بمعزل عن قضية رياض سلامة والتقرير الفضائحي الذي طاوله على خلفية الوثائق التي تحدثت عن تحويله ملياري دولار إلى حسابات خارجية بمعاونة المعاونة “الممتازة” في المصرف المركزي ماريان الحويك وشقيقه رجا، وبغض النظر عن سجال “التأكيد والتأكيد المضاد” و”النفي والنفي المضاد” والمسارات الإعلامية والقانونية والقضائية التي ستسلكها القضية بين لبنان وفرنسا… يبقى أنّ مجرد دخول حاكم المصرف المركزي بقعة الشك والشبهة عبر تقارير دولية وصفحات معنيّة بكشف الفاسدين كحساب “أنونيموس” عبر “تويتر”، هو بحد ذاته منعطف مفصلي يؤشر على المستوى الدولي إلى كون “أسطورة” الحاكم و”القبة الحديدية” الغربية فوق رأسه بدأت تتداعى لا سيما مع دخول أجهزة أمنية خارجية على خط التسريبات التي طالته، بينما على المستوى المحلي يدل على أنّ منظومة السلطة والمال التي حكمت وتحكّمت بالدولة وهندست ماليتها “غب الطلب” بدأت أيضاً تتهاوى لتتكشف معها تباعاً أسرار مغارة “علي بابا” لنهب المال العام على مرّ العقود والعهود وصولاً إلى يومنا هذا حيث أتت تفليسة الدولة لتكون بمثابة “إفتح يا سمسم” لسبر أغوار هذه المغارة النقدية والمالية والسلطوية في البلاد.
صحيح أنّ سلامة راعي “الخزعبلات” المالية التي استفاد منها أهل الحكم ومن لفّ لفّ “البلاط” في شتى المجالات والميادين، لكنه لا يعدو كونه ذراعاً مالية لمنظومة حكم ارتكبت “السبعة وذمتها” فنهبت وعاثت هدراً وفساداً بالدولة ومؤسساتها، ولن تجديها مسرحية “الخصم والحكم” التي تلعبها اليوم على خشبة السلطة الحالية التي لم تكن ولن تكون بنظر الناس براء من “دم ابن يعقوب” إنما هي شريكة غارقة من رأسها حتى أخمص قدميها في مستنقع النزيف النقدي والمالي والاقتصادي، بدءاً من رئيس الجمهورية وفريقه السياسي الذي كان ولا يزال أحد المشاركين الفاعلين في تسيير دفة منظومة الحكم اللبناني منذ أكثر من 15 عاماً، مروراً برئيس مجلس النواب وفريقه السياسي الذي شكّل ولا يزال، بالتكافل والتضامن مع “حزب الله”، العمود الفقري لهذه المنظومة منذ أيام الوصاية السورية، وصولاً حتى إلى رئيس الحكومة حسان دياب مذ كان برتبة وزير في حكومة “القمصان السود” الفاشلة.
لا شيء يؤهل هذه السلطة لأن تكون في موقع المحقق والمدقق والمصلح والحامي للمال العام، ولا يمكنها التنصّل من المسؤولية عما آلت إليه أمور الدولة، فلا الناس تثق بها ولا المجتمع الدولي، وها هي لا تزال تجمع وتطرح وتضرب لمحاولة إيجاد تخريجة ما للأزمة المالية تقوم على نهب المودعين بعد مصادرة أموالهم لسد “فجوة” الخزينة من دون المسّ بكبار المتمولين الذي أثروا على حساب الناس. وكما ثبت بالواقع المعاش أنّ كل تطمينات سلامة إلى متانة الليرة وملاءة القطاع المصرفي وضمان الودائع وحصانة الاقتصاد الوطني كانت مجرد تطمينات “خلّبية”، أغلب الظن اليوم أنّ لازمة عدم المسّ بـ 90% من المودعين (دون سقف مئة ألف دولار) التي لا ينفك دياب يكررها هي أيضاً بمثابة “إبرة بنج” للناس قبل أن يسلك مقص السلطة طريقه نحو الاقتطاع من جنى أعمارهم… وليس أدل على ذلك سوى تنصّل رئيس الحكومة نفسه “حامي الودائع” من المسؤولية عن تحديد مصير هذه الودائع رامياً الكرة إلى ملعب حاكم المركزي بقوله: “لا نملك جواباً عن توقيت حصول المودعين على أموالهم… إسألوا الحاكم”.
وبينما كان أجدى بدياب أن يسأل هو نفسه سلامة حين حلّ ضيف شرف بالأمس على طاولة مجلس الوزراء بدل إحالة الناس إلى سؤاله عن أموالهم، كان على ما بدا الهمّ الحكومي منصباً خلال الجلسة على تمرير طلائع تهريبات التعيينات على وقع تسجيل اعتراضات “رفع عتب” من ثنائية “أمل – المردة” على إقرار ثنائية “عون – دياب” سلة تعيينات إدارية مدموغة ببصمات رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، بغطاء واضح من “حزب الله” لسحب فتيل “الثلث المعطل” ومنع تفجير الحكومة عبر فرزه الوزير حمد حسن للتصويت مع إقرار السلة مقابل فرز الوزير عماد حب الله ليكون في عداد المعترضين عليها، في وقت ترددت معلومات عن أنّ أجواء الجلسة لم تخلُ كذلك من “حساسيات طائفية” على خلفية تعيين ماروني في موقع درجت العادة على أن يتولاه أرثوذكسي في التفتيش المركزي، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة إلى تبرير الموضوع بفتوى “الحكومة العابرة للطوائف”.