الرئيسية / صحف ومقالات / الجمهورية : الخطة المالية تطوّق السلطة بالاتهامات.. وبري ‏يؤكّد: “الهيركات” لن يمرّ
الجمهورية

الجمهورية : الخطة المالية تطوّق السلطة بالاتهامات.. وبري ‏يؤكّد: “الهيركات” لن يمرّ

كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول : حلّ عيد الفصح على اللبنانيين، وكلّهم أمل في انّ قيامة لبنان من أزمته لا بدّ أنّها آتية، ‏وانّ النور لا بدّ أنّه سينبلج في هذه العتمة الحالكة.‏
حلّ العيد، وفرحته سرقها الوباء الخبيث، الذي زرع القلق والخوف في كل بيت، بالشراكة ‏الكاملة مع سلطة جائرة، فقدت أدنى حسّ بالمسؤولية، ويتحكّم بها عقل مراهق، متهوّر، ‏آخر بِدَعِهِ ما سمّاها “خطة إنقاذ مالية”، فيما هي في جوهرها ورقة نعوة للبنان، وفرمان ‏لمصادرة مدخرات اللبنانيين، أو بالأحرى سرقتها.‏
في الشق “الكوروني”، المواطن اللبناني كأي مواطن في دول العالم المنكوبة بالوباء، ‏سلّم أمره الى الله، وينتظر في الحَجر ريثما يتمكن العقل البشري من ابتداع دواء يحتوي ‏وباء “كورونا”، او لقاح يكبح تفشّيه ويضيّق مساحة انتشاره التي تتوسع على مدار ‏الساعة. امّا في الشق الداخلي، فيبدو صراعه مريراً مع السلطة الحاكمة، التي تريد ان ‏تنزع آخر شريان يمدّه بالحياة والمتمثل بمحاولات السطو المتتالية على جنى عمره.‏

‏امام هذا الواقع، ثمة سؤال بات يتردّد على لسان كل لبناني ويضعه برسم السلطة ‏السياسية والحكومة التي اوكلت لنفسها مهمة “مواجهة التحدّيات”: كيف يمكن الوثوق ‏بإنقاذ اقتصادي او مالي، اذا كان المعني بهذا الإنقاذ بعضه في ذروة تخبّطه وارتباكه؛ ‏يقول الشيء ونقيضه في آن معاً، ويفعل الشيء ونقيضه في آن معاً، وبعضه الآخر شريك ‏في التآمر على اموال اللبنانيّين، دون أن يرفَّ له جفن؟.‏
‏ ‏
وفي سياق التخبّط وفعل الشيء وعكسه، يسجّل مرجع سياسي عبر “الجمهورية” ‏الملاحظات الآتية:‏
‏ ‏
‏- اولاً، فشل الحكومة في مهمتها حتى الآن، ودورانها حول نفسها منذ تأليفها، عبر ‏انهماكها بسلسلة اجتماعات لا طائل منها، من دون ان تبادر الى اتخاذ قرار انقاذي ‏جريء او الى خطوة اصلاحية ملموسة، ربطاً بالكمّ الكبير من الوعود التي اطلقتها حينما ‏تشكّلت.‏

‏- ثانياً، العالم يطلب من لبنان أن يساعد نفسه لكي يساعده، ومع ذلك لا يلقى استجابة. ‏وذروة التخبّط تجلّت في اجتماع بعبدا الأخير، الذي عقده رئيس الجمهورية ميشال عون ‏مع سفراء مجموعة الدعم الدولية للبنان، إذ حتى الآن لم يُعرف السبب الدافع لمثل هذا ‏الاجتماع، وثمة اسئلة مباشرة بهذا المعنى طرحها عدد من سفراء مجموعة الدعم حول ‏الغاية منه، خصوصاً وانّ مجموعة الدعم سبق لها ان اجتمعت في كانون الاول الماضي ‏من اجل حشد المساعدة للبنان، وانتظرت ان يبادر لبنان الى الإيفاء بالتزاماته، لكنها ‏فوجئت بأنّ الحكومة اللبنانية لم تبادر الى ذلك، فعادت المجموعة الى اصدار بيان اواخر ‏كانون الثاني، اي قبل نحو ثلاثة اشهر، اكّدت فيه في ذلك الوقت، إنّ هناك حاجة ملحّة ‏لأن يتبنّى لبنان حزمة إصلاحات اقتصادية مستدامة وشاملة وذات مصداقية. الاّ انّ هذه ‏الدعوة قوبلت ايضاً بتلكؤ من قِبل الدولة اللبنانية. علماً انّ المطالبات الإصلاحية كانت ‏محدّدة بكل وضوح، وهو تعيين الهيئات الناظمة للكهرباء والطيران المدني والاتصالات، ‏ولا يُفهم حتى الآن سبب تلكؤ الدولة اللبنانية عن اتمام هذا الامر.‏

‏- ثالثاً، ذروة تنفيذ الشيء وعكسه، تبدّت اولاً في التشكيلات القضائية، حيث على السطح ‏يطفو كلام على استقلالية السلطة القضائية، وامّا في جوهر المسألة فيعطّلها اصرار ‏مراجع رئاسية على التدخّل السياسي فيها، برغم ارادة مجلس القضاء الاعلى التي ‏وضعها على اساس الجدارة والكفاءة والدرجة. (يُشار هنا إلى أنّ مصادر وزارية كشفت، ‏عشيّة جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم، انّ وزيرة العدل ماري كلود نجم ستُحيل في ‏الساعات المقبلة مشروع التشكيلات القضائية مع ملاحظاتها عليه الى وزيرة الدفاع ‏المعنية به بموجب المادة 13 من قانون القضاء العسكري، على أن يُحال بعدها الى وزير ‏المال ثم الى رئيس الحكومة ومنه الى رئيس الجمهورية). وتبدّت ثانياً في التعيينات ‏المالية، اذ بعدما اسقطها منطق المحاصصة وضرورة اعتماد آلية توظيف على أساس ‏الكفاءة، جاءت التعيينات الاخيرة في مجلس الوزراء مناقضة لهذه الآلية، فضلاً عن انّها ‏شكّلت افتراء على الطائفة الارثوذكسية ومصادرة موقع وظيفي حق لها، وإسناده الى ‏موظف من طائفة اخرى، وهذه المسألة ما زالت في دائرة التفاعل.‏
‏ ‏
واللافت للانتباه، انّ الحكومة تذرّعت بإتمام هذه التعيينات بكونها لا تخضع للآلية، بل ‏تخضع لقوانين خاصة ترعاها. الّا انّ مصادر رقابية اكّدت لـ”الجمهورية”، انّ هذا ‏التبرير غير صحيح ابداً، لأنّ الذي لا يخضع للآلية هو تعيين رئيس مجلس الخدمة ‏المدنية ورئيس التفتيش المركزي، فالذين تمّ تعيينهم هم مفتش عام هندسي ومفتش عام ‏اداري ورئيس ادارة الموظفين، الذين يخضعون حكماً للآلية التي كانت متّبعة، والدليل ‏عندما تمّ تعيين رئيس ادارة المناقصات جان العلية وكذلك تعيين المفتش العام التربوي ‏فاتن جمعة، خضعا للآلية وأجريا المقابلة في مجلس الخدمة المدنية. فهناك ليس فقط خرق ‏فاضح للآلية، بل محاولة إيهام الرأي العام انّهم لم يخرقوا الآلية وانّ القانون لا يسمح ‏لاتباع هذه الآلية، وهذا غير صحيح.‏
‏ ‏
بري: ليتهم فهموا الرسالة
‏ ‏
يُضاف الى ذلك، هو الاعتراض على هذه التعيينات من قِبل وزراء حركة “امل” ‏و”حزب الله” وتيار “المردة”، ويبرز في هذا الامر ما اشار اليه رئيس مجلس النواب ‏نبيه بري في هذا المجال، حيث قال: “إن تصويتنا الاعتراضي على هذه التعيينات ‏الثلاثة، لم يكن اعتراضاً على اشخاص، بل على المنحى الذي تمّ سلوكه. في اي حال يا ‏ليتهم من خلال تصويتنا الاعتراضي قد فهموا الرسالة”.‏
‏ ‏
وذكر بري “انّ آلية التعيينات التي عُمل بها، كانت تستثني مصرف لبنان ورؤساء ‏الهيئات الرقابية، وحينما طُلب من وزير المال اعداد الأسماء المرشحة للتعيينات في ‏مصرف لبنان، تمنيت عليه شخصياً بأن يقدّم 3 اسماء لكل منصب، وهكذا كان. اما في ‏التعيينات الاخيرة، فقد فوجئنا بها ولم نعلم بأمرها الّا قبل 48 ساعة، وكانت محدّدة ‏بمرشح واحد لكل مركز، وطلبنا مهلة بسيطة لكي ندرس هذه التعيينات طالما لا يوجد ‏غير المرشحين الثلاثة للتعيين، فلم يقبلوا، بل ذهبوا الى التصويت. مع انّ هذا التصويت ‏غير مفهوم طالما انّه لا يوجد سوى مرشح واحد لكل مركز؟”.‏
‏ ‏
الخطة يتيمة
‏ ‏
بصرف النظر عن الترنّح الذي أصاب خطة الحكومة، الاّ انّ وضع هذه الخطة من ‏أساسه كشف حقيقة أنّ المواطن اللبناني ومنذ البداية، كان ضحيّة عمليّة تضليل مفضوحة ‏ومتعمّدة من قِبل القيّمين على هذه السلطة، اكّدت بما لا يقبل أدنى شك، أنّ كل ما قيل عن ‏حماية ودائع اللبنانيين، ما هو الاّ كلام تخديري من فوق الطاولة، وأما من تحتها فكان ‏هؤلاء ينصبون منصّة اعدام لمدخرات اللبنانيين.‏
‏ ‏
واذا كانت هذه الخطة، وبعد موجة الاعتراضات التي واجهتها، باتت يتيمة، حتى ‏الحكومة التي أعدّتها، لم تجرؤ على تبنّيها، بل هربت الى الامام واعتبرتها اوليّة تحتاج ‏الى درس طويل ومعمّق، إلاّ أنّها في المقابل اماطت اللثام عن المنحى الخطير الذي يسلكه ‏بعض أهل السلطة في اتجاه ارتكاب الخطيئة الكبرى بحق المودعين، دون أن يقدّرهؤلاء ‏عواقب هذه الجريمة، وأقلّها دفع البلد الى ثورة اجتماعية وفوضى عارمة تتجاوز كل ‏الحدود وما تسمّى محظورات ومحرّمات!‏
‏ ‏
عملياً، أسقطت الاعتراضات “خطة السطو على ودائع اللبنانيين”، لكن الحكومة لم ‏تسحبها من التداول، بل على العكس ما زالت تدرجها كبند اول للنقاش. وبقدر ما انّ ‏السؤال ملحّ حول ما بعد سقوط “مسودة السطو”، فإنّ الاكثر إلحاحاً هو محاولة الوقوف ‏على الدافع من وراء إعدادها، والإصرار على طرحها وتقديمها، بوصفها السبيل الوحيد ‏المتوفر أمام السلطة لإخراج لبنان من ازمته، والضرب بعرض الحائط سيل المطالبات ‏الشعبية والخارجية المتتالية للسلطة، بسلوك المنحى الإنقاذي الطبيعي الذي يبدأ وينتهي ‏عند اتخاذ خطوات علاجيّة إصلاحيّة لمكامن الخلل في جسم الدولة، وكذلك عند المقاربة ‏المسؤولة لمحميَّات الفساد، ومصير الاموال المنهوبة، والمهدورة، والمهرّبة وتحديد ‏الناهبين والهادرين والمهرّبين ومحاسبتهم، وكذلك تحديد رجال الاعمال واصحاب ‏رؤوس الاموال الكبيرة المتمتِّعين بغطاءات سياسية، الذين استفادوا منذ العام 2015 من ‏الهندسات المالية، وحققوا ارقاماً خيالية من الفوائد على حساب الخزينة، وهرّبوا اموالهم ‏الى الخارج، وبالتالي استعادة هذه الأموال التي تقدّر بمليارات الدولارات، ومحاسبة ‏‏”المهندسين”!‏
‏ ‏
لماذا؟
‏ ‏
وبموازاة الرفض الشعبي لخطة “الهيركات”، تقاطعت تحذيرات الخبراء الاقتصاديين من ‏آثارها الكارثية على لبنان، فيما لو وضعت موضع التنفيذ، مع المواقف الاعتراضية عليها ‏سواء من داخل الطاقم السياسي الحاضن للحكومة أو من قِبل المعارضة، التي وضعت ‏بدورها جملة اسئلة برسم الحكومة:‏
‏ ‏
كيف يمكن لسلطة ان تضع خطة تعرف سلفاً انّ المواطن اللبناني سيرفضها؟
وكيف يمكن لسلطة مسؤولة ان تغطي لصوص الخزينة ومرتكبي الموبقات، وتقدّم من ‏خلال خطة “الهيركات” صك براءة لهؤلاء، عبر تدفيع المواطن اللبناني من امواله، ‏فاتورة ارتكاباتهم وسرقاتهم واختلاساتهم لأموال الخزينة على مدى سنوات طويلة؟
وهل انّ هذه السلطة بخطتها هذه تمهّد منذ الآن لتخيير اللبنانيين لاحقاً بين أن يقبلوا بخطة ‏‏”الهيركات”، وبين أن يذهبوا الى وضع كارثي اقتصادي ومالي لا قيامة منه؟
‏ ‏
معترضون
‏ ‏
ويبرز في هذا السياق، الاعتراض الصريح عليها من رئيس “تيار المستقبل” سعد ‏الحريري، الذي اعتبر الخطة بمثابة انتحار اقتصادي، ومن رئيس حزب “القوات ‏اللبنانيّة” سمير جعجع، الذي اعلن رفض “خطة تعكف على تأمين موارد من جيوب ‏الناس وتبقي مزاريب الهدر والفساد مفتوحة، وكذلك من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ‏وليد جنبلاط، الذي اتهم حكومة اللون الواحد بمصادرة اموال الناس لإلغاء اي اعتراض، ‏مبدياً الخشية من محاولة نسف الطائف والسيطرة على مقدرات البلد. ويبرز في موازاة ‏ذلك، موقف “التيار الوطني الحر”، الذي اكّد على لسان رئيسه جبران باسيل، الذي قال” ‏انّ اموال المودعين في المصارف حق لهم وستعود اليهم بشكل او بآخر، وأي كلام آخر ‏هو للمزايدة”، متسائلاً: “هل تعود للناس والدولة الاموال المنهوبة على يد من تحكّم ‏بالمال والاقتصاد منذ العام 1990″؟
‏ ‏
عون: الهيركات مرفوض
‏ ‏
ويبرز ايضاً موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حيث كشفت مصادر قريبة من ‏بعبدا أنّ موقفه من الهيركات معروف، وسبق أن أبلغ من ناقَشه بهذا الأمر بأنه خطوة ‏مستحيلة، لا بل هو أمر مرفوض ولا يمكنه القبول بمثل هذه الإجراءات.‏
‏ ‏
وقالت المصادر انّ عون لا يريد الدخول في الجدال القائم حول هذه المسألة او في ‏الحملات التي تستهدف الحكومة، كما لا يريد ان يدخل في أي سجال قد يكون قائماً على ‏مواقف شعبوية مرفوضة في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.‏
‏ ‏
الهيركات لن يمرّ
‏ ‏
على انّ الموقف الاعتراضي الحاد جاء على لسان رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي ‏ارسل في الاتجاه الحكومي رسالة صريحة مفادها، انّ المجلس النيابي لن يشرّع النصب ‏والسطو على اموال المودعين ومدخراتهم.‏
‏ ‏
وقال بري: “هذه الخطة، ليست خطة وزير المال، ونحن لسنا موافقين عليها على ‏الاطلاق. وفي اي حال، مصادرة ودائع الناس لن تمرّ. نحن كنا من اشد المؤيّدين لتعليق ‏دفع سندات “اليوروبوند”، ونحن الآن من اشدّ المعارضين لـ”الهيركات” والمسّ بودائع ‏الناس، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في ما وصلت اليه الامور”.‏
‏ ‏
ويؤكّد بري رداً على سؤال حول المصارف: “انا لست على الاطلاق مع ضرب القطاع ‏المصرفي، لأنّه لا قيامة لأي اقتصاد ما لم يكن هناك قطاع مصرفي قوي وسليم، ولكن ‏كل من أخطأ، او كان جزءاً من منظومة الفساد والهدر وتهريب الاموال، يجب ان يتحمّل ‏المسؤولية عمّا قام به”.‏
‏ ‏
دياب وخليل
‏ ‏
وعُلم في هذا الاطار انّ موضوع الخطة الحكومية كان مدار بحث على مدى ساعتين ‏ونصف في الساعات الاخيرة في السراي الحكومي، بين رئيس الحكومة حسان دياب ‏والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، الذي نقل الى رئيس ‏الحكومة موقف بري “الرافض بشكل قاطع لخطة الـ هيركات، وهو أمر لا ينفصل عن ‏رفضه القاطع لقَوننة خطة “الكابيتال كونترول”، والمسّ بودائع اللبنانيّين التي يعتبرها ‏برّي من المقدّسات الممنوع المسّ بها”.‏
‏ ‏
الخطة قائمة
‏ ‏
المثير في الأمر انّ الأجوبة الحكومية عادت الى الدوران في الحلقة الاولى، عبر التأكيد ‏غير المُقنع بأنّ ودائع اللبنانيين محميّة، في وقت ما زالت الجهات الحكومية المعنيّة بهذه ‏الخطة تعتبرها مادة مطروحة للنقاش، فيما أكد وزير المال غازي وزنة انّ ما حُكي ‏عن”هيركات” ليس دقيقاً، علماً انّ هذا الامر يتطلّب قانوناً في مجلس النواب.‏
‏ ‏
تعديل الدستور
‏ ‏
وفي هذا السياق، قالت مصادر قانونية لـ”الجمهورية” انه “بصرف النظر عن ‏الاعتراض السياسي على “خطة الـ هيركات”، فإنّ هناك استحالة في قوننتها في مجلس ‏النواب، ذلك انها لا تتطلب قانوناً عادياً، بل تتطلب تعديلاً دستورياً، في البند “و” من ‏مقدمة الدستور التي تنصّ على انّ “النظام الاقتصادي حر يكفل المبادرة الفردية والملكية ‏الخاصة”، وهذا معناه انّ حقوق اللبنانيين بودائعهم مكفولة بالدستور”. وبالتالي، لن ‏يجرؤ اي طرف سياسي ان يظهر في مجلس النواب في موقع الداعم للـ”هيركات”.‏
‏ ‏
وتلفت المصادر الانتباه الى انّ مُعدّي الخطة، يبدو انهم استندوا في مسألة الـ”هيركات” ‏الى المادة 15 من الدستور التي تؤكد على انّ “الملكية في حِمى القانون، فلا يجوز ان ‏ينزع عن احد ملكه الّا لأسباب المنفعة العامة في الاحوال المنصوص عليها في القانون، ‏وبعد تعويضه منه تعويضاً عادلاً”. الّا انّ هذا الاستناد جاء مبتوراً وبطريقة انتقائية من ‏نفس المادة، حيث أجازت “خطة هيركات” فقط “نزع الملكية”، الا انها لم تُشِر من جهة ‏ثانية الى التعويض العادل الذي يفترض ان يتأمّن قبل النزع، للمستهدفين به. بل على ‏العكس طرحت السؤال: كيف نعوّض على المودعين”؟
‏ ‏
ليست نهائية
‏ ‏
في هذا الوقت، قالت مصادر حكومية لـ”الجمهورية” انّ الحكومة ماضية في وضع ‏برنامجها الانقاذي، وما تم تسريبه عن خطة الحكومة ليس صيغة نهائية ولم تلتزم بها ‏الحكومة مسبقاً، بل هي صيغة ما زالت مطروحة للنقاش، علماً انّ ثمة استعجالاً من قبل ‏بعض القوى في إطلاق الحكم النهائي على خطة الحكومة.‏
‏ ‏
وأشارت المصادر الى ما سَمّتها “مبالغات في بعض المواقف، وخصوصاً انّ الحكومة لم ‏تتخذ قراراً نهائياً في شأن ما هو مطروح أمامها. وبالتالي، فإنّ الخطة تتطلب تمحيصاً ‏معمّقاً فيها قبل إطلاق الاحكام النهائية عليها، واذا كان هناك افكار وتعديلات مطلوب ‏إدخالها، فيمكن ان يعالج هذا الامر بالنقاش الهادىء والموضوعي والمُجدي، وليس ‏بالمزايدات السياسية، خصوصاً ممّن كانوا السبب الاساس في الازمة وإيصال الوضع ‏الاقتصادي والمالي في لبنان الى ما هو عليه حالياً”.‏
‏ ‏
شرح عبر السكايب
‏ ‏
وفي سياق متصل، علمت “الجمهورية” انّ عملية شرح لخطة الحكومة عبر ‏‏”السكايب”، جَرت في الساعات الاخيرة، وتولّاها بعض مستشاري رئيس الحكومة، امام ‏اللجنة المصغرة المنبثقة عن لجنة المال والموازنة، والتي تضم رئيس لجنة الشؤون ‏الخارجية في المجلس النائب ياسين جابر ورئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم ‏كنعان. وتبيّن من هذا الشرح انّ التوجّه جدي ليس فقط الى الـ”هيركات”، بل الى إقران ‏ذلك بسلّة ضرائب جديدة. وبرز في الاجابات التي أبديت حيال هذا الشرح، ما يلي:‏
‏ ‏
‏- أولاً، انّ الخطوة الاولى التي بدأت مع تعميم مصرف لبنان حيال اصحاب الحسابات من ‏‏5 ملايين ليرة و3 الاف دولار فما دون، صحيح انها يمكن ان تريح هؤلاء الى حد ما، ‏لكنّ المستهدفين في خطة الحكومة يعدّون بما يزيد عن 100 ألف حساب، ومن بينهم ‏مجموعة ممّن يشكلون الاقتصاد في لبنان، فهم أصحاب رؤوس الاموال التي تنشىء ‏مصانع وشركات في شتى المجالات وتفتح المجال لتوظيفات، فإذا ما تمّ ضَرب هؤلاء، ‏فكأنه ضرب مباشر وقاتل للاقتصاد اللبناني، فضلاً عن انّ غالبية المستهدفين هم من ‏المغتربين، الذين كانوا يشكّلون العصب المالي للاقتصاد اللبناني، وهم المضخّة الدائمة ‏والوحيدة للعملة الصعبة الى لبنان. فإن استهدف هؤلاء، وصودِرت أموالهم، فمن جهة ‏ستقضي على جنى عمرهم وتعبهم، ومن جهة ثانية سينكفئون ولن يلتفتوا الى لبنان على ‏الاطلاق.‏

‏- ثانياً، الثغرة الكبرى في خطة الحكومة انّها تشخص الازمة وتحدّد حجم المبالغ ‏‏”الطايرة”، بما يفوق الـ86 مليار دولار. ففي دولة تحترم نفسها، هناك الكثير ممّن هم ‏شركاء في بَلع هذه الاموال يجب ان يكونوا في السجون.‏

‏- ثالثاً، تلحظ الخطة سلة كبيرة من الضرائب؛ زيادة الضرائب على الارباح من 17 الى ‏‏20 %، زيادة الرسوم على فوائد الودائع التي تزيد عن مليون دولار من 10 الى 20 %، ‏رفع الضرائب على الدخل بالنسبة الى الرواتب المرتفعة من 25 الى 30 %، زيادة ‏الضرائب على أرباح الرساميل من 10 الى 15 %، رفع الـTVA‏ على السلع الفاخرة من ‏‏11 الى 15 %، زيادة سعر صفيحة البنزين الى 25 الف ليرة وتثبيتها على هذا السعر، ‏وضع رسم 1000 ليرة على صفيحة المازوت. تضاف الى ذلك بنود تتعلق بموظفي ‏القطاع العام، وأخرى تركّز على نظام التعويضات والتقديمات للأسلاك العسكرية، وهو ‏أمر يُنذر بمواجهات حامية تنتظر خطة يُفترض انها إنقاذية.‏

إنّ تقييم الخبراء الاقتصاديين لهذه الضرائب هو شديد السلبية، “فغالبية الشركات ‏والمؤسسات الخاصة في لبنان في تراجع رهيب منذ تشرين الاول الماضي، ولقد انحدرت ‏الى مستويات دون الصفر جرّاء فيروس كورنا، اي انّ معظمها قد أفلس وأقفل، والباقي ‏منها “مَخروب بَيتو”، فإذا زيدت الضرائب عليها، فمن أين ستدفع؟ وكيف ستدفع في هذا ‏الوضع المهترىء؟ خلاصة ذلك انّ الضرائب الجديدة ستدفع هذه الشركات الى التوقف ‏والاقفال. كما تلحظ الخطة رفع الضريبة على الفوائدة من 10 % الى20 % فهذا أمر ‏يمكن ان يحقق فائضاً فيما لو كانت معدلات الفائدة مرتفعة كما كانت من قبل (10 % ‏و11 % و12 %)، ولكن أيّ فائض سيتحقق من وضع ضريبة على الفوائد اذا كانت ‏نسبة الفائدة اليوم بحدود 2 %؟”.‏

خامساً، كل ما هو ملحوظ في الخطة لا يطبّق بقرارات من مجلس الوزراء بل يتطلّب ‏قوانين من مجلس النواب، ومن الآن ينبغي التأكيد انّ مرورها في مجلس النواب مستحيل. ‏من هنا، فإنّ كل مندرجات الخطة لا قيمة لها، لأنّ المطلوب قبل هذه الخطة أمران:‏
‏ ‏
الاول، توفر قرار سياسي يؤكد انّ النهج السابق قد تغيّر، وهذا ما لا تعكسه الخطة.‏

الثاني، أن تقدّم الحكومة للناس خطوة إصلاحية واحدة لكي تثق بها، وتصدّق انّ نيّاتها ‏سليمة وتسعى الى الانقاذ الجدي، فعلى الاقل ان تقدّم خطوات اصلاحية، وهو امر لم تقم ‏به الحكومة أصلاً، ما يعني انّ كل كلام عن اصلاح وإنقاذ ما هو سوى كلام بكلام.‏
‏ ‏
المصارف
‏ ‏
في السياق ذاته، قالت مصادر مصرفية لـ”الجمهورية”: إنّ المصارف لن تقبل بأن يُمسّ ‏برأسمالها، مُحذّرة من انّ شطب ودائعها بالشكل الذي تحضّر له الحكومة، معناه انّ لبنان ‏مُقبل على انهيار مصرفي كارثي، وأيّ شطب سيوقف اي إيداعات، إذا كان ذلك من ‏الداخل أو من الخارج. هناك مسؤول وحيد هو الدولة، التي عليها ان تدفع ديونها.‏
‏ ‏
وعلمت “الجمهورية” انّ بعض محامي جمعية المصارف وجّهوا كتاباً الى شركة ‏‏”لازار” التي أعدّت الخطة الحكومية، تعبّر فيها عن اعتراضها على هذه الخطة وتحذّر ‏من مخاطرها على لبنان بشكل عام وعلى القطاع المصرفي بشكل خاص.‏
‏ ‏
أين الودائع؟
‏ ‏
الى ذلك، أكدت مصادر مالية مسؤولة لـ”الجمهورية” انه على الرغم من المطالبات ‏المتتالية لمصرف لبنان لطمأنة اصحاب الودائع، فإنّه لا يستطيع ذلك!‏
‏ ‏
وأوضحت “انّ أصل المشكلة هو انّ المواطنين بادروا الى إيداع اموالهم في المصارف، ‏والمصارف بدورها قامت بإيداع ما نسبته 90 % من هذه الودائع في مصرف لبنان، ‏ومصرف لبنان تصرّفَ بهذه الودائع، وقدّمها كديون طلبتها الدولة لسداد العجز المتنامي ‏في بعض القطاعات وقيمتها نحو 50 مليار دولار”.‏
‏ ‏
أضافت المصادر: “الفجوة الكبرى هي انّ الدولة لم تسدّد ديونها لمصرف لبنان، علماً انّ ‏الخطيئة الكبرى التي ارتكبها مصرف لبنان بحقّ البلد، هي بقبوله “تديين” الدولة وإتباع ‏ذلك بهندسات مالية ثبت فشلها. ثم كيف يمكن لمصرف لبنان او المصارف او غيرها ان ‏تقول إنّ الودائع محمية، طالما أنها غير موجودة؟ واقع الحال انّ الـ50 مليار دولار التي ‏طارت من مصرف لبنان استَدانَتها الدولة، فمن هنا ينبغي ان يتم البحث عن العلاج ‏المطلوب، وأوّل العلاج أن تبدأ الدولة بدفع ديونها الى مصرف لبنان، لكن الدولة بوضعها ‏الراهن عاجزة عن الدفع.‏

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *