عاجلاً أم آجلاً سينقضي فيروس “كورونا المستجد” وستنقضي مفاعيله بعد أن يطوي الطب صفحة مآسيه في العالم، لكن فيروس “6 و6 مكرّر” المتأصل في نفوس وأنفاس أهل السلطة سيبقى هو بيت الداء والوباء في لبنان تحت حكم منظومة موبوءة عجزت كل “المعقّمات” الإصلاحية عن تطهير أدائها من الفساد والمحاصصة ووقف تفشي أزلامها في جهاز مناعة الدولة. فعلى قاعدة “رب ضارة نافعة” عاد أهل الحكم إلى طاولة تناتش الحصص والتعيينات “ع السكّين يا بطيخ” باعتبار أنّ زمن كورونا أجهز على الثورة وحررهم من قيودها ليعود مسلسل الكباش السياسي عند كل استحقاق وآخرها اليوم ما يحصل في ملف التعيينات المالية التي باتت معلّقة حتى إشعار آخر تحت وطأة اشتداد الخلاف على الحصص والمحسوبيات في تركيبة الجهاز الرقابي المصرفي.
الخلاف الذي بدأت معالمه بالارتسام مطلع الأسبوع، تمظهر جلياً أمس واتضحت معه “خطوط النار” السياسية بين مختلف الجبهات لا سيما بعد انضمام “تيار المستقبل” إلى محور رئيس المجلس النيابي نبيه بري و”تيار المردة” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، في مواجهة محور يقوده رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بمؤازرة من رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة حسان دياب.
وسرعان ما استعرت حرب البيانات بين “المستقبل” و”التيار الوطني” وصولاً إلى ملامسة “الخطوط الحمر” الطائفية حسبما استُشفّ من بيان كتلة “المستقبل” النيابية الذي نبّهت فيه من “مخطط غير بريء تحت جنح الكورونا” للتلاعب بمواقع في مصرف لبنان إرضاءً “لفريق سياسي لطالما حاول وضع اليد على هذا المرفق الاقتصادي الحساس”، محذرةً من أن هذه المواقع “لن تكون لقمة سائغة لأي جهة سياسية مهما علا شأنها وعدم وجودنا في السلطة لا يعطي أياً كان إذن مرور لأحد بانتهاك الكرامات وضرب الصلاحيات والاعتداء على مواقع الآخرين”. وعلى الأثر ردّ “التيار الوطني” بالتصويب غير المباشر على السياسات الحريرية النقدية ليعود “المستقبل” بالرد على الرد عبر بوابة الحكومة “وسياساتها التي تُكتب بالحبر البرتقالي”.
وعن موجبات احتدام مشهد تعيينات حاكمية مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، توضح مصادر مواكبة لكواليس المشهد لـ”نداء الوطن” أنّ ما يحصل فعلياً هو “حرب فيتوات متبادلة الحلقة الأضعف فيها رئيس الحكومة”، وأضافت: “في وقت كان يصرّ دياب على تغيير كل الأسماء في التعيينات المالية وكانت جميع القوى السياسية مسلّمة على مضض بهذا الأمر، طرأ “فيتو” من رئيس “التيار الوطني” مدعوماً من رئيس الجمهورية على تغيير عضو لجنة الرقابة على المصارف الماروني جوزيف سركيس الأمر الذي استدرج “فيتو” مضاداً من رئيس مجلس النواب على تغيير العضو الشيعي أحمد صفا، وهو ما انسحب بطبيعة الحال على رفض إقصاء سمير حمود عن الرئاسة السنّية للجنة على قاعدة إما التغيير يطال الجميع أو الاستثناءات تطال الجميع”.
وفي حين تؤكد أنّ “التعيينات دخلت في دائرة الشلل بعدما بات المطروح التغيير في العضوية الأورثوذكسية والكاثوليكية فقط”، تلفت المصادر إلى أنّ “استنفار الأفرقاء السياسيين مردّه إلى المعلومات عن تدخل باسيل في اختيار الأسماء المسيحية وغير المسيحية في سلة التعيينات تحت ستار التنسيق القائم بين الرئاستين الأولى والثالثة حول ضرورة التغيير، فأضحى هذا التغيير بحسب محور بري – المردة – الاشتراكي – المستقبل بمثابة “مخطط باسيلي” لوضع اليد على تعيينات المصرف المركزي ولجنته الرقابية، بشقيها المسلم والمسيحي، مباشرةً أو مواربةً، وصولاً إلى ما رشح حتى عن محاولة لتدخل باسيل في تزكية الإسم الأرمني في تعيينات نائب حاكم المصرف”. وبمعزل عن تأكيد أو نفي تدخل باسيل، جاء تعليق النائب أغوب بقرادونيان على هذا الموضوع حاسماً بالتشديد لـ”نداء الوطن” على أنه “إذا كانت هناك نية للإبقاء على أي من الاسماء الأربعة لنواب حاكم مصرف لبنان فنحن سنصر على الإبقاء على النائب الأرمني، أما إذا كان التوجّه هو نحو تغيير الأربعة فنحن مع التغيير وقد قدمنا ٣ أسماء لوزير المال لكي تُدرس سيرها الذاتية ويتم اختيار اسم من بينها”.
وليس بعيداً عن تعثّر التعيينات، أصبح موضوع “الكابيتال كونترول” كذلك في خبر كان بعدما وضع “حزب الله” و”حركة أمل” فيتو شيعيا على إقراره في مجلس الوزراء، وتؤكد مصادر رفيعة معنيّة بالموضوع لـ”نداء الوطن” أنّ هذا الفيتو تبلّغه رئيس الحكومة بشكل واضح “ولم يستطع لقاؤه مع بري في عين التينة لا تذليله ولا تأمين أي شكل من أشكال التوافق على تمريره”، موضحةً أنّ “الثنائي الشيعي الذي كان مواكباً منذ البداية لخطوات الحكومة في إعداد مشروع الكابيتال كونترول لم يعد متحمّساً لإنجازه لا سيما بعدما توصل إلى قناعة مشتركة تفيد بأنّ وطأته ستكون ثقيلة شعبياً بالإضافة كذلك إلى ما ورد إلى قيادة الحزب والحركة من اعتراضات متصاعدة من قبل رجال أعمال ومتمولين شيعة يرفضون رفضاً قاطعاً تقييد حركة أموالهم في المصارف أو اقتطاع أي جزء منها”، وعليه، رجحت المصادر أن يصار إلى الاستعاضة عن إقرار قانون “الكابيتال كونترول” باستخدام صلاحية حاكم المصرف المركزي لإصدار تعاميم إلى المصارف تُعنى بقوننة أعمالها مع المودعين تحت مظلة سياسية تؤمنها الحكومة