12 يوماً تفصل عن 12 نيسان؛ موعد انتهاء فترة التعبئة العامة الممدّدة، وما بينهما بلدٌ يحاول ان يصل الى هذا الموعد، وقد تجاوز مرحلة الخطر، وبلغ لحظة إعلان الانتصار في معركة احتواء فيروس «كورونا»، وعندها فقط، يخف ثقل هذا الكابوس الضاغط على جميع اللبنانيين، وتصدق مقولة «الوضع تحت السيطرة ولا داعي للقلق»، التي تتردّد منذ اليوم الأول لتفشي الوباء الخبيث في الأرجاء اللبنانية. هذه المعركة، وعلى صعوبتها وخطورتها، وفيروس «كورونا» نفسه وكل ما يعادله من فيروسات وأوبئة، لا تستطيع ان تحجب الوباء المصرفي الممعن في جريمته المتمادية ضد اللبنانيين، واستيلائه على مدخّراتهم وحرمانهم منها في ظرف لا سابق له في صعوبته، وباتوا معه في أمسّ الحاجة إليها، او على الأقل، الى جزء يسير منها.
الشيطان الاخرس
لقد بات السكوت على هذه الجريمة التي توازي، أو بمعنى أدق، تفوق خطر الوباء الجرثومي، هو جريمة بحدّ ذاتها. فقد اثبتت المصارف بإجراءاتها العدائيّة باستيلائها على ودائع اللبنانيّين، افتقادها ولو الى الحدّ الأدنى من المسؤولية الوطنية والإنسانية والأخلاقية. والجريمة الاكبر هو سكوت السلطة الحاكمة، التي تبدو كشيطان أخرس على لصوصية المصارف وهروبها بودائع اللبنانيّين؛ صغارهم وكبارهم على حد سواء. من دون ان تُقدِم على اجراء رادع يُلزم هذه المصارف، ولو بالإكراه، بالإفراج عن حقوق المودعين. والطامة الكبرى، إن كان سكوت السلطة على المصارف هو علامة الرضا. وهذا معناه الشراكة الكاملة بهذه الجريمة. وثمة سؤال يتردّد على ألسنة الكثير من ضحايا اللصوصية المصرفية، ويبحث عن مصرف لبنان الغائب الاكبر امام ما يجري، وعن سرّ امتناعه عن المبادرة الى ايّ إجراء عملي – وهو قادر على ذلك – يوقف جريمة المصارف، ويثبت من خلاله انّه بريء من تهمة تغطية جريمتها؟
الإنفجار الخطير
لقد اثبتت التجربة انّ مقولة انّ المصارف في لبنان تشكّل عامل النهوض والاستقرار والأمان في لبنان، هي مقولة كذّبتها حقيقة انّ هذه المصارف، وبإجراءاتها ضد المودعين، تشكّل بلا أدنى شك، عامل التدمير للبلد، وتمهّد لانفجار اجتماعي خطير، وقد لا يتأخّر الوقت ويصبح اشتعاله حتمياً في أي لحظة، حتى ولو في زمن “كورونا”، طالما أنّ حقوق الناس مصادرة، وأنّ اموالهم مكدّسة في خزائن البنوك، او مهرّبة الى الخارج ومخزّنة بأسماء اصحاب المصارف، وطالما انّ “الشيطان الأخرس” لم يبادر الى الاثبات بأنّه عكس ذلك؟!
وما يزيد على وجع المودعين، أنّهم، مع سائر اللبنانيين، ضحايا “مافيا” صرّافين وتجار العملة، تمتد خيوطها الى بعض المصارف، والسلطة الحاكمة ساكتة لا تحرّك ساكناً، سوى إجراءات شكلية عبر إلقاء القبض على صرّاف صغير هنا وهناك، ومغمضة عينها على الجريمة التي تُرتكب بحق العملة الوطنية، التي ذابت نصف قيمتها مع الارتفاع الجنوني في سعر الدولار، الذي بدأ يلامس الثلاثة آلاف ليرة، والحبل على الجرار، بالتوازي مع الفلتان التجاري والارتفاع الرهيب في اسعار السلع والمواد الاستهلاكية الضرورية. والنتيجة الموجعة لكل ذلك، انّ نحو 70 % من اللبنانيين، وعلى ما يُجمع الخبراء الاقتصاديون، صاروا تحت خط الفقر! وهنا يضع اللبنانيون سؤالاً برسم السلطة الحاكمة: أيّ لبنان سيبقى اذا ما استمر هذا الوضع على ما هو عليه من بلاء مصرفي واستهتار رسمي؟ وهذا الاستهتار يضع هذه السلطة في موقع المتهمة بالتواطؤ الى ان يثبت العكس، علماً انّ هذا التواطؤ ظهر جليًّا من بعض مراكز هذه السلطة، الذي كان وما زال يسعى الى تشريع خطيئة المصارف واعطائها صك براءة على سلبها اموال المودعين؟
خطيئة .. واحتفالية
برغم كل ذلك، ما زالت المصارف تبرّر خطيئتها بالقول انّ إجراءاتها استثنائية وموقتة، الى حين عودة الاستقرار الى البلد، واملتها ظروف الأزمة النقدية الضاغطة، وبالتالي لا خوف على الودائع. وهي بالتأكيد حجة تأكّد انّها واهية، تغطي فيها هروبها بودائع اللبنانيين. على انّ المريب، هو انّ السلطة وبدل ان تلجأ الى المحاسبة والضغط على المصارف، وتفتح تحقيقاً شفافاً يكشف مصير الودائع، وكيف تبخّرت، واين خُبئت، والى اين هُرّبت، يجري تقديم اي خطوة تقوم بها، وكأنّها إنجاز او تضحية من هذه المصارف، على ما حصل في الساعات الماضية بالنسبة الى التحويلات المشروطة للطلاب اللبنانيين الموجودين في الخارج، والتي استدعت إقامة احتفالية بين جمعية المصارف ووزيري المالية والخارجية للإعلان عن نيّة المصارف الإفراج عن جزء يسير يكاد لا يُذكر من حقوق اصحاب الاموال المحبوسة في خرائنها.
الوباء
جديد الإصابات بفيروس “كورونا”، حمل في الساعات الماضية ايجابيات ملحوظة، تجلّت بتسجيل نسبة متدنية جداً من الحالات قياساً مع الايام السابقة، التي تجاوز فيها العدد الـ30 اصابة يومياً، حيث أُعلن رسمياً، بحسب وزارة الصحة، بأنّه حتى تاريخ 30/3/2020 بلغ عدد الحالات المثبتة مخبرياً في مستشفى الحريري الجامعي ومختبرات المستشفيات الجامعية المعتمدة بالإضافة إلى المختبرات الخاصة، 446 حالة بزيادة 8 حالات يوم امس. وهي نسبة اقل بـ16 حالة عمّا تمّ تسجيله امس الاول الاحد. يُضاف الى ذلك تسجيل حالة وفاة في مستشفى الحريري الحكومي الجامعي لمريضة في العقد الثامن من العمر، تعاني أمراضاً مزمنة، ما يرفع عدد الوفيات الى 11. وتبعاً لذلك، كرّرت الوزارة التشديد على تطبيق الإجراءات الوقائية كافة وخصوصاً التزام الحَجر المنزلي التام الذي أضحى مسؤولية أخلاقية فردية ومجتمعية واجبة على كل مواطن، وأنّ أي تهاون بتطبيقها سيُعرّض صاحبها للملاحقة القانونية والجزائية.
واللافت في هذا السياق ما اعلنه مدير مستشفى الحريري الدكتور فراس الابيض، “انّ 8 حالات جديدة، هي محصلة جيدة، الّا انّه لا بدّ من التنويه بأنّ معظم المختبرات تعمل بنصف قدرتها، او لا تعمل على الإطلاق يوم الأحد، لكن العلامات جيدة”.
الالتزام
وعوّلت مصادر طبيّة لـ”الجمهورية”، على انّ الفترة الفاصلة عن 12 نيسان المقبل، قد تشهد مزيداً من انخفاض اعداد الإصابات بالوباء، قياساً مع ما سبق، الّا انّ ذلك متوقف بالدرجة الاولى على الالتزام الشعبي بشروط التعبئة وإجراءاتها الوقائية، وملازمة المواطنين منازلهم وعدم الاختلاط. ذلك انّ هذا الالتزام، وامام ضعف الإمكانات والاجهزة الطبية التي تتطلبها مكافحة الوباء، هو السبيل المتاح امامهم لربح المعركة على “كورونا”.
واذ اعربت المصادر عن ارتياحها للاستجابة الشعبية الواسعة للتدابير، وهذا ما تمّ لحظه في مختلف المناطق اللبنانية، الّا انّ الخطر ما زال قائماً ويهدّد كل ما تحقق، مع إمعان بعض الفئات في تحدّي إجراءات التعبئة العامة في اماكن مكتظة شعبياً، واتباع تصرّفات تهدّد سلامتهم وسلامة غيرهم من المواطنين. وهو امر تجلّى في اكثر من منطقة، وينمّ عن استهتار صبياني غير مبرّر على الاطلاق، وعن جهل فاقع لمخاطر الفيروس وما يلحقه بالمصاب به، من اوجاع جسدية ومالية، وبمحيطه من تهديد لأرواحهم.
نداء
وفي هذا السياق، قال مرجع أمني كبير لـ”الجمهورية”: “مما لا شك فيه اننا في مرحلة شديدة الحساسية، والخطر الذي نواجهه اجتاح كل العالم، وادّى الى حالات كارثية في العديد من الدول، ومن هنا فانّ لدى الأجهزة العسكرية والأمنية تعليمات مشدّدة في إلزام المواطنين حماية أنفسهم، ونكرّر النداء لكل المواطنين بأنّ المرحلة تتطلّب أقصى درجات الاستجابة للإجراءات المتخذة وعدم الاستهتار بأنفسهم وبعائلاتهم، فالأيام المقبلة، وعلى ما يؤكّد المعنيون في المجال الصحي، شديدة الدقة والحساسية، ومع الأسف لا نرى التزاماً جدّياً بتلك الاجراءات، لذلك فإنّ كل الاجهزة العسكرية والامنية، وانطلاقاً من حرصها على سلامة المواطنين، وامام هذا الاستلشاء المتمادي، ستتشدّد اكثر في تطبيق الإجراءات، وليعذرنا المواطنون على هذا الامر الذي لا بدّ منه ضماناً لسلامتهم”.
وكشف المرجع، انّه “في حال عدم تحقيق المرجو منه من تمديد فترة التعبئة العامة حتى 12 نيسان المقبل، فبالتأكيد سيتمّ اتخاذ قرار بتمديد جديد لاسبوعين اضافيين على الاقل، وبإجراءات مشدّدة اكثر مما سبق”.
المغتربون
على الخط الحكومي الآخر، يُفترض ان تبتّ الحكومة اليوم، بآلية إعادة اللبنانيين المنتشرين في الخارج. على ان كلّ المؤشرات السابقة لانعقاد جلسة مجلس الوزراء، لا توحي بإجراءات نوعية او استثنائية من شأنها ان تنقل اللبنانيين المنتشرين في الخارج، سواء في دول اوروبا او في افريقيا، الى برّ الأمان اللبناني. علماً انّ المتداول حتى الآن لا يعدو اكثر من اعلان النيّة بإعادتهم، وانّ الخطة النهائية لإجلاء الرعايا اللبنانيين من الخارج لم تتبلور بصورتها النهائية بعد، وما زالت خاضعة للنقاش.
واكّدت اوساط السراي الحكومي لـ”الجمهورية”، انّ “موضوع اللبنانيين المنتشرين في الخارج يحتل رأس سلم اولويات العمل الحكومي في هذه المرحلة، والجهد قائم على قدم وساق، من قِبل رئيس الحكومة والوزراء المعنيين، لإقرار الآلية الفعّالة لتوفير عودة آمنة لهم، في اقرب وقت ممكن وفي ظلّ افضل ظروف تحفظ سلامتهم”. واشارت هذه الاوساط، انّ اتصالات مكثفة جرت في الساعات الماضية على أكثر من خط دولي واغترابي في سياق التنسيق والتحضير لإعادة سريعة للمنتشرين”.
آلية… وشروط
وكشفت مصادر وزارية لـ»الجمهورية» انّ «التوجّه في جلسة مجلس الوزراء اليوم هو لإقرار خطة اعادة اللبنانيين من الخارج، لكنّ هذه الخطة ليست سهلة على ما يعتقد البعض، وتنفيذها سيتطلب بعض الوقت».
وأشارت المصادر انّ ثمة شروطاً عديدة ينبغي توافرها لتحقيق عودة آمنة وسليمة للراغبين في العودة، هي:
– حتى الآن لا يوجد تقدير نهائي للعدد الاجمالي للبنانيين الراغبين بالعودة، وبالتالي فإنّ التحقق من هذا يتطلب ان يبادر الراغبون بالعودة الى تسجيل أسمائهم في السفارات اللبنانية في الدول التي تستضيفهم. وثمّة تعليمات وجّهتها وزارة الخارجية للبعثات اللبنانية في الخارج لتسجيل الراغبين.
– كيفية العودة ومواقيتها، علماً انّ شركة طيران «الميدل ايست» قد أعربت عن استعدادها لتسيير رحلات متتالية الى تلك الدول لنقل المغتربين.
– موقف الدول المعنية ومدى استجابتها لطلب لبنان بفتح مطاراتها للسماح بالطيران اللبناني بإجلاء الرعايا اللبنانيين. وفي هذا الصدد، تتواصل الاتصالات مع العديد من الدول للحصول على اجابات.
– اعداد الأطقم الطبيّة اللبنانية التي ستتولى فحص العائدين قبل صعودهم الى طائرة العودة. وهذا الامر ينبغي الّا يتطلب وقتاً بالنظر الى وجود أطقم طبية كثيرة رسمية وغير رسمية على استعداد للقيام بهذه المهمة.
– تحديد أماكن العزل في لبنان للعائدين، (علماً انّ بعض الأحزاب باشرت بتأمين بعض الاماكن من فنادق أو شقق سكنية، أو ما شابَه ذلك مع تجمعات ميدانية لاستقبال هؤلاء العائدين).
– كيفية التعاطي مع المصابين، إذا تبيّن انّ من بين الراغبين بالعودة مصابين بكورونا، وحالتهم تستدعي العزل والعلاج الفوري، وخصوصاً في الدول التي تفتقر الى المستشفيات والوقاية الصحية المطلوبة.
– حجم كلفة العودة، فإذا كانت شريحة واسعة من المنتشرين قد أعلنت أنّها لن تكلّف الدولة اللبنانية أي اكلاف، وانها على استعداد لتحمّل نفقة عودتها الى لبنان شرط تأمين وسيلة العودة، الّا انّ هناك حالات لا تمتلك بَدل العودة وثمن تذكرة الطائرة، وينبغي توفيرها، فحتى الآن لا توجد تقديرات دقيقة لهذه الكلفة.
إقرار الخطة… وإلّا
على انّ إقرار الخطة الحكومية الجدية لإجلاء الرعايا اللبنانيين من الخارج، أشبَه ما يكون بإعادة مدّ أنابيب الحياة للحكومة من جديد، خصوصاً أنها كادت تفقدها الاسبوع الماضي.
فمع ملف المغتربين، يمكن القول انّ الحكومة مرّت في أصعب قطوع خلال الايام الاخيرة، حيث وصلت الى لحظة كان مصيرها قاب قوسين أو أدنى من أن يطرح على الطاولة وصولاً إلى حد تطييرها. وشرارة التطيير انطلقت من الموقف الناري الذي أطلقه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في وجه الحكومة بتعليق مشاركة وزيريه في الحكومة ما لم تقدم على خطوة إيجابية في ملف المغتربين قبل الثلاثاء، أي اليوم.
قطوع… لم يمر بعد
وعلى ما يقول مطّلعون على مسببات هذا القطوع لـ«الجمهورية» انه «اذا كانت المقاربة الحكومية لملف «كورونا» وما تقوم به وزارة الصحة على هذا الصعيد، محل ثناء وتقدير من الاصدقاء والخصوم في آن معاً، الّا انّ ذلك لم يغفر للحكومة مسلسل السقطات المتتالية التي «حققتها» منذ نيلها الثقة؛ بدءاً بعجزها على مقاربة الأزمة الاقتصادية وتظهير ولو خطوة ملموسة تعكس إنفاذاً للإجراءات الموعودة، والوفاء بالتزاماتها التي قطعتها منذ تأليفها، وبعدها بالتشكيلات القضائيةعبر تجميدها والسكوت على هذا التجميد، ثم في ملف التعيينات المصرفيّة وطبخها بطريقة عشوائيّة وما رافقه من تلويح جدّي من قبل رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بالخروج من الحكومة، ومن بعده في ملف «الكابيتال كونترول»، الذي ظهَّر «شراكة» بعض الحكومة في نسف مشروع وزير المالية وتحويل مضمونه من خدمة المودعين إلى خدمة المصارف».
وفوق هذا التراكم، يضيف هؤلاء المطلعون، جاء ملف المغتربين ليشكّل جمراً ملتهباً بقوة تحت رماد الحكومة، جرّاء ما لاحظته عين التينة من تراخي الحكومة حيال قضية وطنية تتعلق بالمنتشرين في بلاد الاغتراب الاوروبي والافريقي، وساهم في إضرامه ما أعلنه بعض الوزراء بأن لا عودة لهؤلاء المغتربين قبل التأكد من عدم إصابتهم بفيروس «كورونا».
وبحسب المطلعين، فإنّ هذا التراخي كان مدوّياً في عين التينة، خصوصاً انّ الرئيس نبيه بري يعتبر أنّ ملف المغتربين بالنسبة إليه «أشبه ما يكون بسلك كهربائي عالي التوتر لا يجوز المس به بإهمال او استلشاء»، ولطالما أكد على لبنان الذي يطير بجناحيه المقيم والمغترب، وانّ المغتربين على اختلاف انتماءاتهم المناطقية والطائفية والمذهبية يشكّلون الاحتياطي الاستراتيجي للبنان وقرشه الابيض ليومه الاسود، وشكّلوا على الدوام عصب الاقتصاد اللبناني وانتعاشه بالتحويلات الهائلة الى ذويهم في لبنان».
ويكشف المطلعون انّ ملف المغتربين احتلّ الجانب الاساس من اللقاء الاخير الذي عقد في عين التينة بين رئيس المجلس ورئيس الحكومة حسان دياب الاربعاء الماضي، وانتظر بري من الحكومة ان تبادر في اليوم التالي الخميس خلال جلسة مجلس الوزراء الى إجراءات ملموسة وسريعة حيال اللبنانيين المنتشرين في الخارج، تمهّد لإعادتهم، الّا انّ شيئاً من ذلك لم يحصل، بل انّ بري فوجىء باشتراطات تصدر من الجانب الحكومي مع تأكيد رئيس الحكومة.
ويلفت المطلعون الى انّ هذا الأمر جاء بمفاعيل سريعة، أدّت الى كسر «شهر العسل» الذي كان قائماً بين عين التينة والسراي الحكومي منذ تأليف الحكومة، ورئيس المجلس أكد طيلة هذه الفترة انه سيشكّل رافعة للحكومة لكي تنجح وتنفذ المطلوب منها على صعيد معالجة الأزمة الاقتصادية، وتحديداً الأزمة المالية. وجرى التعبير عن هذا الكسر في البيان العنيف الذي أصدره بري الجمعة الماضي، ودعا فيه الى عقد جلسة استثنائية من اجل إعادة النظر بقضية المغتربين، واتّهم الحكومة بأنّها شكّلت الشذوذ عن كل دول العالم التي تقوم بالبحث عن مواطنيها لإعادتهم الى بلادهم، الّا انّ رئيس الحكومة سارَع الى الرد خلال جولته في مستشفى رفيق الحريري، مؤكداً انّ الاجراءات المتخذة لا تسمح بإعادة المغتربين الآن، وقال: «لقد أعطينا 4 ايام للبنانيين الراغبين بالعودة قبل إقفال المطار، ولا نستطيع استثناء أحد قبل انتهاء هذه الفترة المحددة للتعبئة العامة».
وتبعاً لذلك، كما يؤكد المطلعون، سارَع برّي يوم السبت الى إصدار بيان مقتضب يعكس فيه مدى استيائه، ويلوّح فيه بتعليق مشاركة وزيريه غازي وزنة وعباس مرتضى في الحكومة ما لم تقم بإجراءات معينة قبل الثلاثاء (أي اليوم). وكان لهذا البيان الوقع الارباكي ضمن المثلّث السياسي المشكّل للحكومة، خصوصاً انّ الجسم ما زال يعاني الارباك جرّاء تلويح فرنجية بالخروج من الحكومة.
وبحسب معلومات المطّلعين، فإنّ الفترة السابقة لإعلان بري بيانه شهدت حركة اتصالات مكثّفة على مختلف الخطوط ضمن المثلث الحكومي، سواء بين «حزب الله» والرئيس بري، وبين الحزب والسراي الحكومي، وخصوصاً بعد ورود معلومات موثوقة بأنّ خيار الاستقالة كان جديّاً جداً لدى رئيس المجلس ولا رجعة عنه. ونجحت هذه الاتصالات في تليين موقف بري، بعد ورود مؤشرات استجابة لمطلبه من قبل رئيس الحكومة الذي جرى التعبير عنها في البيان الصادر عن اللجنة الوزارية التي انعقدت السبت في السراي الحكومي، وأكد خلالها دياب على انه مع عودة آمنة لمَن يرغب من المغتربين بالعودة الى لبنان».
ومع مرور هذا القطوع، تبقى العين على ما سيقرره مجلس الوزراء اليوم، وعلى ما تؤكد مصادر وزارية لـ»الجمهورية»، بأنه القرار الصادر عن الحكومة في ما خَص المغتربين وخطة إعادتهم، هو الذي سيحدد مصير الحكومة بين أن تبقى متماسكة او تسلك المسار الذي يقود الى انهيارها.
العجز
إقتصادياً، كشف كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي غربيس إيراديان لـ»الجمهورية»، انّه تمّ تعديل توقعات نسبة الانكماش في الاقتصاد اللبناني بعد انتشار فيروس «كورونا»، وفرض حالة التعبئة العامة، من 9,6 في المئة الى 12,6 في المئة في العام 2020، بسبب حالة الشلل وتوقّف معظم نشاط القطاعات الاقتصادية.
لكنه لفت الى انّ تداعيات تراجع اسعار النفط عالمياً ستكون ايجابية بالنسبة للبنان، حيث ستتراجع فاتورة الاستيراد التي يشكّل النفط حوالى 20 في المئة منها، ممّا سيخفّف من عجز ميزان المدفوعات. كما انّ العجز المالي يمكن ان يتراجع نتيجة تراجع تحويلات الخزينة الى مؤسسة كهرباء لبنان الى أقل من النصف، مع تراجع اسعار النفط بحوالى 50 في المئة.
في المقابل، أشار انّ الوفر المالي الذي ستحقّقه الخزينة نتيجة تراجع التحويلات الى مؤسسة كهرباء لبنان، سيسدّ جزءاً من تراجع ايرادات الدولة نتيجة الانكماش الحاد المتوقع هذا العام، والذي سيؤدّي الى تراجع الايرادات الضريبية والرسوم الجمركية وغيرها من الإيرادات الحكومية. (ص9)
مبادرة أم كمين؟
الى ذلك، لفت الاقتراح الذي قدّمه رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية محمد شقير أمس، ويقضي بدفع رواتب مقطوعة (بين 675 ألف ليرة ومليون ليرة) لكلّ موظف في القطاع الخاص من أموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتحديداً من فرع نهاية الخدمة.
وفي السياق، علمت «الجمهورية» من مصادر متابعة انّ شقير ينوي مناقشة هذه المبادرة في الايام المقبلة مع فرقاء الانتاج الثلاثة، اي الدولة واصحاب العمل والاتحاد العمالي العام، وانّ السير بهذه المبادرة يحتاج الى مشروع قانون يتخذ صفة العجلة يقرّ في مجلس النواب قبل أن يصبح نافذاً.
ويتبيّن من الاقتراح انّ كلفة السير به تبلغ حوالى 450 مليار ليرة (اذا تقرّر دفع مليون ليرة للموظف)، على أساس وجود حوالى 450 ألف موظف مُنتسب الى الضمان.
اولاً – إنّ فرع نهاية الخدمة في الضمان يعاني أصلاً من عجوزات سببها اضطرار إدارة الضمان الى اقتطاع مبلغ 3400 مليار ليرة لاستخدامها في فرع المرض والأمومة، بسبب عدم دفع الدولة موجباتها المالية للضمان.
ثانياً – إنّ حالات الصرف من العمل، وانخفاض اسعار صرف الليرة، والوضع الاجتماعي الصعب كلّ ذلك دفع عدداً كبيراً من الموظفين الى التقدّم بطلبات انهاء خدمة، بما يعني انّ هذا الفرع في الضمان سيواجه في المرحلة المقبلة ضغوطاً مالية كبيرة وغير اعتيادية عليه تلبيتها.
ثالثاً – انّ قسماً كبيراً من أموال فرع نهاية الخدمة موظّف في سندات خزينة بالليرة، وهي سندات مجمّدة، ولا يمكن تسييلها حالياً.
رابعاً – انّ مبادرة مصرف لبنان بمنح المؤسسات قروضاً بصفر فائدة ولمدة طويلة هو الحل المنطقي لأزمة دفع رواتب الموظفين، وليس اللجوء الى أموال الموظفين أنفسهم.
خامساً – ما مصير المؤسسات المستمرة في العمل، والقادرة على دفع الرواتب؟ هل تتوقف عن الدفع وتكتفي بما سيتقاضاه الموظف من الضمان وفق هذا الاقتراح؟
سادساً – كيف سيتم تعويض المبلغ الذي سيدفعه الضمان؟ ام انّ المطلوب ان يتم خَصم مبلغ المليون ليرة من رصيد نهاية خدمة كل موظف في المستقبل؟
من خلال هذه الملاحظات يبدو اقتراح شقير، الذي أطلق عليه تسمية مبادرة، ساقطاً، لأنه لا يستطيع أن يعطي ما لا يملك.