كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: أمضى لبنان يوماً رابعاً في ظلّ قرار التعبئة العامة الصحية التي اعلنتها الحكومة، في مواجهة فيروس “كورونا”. أما الرهان على الالتزام الشعبي بمندرجات هذا القرار، فلا مجال لإدراجه في خانة الربح، بالنظر الى حال الاستهتار الذي ما زالت تبديه بعض الفئات الشعبية، من دون ان تقدّر عواقبه، وحجم الخطر عليها وعلى عائلاتها.
وتوازياً مع استفحال خطر “كورونا”، يستفحل في محاذاته الوباء المصرفي، الذي لا يقلّ خطراً عن الفيروس الخبيث، وربما يزيده، ويتمثل في استمرار مصادرته لودائع اللبنانيين وحرمان اصحابها من حقوقهم المشروعة، في عملية لصوصية واضحة ومستمرة منذ اشهر عدة. وما يزيد الطين بلّة، هو المشروع التي ستعرضه الحكومة في جلسة مجلس الوزراء اليوم، تحت عنوان “كابيتال كونترول”، الذي ينطوي على مضمون خبيث، يشكّل من جهة خرقاً فاضحاً للدستور، ومن جهة ثانية تشريعاً وقحاً لمخالفات المصارف وتحكّمها بأموال المودعين من دون وجه حق، بدل ان تلجأ الحكومة الى ممارسة ابسط واجباتها في حماية اللبنانيين، واتخاذ الإجراءات القانونية والجزائية الرادعة ومحاسبة المصارف على الخطيئة الكبرى التي تُمعن في ارتكابها في حق اصحاب الحقوق.
صحيح انّ الشريحة الكبرى من اللبنانيين، التزمت بقرار التعبئة، وغلّبت الوقاية الذاتية باتباع بعض الإجراءات، كالالتزام بالمنازل لأطول فترة ممكنة كواحد من التدابير الناجعة للحدّ من انتشار الوباء، الّا انّ الخطر يبقى محدقاً على البلد من تلك الشريحة المستهترة، التي يبدو انّها تعيش في كوكب آخر.
جرس إنذار
إزاء ذلك، فإنّ الحد الأدنى من المسؤولية يقتضي دق جرس الإنذار في وجه المستهترين، بأنّ استمرار عبثهم بأرواحهم، كما بأرواح سائر اللبنانيين، يتطلّب إجراءات رادعة لهؤلاء، لعلّهم يتعظون، ويرتدعون، ويغادرون ساحة الاستهتار، او بمعنى أدق، ساحة الطيش والغباء، والمزاح السخيف مع “كورونا”، وكأنّ فوق رؤوسهم خيمة زرقاء، وأبدانهم خارقة من النوع “السوبرماني” يصعب على هذا الفيروس اختراقها والنفاذ اليها والفتك بها، علماً انّ هذا “الفيروس” اجتاح الكرة الارضية، وكشف هشاشة كل دول العالم، وفي مقدّمها الدول العظمى الأكثر تطوراً، والأكثر امتلاكاً للإمكانات، وظهّرها كلها عاجزة أمامه، فكيف في بلد ضعيف وبلا امكانات كلبنان، العائم على بحر من الأزمات في كل المجالات!
133 حالة
ومع ارتفاع عدد المصابين في العالم بفيروس “كورونا” الى نحو 200 الف مصاب، بقي الوضع اللبناني في منحى تصاعدي، حيث سُجلّت امس 13 حالة جديدة.
وأعلنت وزارة الصحة، في تقريرها اليومي أمس، انّه ابتداء من 21 شباط وحتى تاريخ 18 آذار 2020، بلغ مجموع الحالات المثبتة مخبرياً 133 حالة بما فيها الحالات التي تمّ تشخيصها في مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي وتلك المبلّغة من المستشفيات الجامعية الأخرى المُعتمدة من قِبل الوزارة، وسجلت حالة وفاة لشخص في العقد التاسع من العمر كان في وضع صحي حرج ويعاني من أمراض مزمنة.
د. رودي باولز: لازموا منازلكم
وفي اتصال من بروكسل مع “الجمهورية”، كشف الدكتور رودي باولز، مؤسِس جمعيات وشركات دولية في مجال الطب، ذات خلفية في علوم الصيدلة وعلم الفيروسات، وهو أحد مخترعي أدوية مكافحة نقص المناعة البشرية أو الـHIV، انّ “الأرقام الرسمية لعدد الإصابات في العالم ليست دقيقة، بل هي تعتمد على عدد الفحوصات التي أُجريت. لذا، الأهم هو وضع حد لسلسلة العدوى. هذه فرصة لكل منا لإظهار تضامننا بعضنا مع البعض، ومسؤوليتنا المجتمعية عن طريق البقاء داخل المنزل وعدم نقل الفيروس، وحماية أنفسنا وعائلاتنا منه”.
ووجّه باولز رسالة لكل مواطن في بلد ينتشر فيه فيروس “كورونا”: “أنت تنقذ أرواحاً من خلال بقائك داخل المنزل وعدم الخروج إلّا عند الضرورة”.
وعن اللقاح، قال: “اللقاح الذي تعمل عليه الجهات الطبية اليوم هو للمستقبل، ولن يساعدنا اليوم. لذا كل ما يمكننا فعله الآن هو إيقاف سلسلة الانتقال”.
الإحتواء ممكن .. ولكن
وفي السياق نفسه، قالت مصادر صحية رسمية لـ”الجمهورية”: “حتى الآن، وعلى رغم من تزايد اعداد الحالات في لبنان، نستطيع ان نقول اننا لم نبلغ مرحلة الخطر الشديد، والمهمة ليست سهلة، لكنّ فرص النّجاح فيها ممكنة، وذلك عبر الجهود المضاعفة التي تبذلها الأطقم الصحيّة، التي تخوض هذه المعركة، والوزارة في ذروة حضورها معها، وكذلك بالاعتماد على وعي اللبنانيين واستجابتهم الكليّة للإجراءات، واتباع الارشادات، والتقيّد الكامل بالتدابير الوقائية التي تفرضها التعبئة العامة الصحيّة وعلى وجه الخصوص الإلتزام بالمنازل والحد من التنقل والاختلاط”.
جهود مضاعفة
بدورها، قالت مصادر حكومية لـ”الجمهورية”، انّ حجم تفشي المرض بين اللبنانيين، وعلى رغم من ضخامة عدد المصابين بوباء “كورونا” بالنسبة الى بلد صغير كلبنان، الّا انّ لبنان ما زال يُصنّف من بين الدول الأقل انتشاراً حتى الآن، ومردّ ذلك الى نجاح الإجراءات التي تمّ اتباعها، وبالإمكانات المحدودة، وهي الإجراءات ذاتها التي تُتّبع في كلّ دول العالم، والحكومة ماضية في مضاعفتها تدارُكاً للأسوأ.
وقيل للمصادر، انّ هذا الكلام قد يُعتبر تبريراً للتقصير، الذي تُتهم فيه الحكومة، وتحديداً وزارة الصحة، بأنّها تخلّفت عن القيام بواجباتها في المراحل الاولى لظهور “كورونا” في لبنان، وأنّها تأخّرت في اتخاذ الإجراءات الوقائيّة اللاّزمة، فأوضحت، “أنّ الحكومة استشعرت الخطر وأدركت مسؤوليتها منذ البداية، ووزارة الصحة قامت بالإجراءات المطلوبة، والتي كانت محل إشادة وتقدير من قِبل منظمة الصحة العالمية”. (يُشار هنا الى انّ معهد الصحة العالمية التابع للجامعة الاميركية في بيروت، اكّد انّ “لبنان سجّل اداءً افضل على مستوى احتواء “كورونا” بالمقارنة مع غيره من الدول، مثل هولندا والبحرين والنروج وسويسرا والنمسا وسواها”).
مخالفة دستورية
اقتصادياً، على الرغم من الأجواء السابقة لجلسة مجلس الوزراء المقرّرة اليوم، حول إمكان إقرار مشروع القانون الرامي الى تنظيم ووضع ضوابط استثنائية موقتة على بعض العمليات والخدمات المصرفيّة، المعروف بـ”الكابيتال كونترول”، فإنّ طريق هذا المشروع قد لا يكون قابلاً للنفاذ.
واذا كانت الحكومة تعتمد في محاولتها تشريع هذا القانون على قاعدة “انّ الضرورات تبيح المحظورات”، التي تركن اليها بعض الجهات السياسية الراعية للحكومة، الّا انّها، وعلى ما تقول مصادر دستورية لـ”الجمهورية”، تبقى قاعدة هشة لا تتمكن من اختراق العائق الدستوري، خصوصاً وانّ مشروع “الكابيتال كونترول” يشكّل مخالفة واضحة للدستور، وتحديداً للفقرة “و” من مقدمته التي تنصّ على ما حرفيته: “النظام الاقتصادي حرّ، يكفل المبادرة الفردية والملكيّة الخاصة”. ويعني ذلك، انّه حتى ولو أُقرّ المشروع في مجلس الوزراء، وتالياً في مجلس النواب، فسيكون عرضة للطعن به أمام المجلس الدستوري الذي سيبطله حتماً، وهذا يتطلّب فقط ان يبادر 10 نواب وضمن المهلة القانونية، الى تقديم مراجعة طعن بهذا القانون، الى المجلس الدستوري.
وتشير المصادر نفسها، “أنّ المخرج البديهي هو اجراء تعديل دستوري، ولكن “الكابيتال كونترول” تحرّمه مقدّمة الدستور، وتعديل هذه المقدّمة شديدة الصعوبة والتعقيد”.
أهون الشرور
في المقابل، قالت مصادر وزارية معنيّة بالشأن المالي لـ”الجمهورية”: إنّ إقرار مشروع “الكابيتال كونترول”، امر ضروري وملح في هذه الفترة. وهذا ما قد يقرّره مجلس الوزراء في جلسته اليوم.
ولفتت المصادر، الى انّ “هذا المشروع هو من حيث المبدأ أهون الشرور التي لا بدّ من اعتمادها، ولم يكن وارداً اللجوء اليه لولا بعض الظروف الاقتصادية والمالية التي استُجدت خلال الاشهر الماضية. وهو في اي حال تدبير موقت تنتهي مفاعيله حتماً مع انتهاء الازمة التي يعاني منها البلد في هذه الفترة”.
وحول ما يُحكى عن انّ موضوع “الهيركات” مدرجٌ على بساط البحث، قالت المصادر الوزارية: “هذا الامر ليس مطروحاً على الإطلاق، بل لا مجال للسير به، لأنّ عواقب مثل هذا الإجراء قد تكون وخيمة جداً، وتهدّد استقرار البلد بشكل عام”.
استمرار حجز الودائع
الى ذلك، رغم التعديلات المتعددة التي أُدخلت على مشروع “الكابيتال كونترول” إلّا أنّ القراءات الاقتصادية، بعد القانونية، تشير الى حقائق مقلقة بالنسبة الى حقوق المودعين. وقد تسرّبت أمس مجموعة تعديلات على المشروع في المادتين 7 و10 اللتين تنظمان عمليات السحب النقدي، وعمليات سداد قروض التجزئة.
في موضوع القروض، لاحظ الخبير الاقتصادي كمال حمدان، انّه كان يُفترض تحديد فترة زمنية. وقال لـ”الجمهورية”: “اذا كانت “الفترة شهرية ففي ذلك حماية لصغار المقترضين”. لكن “كان من الافضل ان يذكر المشروع كيف سيتمّ تسديد كل قرض يزيد عن المليون ليرة، هل يُدفع الفارق بالدولار؟ او يُستوفى مجمل القرض بالدولار”؟
وعن تعديلات البند 7، شدّد على ضرورة تحديد سقف السحوبات بالعملة الاجنبية والطابع الدوري للسحوبات (أسبوعياً او شهرياً)، متسائلاً: “عن أي سعر صرف في السوق يتحدث التعميم، خصوصاً انّه الى جانب السعر الرسمي هناك سوقان للدولار؟”.
يستنتج حمدان في النتيجة، انّ مشروع القانون هو اعتراف ضمني باستمرار حجز الودائع ومن دون اي ضمانات. “وإذا كانت الروحية التي أُعدّ فيها هذا القانون هي نفسها ستنسحب على مضمون خطة الإنقاذ، فهذا يعني انّ هناك إمعاناً في فرض أسوأ اشكال الـ haircut والقاضي بإجبار الناس على تحويل ودائعهم من الدولار الى الليرة اللبنانية ووفق السعر الرسمي”.
أزمة الدولار
تزداد أزمة شح الدولار ضراوة، خصوصاً في أعقاب تعميم مصرف لبنان بتحديد سعر شراء الدولار من قِبل الصيارفة، الأمر الذي تحوّل الى أزمة فقدان للدولار من السوق الموازي، بعدما كان شبه محجوب في السوق الرسمي (المصارف).
ومع إقفال المصارف أبواب فروعها جزئيّاً أمام المودعين وحَصر عمليات السحب النقدي عبر الصرّافات الآلية بالعملة المحلية فقط، فإنّ المراقبين يتخوفون من أن تؤدي ندرة الدولار الى ارتفاع سعر الصرف الى رقم قياسي جديد قد يتخطّى الـ2700 ليرة الذي بلغه في وقت سابق من الشهر الحالي. في هذا السياق، أشار نقيب الصيارفة محمود مراد لـ”الجمهورية” انّ “الصيارفة ملتزمون بالتعميم بنسبة 70 الى 80 في المئة، لكن لا مفرّ من الخروقات التي يمكن ان تحصل”.
وحول عدم توافر الدولارات لدى الصيارفة، قال مراد انّ الزبائن يُحجمون عن بيع الدولار بسعر الصرف المحدّد عند 2000 ليرة ولا يريدون تقبّل هذا السعر. في المقابل، أكّد انّ نسبة الطلب على الدولار من قِبل التجّار والشركات كبيرة، بسبب الأزمة التي تسبّب بها الحديث عن إقفال المصارف او عدم إقفالها، مما أربك السوق ورفع الطلب على الدولار وأدى في النتيجة الى تزايد النقص الحاصل.
الفاخوري
على صعيد آخر، بقيت مسألة الإفراج عن العميل عامر الفاخوري في دائرة التفاعل السياسي، والتساؤلات ملأت الارجاء اللبنانية في الساعات الماضية حول موجبات هذا الافراج: لماذا الآن، وكيف حصل، ولأي أسباب، ومن أوعَز بهذه الخطوة، هل من الداخل؟ هل من الخارج؟ وهل من الداخل والخارج معاً؟ ومَن أمّن التغطية السياسية لها، هل على المستوى السياسي الرسمي، هل على المستوى الحزبي، وهل ثمة دور خفي لـ”حزب الله” في هذا الأمر؟ وهل خلف الافراج عن فاخوري صفقة ما، بحيث يأتي الافراج عنه مقدمة لتبادل مقنع، يحمل معه الافراج عن محتجزين خارج لبنان وتحديداً في الولايات المتحدة الاميركية؟ وما الذي دفع مراجع رفيعة المستوى في الدولة الى التشكيك بهذه الخطوة والقول انّ وراء الأكمة ما وراءها؟ ثم أين هو عامر الفاخوري، هل ما زال في لبنان؟ أو أصبح خارجه؟
كل هذه التساؤلات لم تصل الى إجابات بعد، وربما تُخبر هذه الاجابات عن نفسها في وقت لاحق. وبحسب معلومات “الجمهورية”، فإنّ المحكمة العسكرية بصدد تقديم إيضاحات في الساعات المقبلة، حول كل ما أحاط بهذه القضية من التباسات.
قانون العفو: عقبات
وبالتوازي مع الافراج عن الفاخوري، لوحظ أنّ أصواتاً سياسية بدأت ترتفع لإعادة طرح ملف العفو العام على بساط البحث، وإقرار قانون بهذا المعنى في مجلس النواب.
على انّ هذا الملف ليس بالسهولة التي يراها بعض السياسيين، فإقرار قانون العفو بالشكل المطلوب فيه دونه سلسلة عقبات:
الاولى، تعذّر انعقاد مجلس النواب في هذه الفترة لأسباب “كورونية”، وعدم توفّر الإجراءات الوقائية الكاملة لاجتماع المجلس بهيئته العامة.
الثانية، إنّ انقساماً سياسياً حاداً يحيط بهذا الملف، بين من يرى في إقرار مثل هذا القانون رفعاً لظلامة تطال مئات من الموقوفين وغالبيتهم إمّا بلا محاكمة أو انهم أمضوا في السجن فترة تزيد عن فترة محكوميتهم الاصلية، وكذلك تطال آلاف المطلوبين بجنح وجرائم مضى عليها الزمن، وبين من يعتبر هذا القانون ضرباً للقضاء وتدخّلاً فيه وقفزاً فوق استقلاليته.
الثالثة، انّ هذا الملف محل اعتراض شديد من قبل الفئات الشعبية التي انتفضت في تشرين الاول 2017، وتعتبر انّ الأولوية ليس لِما يسمّونه “قانون المحاصصة السياسية للمرتكبين”، بل لإقرار قوانين محاسبة سارقي أموال الخزينة، والاثراء غير المشروع، وحماية الطبقات الشعبية واستعادة الاموال المنهوبة، علماً انّ الانتفاضة التي انطلقت في تشرين الاول، أحبطت قبل أشهر محاولة السلطة تمرير قانون العفو، حينما تمكّنت من تعطيل جلسة تشريعية لمجلس النواب كانت محددة في 12 تشرين الثاني من العام الماضي، بعدما تبيّن لها خلو تلك الجلسة من اقتراح قانون استقلال القضاء العدلي الذي أعلنت المعارضة انه ما يزال عالقاً في لجنة الادارة والعدل، وتضمين جدول أعمالها عناوين متناقضة، كأن يتمّ وضع اقتراح قانون العفو العام في رأس القائمة، جنباً إلى جنب مع اقتراحات قوانين المحاسبة والمساءلة. وكذلك بعدما ارتابت من أن يكون طرح العفو العام، يهدف الى تحقيق مكاسب سياسية ورشوة فئات اجتماعية واسعة سعياً لتهدئة الانتفاضة من خلال التخَلّي عن الحق العام، ومن أن يكون في الوقت نفسه عبارة عن مسعى مقنّع لمنح عفو ذاتي يسمح للزعامات وأعوانها بصَون مكانتهم الاجتماعية وأن يكونوا بمنأى عن أي محاسبة.
يُشار في هذا السياق الى انّ ملف العفو العام كان واحداً من البنود التي أضافها الرئيس سعد الحريري على الورقة الاصلاحية التي أقرّها مجلس الوزراء في جلسة 21 تشرين الاول من العام الماضي، الّا أنه بالصيغة التي تمّ تقديمه فيها آنذاك، كان محل انقسام بين مختلف القوى السياسية، وهو أمر لم يتبدّل حتى الآن.
وتبعاً لذلك، أكدت مصادر نيابية لـ”الجمهورية” انّ إعادة طرح هذا الملف، بالصيغة التي قُدّم فيها الاقتراح الى مجلس النواب، تتطلّب مزيداً من التمحيص والتدقيق في كل مضمونه، الى حَد نَسفه ووضع صيغة بديلة تحصر الاستفادة منه بحالات محدّدة، وليس أن يأتي شاملاً للمستحق ولغير المستحق، فضلاً عن دراسة متأنية للآثار التي يرتّبها، والتي بالشكل الذي كان مطروحاً تطال القضاء وهيبته.
وكان النائب ياسين جابر، الذي وقّع اقتراح القانون مع النائب ميشال موسى قبل موعد جلسة 12 تشرين الثاني الماضي (الى جانب عدة اقتراحات قوانين من باب تسهيل انعقاد تلك الجلسة)، قد أعلن آنذاك انه على الرغم من توقيعه الاقتراح فإنه ليس متمسّكاً به، وسيطالب الهيئة العامة بإحالته الى اللجان لمزيد من الدرس.
ويتضمّن الاقتراح المذكور منح العفو العام عن عدد من الجرائم المرتكبة قبل نهاية تشرين الاول الماضي والمُحالة أمام المحاكم العدلية أو العسكرية، سواء صدرت بحق مرتكبيها أحكام أو ما زالت عالقة في المحاكم. ومن تلك الجرائم: “تعاطي أو تسهيل تعاطي المخدرات أو تسهيل الحصول عليها أو ترويجها من دون أي نية ربحية”، وكذلك “جريمة زراعة النباتات الممنوعة”، في إشارة إلى زراعة الحشيشة الشائعة في منطقة البقاع. كما يسري على “المخالفات على أنواعها” وعلى الجنح والجنايات، بشرط “إسقاط الحق الشخصي في حال وجوده”. ولا يشمل الاقتراح الجرائم المالية، وكذلك يستثني بشكل صريح قتلة المدنيين أو العسكريين “عمداً أو قصداً أو خطفهم”، ومَن أقدَم على تجنيد أو تدريب أشخاص للقيام “بأعمال إرهابية”، والاغتيالات السياسية وتمويل الإرهاب.
أمّا المستفيدون منه، فيقُدّرون بآلاف الموقوفين والمطلوبين من منطقتي بعلبك والهرمل، وغالبية هؤلاء متهمون بجرائم مخدرات وسرقة سيارات وزراعة الحشيشة… وكذاك من يعرفون بـ”الموقوفين الإسلاميين” وعددهم يزيد على الألف معظمهم من طرابلس، وهم متّهمون بارتكاب جرائم عدة بعضها “إرهابي” بينها قتال الجيش والاعتداء عليه والمشاركة في جولات اقتتال دامية داخل المدينة والتخطيط لتفجيرات، علماً أنّ أهالي هؤلاء الموقوفين سبق لهم أن تلقّوا وعوداً من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بإقرار عفو عام يشمل أبناءهم.
واذا كان التوجّه الى إعادة طرح هذا الملف في هذه الفترة، ينطلق من اعتبارات سياسية – مناطقية، تشتمّ منها رائحة استرضاء فئات تعتبر من القاعدة الجماهيرية لبعض القوى السياسية النافذة، فإنّ موقف القضاء يرى فيه أنه يشكّل حافزاً لتكرار الجريمة، عبر بنائه قاعدة جديدة عنوانها “الافلات من العقاب”.
ووفق مصادر قضائية لـ”الجمهورية” فإنّ العفو العام، كما هو مطروح في الاقتراح النيابي الموجود، “ينسف استقلالية السلطة القضائية ويزيد من منسوب التجرؤ على مخالفة القانون”.
ترتيبات خاصة بجلسة الحكومة اليوم
وفي معلومات “الجمهورية” انّ جلسة مجلس الوزراء اليوم ستشهد ترتيبات استثنائية، وستوزّع كراسي الوزراء بمسافة تبعد أكثر من متر واحد بقليل بين كل كرسي وآخر. فالطاولة التي كانت تتسع لـ 30 وزيراً وعدد من المسؤولين الذي يشاركون في الجلسات، يمكن أن تتسع لـ20 وزيراً وفق الترتيبات الجديدة، وسيكون متاحاً أمام الوزراء، إذا رغبوا، باستخدام الكمّامات الواقية كما جرى في جلسة السراي يوم الإثنين الماضي.