على أهمية كل القضايا والمشكلات والتعقيدات الصعبة والشائكة المتصلة بأزمة الانتشار الوبائي لفيروس كورونا في لبنان وسط تخبطه أصلا بأزماته المالية والاقتصادية والاجتماعية، فان هذه القضايا والمشكلات تبقى في كفة والمعضلة الأخطر تبقى في كفة أخرى. هذه المعضلة بدا تجسيدها واضحا ومكشوفا امس مرة جديدة في مشاهد التفلت الشعبي والتهافت والاختراقات الواسعة لكل ما تفرضه صحيا واجتماعيا وامنيا أيضا حال التعبئة العامة التي بدأت مرحلتها الممددة الى 12 نيسان المقبل الامر الذي رسم مشهدا مثيرا للقلق من استعادة حال الاستهتار بدل التزام التشدد التصاعدي لتجنب الارتفاع الدراماتيكي في حالات الإصابة بفيروس كورونا. ومع ان الوقائع المثبتة في التقارير الصحية والأمنية تشير بوضوح الى نسب عالية وجيدة من التزام معظم المناطق لموجبات الحجز المنزلي، كما ان معدل الإصابات ظل عند حدود معقولة حتى الآن، فان التفلت الذي حصل امس اثار الخشية الواسعة مما يمكن ان يؤدي عليه على مستوى ضخ محتمل للانتشار الوبائي وسط مخاوف من تكرار هذه النماذج وعدم التصرف بحزم وتشدد كافيين لإلزام المواطنين الانزلاق نحو هذا الخطر. ولعل الامر المثير لمزيد من القلق في هذا الصدد ان التبريرات التي أعطيت لمشاهد التفلت امس عزيت الى فتح المصارف أبوابها وصرافاتها الآلية لدفع الرواتب الامرالذي استتبع تهافتا شعبيا واسعا بما يعني ان حال العوز والضيق ستغدو بدورها مبعث تسبب محتمل باتساع الانتشار الوبائي فيما يقتضي الامر مزيدا من برامج التنظيم والتزام كل الإجراءات التي تضمن امان المواطنين. اذ ان وقوف المواطنين امس امام أبواب المصارف وآلات سحب الأموال متلاصقين من دون التزام إجراءات التباعد بدا بمثابة صدمة كاملة جرى حيالها طرح التساؤلات بقوة اين كانت القوى العسكرية والأمنية وكيف سمح بهذا التفلت؟ ولماذا أيضا لم تعتمد المصارف منهجا وبرنامجا صارما اكثر في تنظيم دخول الزبائن او وقوفهم في الصف امام الأبواب؟
معدلات الإصابات
ولعل مبعث الخطورة الموازية الذي واكب مشاهد التفلت امس تمثل في ما يبدو بالنوم على حرير تسجيل ارتفاع طفيف في عدد الحالات المثبتة مخبريا في إصابات الكورونا والتي بلغت ثماني حالات إيجابية في ما عزي الى ان معظم المختبرات لا تعمل أيام الآحاد وهو الامر الذي اضطرت معه وزارة الصحة الى اصدار توضيح في هذا الشأن. وكان التقرير اليومي لوزارة الصحة افاد بان مجموع عدد الإصابات المثبتة مخبريا بلغ امس 446 بزيادة ثماني إصابات عن اليوم السابق فيما بلغ عدد حالات الشفاء من كورونا 35 وسجل وفاة مريضة في العقد الثامن من العمر تعاني أمراضا مزمنة ما رفع حالات الوفاة الى 11. وشددت الوزارة تكرارا على ضرورة تطبيق الإجراءات الوقائية كافة ولا سيما منها الحجز المنزلي التام لافتة الى انه اضحى مسؤولية أخلاقية وفردية ومجتمعية واجبة على كل مواطن واي تهاون في تطبيقها سيعرض صاحبها للملاحقة القانونية والجزائية. ولفتت الوزارة لاحقا الى ان الحالات الثماني الإيجابية التي أعلنتها في تقريرها اليومي تم تأكيدها من اصل 205 فحوصات مخبرية أجرتها أربعة مختبرات معتمدة من الوزارة، اما المختبرات الأخرى فلم ترسل نتائج الفحوصات التي أجرتها بسبب إقفالها يوم الاحد. ويستنتج من ذلك ان حصيلة النتائج المخبرية التي ستعلن من اليوم يرجح ان تكون اكبر وربما بنِسَب اكثر ارتفاعا. غير ان التطور الإيجابي الذي برز على صعيد تحصين الاستعدادات الطبية والصحية للمواجهة مع انتشار كورونا تمثل في اعلان وزير الصحة حمد حسن ان كل المستشفيات الحكومية ستكون الأسبوع المقبل في خدمة المواطنين على كل الأراضي اللبنانية اذا دعت الحاجة. وأوضح ان الوزارة أطلقت المناقصات وستصل الأجهزة والمعدات الطبية اللازمة في الأيام والأسابيع المقبلة. وفي وقت لاحق غرد وزير الصحة معلنا ان المستشفيات الحكومية التي بدأت باستقبال مرضى الكورونا هي: مشغرة، الهرمل، حلبا، رفيق الحريري، البوار، بنت جبيل، النبطية، بعلبك، بشري، طرابلس.
خطة إعادة اللبنانيين
وسط هذه الأجواء تبرز الجلسة التي يعقدها مجلس الوزراء بعد ظهر اليوم في السرايا والتي سيكون الموضوع الأساسي المطروح على جدول اعمالها اعلان آلية لاعادة اللبنانيين الراغبين في العودة من عدد من دول الاغتراب الى لبنان. اذ ان هذه الجلسة ستشكل اختبارا حساسا مزدوجا للحكومة في ظل الضجة الكبيرة التي أثيرت حول هذا الموضوع في الأيام الأخيرة وخصوصا بعدما وجه رئيس مجلس النواب نبيه بري تحذيرا علنيا للحكومة بتعليق مشاركة الوزيرين اللذين يمثلانه في الحكومة اذا لم تجد حلا يكفل إعادة اللبنانيين الراغبين في العودة. فمن جهة سيتعين على الحكومة ان تعلن آلية تكفل إعادة اللبنانيين الراغبين في العودة ضمن إجراءات تكفل تسيير جسور جوية الى عدد من البلدان الأفريقية والأوروبية وربما الخليجية أيضا كما ان الالية ستتضمن إجراءات للفحوص التي ستجرى للعائدين قبل رحلات العودة وبعد وصول اللبنانيين العائدين بحيث سيخضعون للحجر لمدة أسبوعين. وعلم في هذا السياق ان الأيام الثلاثة الأخيرة شهدت اتصالات كثيفة للغاية بين بيروت والكثير من عواصم الانتشار اللبناني ولعب فيها اركان الجاليات اللبنانية دورا كبيرا في رسم معالم خطة الإعادة واليتها وان ثمة استعدادات اغترابية كبيرة أبديت ووضعت بتصرف الحكومة للمساعدة على إنجاح الخطة والمساهمة بفاعلية في تمويل أجزاء أساسية منها.
اما الجانب الاخر المهم في اختبار وضع هذه الآلية فهو يتصل بالمشهد السياسي الداخلي للعلاقات بين مكونات الحكومة التي شهدت خضّة عنيفة غير مسبوقة منذ تأليفها علما ان هذه الخضة ستترك اثارها على مجريات القرارات الحكومية وفي ظل ما سيصدر اليوم عن مجلس الوزراء سيكون ممكنا الحكم على الملفات والاستحقاقات المقبلة والتي سيأتي في مقدمها ملف التعيينات التي علقت الأسبوع الماضي ورحلت الى الأسبوع الحالي. ومع ان الأيام الأخيرة لم تشهد توافقا بعد على بت التعيينات التي ستشمل نواب حاكم مصرف لبنان وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف والأسواق المالية فان الاتصالات لم تنقطع للتوصل الى توافق على التعيينات قبل جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل في قصر بعبدا.
بيان الأربعة
وفي هذا السياق بدا لافتا الموقف المشترك الذي صدر امس عن أربعة رؤساء حكومات سابقين هم الرؤساء سعد الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام والذي بدا بمثابة تحذير حاد للحكومة من تعيينات انتقامية وفئوية ومن جانب واحد. وحذر البيان في هذا السياق من “اتجاه الحكومة الى تعيينات يشتم منها السيطرة على مواقع الدولة من دون التزام الكفاءة والجدارة ” وشددوا على ان “الوضع لم يعد يحتمل المزيد من التردد والتلهي وان لبنان لا يمكنه مواجهة الظروف والمخاطر الراهنة باستمرار ممارسات المحاصصة من دون ان يبادر مسؤولوه وحكومته الى القيام بالخطوات الانقاذية الصحيحة التي تساهم في تصويب بوصلة لبنان”.