلاثة تحديات كبرى وهي على سبيل الذكر لا الحصر.
١-التحدي الاول ان الانظمة والقوانين التى ترعى عملها و ترعى الجزء الابرز من عمل الاعلام العام ، متقادمة لم تواكب العمل الاعلامي الحديث ، وان التغييرات التى طرأت عليها والتعديلات ، كانت بسيطة امام قفزات التطور التقني الهائل التى تفرض تغييرا بنيويا على الانظمة والتشريعات.والقوانين وتعديلات جوهرية مفصلية ، وتجعلها اكثر استجابة و مرونة في عمليات التطوير وإعادة التعديل حسب مقتضيات تطور تقنيات المعرفة والتواصل والاعلام ، عدا عن اخضاعها من باب مواكبة التقدم ، لعمليات تفويض مستدام لسلطات او هيئات ذات اختصاص اعلامي و مهني وتقني وقانوني يمكنها من اتخاذ القرارات والتدابير اللازمة القانونية والتنظيمية والادارية والرقابية في اطار تبسيط الاجراءات التي تسطيع مواكبة التطورات التقنية قدر المستطاع ، وبعيدا عن التمركز والحصرية الشديدتين المنوط بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، فضلاًعن عدم وجود الاختصاص المطلوب غالبا في مجالي التقنيات والمعلومات، ويتزامن ذلك مع عدم توافر العدد المطلوب من المحاكم الناظرة بهذه الشؤون والقضايا .
٢- التحدي الثاني ان الواقع الوظيفي في قطاع الاعلام العام وتحديدا على مستوى مراكز الوزارة يتم اشغاله بنسبة ٩٦ ٪ من المتعاقدين ، وهذا يعتبر من الناحية القانونية ان المراكز ما زالت شاغرة باغلبيتها الساحقة .
ان الهيكلية التي تحدد هذه الوظائف هي هيكلية جامدة ، لم يتطرأ اي تعديل عليها منذ اكثر من اربعين عاما باستثناء تعديل طفيف جدا ، على مستوى استحداث ثلاث دوائر عام ٢٠٢٠، و قد استعيض عن التعديل في الهيكلية سابقا من خلال إيجاد مهام يستدعيها العمل الاعلامي الحديث ويعزز من دور الاعلام العام . ويبقى هذا الشان مرتبطا بشكل جوهري بمدى التزام السلطات المعنية ببقاء الاعلام العام في الاطار الاداري المركزي الوزاري اي ان وزارة الاعلام ستبقى تسيير هذه الامور المنوطة بها وفق المرسوم الاشتراعي ١١١/١٩٥٩ ام انها ستلغى كوزارة ، وتوزع مهامها على ادارات و مؤسسات عامة اخرى
3- التحدي الثالث يتمثل في الاعتمادات المالية البسيطة المخصصة للعمل الاعلامي العام ، والتي بمعظمها رصدت لتأمين بدل التعاقد والرواتب والاجور ، في حين ان الاعتمادات المرصودة للاعمال التشغيلية التى يفرضها الاعلام الحديث والتجهيزات الاساسية الفنية والتقنية بسيطة لا تمّكن الاعلام العام بمنافسة القطاع الخاص ، وبالتالي هي تقتصر على تسير الامور ، لا على التطلع الى تطوير جوهري في مواكبة اعلام التواصل المتسارع التغيير
ولابد من اتخاذ إجراءات ضرورية على مستوى التنظيم الاداري بشكلٍ ملح لخدمة الاعلام العام و منطلق ذلك حسم موضوع بقاء الوزارة او توزيع مهامها على ادارات اخرى يمكن ان تنضوي تحتها مهام الوزارة وصلاحياتها في اطر مغايرة او مختلفة ، مع الاشارة الى ان تنظيم وزارة الاعلام يعود الى العام ١٩٦١ بموجب مشروع قانون منفذ بمرسوم رقم ٧٢٧٦ والذي عدل ست مرات بشكل بسيط من دون اي تعديل جوهري يذكر وتعود التقسيمات الإدارية للوحدات الأساسية للعام ١٩٨٣ بموجب المرسوم الاشتراعي رقم ٢٥ الذي قسم الوزارة الى ثلاث مديريات تابعة للمديرية العامة ،وهي: مديرية الاذاعة اللبنانية
مديرية الوكالة الوطنية للإعلام
و مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية، و قد اضيفت ثلاث دوائر بموجب مرسوم اقر عام ٢٠٢٠ (تمت الاشارة اليه انفا )، ولم يتم تعديل او الغاء اي مركز وظيفي في الوزارة لانه وللمفارقة ان ملاكها على مستوى المدريات والمصالح والدوائر والأقسام والفئات الدنيا ، صدر وفق نص قانوني خاص على عكس ما ورد في المرسوم الاشتراعي رقم ١١١ /١٩٥٩.(تنظيم الإدارات العامة). وبالتالي تعديل الهيكلية بحاجة الى قانون .
◦ اما على المستوى الوظيفي فتشهد الوزارة شغورًا حادا يتجاوز ٩٦٪من الموظفين ،استيعض عنه باشغال الملاك الإداري الذي يتجاوز عددمراكزه ال ٥٨٦ مركزا ،بداية بالمتعاملين ومن ثم من خلال التعاقد مع بعضهم وبعد موافقة مجلس الخدمة المدنية وفقا للمرسوم رقم ٥٢٤٠(مرسوم الفائض)الذي صدر عام 2001
ان الاعلام العام يستدعي العمل على اعادة تنظيم وزارة الاعلام (في حال عدم إلغائها وتوزيع صلاحياتها التى تخدم العمل الاعلامي و تواكبه ، على مديريات او مؤسسات او دوائر حكومية او رسمية اخرى )، بما يتناسب مع التطور التقني والإعلامي الحديث ،واستحداث وحدات ادارية جديدة ورشيقة في إطار هيكلية جديدة تواكب متطلبات العصر و تسهم في تعزيز التواصل والحوارولاسيما بعد تغير دور الاعلام ووظائفه وتبدل آليات وسائله وأساليبه مما يستدعي تغييرا نوعيا وكميا على مستوى المعلوماتية وتقنيات التواصل وبالأخص على المستوى الداخلي للوزارة وعلاقتها مع المكاتب في المناطق التابعة للوكالة الوطنية للاعلام. او مراكز الارسال الارضي التابعة للاذاعة والتلفزيون ، او على مستوى علاقة ادارة الاعلام العام مع وسائل الاعلام كافة وتحديدًا الإلكترونية منها والحديثة ،وبالتالي لم تعد تنفع الأساليب السابقة و الحالية وأصبح اعادة تنظيم الوزارة حاجة ماسة بموازاة عمل المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع الذي لا يعدو كونه سوى مجلس استشاري من دون أي صلاحيات تنفيذية ، و ان كان منوطا به ان ينظر في طلبات الترخيص للمؤسسات الاعلامية المرئية والمسموعة الخاصة ، واقتراح الاجراءات وإبداء الرأي بالمواضيع التى تدخل في صلب عمله ، مع الاشارة الى ان الوزارة تضع في تصرفه الموظفين الذين يحتاجهم لإنجاز اعماله و تأدية مهامه ، وفقا للقانون رقم ٣٨٢/٩٤ الذي بموجبه انشىء المجلس الوطني وتأسس ، و الذي يسير اعضاؤه الحاليون ( ٢٠٠١-٢٠٢٥) منذ اكثر من اربعة وعشرين عاما اعمال هذا المرفق العام من دون ان يتم تعيين مجلس جديد بدلا من المجلس المنتهية ولايته ، ان المجلس الوطني لايمكن ان يؤدي مهام رقابية آو تنظيمية وفق صيغته الحالية في الصلاحيات التى هي استشارية لا يؤخذ بها غالبا من السلطة التنفيذية الا في حالتي إبداء الراي و التفرغ عن اسهم الشركات والمؤسسات الاعلامية وهي امور استشارية قد تبدو لازمة ولكنها غير ملزمة . والمجلس يعتبر هيئة مستقلة غير خاضعة لسلطتي الوصاية او التسلسل الاداري ، وان كانت تحظى بميزانية خاصة ولكنها وللاسف وضعت ضمن موازنة وزارة الاعلام ومازالت .وهو ما يفقده شرطا اساسيا من الاستقلالية .
شركة تلفزيون لبنان ش.م.ل وحصرية المرفق الإعلامي المرئي العام
-شركة تلفزيون لبنان لها وضعها الخاص هي مؤسسة تدير مرفقا عاما ، وليست من الموسسات العامة ،
لا نص على ان وزارة الاعلام او الوزير لهما سلطة الوصاية ، مع العلم ان الوزير يمثل الجمعية العمومية العادية وغير العادية ، وفق النظام الاساسي للشركة المعتمد بموجب المرسوم الاشتراعي رقم ١٠٠/١٩٧٧.
ويمثل اسهم الشركة حسب المرسوم٧٥٧٦/٢٠٠٢
ان شركة تلفزيون لبنان ش.م.ل. تعاني صعوبات كبرى و متزايدة تهدد بقاءها و استمرارها ، وهي صعوبات تفرض اتخاذ تدابير استثنائية و جوهرية جادة باسرع وقت ممكن كي تواكب هذه الشركة العمل الاعلامي الحديث وتتيح لها الحضور الفاعل على المساحة الإعلامية، بعدما كانت الشركة الاولى التى تأسست في العالم العربي قبل نشوء دولٍ على مسمياتها الحديثة او استقلالها. و ما يستدعي ذلك هو الحفاظ على هذه الذاكرة الوطنية والثقافية والاعلامية والبرامجية التى لا مثيل لها فضلا عن قيمتها التاريخية التى لا نظير لها .
فقد صادق مجلس الوزراء في ٩/٨/١٩٥٦ لوزارة الاعلام على اجازة الاتفاق مع السيدين وسام عزالدين و جو عريضة لمنحهما رخصة البث التلفزيوني وتاسيسهما شركة تمتلك حق البث للصور والاشارات المرئية والصوتية غير الحصري لمدة ١٥عاما ، ويغطي ارسالها تباعا الاراضي اللبنانية و اعطى الاتفاق لوزارة الاعلام سلطة الرقابة المسبقة على البرامج والافلام واجاز للشركة استثمار ثلاث اقنية حيث تم استخدام قناتين (29)
الاولى ، قناة ٧ استخدمت اللغة العربية .والثانية قناة ٩ الفرنكوفونية .
وأول بث مباشر و عام جرى في لبنان على الهواء مباشرة انطلق من المدينة الرياضية في بيروت بتاريخ ٢٩ ايار ١٩٥٩.قبل ان يتم اطلاق الارسال من مبنى تلة الخياط في احتفال رسمي رعاه رئيس الحكومة انذاك رشيد كرامي الذي اكد التزام الحكومة بتقديم الدعم لانجاح هذه التجربة الفريدة والرائدة في العالم العربي وانها لا تنظر اليها نظرة تجارية فحسب بل من منطلق وطني وثقافي واجتماعي وهي نظرة ثاقبة لدور الاعلام العام لجهة الاستفادة من هذه الشركة والاستثمار على المستوى الوطني والاجتماعي والتربوي قبل السعي للاستفادة المادية والتجارية.
بعد ست سنوات في العام ١٩٦٢ بدا البث الرسمي لمحطة تلفزيون لبنان والمشرق من منطقة الحازمية في اتفاقية موقعة مع الدولة اللبنانية . وقد تفاعل الكثير من اللبنانيين المقتدرين مع هذه الانطلاقة الفريدة في العمل الاعلامي العام .(30)
ان شركة تلفزيون لبنان التى تشاركت فيها الدولة مع القطاع الخاص سابقا كانت من اهم مرافق الاعلام العام وامنت لها حضورا محليا واقليما وعالميا نظرا لتفردها الحصري على المستوى اللبناني في السيطرة الكاملة على الاعلام العام المرئي لسنوات طويلة ، وهو دور فقدته المحطة الى غير رجعة بعد الحضور الكلي تقريبًا لمؤسسات القطاع الخاص. وعليه يستوجب اتخاذ اجراءات تمكن الشركة من استثمار ما لديها من ذاكرة وطنية وانسانية و تراث عالمي على مستوى الارشيف المرئي الحصري وتحديدا خلال عقود الستينيات والسبعينيات و الثمانينات ، عدا عن تغيير وجهة النظر اليها كمحطة ربحية منافسة للقطاع المرئي الخاص الى محطة يمكن ان تؤدي دورا وطنيا كبيرا اخر على مستوى الاعلام العام وتركز على اتاحة المعلومات وابراز البرامج المنوعة ،التربوية والثقافية والاجتماعية والشبابية والرياضية والاقتصادية والترفيهية فضلا عن البرامج الإخبارية والسياسية ، ويتيح لها المنافسة والتمييز في ظل تطور العمل الاعلامي وتغيير دوره وتبدل وظائفه نتيجة التطور التقني الهائل والذي جعل واقع الاعلام في لبنان اكثر صعوبة ويواجه تحديات كبيرة تتمثل في المنافسة الشديدة والحادة .
ان العقبات الاساسية يمكن اختصارها في ثلاثة صعد :
الصعيد الاول :الواقع الاداري المتردي والمزمن والذي ينتج عن اهمال السلطة التنفيذية في اتخاذ القرارات المطلوبة منذ اكثر من أربع وعشرين سنة لتعيين مجلس ادارة للشركة كما تنص عليه الانظمة والقوانين ، و جعل الشركة في وضع مادي مترد بلا موارد تمكنها من الاستمرار والبقاء
وهذا الامر يشكل اهمالا كبيرا متعمدا اذا ان خمس عشرة حكومة تشكلت وتعاقبت على سلطة اتخاذ القرار منذ تعيين اخر مجلس لم تتم المبادرة الصحيحة و المثمرة لاتخاذ القرار المطلوب بالتعيين واحجمت عن ذلك لاعتبارات غير مبررة وبقيت شركة تلفزيون لبنان حتى تاريخه (اذار ،٢٠٢٥)ومنذ العام ٢٠٠١ بلا مجلس ادارة .
◦ وما يزيد تفاقم الازمة الادارية على مستوى هذا المرفق العام الاعلامي
◦ انه جرى تسييره من خلال عدة وزراء تعاقبوا اقله منذ العام ٢٠١٨ ، او من قبل هذا التاريخ منذ العام ٢٠١٣، من خلال تعيين حراس قضائيين كما حصل مرتين منذ تاريخ تأسيس تلفزيون لبنان .وهذه سابقة تاريخية ان يعمد القضاء المستعجل باتخاذ إجراء لا يركن الى قاعدة قانونية صلبة والإحلال مكان السلطة التنفيذية الممثلة بمجلس الوزارء ويعمد الى تعيين رئيس مجلس ادارة واعضاء مجلس ادارة لشركة تلفزيون لبنان متذرعا ان الحكومة في حال تصريف اعمال . وهذا التدبير هو اقرب الى تشابك الصلاحيات بين السلطتين التنفيذية والقضائية لا الفصل بينها او التعاون وهذا يطرح كيفية تحكم السلطات الرسمية وسيطرتها على عمل هذه الشركة التي تتولى الاعلام المرئي العام .
مع العلم ان شركة تلفزيون لبنان تعتبر بموجب المرسوم رقم ٤١٢٨ الصادر بتاريخ ٢٩/٨/١٩٨٧ من المؤسسات المكلفة بادارة مرفق عام .
◦ ان تسيير شؤون الشركة وادارتها العامة اصبح يتم بموجب رأي لهيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل ابدته جوابا عن كتاب وزير الاعلام رقم ٢١٣/و المرسل اليها مباشرة بتاريخ ٦ اذار ٢٠١٨ . ومن ثم تاكيد من مجلس الوزراء مرتين العام ٢٠٢٣ والعام ٢٠٢٤ استمرار وزير الاعلام تسيير الاعمال الادارية العادية للشركة طيلة استمرار شغور مركز رئيس مجلس الادارة – المدير العام منعا لتهديد حسن سير المرفق العام الاعلامي
مع الاشارة الى ان وزير الاعلام يتولى صلاحيات الجمعيات العمومية العادية وغير العادية للشركة المنصوص عليها بموجب المادة ٣٣ من النظام الاساسي للشركة عدا عن انه يمثل اسهم الشركة كافة المملوكة من الدولة ولكن لا نص يعتبر وزير الاعلام سلطة وصاية على الشركة لانه وفق القاعدة القانونية “لا وصاية بلا نص ولا وصاية أبعد من النص”
ان الشركة من حيث الواقع القانوني تتمتع بشخصية مالية وادارية مستقلة ولا ترتبط بادارة وزارة الاعلام مباشرة او بتسلسل اداري مع وزير الاعلام ما يستدعي العمل على تحديد العلاقة بين الطرفين بعد التغييرات التى حصلت على الواقع التنظيمي للشركة ولاسيما مع صدور المرسوم ٧٥٧٦ / ٢٠٠٢. وتعديلاته ، ما يتطلب اعادة النظر بالانظمة والقوانين التى ترعى شؤون تلفزيون لبنان ،عدا عن الحاجة الملحة لادخال تعديلات على النصوص الحالية وإفراد المساحة الوافية للاعلام الإلكتروني ومنصات التواصل التى غيرت من التكاليف المالية ومن سرعة التفوق بالوصول الى مستويات عالمية من البث على امتداد العالم والتمكن من التواصل مع المغتربين اللبنانيين وغيرهم، فضلا عن إمكانية تأمين ارادات مالية كبيرة لا يستهان بها على وقع النتائج المترتبة من المشاهدات المستعادة ، وهي تقنيات قد تؤمن للشركة وفرا ماليا في حال تواكب ذلك مع وجود ادارة فاعلة ومتخصصة وتتمثل في تعيين مجلس ادارة كفوء و قادر على التحرك وفقًا للصلاحيات الممنوحة له .
ان اتخاذ القرارات المتعلقة بالصفقات والمقاولات والعقود وغيرها مناطة بمجلس الادارة سندا للمادة ٢٤ من النظام الاساسي للشركة ، وهي تختلف عن الصلاحيات المناطة برئيس مجلس الادارة ،
◦ وعليه يجب ان تتولى الدولة الاشراف والادارة المباشرة كما هو حاصل اليوم. وتلغى النصوص المخالفة لهذا الواقع مثل تعيين مفوض الحكومة مع وجود ادارة مباشرة لوزير الاعلام لان المرؤوس لا يمكن ان يتولى مراقبة اعمال رؤسائه .
◦ ان الهيكلية التى تضمن المراكز والوظائف في الشركة اصبحت متقادمة و مترهلة تستوجب تعديلًا جوهريًا و بنيويا يواكب العمل الاعلامي الحديث الذي لم يعد يقتصر في المؤسسات التلفزيونية على البث الفضائي بل دخل بقوة في سياق البث الالكتروني و live streaming الذي يقوم على المشاهدة والمشاركة الاستعادية اي الاعلام الاستعادي الذي يمكن ان يمول جزءا كبيرا من التكلفة التشغيلية لشركة تلفزيون لبنان التى تنفرد بامتلاك ارشيف كبير و ذاكرة وطنية و تلفزيونية مرئية لا تمتلكها الوسائل الاعلامية الاخرى لا في لبنان ولا في معظم العالم العربي . وعليه يجب تعيين إدارة مختصة تستطيع استثماره ليحقق ارباحا مالية تغذي موازنة الشركة مع الالتزام بالتغييرات الكبيرة لطبيعة العمل التلفزيوني الحديث وطرق بثه الالكتروني والاستعادي
مع ضرورة تفعيل الانتاج البرامجي والمسلسلات التلفزيونية ولاسيما الاعمال الدرامية والفنية والثقافية والاجتماعية والتربوية والترفيهية والتوجيهية التي تعكس واقع الهوية الوطنية الجامعة ، وهذا يستدعي تأمين الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ هذه المشاريع .
ان استمرار الشركة بتسيير البث التلفزيوني من دون انتاج البرامج او شرائها يظهر حجم المعاناة التى يعانيها تلفزيون لبنان بالرغم من كل المحاولات الجادة والمتواضعة، وضمن الامكانيات البسيطة لإعادة اطلاق برامج جديدة نسبيا لكنها ضئيلة .
ومن هنا يجب السعي إلى تامين المساعدات المالية للقيام بخطط لتجهيز الشركة بمعدات وتجهيزات حديثة ومتطورة تؤمن حضورا اعلاميا فاعلًا وتحديدا على مستوى تشغيل الإعلام المرئي العام الحديث عبر موقع اعلامي الكتروني فاعل.
أرشيف تلفزيون لبنان ثروة أساسية للإعلام العام
يجب وضع ضوابط صارمة لاستخدام الارشيف وفق معايير قانونية تحدد كيفية الاستفادة منه استناداً إلى الانظمة والقوانين التي تحفظ هذه الثروة والذاكرة الوطنية بعيدًا عن أي اجراءات قد تودي الى استخدامه بصورة خاطئة لان هذا الارشيف هو بمثابة اموال عامة لا نظير لها لدى المؤسسات المرئية الاخرى او الاعلامية. و يجب التشديد على ضرورة ملاحقة كل من قام باستخدام او يستخدم هذا الارشيف بصورة غير مشروعة او قانونية. وهذا الامر هو من ابرز مهام الاعلام العام في إتاحة المعلومات والحفاظ على الذاكرة الوطنية وفق الاصول.
إن الاعلام العام في لبنان يعاني تراجعا كبيرا في الدور وفي الصلاحية. وهذه نتيجة حتمية للتطور التقني و الحضور القوي والكبير لوسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية ، اضافة الى عدم التمكن من ايجاد روابط تنسيقية وتكاملية بين الاعلام التقليدي وبين الإعلام الحديث . هذا الامر ليس محصورا بالاعلام اللبناني العام او الخاص بل يتعداه الى معظم الاعلام في دول العالم الثالث ومن بينها الدول العربية ، يضاف الى ذلك ان ضعف التمويل وتردي حجم المساهمات المالية ونقص الإيرادات والمداخيل وتراجع حجم الاعلانات و انخفاض الانتاج البرامجي التلفزيوني تحديدا ، وعدم مواكبة التطور التقني عوامل اسهمت و تسهم في رتابة الاعلام العام (الرسمي)، وهو ما يزيد من بروز الفجوة بين أداء هذا الاعلام من جهة، وبين فاعلية الاعلام الخاص من جهة أخرى، والذي غدا معظمه اعلاما الكترونيا يشغل منصات التواصل الاجتماعي والمعرفي والمواقع الالكترونية ويستطيع تامين عملية الربط الجيد و المجدي بين الاعلام التقليدي والاعلام الالكتروني في التكامل والتآزر بغية تحقيق الاهداف المنشودة. مع التأكيد ان وسائل الاعلام التقليدية فقدت مكانتها ، و تراجعت قدرتها في التأثير على الجمهور على المسنوى العالمي (31)
كذلك فإن اعمال قنوات الخدمة العامة غدت غالبا لا تتوافق مع معايير هذه الخدمة للبث القائمة على التزام الجودة المهنية والتنوع في عمليات التثقيف والترفيه (32)
وعليه ان تغييب الاعلام العام لايمكن ان يحصل وان تغييرت اساليب تشغيله و وسائله وان تبدل دور الاعلام وطبيعته و وظيفته ، فان الدول اتخذت صيغا تحفظ حضورها وحضور الاعلام العام وإن ْ لم يعد تحت مسميات وزارة الاعلام او التواصل.
ان النظرة الى الاعلام العام وتأثيره و نتائجه المترتبة وأهميته عند الدولة ، يجب ان تتبدل من نظرة سلبية ترتكز دوما الى النظر في حجم تكلفته المالية على الخزينة العامة وما تتكبده من انفاق على هذا الاعلام ،الذي قد لا يؤمن ايا من المداخيل المادية والربحية المالية السريعة ، الى نظرة مستقبلية إيجابية تتمحور حول الحاجة الى الاستثمار طويل الاجل في بناء الانسان داخل المجتمع اللبناني والنهوض به وبالاجيال المقبلة من اجل تعزيز المواطنة والانتماء الوطني في بلد يتصف بحدة الانتماء الطائفي والمذهبي. وهذه عائداتها النفعية اهم من الربحية المادية المباشرة ،. وهو ما يوازي باهميته ، اهمية النظرة الى التربية والتعليم ، والامن والدفاع ، اذ ان ما ترصده الدولة وخزينتها من تكاليف مالية كبيرة تدفعها بغية تفعيل دور المؤسسات العسكرية والامنية من اجل تعزيز الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي والاجتماعي ، يعادل ما يرصد من اموال واعتمادات مالية ومادية من اجل النهوض بالتربية والتعليم ، لان المنطلق هو الاستثمار بالرأس المال البشري من اجل خدمة المواطن والمجتمع .
الربحية العالية في التربية والتعليم، وفي الاستقرار السياسي والامني والعسكري ليست ربحية مالية مباشرة بل هي ربحية طويل الاجل تتمحور اهميتها الاساسية حول صون الوطن والانسان والمساهمة في تقدمهما ونمائهما، وكذلك الاعلام العام الذي يجب تعزيزه من خلال النظرة الايجابية الى دوره المركزي في تعزيز الوحدة الوطنية والانتماء الوطني لا ان يقاس بمدى قدرته على تأمين العائدات المالية او الربحية النفعية المباشرة، او المنافسة في الحضور مع الاعلام في القطاع الخاص. وهذا الامر ينسحب على الدول كافة اذ
ان الاستثمار في راس المال البشري لا يظهر غالبا بوضوح في التقارير المالية (33).
وعليه في لبنان لابد من اتخاذ الاجراءات الملحة على المديين القريب والمتوسط قبل تقرير مصير بقاء الوزارة او الغائها .
اولا: 1- إعادة النظر في فلسفة الدولة إلى دور الاعلام العام وأهميته من الناحية الوطنية والانتماء إلى الوطن من دون تضخيم النظرة إلى الربحية المادية، أو السعي إلى منافسة الاعلام المرئي الخاص.
:2- تأمين الاعتمادات التشغيلية اللازمة لتنفيذ الاشغال الضرورية والملحة مثل تأمين تجهيزات تواكب العمل الإعلامي الحديث في عصر الذكاء الاصطناعي
3-اعتماد هيكلية مرنة ورشيقة تتضمن المهام و الوظائف التى يتطلبها العمل الاعلامي الحديث والعصري
٣-الطلب الى الجهات المعنية وفي مقدمها مجلس الخدمة المدنية اجراء مباريات لتأمين موظفين او متعاقدين جدد لتعويض النقص الحاد في المراكز والوظائف الشاغرة والمُلّح اشغالها ورفد الادارات والمؤسسات الاعلامية العامة بدم جديد وعناصر جديدة.
5-تفعيل التعاون بين وحدات الوزارة المعنية ، وشركة تلفزيون لبنان والتى سبق
لمجلس الوزراء ان وافق عليها العام ٢٠٢٤ (34)
على الية العمل والتعاون المشترك المعمول بها بين الطرفين ولاسيما على المستوى التقني ، وهو ما سبق ان اقترحه مفوض الحكومة لدى شركة تلفزيون لبنان واخرها التقرير المرفوع الى مجلس الوزراء في ايار من العام ٢٠٢٤.
ثانيا :
- أنسنة العمل الاعلامي العام من خلال عملية اخضاع المتعاقدين لشرعة التقاعد، وتنظر في هذا الاقتراح اللجان النيابية المشتركة. وقد سبق ان وضع هذا الاقتراح على جدول اعمال الهيئة العامة لمجلس النواب الاسبق ولم يعرض على التصويت . معظم المتعاقدين مضى على عملهم في الوزارة اكثر من ثمان وعشرين سنة.
2- تعديل مهام المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع حيث تكون صلاحياته ومهامه تقريرية ورقابية، فضلا عن تعيين اعضاء مجلس وطني جديد من خلال مجلسي النواب والوزراء مناصفة.
3- متابعة اقتراح قانون تنظيم الاعلام (مع الاشارة الى انه ليس مشروع قانون، و ما ارسل من الوزارة هو عبارة عن ملاحظات للجان النيابية ).
مع التأكيد ان اقتراح القانون بحاجة الى تعديلات جوهرية ، لان التطور التقني على المستوى الاعلام والتواصل والمعرفة اطاح بكل التشريعات و اغلب الاقتراحات التى وضعت بما فيها انشاء المنصات الاعلامية والتواصل الاجتماعي و الاسس القانونية اللازمة لرعاية عملها فضلا عن تغير سلطة المنح و المنع وامكانياتها .
4-إعادة الاعتبار للاعلام المرئي العام من خلال اقرار هيكلية تتناسب مع الطبيعة الجديدة للاعلام المرئي الحديث، وتعيين مجلس ادارة لشركة تلفزيون لبنان ، لأن عدم التعيين منذ اكثر من اربع وعشرين سنة يشكل امعانا في انهيار هذه الشركة ، لان تسييره منذ سنوات على ما درج عليه ، يشكل مشقة كبرى
ويثقل كاهل من تولى ذلك ويصرف اعمالا وافعالا تناط بمجلس إدارة الشركة. إن الاعلام العام أمر جوهري في نمو المجتمع اللبناني وتقدمه ويشكل موئل جمع محورياً بين اللبنانيين حتى لا يفرق بينهم إعلام الطوائف والمذاهب أو الجزر الاعلامية التي تتمدد مساحاتها أكبر من الوطن وأبعد من حدوده.
المصادر و المراجع
(1)- المرسوم الاشتراعي رقم ١١١ الصادر بتاريخ ١٢/٥/١٩٥٩ ،وتعديلاته ،(المادة الاولى).
(2)-الدستور اللبناني ، الصادر بتاريخ ٢٣/٥/١٩٢٦ وتعديلاته ،(المادة ١٣).
(3)-UNESCO freedom of expression and media development, unsedoc.unesco.org
(4)- ACE Electoral knowledge Network 2012 retrieved 05-02-2024
from the original on 3may 2023. Retrieved 07-04-2024.
(5)-Encyclopædia Britannica . https://www.britannica.com retrieved 10-03-2025.
(6)-https://www.mc -douliya.com,24-5-2024
public Media state . Government and Public service Broadcasting
ps://www.mc -douliya.com,24-5-2024
(7)- Veronica DeVore, Swissinfo.ch ,21/3/2022
(8) – المصدر ذاته.
(9)- المصدر ذاته .
(10) -المصدر ذاته .
(11)- https://www.project-syndicate.org
Mauris Drogomir,
, The perils of Public Media Funding,12/3/2018.
(12)- Veronica DeVore, Swissinfo.ch ,21/3/2022 .
(13)- المصدر ذاته.
(14)- القانون الفرنسي رقم ١٠٦٧/٨٦ الصادر بتاريخ ٣٠-٩-١٩٨٦(المادة ٤٧).
(15)- المصدر السابق ,( المادة 30).
(16)-مشروع قانون منفذ بمرسوم مرسوم رقم ٧٢٧٦، رقم ٧/٨/١٩٦١ وتعديلاته . (17)-المادة الاولى المصدر السابق .
(18)-المرسوم الاشتراعي رقم ٢٥ الصادر بتاريخ ٢٦/٤/١٩٨٣ (المادة ٢).
(19)-القانون ٥٥ الصادر بتاريخ ٩/٩/١٩٦٦.
(20)-القانون ٢١ الصادر بتاريخ ٢٩/٣/١٩٦٦.
(21)-المرسوم الاشتراعي رقم٢٥/ ١٩٨٣ لمصدر سابق .
(22)-القانون رقم ٣٨٢ الصادر بتاريخ ٤/١١/ ١٩٩٤.
(23)-القانون ٥٣١ الصادر بتاريخ ٢٤/٧/١٩٩٦.
(24)-كتاب رئيس المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع رقم ..تاريخ17\3\2025).
(25)-قانون المطبوعات اللبناني الصادر بتاريخ ١٩٦١، (المادة خمسون ).
(26)المرسوم رقم ٦٨٤٥ الصادر بتاريخ ١٤/٨/٢٠٢٠.
(27)-التقرير السنوي عن وزارة الاعلام للعام ٢٠٢٥).
(28)- قانون موازنة العام ٢٠٢٤.
(29)-رزافين قيومجيان ، اسعد الله مساءكم/ مئة لحظة صنعت التلفزيون في لبنان ، شمص للطباعة والنشر ، ٢٠١٥،ص.ص ٣٠-٣٣.
(30)-المصدر ذاته ،ص٣٣.
(31)-احمد قران الزهراني ،السلطة السياسية والاعلام في الوطن العربي،مركز الوحدة العربية ،بيروت ،الطبعة الاولى ،٢٠١٥، ص٢٨١.
(32))-Bugs,Ricardo and Huguenin-Benjamin, Roland ,Public Service broadcasting in the Mena region: Potential for reform, Institute Panos Paris and Observatoire Méditerranéen de la Communication, 2011 P5.
(33)-Solange Charas, From Expense To Investment: Human Capital – A Driver Of Business ,Value,Forbes,1/10/2024,New jersey ,https://www.Forbes.com
(34) – قرار مجلس الوزراء رقم 32 الصادر بتاريخ 11/9/ 2024