إذا كانت حكومة حسان دياب نموذجاً لحكومات التكنوقراط فبئساً للتكنوقراط وبئساً لحكوماتهم… هي شوّهت مفهوم الاختصاصيين وجعلته رديفاً تابعاً للسلطة الحاكمة ومرادفاً للعجز والتردد و”اللف والدوران”، في حلقات مفرغة من اللجان والاستشارات والمسودات والتسريبات والإنجازات الوهمية، التي تضرب على وتر الناس وتحرق أعصابهم من دون تقديم أي خطوة ملموسة لهم لا في هذا الاتجاه ولا ذاك. حتى نسبة الـ90% التي يتباهى رئيس الحكومة حسان دياب بأنها لن تُمس من الودائع فهي ليست أكثر من “لعب خبيث” على الكلام، باعتبار أنّ هذه النسبة تتمحور في حقيقة الأمر حول عدد الحسابات المصرفية ولا تجسّد مالياً أكثر من 10% من قيمة الودائع، ما يضع عملياً نسبة 90% من أموال الودائع في دائرة الخطر وليس العكس. ولأنّ حبل الخبث جرّار، سارعت الحكومة إلى “لحس مبرد” الهيركات الذي كانت تُعدّ العدة كي تستخدمه كأداة جزّ لرؤوس أموال اللبنانيين، بعدما فشل “بالون الاختبار” الذي أطلقته في فضاء السوق الإعلامي وخابت عملية تمريره وتبريره سياسياً وشعبياً، فعادت إلى نغمة “فهمتونا غلط” الممجوجة التي تعزف على أوتارها كلما أرادت سحب يدها من إحدى “الطبخات المحروقة”.
فعلى خطى “الكابيتال كونترول” سار “الهيركات” أيضاً، بحيث ترحّم عليه رئيس المجلس نبيه بري وتبرأ منه رئيس الحكومة على طاولة مجلس الوزراء أمس ووضعه في خانة “الفبركات” السياسية التي تطال حكومته لإفشال جهودها. ونقلت مصادر وزارية لـ”نداء الوطن” أنّ الجزء الأكبر من النقاش تركز خلال جلسة السراي على “الضجة التي أثيرت حول الهيركات في الأيام الأخيرة”، ناقلة عن دياب تشديده على أنّ “الخطة الإصلاحية لن تتضمن أي هيركات وأنّ ما حُكي في هذا المجال، إنما يندرج في إطار الحملة المنظمة ضد الحكومة من قبل المتضررين من ورقتها الإصلاحية”.
ورداً على سؤال، نفت المصادر أن يكون رئيس الحكومة قد “سمّى أي طرف من أطراف هذه الحملة، لكنه أعرب عن نيته التحدث قريباً بالتفصيل حول كل الأمور المتصلة بالخطة الإصلاحية وما أشيع حولها”، مشيرةً إلى أنّ “الإجابات التي جاءت رداً على الاستفسارات المطروحة بهذا الشأن، اقتصرت خلال جلسة مجلس الوزراء على تأكيد عدم المسّ بأموال المودعين، وأنّ ما أثير بهذا الصدد إما مرده إلى كون النقاط المطروحة في الخطة الحكومية فُهمت خطأ أو أنه أتى نتيجة تعمّد تحوير الوقائع لخلق البلبلة”.
وعن موضوع عودة المغتربين التي قررت الحكومة استئناف رحلاتها في 27 الجاري، أوضحت المصادر الوزارية أنّ “هذا القرار اتخذ استناداً إلى تقييم المرحلة الأولى من العودة الآمنة ونتائجها الجيدة، فتمّ منح الوزارات والجهات المعنية بهذا الملف مهلة أسبوعين إضافيين، لترتيب الأمور وتنظيم عملية إطلاق المرحلة الثانية بشكل لا يتعارض مع المعايير الصحية الموضوعة، وفي الوقت عينه تؤمن هذه المهلة فسحة زمنية ريثما تكون وصلت دفعة جديدة من فحوص الـPCR والتي سيصل منها 3000 فحص جديد هذا الأسبوع كمساعدة صينية مقدمة إلى لبنان، على أن تنطلق بدءاً من اليوم حملة فحوصات في كل المحافظات”. وفي ما خصّ اللبنانيين الموجودين في أميركا، كشفت المصادر أنه “تم الاتفاق على إعادتهم عن طريق أوروبا، لكنّ الفكرة تحتاج إلى مزيد من البلورة قبل الشروع في تنفيذها”.
أما في جديد فضيحة “تفخيخ” لوائح المساعدات المالية للمواطنين المنكوبين، فلم تجد الحكومة بشخص رئيسها ووزير الشؤون الاجتماعية أمام افتضاح أمر هذه الفضيحة، سوى الإقرار بها بعدما ضُبطت بالجرم المشهود في قبضة المؤسسة العسكرية، وسط تسجيل محاولات “ترقيع” للموضوع وتمييع حقيقة زج أسماء لغايات تنفيعية حزبية وسياسية على اللائحة الأساس، المعتمدة في وزارة الشؤون للعائلات الأشد فقراً. وأوضحت مصادر مواكبة لمجريات هذه الفضيحة لـ”نداء الوطن” أنّ اللائحة المعتمدة سابقاً في وزارة الشؤون كانت قد أعدت بشكل دقيق ومدروس، وهي تضم 44 ألف عائلة من بينهم 15 ألفاً تم استثناؤهم من قرار المساعدة المالية باعتبارهم من حاملي البطاقات التموينية الغذائية، غير أنّ ما كشفه التدقيق الذي أجراه الجيش في اللوائح المقدمة إليه من الحكومة لتنفيذ قرار مجلس الوزراء، بتوزيع 400 ألف ليرة على المدرجة أسماؤهم في هذه اللوائح، هو أنّ نسبة 50% من مجمل اللوائح هي في حقيقة الأمر تشمل أسماء غير مستحقة وغير مطابقة للمعايير والمواصفات الموضوعة لتلقي المساعدة الاجتماعية، كاشفةً في هذا الإطار أنّ “اللوائح المدسوسة” ضمت أسماء تجار مخدرات وموظفين متقاعدين يتقاضون معاشات تقاعد ومواطنين من غير ذوي الحاجة والدخل المحدود، وهي أسماء أضيفت على اللوائح المقدمة من الوزارات المعنية ولم يتمّ التدقيق بها، فعلى سبيل المثال اكتشفت المؤسسة العسكرية ضمن اللوائح الجديدة التي تم تزويدها بها لائحة تضمّ 13 إسماً من بلدة رميش، من بينهم إمرأة متوفاة من آل بدين وشخص من آل منصور موظف في وظيفتين ويتقاضى راتبين، وآخرين تبيّن أنّ عدداً منهم يعملون في شركة “مدكو” ويتقاضون رواتبهم، حتى أنّ أحد المستفيدين في عداد هذه اللائحة من آل الحاج تبيّن أنه مالك لكميون “قاطرة ومقطورة” ويعمل راهناً في المرفأ.