كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول : حلّ عيد الفصح على اللبنانيين، وكلّهم أمل في انّ قيامة لبنان من أزمته لا بدّ أنّها آتية، وانّ النور لا بدّ أنّه سينبلج في هذه العتمة الحالكة.
حلّ العيد، وفرحته سرقها الوباء الخبيث، الذي زرع القلق والخوف في كل بيت، بالشراكة الكاملة مع سلطة جائرة، فقدت أدنى حسّ بالمسؤولية، ويتحكّم بها عقل مراهق، متهوّر، آخر بِدَعِهِ ما سمّاها “خطة إنقاذ مالية”، فيما هي في جوهرها ورقة نعوة للبنان، وفرمان لمصادرة مدخرات اللبنانيين، أو بالأحرى سرقتها.
في الشق “الكوروني”، المواطن اللبناني كأي مواطن في دول العالم المنكوبة بالوباء، سلّم أمره الى الله، وينتظر في الحَجر ريثما يتمكن العقل البشري من ابتداع دواء يحتوي وباء “كورونا”، او لقاح يكبح تفشّيه ويضيّق مساحة انتشاره التي تتوسع على مدار الساعة. امّا في الشق الداخلي، فيبدو صراعه مريراً مع السلطة الحاكمة، التي تريد ان تنزع آخر شريان يمدّه بالحياة والمتمثل بمحاولات السطو المتتالية على جنى عمره.
امام هذا الواقع، ثمة سؤال بات يتردّد على لسان كل لبناني ويضعه برسم السلطة السياسية والحكومة التي اوكلت لنفسها مهمة “مواجهة التحدّيات”: كيف يمكن الوثوق بإنقاذ اقتصادي او مالي، اذا كان المعني بهذا الإنقاذ بعضه في ذروة تخبّطه وارتباكه؛ يقول الشيء ونقيضه في آن معاً، ويفعل الشيء ونقيضه في آن معاً، وبعضه الآخر شريك في التآمر على اموال اللبنانيّين، دون أن يرفَّ له جفن؟.
وفي سياق التخبّط وفعل الشيء وعكسه، يسجّل مرجع سياسي عبر “الجمهورية” الملاحظات الآتية:
- اولاً، فشل الحكومة في مهمتها حتى الآن، ودورانها حول نفسها منذ تأليفها، عبر انهماكها بسلسلة اجتماعات لا طائل منها، من دون ان تبادر الى اتخاذ قرار انقاذي جريء او الى خطوة اصلاحية ملموسة، ربطاً بالكمّ الكبير من الوعود التي اطلقتها حينما تشكّلت.
- ثانياً، العالم يطلب من لبنان أن يساعد نفسه لكي يساعده، ومع ذلك لا يلقى استجابة. وذروة التخبّط تجلّت في اجتماع بعبدا الأخير، الذي عقده رئيس الجمهورية ميشال عون مع سفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان، إذ حتى الآن لم يُعرف السبب الدافع لمثل هذا الاجتماع، وثمة اسئلة مباشرة بهذا المعنى طرحها عدد من سفراء مجموعة الدعم حول الغاية منه، خصوصاً وانّ مجموعة الدعم سبق لها ان اجتمعت في كانون الاول الماضي من اجل حشد المساعدة للبنان، وانتظرت ان يبادر لبنان الى الإيفاء بالتزاماته، لكنها فوجئت بأنّ الحكومة اللبنانية لم تبادر الى ذلك، فعادت المجموعة الى اصدار بيان اواخر كانون الثاني، اي قبل نحو ثلاثة اشهر، اكّدت فيه في ذلك الوقت، إنّ هناك حاجة ملحّة لأن يتبنّى لبنان حزمة إصلاحات اقتصادية مستدامة وشاملة وذات مصداقية. الاّ انّ هذه الدعوة قوبلت ايضاً بتلكؤ من قِبل الدولة اللبنانية. علماً انّ المطالبات الإصلاحية كانت محدّدة بكل وضوح، وهو تعيين الهيئات الناظمة للكهرباء والطيران المدني والاتصالات، ولا يُفهم حتى الآن سبب تلكؤ الدولة اللبنانية عن اتمام هذا الامر.
- ثالثاً، ذروة تنفيذ الشيء وعكسه، تبدّت اولاً في التشكيلات القضائية، حيث على السطح يطفو كلام على استقلالية السلطة القضائية، وامّا في جوهر المسألة فيعطّلها اصرار مراجع رئاسية على التدخّل السياسي فيها، برغم ارادة مجلس القضاء الاعلى التي وضعها على اساس الجدارة والكفاءة والدرجة. (يُشار هنا إلى أنّ مصادر وزارية كشفت، عشيّة جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم، انّ وزيرة العدل ماري كلود نجم ستُحيل في الساعات المقبلة مشروع التشكيلات القضائية مع ملاحظاتها عليه الى وزيرة الدفاع المعنية به بموجب المادة 13 من قانون القضاء العسكري، على أن يُحال بعدها الى وزير المال ثم الى رئيس الحكومة ومنه الى رئيس الجمهورية). وتبدّت ثانياً في التعيينات المالية، اذ بعدما اسقطها منطق المحاصصة وضرورة اعتماد آلية توظيف على أساس الكفاءة، جاءت التعيينات الاخيرة في مجلس الوزراء مناقضة لهذه الآلية، فضلاً عن انّها شكّلت افتراء على الطائفة الارثوذكسية ومصادرة موقع وظيفي حق لها، وإسناده الى موظف من طائفة اخرى، وهذه المسألة ما زالت في دائرة التفاعل.
واللافت للانتباه، انّ الحكومة تذرّعت بإتمام هذه التعيينات بكونها لا تخضع للآلية، بل تخضع لقوانين خاصة ترعاها. الّا انّ مصادر رقابية اكّدت لـ”الجمهورية”، انّ هذا التبرير غير صحيح ابداً، لأنّ الذي لا يخضع للآلية هو تعيين رئيس مجلس الخدمة المدنية ورئيس التفتيش المركزي، فالذين تمّ تعيينهم هم مفتش عام هندسي ومفتش عام اداري ورئيس ادارة الموظفين، الذين يخضعون حكماً للآلية التي كانت متّبعة، والدليل عندما تمّ تعيين رئيس ادارة المناقصات جان العلية وكذلك تعيين المفتش العام التربوي فاتن جمعة، خضعا للآلية وأجريا المقابلة في مجلس الخدمة المدنية. فهناك ليس فقط خرق فاضح للآلية، بل محاولة إيهام الرأي العام انّهم لم يخرقوا الآلية وانّ القانون لا يسمح لاتباع هذه الآلية، وهذا غير صحيح.
بري: ليتهم فهموا الرسالة
يُضاف الى ذلك، هو الاعتراض على هذه التعيينات من قِبل وزراء حركة “امل” و”حزب الله” وتيار “المردة”، ويبرز في هذا الامر ما اشار اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري في هذا المجال، حيث قال: “إن تصويتنا الاعتراضي على هذه التعيينات الثلاثة، لم يكن اعتراضاً على اشخاص، بل على المنحى الذي تمّ سلوكه. في اي حال يا ليتهم من خلال تصويتنا الاعتراضي قد فهموا الرسالة”.
وذكر بري “انّ آلية التعيينات التي عُمل بها، كانت تستثني مصرف لبنان ورؤساء الهيئات الرقابية، وحينما طُلب من وزير المال اعداد الأسماء المرشحة للتعيينات في مصرف لبنان، تمنيت عليه شخصياً بأن يقدّم 3 اسماء لكل منصب، وهكذا كان. اما في التعيينات الاخيرة، فقد فوجئنا بها ولم نعلم بأمرها الّا قبل 48 ساعة، وكانت محدّدة بمرشح واحد لكل مركز، وطلبنا مهلة بسيطة لكي ندرس هذه التعيينات طالما لا يوجد غير المرشحين الثلاثة للتعيين، فلم يقبلوا، بل ذهبوا الى التصويت. مع انّ هذا التصويت غير مفهوم طالما انّه لا يوجد سوى مرشح واحد لكل مركز؟”.
الخطة يتيمة
بصرف النظر عن الترنّح الذي أصاب خطة الحكومة، الاّ انّ وضع هذه الخطة من أساسه كشف حقيقة أنّ المواطن اللبناني ومنذ البداية، كان ضحيّة عمليّة تضليل مفضوحة ومتعمّدة من قِبل القيّمين على هذه السلطة، اكّدت بما لا يقبل أدنى شك، أنّ كل ما قيل عن حماية ودائع اللبنانيين، ما هو الاّ كلام تخديري من فوق الطاولة، وأما من تحتها فكان هؤلاء ينصبون منصّة اعدام لمدخرات اللبنانيين.
واذا كانت هذه الخطة، وبعد موجة الاعتراضات التي واجهتها، باتت يتيمة، حتى الحكومة التي أعدّتها، لم تجرؤ على تبنّيها، بل هربت الى الامام واعتبرتها اوليّة تحتاج الى درس طويل ومعمّق، إلاّ أنّها في المقابل اماطت اللثام عن المنحى الخطير الذي يسلكه بعض أهل السلطة في اتجاه ارتكاب الخطيئة الكبرى بحق المودعين، دون أن يقدّرهؤلاء عواقب هذه الجريمة، وأقلّها دفع البلد الى ثورة اجتماعية وفوضى عارمة تتجاوز كل الحدود وما تسمّى محظورات ومحرّمات!
عملياً، أسقطت الاعتراضات “خطة السطو على ودائع اللبنانيين”، لكن الحكومة لم تسحبها من التداول، بل على العكس ما زالت تدرجها كبند اول للنقاش. وبقدر ما انّ السؤال ملحّ حول ما بعد سقوط “مسودة السطو”، فإنّ الاكثر إلحاحاً هو محاولة الوقوف على الدافع من وراء إعدادها، والإصرار على طرحها وتقديمها، بوصفها السبيل الوحيد المتوفر أمام السلطة لإخراج لبنان من ازمته، والضرب بعرض الحائط سيل المطالبات الشعبية والخارجية المتتالية للسلطة، بسلوك المنحى الإنقاذي الطبيعي الذي يبدأ وينتهي عند اتخاذ خطوات علاجيّة إصلاحيّة لمكامن الخلل في جسم الدولة، وكذلك عند المقاربة المسؤولة لمحميَّات الفساد، ومصير الاموال المنهوبة، والمهدورة، والمهرّبة وتحديد الناهبين والهادرين والمهرّبين ومحاسبتهم، وكذلك تحديد رجال الاعمال واصحاب رؤوس الاموال الكبيرة المتمتِّعين بغطاءات سياسية، الذين استفادوا منذ العام 2015 من الهندسات المالية، وحققوا ارقاماً خيالية من الفوائد على حساب الخزينة، وهرّبوا اموالهم الى الخارج، وبالتالي استعادة هذه الأموال التي تقدّر بمليارات الدولارات، ومحاسبة ”المهندسين”!
لماذا؟
وبموازاة الرفض الشعبي لخطة “الهيركات”، تقاطعت تحذيرات الخبراء الاقتصاديين من آثارها الكارثية على لبنان، فيما لو وضعت موضع التنفيذ، مع المواقف الاعتراضية عليها سواء من داخل الطاقم السياسي الحاضن للحكومة أو من قِبل المعارضة، التي وضعت بدورها جملة اسئلة برسم الحكومة:
كيف يمكن لسلطة ان تضع خطة تعرف سلفاً انّ المواطن اللبناني سيرفضها؟
وكيف يمكن لسلطة مسؤولة ان تغطي لصوص الخزينة ومرتكبي الموبقات، وتقدّم من خلال خطة “الهيركات” صك براءة لهؤلاء، عبر تدفيع المواطن اللبناني من امواله، فاتورة ارتكاباتهم وسرقاتهم واختلاساتهم لأموال الخزينة على مدى سنوات طويلة؟
وهل انّ هذه السلطة بخطتها هذه تمهّد منذ الآن لتخيير اللبنانيين لاحقاً بين أن يقبلوا بخطة ”الهيركات”، وبين أن يذهبوا الى وضع كارثي اقتصادي ومالي لا قيامة منه؟
معترضون
ويبرز في هذا السياق، الاعتراض الصريح عليها من رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري، الذي اعتبر الخطة بمثابة انتحار اقتصادي، ومن رئيس حزب “القوات اللبنانيّة” سمير جعجع، الذي اعلن رفض “خطة تعكف على تأمين موارد من جيوب الناس وتبقي مزاريب الهدر والفساد مفتوحة، وكذلك من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي اتهم حكومة اللون الواحد بمصادرة اموال الناس لإلغاء اي اعتراض، مبدياً الخشية من محاولة نسف الطائف والسيطرة على مقدرات البلد. ويبرز في موازاة ذلك، موقف “التيار الوطني الحر”، الذي اكّد على لسان رئيسه جبران باسيل، الذي قال” انّ اموال المودعين في المصارف حق لهم وستعود اليهم بشكل او بآخر، وأي كلام آخر هو للمزايدة”، متسائلاً: “هل تعود للناس والدولة الاموال المنهوبة على يد من تحكّم بالمال والاقتصاد منذ العام 1990″؟
عون: الهيركات مرفوض
ويبرز ايضاً موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حيث كشفت مصادر قريبة من بعبدا أنّ موقفه من الهيركات معروف، وسبق أن أبلغ من ناقَشه بهذا الأمر بأنه خطوة مستحيلة، لا بل هو أمر مرفوض ولا يمكنه القبول بمثل هذه الإجراءات.
وقالت المصادر انّ عون لا يريد الدخول في الجدال القائم حول هذه المسألة او في الحملات التي تستهدف الحكومة، كما لا يريد ان يدخل في أي سجال قد يكون قائماً على مواقف شعبوية مرفوضة في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
الهيركات لن يمرّ
على انّ الموقف الاعتراضي الحاد جاء على لسان رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي ارسل في الاتجاه الحكومي رسالة صريحة مفادها، انّ المجلس النيابي لن يشرّع النصب والسطو على اموال المودعين ومدخراتهم.
وقال بري: “هذه الخطة، ليست خطة وزير المال، ونحن لسنا موافقين عليها على الاطلاق. وفي اي حال، مصادرة ودائع الناس لن تمرّ. نحن كنا من اشد المؤيّدين لتعليق دفع سندات “اليوروبوند”، ونحن الآن من اشدّ المعارضين لـ”الهيركات” والمسّ بودائع الناس، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في ما وصلت اليه الامور”.
ويؤكّد بري رداً على سؤال حول المصارف: “انا لست على الاطلاق مع ضرب القطاع المصرفي، لأنّه لا قيامة لأي اقتصاد ما لم يكن هناك قطاع مصرفي قوي وسليم، ولكن كل من أخطأ، او كان جزءاً من منظومة الفساد والهدر وتهريب الاموال، يجب ان يتحمّل المسؤولية عمّا قام به”.
دياب وخليل
وعُلم في هذا الاطار انّ موضوع الخطة الحكومية كان مدار بحث على مدى ساعتين ونصف في الساعات الاخيرة في السراي الحكومي، بين رئيس الحكومة حسان دياب والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، الذي نقل الى رئيس الحكومة موقف بري “الرافض بشكل قاطع لخطة الـ هيركات، وهو أمر لا ينفصل عن رفضه القاطع لقَوننة خطة “الكابيتال كونترول”، والمسّ بودائع اللبنانيّين التي يعتبرها برّي من المقدّسات الممنوع المسّ بها”.
الخطة قائمة
المثير في الأمر انّ الأجوبة الحكومية عادت الى الدوران في الحلقة الاولى، عبر التأكيد غير المُقنع بأنّ ودائع اللبنانيين محميّة، في وقت ما زالت الجهات الحكومية المعنيّة بهذه الخطة تعتبرها مادة مطروحة للنقاش، فيما أكد وزير المال غازي وزنة انّ ما حُكي عن”هيركات” ليس دقيقاً، علماً انّ هذا الامر يتطلّب قانوناً في مجلس النواب.
تعديل الدستور
وفي هذا السياق، قالت مصادر قانونية لـ”الجمهورية” انه “بصرف النظر عن الاعتراض السياسي على “خطة الـ هيركات”، فإنّ هناك استحالة في قوننتها في مجلس النواب، ذلك انها لا تتطلب قانوناً عادياً، بل تتطلب تعديلاً دستورياً، في البند “و” من مقدمة الدستور التي تنصّ على انّ “النظام الاقتصادي حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة”، وهذا معناه انّ حقوق اللبنانيين بودائعهم مكفولة بالدستور”. وبالتالي، لن يجرؤ اي طرف سياسي ان يظهر في مجلس النواب في موقع الداعم للـ”هيركات”.
وتلفت المصادر الانتباه الى انّ مُعدّي الخطة، يبدو انهم استندوا في مسألة الـ”هيركات” الى المادة 15 من الدستور التي تؤكد على انّ “الملكية في حِمى القانون، فلا يجوز ان ينزع عن احد ملكه الّا لأسباب المنفعة العامة في الاحوال المنصوص عليها في القانون، وبعد تعويضه منه تعويضاً عادلاً”. الّا انّ هذا الاستناد جاء مبتوراً وبطريقة انتقائية من نفس المادة، حيث أجازت “خطة هيركات” فقط “نزع الملكية”، الا انها لم تُشِر من جهة ثانية الى التعويض العادل الذي يفترض ان يتأمّن قبل النزع، للمستهدفين به. بل على العكس طرحت السؤال: كيف نعوّض على المودعين”؟
ليست نهائية
في هذا الوقت، قالت مصادر حكومية لـ”الجمهورية” انّ الحكومة ماضية في وضع برنامجها الانقاذي، وما تم تسريبه عن خطة الحكومة ليس صيغة نهائية ولم تلتزم بها الحكومة مسبقاً، بل هي صيغة ما زالت مطروحة للنقاش، علماً انّ ثمة استعجالاً من قبل بعض القوى في إطلاق الحكم النهائي على خطة الحكومة.
وأشارت المصادر الى ما سَمّتها “مبالغات في بعض المواقف، وخصوصاً انّ الحكومة لم تتخذ قراراً نهائياً في شأن ما هو مطروح أمامها. وبالتالي، فإنّ الخطة تتطلب تمحيصاً معمّقاً فيها قبل إطلاق الاحكام النهائية عليها، واذا كان هناك افكار وتعديلات مطلوب إدخالها، فيمكن ان يعالج هذا الامر بالنقاش الهادىء والموضوعي والمُجدي، وليس بالمزايدات السياسية، خصوصاً ممّن كانوا السبب الاساس في الازمة وإيصال الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان الى ما هو عليه حالياً”.
شرح عبر السكايب
وفي سياق متصل، علمت “الجمهورية” انّ عملية شرح لخطة الحكومة عبر ”السكايب”، جَرت في الساعات الاخيرة، وتولّاها بعض مستشاري رئيس الحكومة، امام اللجنة المصغرة المنبثقة عن لجنة المال والموازنة، والتي تضم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس النائب ياسين جابر ورئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان. وتبيّن من هذا الشرح انّ التوجّه جدي ليس فقط الى الـ”هيركات”، بل الى إقران ذلك بسلّة ضرائب جديدة. وبرز في الاجابات التي أبديت حيال هذا الشرح، ما يلي:
- أولاً، انّ الخطوة الاولى التي بدأت مع تعميم مصرف لبنان حيال اصحاب الحسابات من 5 ملايين ليرة و3 الاف دولار فما دون، صحيح انها يمكن ان تريح هؤلاء الى حد ما، لكنّ المستهدفين في خطة الحكومة يعدّون بما يزيد عن 100 ألف حساب، ومن بينهم مجموعة ممّن يشكلون الاقتصاد في لبنان، فهم أصحاب رؤوس الاموال التي تنشىء مصانع وشركات في شتى المجالات وتفتح المجال لتوظيفات، فإذا ما تمّ ضَرب هؤلاء، فكأنه ضرب مباشر وقاتل للاقتصاد اللبناني، فضلاً عن انّ غالبية المستهدفين هم من المغتربين، الذين كانوا يشكّلون العصب المالي للاقتصاد اللبناني، وهم المضخّة الدائمة والوحيدة للعملة الصعبة الى لبنان. فإن استهدف هؤلاء، وصودِرت أموالهم، فمن جهة ستقضي على جنى عمرهم وتعبهم، ومن جهة ثانية سينكفئون ولن يلتفتوا الى لبنان على الاطلاق.
- ثانياً، الثغرة الكبرى في خطة الحكومة انّها تشخص الازمة وتحدّد حجم المبالغ ”الطايرة”، بما يفوق الـ86 مليار دولار. ففي دولة تحترم نفسها، هناك الكثير ممّن هم شركاء في بَلع هذه الاموال يجب ان يكونوا في السجون.
- ثالثاً، تلحظ الخطة سلة كبيرة من الضرائب؛ زيادة الضرائب على الارباح من 17 الى 20 %، زيادة الرسوم على فوائد الودائع التي تزيد عن مليون دولار من 10 الى 20 %، رفع الضرائب على الدخل بالنسبة الى الرواتب المرتفعة من 25 الى 30 %، زيادة الضرائب على أرباح الرساميل من 10 الى 15 %، رفع الـTVA على السلع الفاخرة من 11 الى 15 %، زيادة سعر صفيحة البنزين الى 25 الف ليرة وتثبيتها على هذا السعر، وضع رسم 1000 ليرة على صفيحة المازوت. تضاف الى ذلك بنود تتعلق بموظفي القطاع العام، وأخرى تركّز على نظام التعويضات والتقديمات للأسلاك العسكرية، وهو أمر يُنذر بمواجهات حامية تنتظر خطة يُفترض انها إنقاذية.
إنّ تقييم الخبراء الاقتصاديين لهذه الضرائب هو شديد السلبية، “فغالبية الشركات والمؤسسات الخاصة في لبنان في تراجع رهيب منذ تشرين الاول الماضي، ولقد انحدرت الى مستويات دون الصفر جرّاء فيروس كورنا، اي انّ معظمها قد أفلس وأقفل، والباقي منها “مَخروب بَيتو”، فإذا زيدت الضرائب عليها، فمن أين ستدفع؟ وكيف ستدفع في هذا الوضع المهترىء؟ خلاصة ذلك انّ الضرائب الجديدة ستدفع هذه الشركات الى التوقف والاقفال. كما تلحظ الخطة رفع الضريبة على الفوائدة من 10 % الى20 % فهذا أمر يمكن ان يحقق فائضاً فيما لو كانت معدلات الفائدة مرتفعة كما كانت من قبل (10 % و11 % و12 %)، ولكن أيّ فائض سيتحقق من وضع ضريبة على الفوائد اذا كانت نسبة الفائدة اليوم بحدود 2 %؟”.
خامساً، كل ما هو ملحوظ في الخطة لا يطبّق بقرارات من مجلس الوزراء بل يتطلّب قوانين من مجلس النواب، ومن الآن ينبغي التأكيد انّ مرورها في مجلس النواب مستحيل. من هنا، فإنّ كل مندرجات الخطة لا قيمة لها، لأنّ المطلوب قبل هذه الخطة أمران:
الاول، توفر قرار سياسي يؤكد انّ النهج السابق قد تغيّر، وهذا ما لا تعكسه الخطة.
الثاني، أن تقدّم الحكومة للناس خطوة إصلاحية واحدة لكي تثق بها، وتصدّق انّ نيّاتها سليمة وتسعى الى الانقاذ الجدي، فعلى الاقل ان تقدّم خطوات اصلاحية، وهو امر لم تقم به الحكومة أصلاً، ما يعني انّ كل كلام عن اصلاح وإنقاذ ما هو سوى كلام بكلام.
المصارف
في السياق ذاته، قالت مصادر مصرفية لـ”الجمهورية”: إنّ المصارف لن تقبل بأن يُمسّ برأسمالها، مُحذّرة من انّ شطب ودائعها بالشكل الذي تحضّر له الحكومة، معناه انّ لبنان مُقبل على انهيار مصرفي كارثي، وأيّ شطب سيوقف اي إيداعات، إذا كان ذلك من الداخل أو من الخارج. هناك مسؤول وحيد هو الدولة، التي عليها ان تدفع ديونها.
وعلمت “الجمهورية” انّ بعض محامي جمعية المصارف وجّهوا كتاباً الى شركة ”لازار” التي أعدّت الخطة الحكومية، تعبّر فيها عن اعتراضها على هذه الخطة وتحذّر من مخاطرها على لبنان بشكل عام وعلى القطاع المصرفي بشكل خاص.
أين الودائع؟
الى ذلك، أكدت مصادر مالية مسؤولة لـ”الجمهورية” انه على الرغم من المطالبات المتتالية لمصرف لبنان لطمأنة اصحاب الودائع، فإنّه لا يستطيع ذلك!
وأوضحت “انّ أصل المشكلة هو انّ المواطنين بادروا الى إيداع اموالهم في المصارف، والمصارف بدورها قامت بإيداع ما نسبته 90 % من هذه الودائع في مصرف لبنان، ومصرف لبنان تصرّفَ بهذه الودائع، وقدّمها كديون طلبتها الدولة لسداد العجز المتنامي في بعض القطاعات وقيمتها نحو 50 مليار دولار”.
أضافت المصادر: “الفجوة الكبرى هي انّ الدولة لم تسدّد ديونها لمصرف لبنان، علماً انّ الخطيئة الكبرى التي ارتكبها مصرف لبنان بحقّ البلد، هي بقبوله “تديين” الدولة وإتباع ذلك بهندسات مالية ثبت فشلها. ثم كيف يمكن لمصرف لبنان او المصارف او غيرها ان تقول إنّ الودائع محمية، طالما أنها غير موجودة؟ واقع الحال انّ الـ50 مليار دولار التي طارت من مصرف لبنان استَدانَتها الدولة، فمن هنا ينبغي ان يتم البحث عن العلاج المطلوب، وأوّل العلاج أن تبدأ الدولة بدفع ديونها الى مصرف لبنان، لكن الدولة بوضعها الراهن عاجزة عن الدفع.