فيما يتلهى المسؤولون اللبنانيون «بزواريب» التعيينات والخلافات «التافهة»، وبينما تواصل المصارف احتجاز اموال المودعين عبر التحجج هذه المرة باقفال المطار لوقف الدفع بالدولار، يواصل «الوباء» الذي يهدد الانسانية بالتفشي، وحتى الان ليس هناك من علاج مثبت «لفيروس» كورونا، وعلى الرغم من تجربة بعض الأدوية حول العالم، فقد اعلنت منظمة الصحة العالمية انها لا تشجع على استخدام عقاقير معينة دون اختبارات موثوقة.
وفيما يواصل «الوباء» انتشاره السريع في الولايات المتحدة الاميركية والدول الاوروبية، لا يزال تمدده في لبنان مضبوطا بالارقام والحالات المثبتة، لكن دون ان يعتبر ذلك مؤشرا على ان البلاد تخطت مرحلة خطر الانزلاق الى المرحلة الرابعة، في ظل تفلت مثير لعلامات الاستفهام خلال الساعات القليلة الماضية من حالة «التعبئة العامة» حيث شهدت الكثير من المناطق زحمة سير شبه عادية اضافة الى «طوابير طويلة» للموظفين امام الصرافات الآلية، ما دفع مسؤول صحي بارز للتنبيه عبر «الديار» من هذا التراخي «غير المقبول» والذي ينذر بعواقب وخيمة في البلاد اذا لم تتخذ اجراءات عاجلة للحد من هذا الاستهتار غير المقبول، الذي يجب ان يترافق مع تسريع الحكومة لوضع آلية تنفيذية لتوسيع تقديم المساعدات للاسر الفقيرة، مع ضرورة اجراء مراجعة شاملة للخطة القائمة بما يسمح لبعض القطاعات من العودة الى العمل ضمن اجراءات مشددة.
متى ذروة «التفشي»؟
ولفتت تلك الاوساط الى ان الخامس عشر من نيسان تاريخ شديد الاهمية لمعرفة مدى نجاح الاجراءات المتخذة،حيث تراهن وزارة الصحة على عدم تجاوز عدد المصابين الالف، وعندها يمكن القول انه تمت السيطرة على تفشي «الوباء»، ومن المتوقع ان تبلغ الذروة في العشرين من أيار المقبل حيث يمكن ان تصل الاصابات الى 1600، وهذا الرقم سيكون مؤشرا على ضرورة الذهاب الى المزيد من التشدد لان القطاع الصحي سيصبح مهددا بعدم القدرة على «ربح المعركة»…
آلية عودة المغتربين…
وعشية جلسة الحكومة التي ستبحث في آلية اعادة المغتربين اللبنانيين من الخارج، قدم وزير الصحة حمد حسن لرئيس مجلس النواب نبيه بري، شرحا مفصلا حول التوقعات والمخاوف، ولفت خلال لقائهما في عين التينة الى ان الامور لا تزال تحت السيطرة حتى الان، لكن يبقى الخوف الاكبر من ازدياد اعداد المصابين بعد عودة اللبنانيين من الخارج وخصوصا من الدول «الموبوءة» وهو امر يحتاج الى تدابير وتحضيرات غير عادية لمواكبة عودتهم، خصوصا ان التجربة الصينية تشير بوضوح الى ان غالبية العائدين من الخارج حملوا «الفيروس» معهم الى البلاد…
وقال حسن بعد اللقاء أنه ناقش مع بري موضوع المغتربين وعودتهم الآمنة ضمن الضوابط التي تضعها وزارة الصحة العامة وقد لمس حرص بري على حماية المجتمع المحلي كما على عودة المغتربين الى وطنهم لكي يتسنى للفرق الطبية والصحية الاهتمام بالمواطن المقيم والمغترب.
وفي هذا الاطار، اتفق وزير المالية غازي وزني، ووزير الخارجية ناصيف حتي مع وفد من جمعية المصارف برئاسة سليم صفير، على زيادة المبلغ الذي يحول من الاهالي الى اولادهم لمساعدتهم على العودة وفقا للاجراءات الوقائية المعتمدة في هذا الوضع الاستثنائي، وقد تعهد صفير بأن تباشر المصارف بتحويل المبالغ المناسبة للطلاب ابتداء من يوم امس.
ارقام كبيرة من العائدين
ووفقا لتلك الاوساط، فان الالية لاعادة الراغبين من اللبنانيين ستقر في جلسة مجلس الوزراء اليوم بعد وضع السفارات للوائح الاسمية بالذين يرغبون في العودة، وتم تسجيل 280 شخصاً من اسبانيا وحدها، وأكبر نسبة من المهتمين بالعودة هم الجالية اللبنانية في افريقيا، وخصوصا من ساحل العاج ونيجيريا وغانا والسنغال… وسيجري وضع خطة لتنظيم رحلات جوية عبر شركة طيران الشرق الأوسط الى العواصم التي تفتح خطوطها امام الملاحة لرحلات اخرى، وأيضا تنظيم عمليات الفحص الطبي واجراء الفحوص السريعة للعائدين وفرزهم على افتراض وجود مصابين بينهم من غير المصابين، كما ابلغ الرئيس بري بالامس وزير الصحة ان «الثنائي الشيعي» مستعد لتقديم أماكن الحجز الإلزامي لهم بعد وصولهم الى بيروت….
«الفوضى» على «طاولة» الحكومة
وستكون «الفوضى» التي عمت في الكثير من المناطق بالامس، على «طاولة» مجلس الوزراء اليوم، وسط تراخي من الاجهزة الامنية لمواكبة الاجراءات، خصوصا امام المصارف وصرافاتها الالية حيث لم تجر عملية تنظيم سحب الرواتب، وينتظر بعض الوزراء اجابات واضحة من وزير الداخلية حيال هذا الامر، وسط قلق حقيقي من خروج الامور عن «السيطرة» في ظل ضغوط واعباء اقتصادية بدأت تتزايد على نحو مثير للقلق بسبب زيادة منسوب البطالة،وخروج قطاعات كثيرة عن «الخدمة» ما تسبب بتخفيض كبير في الرواتب، وقد انضم القطاع التربوي الى هؤلاء حيث اقتطعت معظم المدارس الخاصة رواتب المعلمين الى النصف…؟
لماذا انخفضت الاصابات؟
واعلنت وزارة الصحة ان عدد الحالات المثبتة مخبريا في مستشفى الحريري الجامعي ومختبرات المستشفيات الجامعية المعتمدة بالإضافة إلى المختبرات الخاصة 446 حالة زاد 8 حالات عن يوم امس الاول، كما سجلت حال وفاة في مستشفى الحريري الحكومي الجامعي لمريضة في العقد الثامن من العمر، تعاني أمراضا مزمنة، ما يرفع عدد الوفيات الى 11. لكن انحسار الارقام ليس مؤشرا على تراجع عدد المصابين، وأوضح مدير مستشفى الحريري ان عدد الإصابات الضئيل بكورونا سببه أن معظم المختبرات لا تعمل أيام الآحاد أو تكتفي بنصف دوام… وأعلن وزير الصحة حمد حسن تحويل بعض المستشفيات إلى التحقيق بسبب رفضها استقبال عدد من الحالات المرضية»، متمنياً على المواطنين «ابلاغ وزارة الصحة عن أي حالة يتم رفض استقبالها،وطمأن حسن إلى أن «كل المستشفيات الحكومية ستكون الأسبوع المقبل في خدمة المواطنين على الأراضي اللبنانية كافة اذا دعت الحاجة».
الخلافات لن تسقط الحكومة؟
في هذا الوقت، لا يبدو مصير الحكومة في خطر على الرغم من التجاذبات السياسية بين «الاغلبية» النيابية على التعيينات وملف اعادة المغتربين، ودخول «المعارضة» على خط التصعيد ضد رئيس الحكومة حسان دياب، ففي «زمن الكورونا» لا تبدو اي جهة مستعدة للمخاطرة بتهديد جدي لمصير الحكومة، وهذا لم يمنع حزب الله من الدخول بجدية على خط الاتصالات لمنع «ترنحها» في ظل «استياء» واضح من الخفة التي يتعامل بها البعض في ظل الظروف الصحية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، والخلاف محصور على المقاعد المسيحية والسنية، وهنا يؤيد رئيس المجلس النيابي موقف فرنجية المعارض لاستئثار باسيل بالحصة المارونية وهو لا يرغب ايضا بان يحصل دياب على الحصة السنية، وهو امر يثير حفيظة التيار الوطني الحر الذي يعترض على تدخل بري «بحصة» غيره فيما لا يقبل ان يتدخل احد «بحصته»…
ولن يناقش مجلس الوزراء اليوم التعيينات خصوصا نواب حاكم مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، وفيما يصر التيار الوطني الحر على اجراء التعيينات، فتح الوزير جبران باسيل « النار» على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من خلال مطالبته بشركة تدقيق عالمية لكشف «الفساد» في المصرف المركزي… ومع اصرار رئيس تيار المردة سليمان فرنجية على عدم «السكوت» على تمرير اي تعيينات يفرضها رئيس التيار الوطني الحر، رافضا اي «تفاوض» معه في هذا الاطار…
«بطاقة حمراء» لدياب…؟
ستكون هذه التعيينات على «طاولة» الحكومة يوم الخميس على الرغم من عدم التوصل الى تفاهمات سياسية حول الملف، وفيما بات محسوما تعيين اسماء جديدة في هذه المواقع دخلت المعارضة ايضا على «خط» الاعتراض ورفع رؤساء الحكومات السابقون سعد الحريري نجيب ميقاتي فؤاد السنيورة وتمام سلام «البطاقة الحمراء» بوجه الرئيس حسان دياب وقالوا في بيان ان الحكومة تتجه الى تعيينات يشتم منها السيطرة على مواقع الدولة من دون الالتزام بالكفاءة والجدارة وشددوا على ان الوضع لم يعد يحتمل المزيد من التردد والتلهي. من جانبه، لفت رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى حكومة كل وجوهها جديدة وتقنية لن تتمكن من إجراء تعيينات على أساس النزاهة والكفاءة والآلية، والسبب: ابحث عن الثلاثي غير المرح أبداً في كل ما يجري». وأضاف «طالما هذا الثلاثي متسلبط على السلطة في لبنان، طالما فالج لا تعالج». من جهته نبه الحزب التقدمي الاشتراكي من انفجار اجتماعي خطير، داعيا الى التحرك سريعا لوضع الخطط الحكومية قيد التنفيذ…
المصارف تواصل «التمرد»
في هذا الوقت تواصل المصارف زيادة الاعباء الاقتصادية على المواطنين، بدل تخفيف معاناتهم، وفي موقف تصعيدي جديد سيثير الكثير من ردود الفعل السياسية والاجتماعية، اكد مصدر مصرفي ان المصارف توقفت عن الدفع بالدولار لعملائها بسب اقفال مطار بيروت، وعدم امكانية الحصول على الاموال النقدية من الخارج، وهو امر رأت فيه مصادر حكومية «تمرداً» جديداً من جمعية المصارف التي تتصرف وفق مصالحها دون التوقف عند الاوضاع الصعبة في البلاد، وهي وجدت في افقال المطار حجة غير واقعية ومنطقية لتبرير وقف الدفع بالدولار، مع العلم ان الدفع توقف قبل اعلان التعبئة العامة، محذرة من رد فعل شعبي وسياسي غير معلوم ازاء هذا التصرف…
وقبل هذا «التسريب» تحت عنوان المصادر، اكد رئيس جمعية المصارف سليم صفير أن «لا شيء سيتغير على المودعين ما داموا يعيشون على الأراضي اللبنانية ولن يضيع قرشاً من أموالهم، إلا أنّ التقطير في سحب الدولار سيستمر ما دامت العملة الصعبة غير متوفرة»، واشار الى أن «الإقبال الكثيف على السحب هو الذي أدى الى هذه المشكلة بعد زعزعة ثقة الناس، وهو أمر تتحمّل مسؤوليّته السلطة السياسيّة التي أرادت أن تلبسنا ارتكاباتها…؟
«السوار الاكتروني» قريبا…؟
وفيما نفت قوى الامن الداخلي وجود اي اصابة «بكورونا» في السجون اللبنانية، تتواصل الدعوات الى اتخاذ اجراءات للتخفيف من عملية الاكتظاظ، وفي هذا السياق بعد البدء بتجربة الإستجواب الإلكتروني عن بعد، أعلن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات عن نجاح هذه التجربة بنسبة مرتفعة بالممارسة الفعلية، وكشف عن إمكان ان يعتمد القضاء «السوار الإلكتروني وهي عبارة عن حلقة تُثبت بيد او قدم الموقوف أو الملاحق قضائياً، في الجرائم او الجنح البسيطة بدلاً من وضعه بالسجن بسبب الإكتظاظ، ويُحدد نطاق تحركه مثلاً في منزله أو محيطه، وتقوم الأجهزة الأمنية برصده ومراقبته للتأكد من عدم تجاوز الدائرة المحددة له عبر «الجي بي اس»، واشار هذا الإطار الى ان فرنسا وعدت بتزويد لبنان بهذه الخدمة الجديدة وتأمين مستلزماتها وتقديمها إلى القضاء اللبناني.