تحت جنح جائحة «كورونا» بدأ مجلس الوزراء أمس البحث في الخطة الاصلاحية الاقتصادية والمالية، على أن يستكمله في جلسة اخرى اليوم وثالثة بعد غد الخميس، مستعجلاً إقرارها الاسبوع المقبل استجابة لمطلب المجتمع الدولي ولا سيما منه مجموعة المانحين، التي بَدا من الاجتماع مع ممثليها في القصر الجمهوري أمس الأول انها كانت وما تزال تنتظر هذه الاصلاحات لتبني على الشيء مقتضاه في موضوع الدعم المقرر للبنان في مؤتمر «سيدر» وغيره من المؤسسات المالية الدولية.
ويبدو انّ الاستعجال في اقرار هذه الخطة الاصلاحية مردّه الى المخاوف التي تتزايد حول مصير المساعدات الدولية المقررة من قروض ميسّرة وغيرها، في ظل ما يبرز من معطيات تشير الى احتمال تخلّي المانحين عن التزاماتهم ازاء لبنان نتيجة انشغالهم بمشكلاتهم المتأتية من وباء كورونا المتفشّي في بلدانهم، وكذلك من الانهيارات المالية والاقتصادية الحاصلة عالمياً في ظل التراجع الكبير في سعر النفط وما تشهده الاسواق المالية العالمية من انهيارات واضطرابات ايضاً.
كانت جلسة مجلس الوزراء أمس مالية بامتياز، بدأت بكلام لرئيس الحكومة حسان دياب أشاد فيه بالتعاضد الحكومي الذي أدى الى إنجاح خطة عودة المغتربين وجعلها عودة آمنة. وأبدى ارتياحه الى نتائج فحوص الـ PCR السلبية لجميع ركاب الطائرة التي وصلت الاحد، واضاف: «اذا أكملنا هكذا سنستطيع ان نعيد كل من يريد العودة».
ثم أعطى الكلام لوزير المال غازي وزنة الذي بدأ بعرض الخطة المالية مع المدير العام لوزارة المال الان بيفاني. وعلمت «الجمهورية» انه كان قد سبق هذا العرض اجتماع عُقد الحادية عشرة قبل الظهر ضَم دياب ونائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر ووزراء الزراعة، الاقتصاد، الصناعة، بعدما أبدى كل من وزير الزراعة عباس مرتضى ووزير الصناعة عماد حب الله انزعاجهما قبل يوم من عدم مشاركتهما بالخطة الاقتصادية، وهما يتوليان حقائب لوزارات يجب ان تكون مشاركة لأنه من البديهي ان تكون قطاعات إنتاجية وزراعية مشاركة في هذه الخطة، وكانا قد أبديا هذا الاستياء على «غروب» الحكومة، وتبين انّ الخطة التي تحدث عنها رئيس الحكومة هي الخطة المالية وليس الخطة الاقتصادية، وأكد للوزيرين انهما سيكونان ضمن اللجنة المعنية بإعداد الخطة الاقتصادية.
وطلب من الوزراء إبداء ملاحظاتهم على الخطة المالية المؤلفة من نحو 100 صفحة، ومتابعة مناقشتها في الجلسة التي ستعقد الرابعة بعد ظهر اليوم في السراي الحكومي.
وعلمت «الجمهورية» انّ الخطة تتضمن مجموعة من الاجراءات التي سبق للحكومة السابقة ان أعدّتها وسُمّيت آنذاك بـ»الاجراءات الموجعة»، والتي تتعلق بالقطاع العام والتوظيف وزيادة الرسوم والضرائب.
وأعلن دياب خلال الجلسة أنّ «هناك دعماً مباشراً للفقراء في الخطة الإصلاحية بمئات ملايين الدولارات، ولن تمسّ حقوقهم وليس فيها مسّ بالرواتب. وتُشكّل هذه الخطة حلاً مستداماً، وليس فيها خسائر للناس، لأنّ الخسارة وقعت ونحن نحاول النهوض مجدداً».
وسيُتابع المجلس مناقشة الخطة، الى حين الاحاطة بجوانبها كلّها، للتمكن من إقرارها بصيغتها النهائية في الاسبوع المقبل، وهو يبحث في «ورقة لبنانية متجانسة ومتكاملة تحاول الوصول الى قناعة مشتركة لتصحيح الوضع المالي والنقدي والوصول الى نمو مستمرّ».
وقالت وزيرة الإعلام الدكتورة منال عبدالصمد نجد، بعد الجلسة أمس: «لم يتمّ اختيار الحلول الأسهل». وأشارت الى أنّ «هناك مشكلات كبيرة في الميزان التجاري، وشَرخاً بين سعر صرف العملة الرسمي وسعر السوق. كذلك، هناك تدهور في المؤشرات الاجتماعية والمالية العامة. وهناك قطاع مصرفي كبير ولا يلبّي المودعين. وكلّ هذا الوضع نتج منه تحرّك 17 تشرين الاول».
ومن أبرز نقاط الإصلاحات المالية التي تشملها الخطة: الدعم الخارجي، تصحيح المالية العامة، إعادة هيكلة الدين العام، إعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف، وبعض الاصلاحات البنيوية.
وفي إطار مساعدات الحكومة الإجتماعية لمواجهة أزمة «كورونا»، أعلن دياب في مستهلّ الجلسة «أننا شارَفنا على إنجاز اللوائح التي ستشملها المساعدات المالية والاجتماعية التي أقرّها مجلس الوزراء، وسيتمّ الإعلان غداً (اليوم) عن إطلاق العملية عبر الجيش اللبناني الذي أنجز أيضاً تحضيراته اللوجستية، ومستعد لإنجازها خلال أيام معدودة».
على أن جدول أعمال جلسة بعد غد الخميس يتصدّر في اول بنوده موضوع «البحث في مستجدات الوضعين المالي والنقدي وعرض لوضع سعر صرف الليرة». وفي بنده الثاني «البحث في تمديد اعلان التعبئة العامة لمواجهة فيروس كورونا».
موقف «القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ»الجمهورية» انّ الإجراءات الصحية المتخذة أخيراً «جيدة، وتحديداً لجهة إعادة اللبنانيين من الخارج». وسألت: «لماذا لم تتخذ الإجراءات نفسها في بداية الأزمة مع الطائرات القادمة من إيران وإيطاليا وغيرهما؟».
وتمنّت المصادر «لو كانت وجّهت الدعوة الى مجموعة الدعم بعد الانتهاء من الخطة الإنقاذية وليس قبل ذلك، من أجل ان يكون طابع الاجتماع عملياً بإبراز عناوين الخطة والوقت المحدد لترجمتها على أرض الواقع، لأنه خلاف ذلك لا أحد في وارد مساعدة لبنان إلا بناءً على خطة واضحة المعالم، وبالتالي ما الهدف من مواصلة سياسة الحكي بدلاً من سياسة الفعل؟ ولماذا التأخير في إقرار بنود الخطة التي بات يخشى من أن يشكّل الإعلان عنها إحباطاً، أي بألّا تكون على قدر التطلعات والطموحات والتوقعات والانتظارات على رغم الكلام والوعود الحكومية عنها».
ورأت المصادر «انّ كل شيء يسير ببطء شديد هذا في حال لم تتم عرقلته، وكأنّ الوقت يصبّ في مصلحة الحكومة والبلد، فيما أكثر من نصف الشعب اللبناني بات تحت خط الفقر، فلا التشكيلات القضائية أقرّت، ولا آلية قانونية وشفافة للتعيينات بعد، ولا نية لإقفال المعابر غير الشرعية ولا ضبط المعابر الشرعية والجمارك والمرفأ، فيما فضيحة ملف الكهرباء الذي يشكّل النزف الأكبر للدولة ما زالت تجرجر، ومن دون إشراك القطاع الخاص مع القطاع العام من الصعب بمكان ضبط القطاع العام وتوفير الموارد المطلوبة في المرحلة الراهنة».
وقالت مصادر «القوات» انّ «أكثر ما تفتقده الحكومة هو القرار السياسي الذي قد يكون موجوداً لدى رئيسها وبعض الوزراء، ولكن هذا لا يكفي في حال عدم المبادرة، ولو اقتضى الأمر المواجهة، مع من يريد الاستمرار في السياسات التي أوصلت لبنان إلى الانهيار».
نصرالله
وعلى صعيد المواقف أمس، إقتصرت كلمة الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، عبر شاشة قناة «المنار» مساء، على قضايا دينية وثقافية من دون التطرق الى المستجدات السياسية، لكنه شكر في بدايتها «كل الذين يخوضون اليوم معركة مواجهة وباء كورونا الذي يتهدد الجميع وخصوصاً وزارة الصحة والاطقم الطبية». ووصف المعركة ضد هذا الوباء بأنها «معركة انسانية وليس لها انتماء ديني او سياسي او عرقي».
7 إصابات
وأعلنت وزارة الصحة العامة في تقريرها اليومي أمس عن وباء «كورونا» تسجيل 7 إصابات جديدة رفعت العدد الاجمالي للحالات المثبتة الى 548. وعقد وزير الصحة حمد حسن اجتماعاً في مكتبه في وزارة الصحة مع عدد من مديري المستشفيات، وأثار معهم مسألة تزايد الشكاوى من المواطنين في شأن عدم تلقّيهم العناية الطبية المطلوبة، ومعاناة عدد منهم من تداعيات التقصير في حقهم.
وأكد حسن أنه لن يتهاون مع أي مؤسسة إستشفائية تتخلّف عن استقبال مريض أو تقديم ما يستحقّه من عناية، وبخاصة المرضى الذين يعالجون على نفقة وزارة الصحة العامة. وقال انه سيتابع شخصياً كل الحالات التي تَرد فيها شكاوى، ولن يتردد في إحالة مؤسسات استشفائية الى القضاء المختص لإجراء المقتضى عند الضرورة.
فهمي
وقال وزير الداخلية العميد محمد فهمي لـ«الجمهورية» انّ «تجربة تنظيم حركة السيارات وفق أرقام «المفرد والمجوز» هي ناجحة، وقد أثبتت جدواها حتى الآن لجهة التخفيف من الازدحام في الشوارع»، لافتاً الى أنّ المخالفات للقرار انخفضت من 1213 مخالفة امس الأول الى 424 امس، «ونتوقع مزيداً من الانخفاض في عددها خلال الأيام المقبلة».
وأشار الى «انّ النتائج الجيدة التي حققتها التجربة تدفع إلى الاستمرار فيها، ثم يبنى على الشيء مقتضاه لاحقاً تِبعاً للمنحى الذي ستتخذه الامور في مواجهة كورونا»، معتبراً «انّ اعتراضات البعض على القرار الصادر طبيعية لأنه من الصعب أن ترضي جميع الناس، وما يهمنا هو أنّ مردوه الإجمالي إيجابي، ويصبّ في خانة تحسين وتحصين التعبئة العامة من خلال رفع مستوى التقيّد بها واحترام شروطها».
عودة المغتربين
الى ذلك، تواصلت أمس عملية إعادة المغتربين الراغبين العودة من الخارج، هرباً من تفشّي فيروس كورونا، وقد وصلت مساء أمس 4 طائرات للـ«ميدل ايست» تباعاً آتية من باريس ومدريد وكنشاسا وإسطنبول.
وتوّجه العائدون فور وصولهم الى الصالة المخصصة لهم في المطار، حيث تم توزيعهم استناداً إلى الفرز الذي أجراه الفريق الطبي في الطائرة، ثم تمّ التأكد من استماراتهم، وبعدها خضعوا لعملية تعقيم قبل إجراء فحص PCR، ثم غادروا في الباصات الى الفنادق المخصصة لهم.
ولفت وزير الصحة حمد حسن الذي واكبَ وصول المغتربين إلى أنّ «الإجراءات التي نفّذت الأحد هي نفسها التي نفّذت اليوم (أمس) بالتنسيق مع كل المعنيين»، مشيراً الى أنّ «الكل متعاون لنطبق الشروط نفسها بسلاسة أكبر». وأكد أنّه «في حال تم تسجيل اصابة لأحد المسافرين، فسيتم وضع من كان معه في الحجر الالزامي لمدة 15 يوماً».
وأعلن أنه «بدءاً من 1 أيار سنسمح باستعمال الـ Rapid Test ووزارة الصحة ستحدّد سعره»، وقال: «بدءاً من الجمعة سنزيد أعداد فحوص الـPCR ، آملاً أن نصل مطلع الأسبوع المقبل الى 1000 فحص يومياً».
نجار
كذلك، تمنى وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار على «كل مواطن أن يكون رقيباً على نفسه وأقاربه وجيرانه، ويلتزم التعليمات الصادرة حفاظاً على سلامته وسلامة مجتمعه».
وأشار إلى أنّ «ثلث الطائرات الآتية من أميركا وأستراليا وكندا ستكون محجوزة للطلاب والعائلات التي ترغب في العودة»، وقال: «نتابع موضوع عودة الطلاب، ونعمل على معالجة الأمر بشقّيه: الأوّل، يعمل وزير المال على معالجة مشكلة تأمين الأموال اللازمة للطلاب وتحويلها لهم. والثاني، إعادة كل الطلاب أينما كانوا».
سحب الودائع مستمر
مالياً ولليوم الثاني على التوالي، إستكملت المصارف تنفيذ مضمون تعميم مصرف لبنان المتعلق بتحرير الودائع الصغيرة (5 ملايين ليرة أو 3 آلاف دولار). ويتم دفع الاموال باحتساب سعر الدولار بـ2600 ليرة، لكنّ اعتراضات المودعين كانت واضحة لسببين:
ـ أولاً، لأنّ المصارف اشترطت إقفال حساب أي مودع يريد سحب وديعته، خصوصاً اذا كان حسابه بالدولار. وبالتالي، هناك مودعون يحتاجون الابقاء على حساباتهم، ولا سيما منهم من يوطّن راتبه.
ـ ثانياً، لأنّ سعر الصرف شكّل نوعاً من الـHaircut على الودائع بالدولار، بحيث انّ من يملك 3000 دولار يحصل عليها بالليرة، واذا أراد تحويلها الى الدولار في سوق الصيرفة فإنه لا يحصل سوى على نحو 2750 دولاراً.
وطالبت مصادر مراقبة بإدخال تعديلات في آلية تطبيق التعميم، للسماح لمَن شاء بالابقاء على حسابه مفتوحاً، وبتسريع إنشاء الوحدة الخاصة بتداول العملات، لكي يتم تسعير صرف الدولار بما يعكس سعره الفعلي في سوق الصيرفة، لئلّا يخسر المودع قسماً من وديعته بسبب فارق الاسعار بين سعر دولار المصرف وسعر دولار الصيارفة.
بري وسلامة
وكان الوضع المالي والنقدي محور البحث في لقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وتركّز البحث على سبل تحصين اموال المودعين ولا سيما منهم الصغار.
وكرر بري التأكيد لسلامة «اعتبار ودائع الناس في المصارف من المقدسات التي لا يجوز التصرف بها تحت أي ظرف من الظروف»، لافتاً الى انّ «التشريعات عموماً والمالية منها خصوصاً، هي في الاساس لحماية الناس وحقوقهم في كل ما يصنع حياتهم ويحمي جنى عمرهم».
بشرى سارّة
في خضمّ المشهد السوداوي العام، أطلّ بصيص امل أمس من خلال معلومات نقلتها مصادر متابعة لـ«الجمهورية»، تفيد بأنّ عمليات حفر البئر الاستكشافية ترجّح وجود الغاز.
ومن المتوقّع ان تنتهي منتصف الأسبوع المقبل أعمال الحفر في الرقعة الرقم 4 التي تبعد نحو 7 كلم عن منطقة البوار، بما يعني انّ اعمال الحفر لم تتأثر بأزمة كورونا.
واستناداً الى المصادر نفسها، من المتوقع ان تنتهي شركة «توتال» من عملية الحفر نهاية الأسبوع المقبل كحد أقصى. وأوضحت أنّ شركة «توتال» التي سبق وصرّحت بأنها ستعلن نتائج الاستكشاف بعد شهرين من توقف الحفر، إنما علميّاً لا تحتاج الشركة الى كل هذه المدة لأنها تعرف النتيجة فور الوصول الى النقطة المحددة، لكن مدة الشهرين هي الوقت اللازم لإجراء التحاليل والتأكد من النتائج.
ورجّحت المصادر ان تعلن الشركة عن النتائج، في حال كانت ايجابية، قبل فترة الشهرين التي حددتها سابقاً. لكنها ستكون مُلزمة بإعلان النتائج الى بورصتي نيويورك وباريس، حيث تدرج أسهمها، لقطع الطريق امام أي محاولة شراء او بيع لأسهم «توتال» عبر افراد تسرّبت اليهم نتائج الاستكشاف قبل الإعلان الرسمي عنه.
وأوضحت المصادر انه في حال تمّ الاعلان عن وجود حقل ضخم للغاز يتجاوز 4 تريليونات قدم مكعب، تتخذ توتال قراراً سريعاً بتطوير البئر الرقم 4 وتغيّر من استراتيجيتها بحيث لا يصبح بدء الحفر بالبئر 9 طارئاً ومهماً، بل سيتركّز اهتمامها وأولويتها على الشروع فوراً في حفر بئر استقصائي للتأكد من الكمية المُكتشفة ونوعيتها، ويستغرق الحفر في هذا البئر حوالى 12 شهراً، قبل الانتقال الى مرحلة تطوير الحقل، وهذا الأمر سيستغرق ما بين 6 الى 7 سنوات