لم تعد المعركة العونية خافية مع مجلس القضاء الأعلى ولم تعد تدور رحاها مواربةً أو من خلف حجاب، بل أضحت على رؤوس الأشهاد “حرب إلغاء” صريحة لتشكيلات المجلس وما وزارة العدل سوى أحد بيادقها لكنّها استنفدت الآن ذخيرتها في كبح تقدم مشروع التشكيلات نحو قصر بعبدا. فبعد أخذ ورد ومآخذ وملاحظات وتحفظات بين الوزيرة ماري كلود نجم والجسم القضائي الذي أصرّ على تشكيلاته بإجماع أعضاء مجلسه الأعلى، أطلقت نجم آخر “خرطوشة” في جعبتها فعمدت إلى طلب “فتوى” هيئة التشريع والاستشارات في الوزارة حول مدى مطابقة التشكيلات للمعايير القانونية المطلوبة، فجاء رأي الهيئة ليصب في خانة التأكيد على “أحقية وزيري العدل والدفاع في الاشتراك مع مجلس القضاء الأعلى في إعداد مشروع التشكيلات القضائية والتعيينات والمناقلات للقضاة العدليين العسكريين”.
صحيح أنّ رأي هيئة التشريع والاستشارات ليس ملزماً بطبيعته، لكنه وفق ما ترى مصادر معنيّة بالملف أتى ليشكل “مادة ضغط إضافية” على مجلس القضاء في إطار المعركة العونية معه، وهذه المرة “بسلاح قانوني” يؤمّن قوة إسناد معنوية لهذه المعركة من زاوية تأييد وجهة نظر وزيرة العدل وملاحظاتها على التشكيلات. وفي ضوء ذلك، تبدي المصادر اعتقادها لـ”نداء الوطن” بأنه حتى لو أحالت وزيرة العدل التشكيلات مرفقة بملاحظاتها، حسب تصريحها امس لـ”ال بي سي” عبر برنامج 2030 ، فإنّ ذلك لن يعني أنها ستبصر النور في المدى المنظور وفق الصيغة التي أقرها مجلس القضاء الأعلى، إذ إنّ مجرد طلب رأي هيئة التشريع والاستشارات هو بحد ذاته مؤشر الى نوايا تصعيد وتعقيد الأمور أمام ولادة التشكيلات، وكل ما في الأمر أنّ نجم لم يعد خافياً على المتابعين لهذا الملف، أنها تتعرض لكمّ هائل من الضغوط السياسية من فريق الرئاسة الأولى ولم يعد بمقدورها “شرعنة” عملية فرملة التشكيلات وبالتالي فإنّ المعركة العونية القضائية ستنتقل إلى مراحل أخرى لن تكون وزيرة الدفاع زينة عكر بعيدة عن واجهتها، لا سيما وأنّ “صلاحية” عكر بالمشاركة في سلة التشكيلات العسكرية مشمولة بفتوى هيئة التشريع، وهي نُقل عنها سابقاً أنها لن توقع مشروع مجلس القضاء الأعلى لهذه التشكيلات اعتراضاً منها على عدم استمزاج رأيها بأسماء القضاة العسكريين المقترحين. وتختم المصادر مبديةً ثقتها بأنّ “الفريق العوني سيتصدى بكل الوسائل المتاحة أمامه لإقرار التشكيلات القضائية بصيغتها الحالية طالما أنها لا تحاكي شروط “التيار الوطني الحر” بالنسبة للمحافظة على المواقع الأساسية التي يحتلها قضاة منتمون للتيار أو مقربون منه أو محسوبون عليه”.
وعلى شريط “مآثر” السلطة أيضاً، برزت في مسلسل الأحداث الفضائحية خلال الساعات الأخيرة قضية استيراد “الفيول المغشوش” وتسبّبه بأضرار في معامل الانتاج الحديث للطاقة. وفي المعطيات المتوافرة لـ”نداء الوطن” عن هذه الفضيحة، ما نقلته مصادر متابعة عن كثب لهذا الملف، لناحية التأكيد على أنّ ما حصل ليس حدثاً مستجداً ليس له سوابق مماثلة، فهذه “مش أول مرّة بتستورد الدولة فيول مش مطابق” للمواصفات، موضحةً أنّها ربما “الشحنة غير المطابقة رقم 20 التي يستقدمها الوسيط إلى لبنان لكنّ الفارق أنّها المرة الأولى التي افتضح فيها هذا الأمر وخرج إلى الإعلام”.
ولفتت المصادر إلى أنّ “الشحنات السابقة غير المطابقة كانت وزارة الطاقة حينها تحيل استخدامها إلى معامل الانتاج القديمة لا سيما في الجية وديرعمار، أما راهناً فتم استخدام الفيول غير المطابق في معامل الانتاج الجديدة التي تُعرف بمعامل الدوران السريع فتسبّبت بأضرار في ماكيناتها تحت وطأة نسبة الترسبات العالية الموجودة في الفيول والتي تؤذي بكرات الدوران العكسي”، كاشفةً أنّ زيادة نسبة الترسبات إنما تأتي عادةً بهدف زيادة وزن الشحنة ما ينعكس حكماً على تسعيرتها.
وإذ أعربت عن استغرابها للتعامل الرسمي مع الموضوع بشكل يوحي وكأنّ السلطة متفاجئة من حدوثه، أشارت المصادر إلى أنّ المسؤولين المعنيين كانوا على دراية بالسوابق من هذا القبيل، موضحةً أنّ “ما كان يحصل سابقاً هو أنّ التدقيق بعيّنة الفيول المنوي استيراده كان يتم في بلاد المنشأ من قبل الوسيط وتتم الموافقة على الشحنة باعتبارها مطابقة للمواصفات المطلوبة، لكنّ الوسيط كان يعمد إلى شحن فيول من نوعية مغايرة لتلك العينة إلى لبنان بعد الاستحصال على الموافقات والاعتمادات اللازمة، وحين تصل الشحنة غير المطابقة إلى الموانئ اللبنانية يصار إلى “لفلفة الموضوع” حتى أنه قبل بضعة أشهر سببت واحدة من هذه الشحنات أضراراً مشابهة لما حصل بالأمس في معامل الانتاج لكنّ المسألة لم تبرز الى العلن بفعل تسلسل الأحداث المتسارعة التي كانت تحصل في الشارع زمن تحركات الثورة”.
وبينما آثرت عدم الخوض في مسألة التحقيقات المزمع إجراؤها في القضية، اكتفت المصادر بالقول: “التحقيق مع من؟ هل الدولة ستحقق مع نفسها؟ المخالفة الأولى في استيراد الفيول مثبتة على الدولة، سيّما وأنّ العقود المبرمة لشرائه هي معقودة من دولة إلى دولة، وبينما الدولة الجزائرية تمثلها شركة سوناتراك كان من المفترض أن تمثل الدولة اللبنانية مؤسسة كهرباء لبنان غير أنّ ما حصل في لبنان هو تسليم تنفيذ هذه العقود إلى شركة خاصة وسيطة تتولى تمثيل الجانب اللبناني، ومن هنا لا بد أن يبدأ التحقيق بسؤال: من أدخل الوسيط ومن يغطيه؟”.