كتبت صحيفة “الديار ” تقول : قال رئيس الحكومة الدكتور حسّان دياب أن سنة 2020 ستكون صعبة ولا تُبشر بالخير وأن الدوّلة غير قادرة على حماية المواطنين. هذا القول الذي يعكس الحقيقة ويتسمّ بالصراحة، يعكس في نفس الوقت وضع خطير يُهدّد الكيان اللبناني برمّته إذا ما لم يتمّ القيام بإجراءات داخلية أكثر من ضرورية خصوصًا أن الحكومة أعلنت عن تعليقها دفع إستحقاقات سندات اليوروبورندز وهو ما يعني أن لا إمكانية من قريب أو بعيد للحصول على مساعدات دولية في ظل الكباش الحاصل بين الولايات المُتحدة الأميركية من جهة والجمهورية الإسلامية في إيران من جهة ثانية والذي أصبح القطاع المصرفي اللبناني أحد أهم جبهاته اليوم. أضف إلى ذلك إستمرار عجز الكهرباء الذي أصبح يفوق الـ 40 مليار دولار أميركي تراكميًا منذ العام 1992 وحتى نهاية العام 2019 ويُشكّل الشوكة الكبيرة في خاصرة المالية العامّة.
ولا يُمكن بالطبع نسيان الفساد الذي إستشرى في كل أجهزة الدولة إلى حدّ إستنزاف كل مقوماتها المالية وجعل لبنان بلد يراكم عجزين مزمنين خطيرين: الأول عجز الموازنة، والثاني عجز الحساب الجاري. فساد طال المناقصات الوهمية والتوظيف السياسي وتقاسم الحصص في كل المشاريع على قاعدة 6-6 مكرّر.
هذا الواقع يُنذر بأن لبنان مقبل لا محالة على إفلاس ومجاعة في ظل وجود أزمة خماسية الأضلاع: سياسية، إقتصادية، مالية، نقدية، وإجتماعية. وإذا كانت فرنسا تُحاول مُساعدة لبنان كما فعلت في مؤتمر سيدر والمساعدات الطبية التي وصلت إلى بيروت من يومين، إلا أن الضغط الأميركي يمنع على فرنسا من الذهاب أبعد في مساعداتها للبنان.
في ظل هذا الواقع الآليم مع ما قد يرافقه من سوء الوضع المعيشي للمواطن اللبناني والذي قد تصل الأمور إلى حدّ ضرب قسم من الطبقة الفقيرة بشكل عنيف مع حرمانها من أبسط الحقوق الإنسانية وعلى رأسها حق الحصول على سعيرات حرارية كافة للعيش!
من هنا يتوجّب على الحكومة أن تتحصّن بخطّة إقتصادية – مالية – إجتماعية تسمح للبنان من الخروج من الإفلاس إلى الإزدهار وإستعادة أمجاد لبنان في ستينات القرن الماضي والتي قضت عليها الحرب الأهلية ومن بعدها فساد الطبقة الحاكمة.
إيجارات الدوّلة
من الخطوات التي يتوجّب على الحكومة اللبنانية القيام بها هي معالجة مُشكلة الإيجارات والتي تُكلّف الخزينة العامة 200 مليار ليرة لبنانية سنويًا. والغريب في الأمر أن الدولة تستأجر المباني لوزاراتها ومؤسساتها وتدفع بدل سنوي في حين أنها تملك في بيروت 247 عقاراً العديد منها شاغر! ألا يُشكل هذا الأمر بابًا للتوفير؟
أيضًا لا نعلم لماذا لا يتمّ جمع كل وزارات ومؤسسات الدولة في مُجّمعات خارج بيروت الإدارية مع ما تُسبّبه وجود الوزارات المُفرقة يمينًا وشمالا من مشاكل زحمة سير ومواقف وغيرها. وتملك الدولة عقارات في كامل الأراضي اللبنانية لم تعد تستخدمها تابعة لسكك الحديد والأوتوبيسات والمشروع الأخضر كما أن لها حقوق على شركة سوليدير!
الخصخصة
الخصخصة التي نقصدها هنا هي خصصة بمعنى الشراكة حيث يُمكن للدولة إشراك القطاع الخاص من دون التخلّي عن أصولها بالكامل من خلال إما تخصيص الإدارة أو تشريك القطاع الخاص برأسمال المرفق. وهنا نطرح السؤال: لماذا لا تكون الخصخصة جزءًا من الحل لمشكلة الكهرباء التي أصبح حلّها شرط أساسي لأي مُساعدة دولية وخارجية كما طلبت الشركة الفرنسية من وزارة الطاقة حيث أبدّت إستعدادها لتزويد لبنان بمولّد كهربائي وتمّ رفض طلبها وفق مصدر وزاري؟ أيضًا عرضت الصين مشروعًا للكهرباء يلغي العجز تقريبًا من دون أن يكون هناك تجاوب من قبل وزارة الطاقة.
أيضًا لماذا لا يتمّ خصخصة مرفأ بيروت مع مئات ملايين الدولارات المهدورة سنويًا من قبل لجنة لا وجود قانوني لها فهي ليست بمؤسسة عامة ولا شركة خاصة؟ هذا الأمر كفيل بإدخال دولارات على خزينة الدولة أقلّه من خلال تركيب سكانر لفحص الحاويات والكونتينرات المستوردة.
أما على صعيد الخليوي وأوجيرو، فحدّث ولا حرج مع خسارة خزينة الدولة لمئات ملايين الدولارات نتيجة الفساد المُستشري. فمثلا تقع كلفة التشغيل على خزينة الدولة في حين أن أرباح شركات الخليوي تعود لشركتين خاصتين! هذا القرار الذي أخذه وزير الإتصالات أنذاك نقولا الصحناوي لا يُقنع الرأي العام.
هذه الخصخصة، تسمح للدولة بالإستفادة من الأرباح مباشرة ولكن أيضًا من خلال الضرائب على أرباح الشركات الشريكة في المرفق العام.
ولا يجب نسيان كازينو لبنان حيث أن خصخصة هذا المرفق وبيع رخصته لشركة سياحية كبرى مدعومة بإنشاء فنادق في الأرض التي يملكها الكازينو أو في المنطقة القريبة مع بناء مطاعم أيضًا تابعة لها، فإن هذا الأمر سيجذب السياح الأجانب وسيؤدّي إلى رفع مداخيل السياحة وبالتالي مداخيل خزينة الدولة اللبنانية.
التنظيم المدني
في عهد الرئيس فؤاد شهاب، كان عدد سكان لبنان مليونين ونصف مليون شخص. وتم آنذاك إنشاء مشروع ايكو حيث تمّ إعطاء حقوق البناء بنسب ضعيفة جدًا. لماذا لا يتمّ الأن تعديل قانون التنظيم المدني وإعطاء نسبة البناء اكبر على العقارات مما يسمح لمداخيل الدولة اللبنانية بالإرتفاع أكثر من 18 مليار دولار فوراً؟
أيضًا وعلى صعيد أخر، تم تطبيق طابق المرّ سابقًا حيث أدخل إلى خزينة الدولة إيرادات هامة دون أن يُشوّه مناظر الأبنية حيث يتراوح سعر المتر بين 300 دولار أميركي و35 ألف دولار أميركي للمتر الواحد. وإذا تمّ إعطاء نسبة 20 و30% للبناء في مناطق محددة وتعميم نسبة 70% بناء و80% في باقي المناطق، فإن ذلك سيعطي خزينة الدولة مدخولاً يمكنه دفع ديونه الخارجية لأن اكثر من ملياري متر مربع سيتم بناؤه حينها على كافة الأراضي اللبنانية.
القانون الضريبي
من المعروف أن الضريبة هي أداة تشريعية أعطاها القانون للحكومات لتدعيم خزينتها. وإذا كانت هذه الضريبة تمتلك ثلاثة وظائف: مالية من ناحية زيادة الإيرادات، إجتماعية من ناحية فرض عدالة إجتماعية، وإقتصادية من ناحية تشجيع الإستثمارات، من هذا المُنطلق يتوجّب على الحكومة إعتماد الضريبة التصاعدية التي تزيد من الدخل الى الخزينة ولا تؤثر على الاستثمار مثل قانون الضريبة التصاعدية الأميركية حيث انه يوجد في الولايات المتحدة استثمار والضريبة تصاعدية فيها بينما تثبيت ضريبة 10% على الجميع على الغني والفقير لا يحوي أي عدالة إجتماعية وفي نفس الوقت يحرم الخزينة من مداخيل هي بأمس الحاجة لها.
أيضًا فرض ضريبة ثابتة ثانوية على الأطباء والمهندسين وأصحاب الاختصاص لا يمت إلى الواقعية بصلة، فهناك جراحون في لبنان ومهندسون دخلهم اليومي 20 الف دولار أميركي ويدفعون ضريبة ثابتة توازي شريحة أطباء ومهندسين لا يجنون أكثر من ألف دولار شهريًا! ونفس الإقتراح ينطبق على المهندسين الذين يأخذون مبالغ طائلة ويدفعون رسما ضرائبيًا ثابتاً.
على صعيد القطاع المصرفي، يتوجّب فرض ضرائب ضمن الضريبة التصاعدية وتثبيت سعر الدولار بسعر واحد حيث أن إعلان نقابة الصرافين إلتزامها بسعر 2000 ليرة للدولار الواحد بعد لقائها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة البارحة، وسماح مصرف لبنان للصرافين بسعر 1950 ليرة للدولار الواحد كحدّ أقصى، يسمح للمودعين بالدولار الأميركي بربح 500 ليرة في كل دولار واحد مع العلم أن الودائع بالدولار تصل الى 120 مليار دولار في المصارف اللبنانية.
أيضًا يتوجّب إعادة تقييم بدل الإشغال على الأملاك البحرية والنهرية وتطبيقها بشكل جدّي مما سيسمح للدولة بحصد إيرادات بمئات ملايين الدولارات سنويًا مع العلم أن هناك 5 مليون متر مربّع من الأملاك البحرية التابعة للدولة اللبنانية مُصادرة من قبل أصحاب النفوذ، و25 مليون متر مربّع من الأملاك النهرية التابعة للدولة مُصادرة من قبل أصحاب نفوذ أيضًا من دون أن يكون هناك دفعاً لخزينة الدولة.
الضمان الإجتماعي
من الأمور التي ستُساعد في رفع مداخيل خزينة الدولة اللبنانية أيضًا، تخفيض نسبة اشتراك دفع الشركات عن الموظفين عن الضمان من 22% الى 5% لدعم الصناعة والشركات التجارية وشركات الاستثمار والتعويض. هذا الأمر سيسمح من جهة بزيادة عدد المُصرّحين للضمان الإجتماعي لكن أيضًا سيسمح بتشجيع توظيف العمالة اللبنانية بشكل كبير وكل هذا سيزيد مدخول الدولة من إشتراكات الضمان ولكن أيضًا من الضرائب على أرباح الشركات.
إلغاء الصناديق والمجالس
أيضًا هناك المؤسسات التابعة للدولة اللبنانية والتي أقرّت لجنة المال والموازنة وجود 99 منها من دون جدوى فعلية في وقت تخسر خزينة الدولة أموالا طائلة. هذا الأمر سيؤدّي عمليًا إلى ترشيد القطاع العام وخفض النفقات التي إقترحها رئيس الحكومة حسان دياب مع ما لذلك من إستفادة للمواطن من ناحية خفض العجز وبالتالي خفض التكاليف ومعها الضرائب.
الرئيسية / صحف ومقالات / الديار : الخروج من الإفلاس إلى الإزدهار مُمكن من خلال خطّة إقتصادية عماد الخطّة إصلاحات ضريبية وإدارية ومحاربة الفساد