كتبت صحيفة “الأنباء” الالكترونية تقول: المسافة بين إدخال أول مصاب بفيروس كورونا في العشرين من الشهر الماضي إلى مستشفى رفيق الحريري الجامعي وتسجيل أول حالة وفاة بهذا المرض في العاشر من آذار الجاري، عشرون يومًا في الحساب، لكنها في يوميات اللبنانيين قد توازي دهراً. فهم لم يسبق لهم أن عاشوا كهذه الحالة من الخوف والقلق على صحتهم كما على مستقبل بلدهم وأولادهم، في ظل استهتار رسمي غير مبرّر وعدم قدرة على اتخاذ أبسط القرارات لحماية صحة المواطنين.
وبينما كان الناس ينتظرون إطلالة رئيس الحكومة حسان دياب أمس لإعلان حالة طوارئ صحية تحاصر انتشار الفيروس وتمنع تفشيه، فإذ به يخرج على الشعب اللبناني بلائحة مقررات كان يجب أن يعلنها في اليوم الأول لتسجيل حالة كورونا في لبنان، أقلها وقف الرحلات الجوية مع كل الدول الموبوءة، أما المفارقة الكبرى فكانت في استمرار وصول طائرات من هذه الدول، ما اضطر رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط إلى رفع الصوت مطالبا بوقف وصول “طائرات الموت” هذه.
لكن لا حكومة تسأل عن شعبها، ولا منظمة الصحة العالمية قادرة أن تخفف من هول ما يجري، فيما الإصابات بالكورونا تزداد بمعدل 30 في المئة يوميا، ما يعني أنها قد تصل يوم الجمعة من الأسبوع المقبل الى اكثر من 500 اصابة، فيما اكتفى رئيس الحكومة بالتعاميم عوضاً عن قرار بحالة طوارئ صحية وإلزام اللبنانيين بالبقاء في منازلهم كتدبير وقائي، بدل تركهم لقدرهم في مواجهة أخطر وباء يهدد العالم منذ عقود.
ورغم أن مهمة التبرير للبنانيين شاقة لإقناعهم بأسباب عدم إقدام حكومتهم على هكذا خيار يضمن سلامتهم، فقد حاولت مصادر وزير الصحة عبر “الأنباء” أن تتذرع بأن إعلان حالة الطوارئ في اي بلد في العالم يجب أن تقرره منظمة الصحة العالمية على أن تلتزم الحكومات المعنية بما يصدر عن هذه المنظمة من قرارات، ورأت أن هذا الاجراء ينطبق على لبنان لأن الوضع الصحي فيه لم يصل الى درجة إعلان حالة الطوارئ وحجر الناس في منازلهم. لكن الحرص كان يقتضي استباق كل توصيات المنظمات العالمية وإعلان ما يلزم لحماية اللبنانيين.
وأمام التفشي السريع لهذا الوباء، تبدو طاقة المستشفيات الحكومية، التي أُعلن عنها في مشغرة وبعبدا وطرابلس وجرى إلحاقها بمستشفى رفيق الحريري، ضئيلة جدا قياسا الى تطور هذا الوباء، حتى أن المستشفيات الخاصة التي أعلنت عن وضع أجنحة لاستقبال مرضى الكورونا ليست مجهزة كما يجب، وذلك يعد الاعلان عن النقص الهائل في المستلزمات الطبية، لذلك تبقى الوقاية الشخصية هي الاساس.
وفي هذا السياق، تتقدم المبادرات الأهلية لتحلّ مكان الدولة وغيابها وعجزها، وأولى هذه المبادرات كانت حملة الحزب التقدمي الاشتراكي، التي تحوّلت الى عمل يومي في المناطق اللبنانية تشمل تعقيم المرافق العامة والمؤسسات ودور العبادة والاماكن العامة، هذا اضافة الى حملة التوعية لإرشاد المواطنين الى سبل الوقاية من هذا الفيروس.
وإلى تقصير الحكومة في إجراءات التصدي لأزمة كورونا، جاء أداؤها على المستوى نفسه في الملفات الأخرى. فقرار وزيرة العدل ماري كلود نجم بردّ التشكيلات القضائية الى مجلس القضاء الأعلى ليس إلا دليلاً جديداً على تفشي داء المحاصصة في جسد هذه الحكومة، لتتحوّل أداة في يد الفريق السياسي الذي أوصلها.
وقد وصف مرجع قانوني في حديثه مع “الانباء” ما يتعرض له لبنان منذ بداية العهد القوي بالقول: “الدنيا وجوه وعتاب”.
وإذ أعطى المرجع نفسه وزيرة العدل الحق برد صيغة التشكيلات القضائية الى مجلس القضاء الأعلى كما الحق بابداء ملاحظاتها والطلب الى مجلس القضاء ان يأخذ بعين الاعتبار تلك الملاحظات، لكنه لفت إلى أن هناك خيارين في هذه الحالة، فإما أن يأخذ مجلس القضاء بوجهة نظر الوزيرة او يتمسك بخياره، وفي حال أصرّ فيلزمه عندئذ توقيع 7 من أعضائه. وهو ما سيُظهر لاحقا اذا ما كان الحرص على استقلالية القضاء موجود فعلا ام أنه شعار مرفوع من الفريق الحاكم يُسقطه ساعة يشاء.