حتى المساعدات الاجتماعية للعائلات الاشد عوزاً واكثر فقراً، يدخلها السياسيون ومن لف لفهم من نقابات ومؤسسات في زواريب السياسة الضيقة ليسرقوا منها ما امكن، بعدما قضوا على اموال الخزينة العامة، وافرغوا الصناديق، وضيعوا ودائع الناس، وحرموهم التمتع باموالهم وتعليم ابنائهم في الخارج. المشكلة تكمن في ان الاحزاب المشاركة في الحكومات المتعاقبة، اليوم وفي الامس القريب، تعمد الى التشكيك في الوزارات ومؤسسات الدولة وفي الداتا الموجودة لديها، علما انها اذا كانت تحوي اخطاء فانها نتاج تراكم الاخطاء المقصودة والتوظيفات العشوائية والمحسوبيات. والحال ان المواطن اللبناني، الفقير على وجه التحديد، يدفع باستمرار ثمن الاخطاء. واذا كان قرار قيادة الجيش التمهل في اطلاق عملية بدء توزيع المساعدات التي كانت مقررة اليوم، الى تاريخ لاحق، ريثما تتم تنقية اللوائح المختلفة المجمعة من اكثر من مصدر، فان اقحام الجيش في اللعبة التي تتجاوز دوره في التوزيع لانه الاكثر صدقية وتنظيما، تدخله في الحسابات الصغيرة الحزبية والمذهبية، اذ ان كل عملية مماثلة لا ترضي معظم الاطراف. التوزيع سيشمل 180 الف عائلة بمبلغ 400 الف ليرة لكل منها، علما ان “داتا” برنامج الفقر في وزارة الشؤون الاجتماعية لا يضم الا نحو 20 الف اسم، اضيف اليها عدد مماثل بحيث لا يبلغ العدد الخمسين الفا. وقد اضيف الى اللوائح في دوائر مجلس الوزراء اكثر من مئة الف من وزارات ومؤسسات ونقابات لم يتم التدقيق فيها ما خلق مشكلة تحتاج بعض الوقت لتلافي الوقوع في فخاخها.
واذا كان الاعتماد قائما على الجيش في مساعدة الاكثر حاجة، فان المساعدات للجيش اللبناني لا تزال قيد المتابعة والمراقبة، وتسعى اكثر من جهة سياسية في الداخل والخارج، الى “تعطيل” الامداد الاميركي للجيش لاخراجه من الموقع الذي حدده لنفسه، واستقر في دائرته، فيلجأ الى طلب المساعدات والهبات من جهات اخرى تكون قادرة على التحكم بقراره بطريقة مغايرة.
وفي هذا الاطار، يتحدث مصدر وزاري سابق قريب من مصادر اميركية مطلعة لـ”النهار” عن مصالح البعض التي تلتقي مع الاهداف الاسرائيلية التي تعمل في هذا الاتجاه. ويشير الى فريقين لبنانيين الاول يراهن على استمرار الدعم الاميركي للجيش لانه الامل الوحيد لانقاذ البلد، والثاني يدفع بالاتجاه المعاكس. ويؤكد استنادا إلى مسؤولين حاليّين في البيت الأبيض والبنتاغون، ان الولايات المتحدة الاميركية قد تبادر في أي وقت إلى إعادة النظر في المساعدات التي تقدّمها للجيش اللبناني. لكن مثل هذه الخطوة ستكون سلبية على الدور الأميركي في لبنان والمنطقة، إذ ستطلق يد روسيا وإيران في لبنان ما يناقض استراتيجية واشنطن. كما أن أي مسّ بهذه المساعدات يؤثر على دور الجيش اللبناني وعلى الرهان عليه في لحظة ما، وهو رهان يتزايد يوما بعد يوم.
ويضيف: تبعثُ وزارتا الدفاع والخارجية الأميركيتان بتطميناتٍ دوريّة إلى قيادة الجيش اللبناني حول استمرارِ الدعمِ العسكريِّ الأميركي، ويُرافق ذلك ثناءٌ على دورها وعلى تفوّقِ الجيش في استخدام الأنظمة العسكرية الجديدة وتطويرها. فالإدارةُ الأميركيّةُ، على العموم، تعتبر أن الحفاظَ على الجيش هو ضمانُ بقاءِ الكيان اللبناني وخشبة الخلاص في حال استمرّ انهيارُ المنظومة السياسيّة والمؤسّسات الأخرى. ويلتقي موقف وزارتي الدفاع والخارجية مع موقف فريق السفارة الأميركية في لبنان، وإن كان موقفُ السفيرة الجديدة، دوروثي شيا، سيكون أكثر تشدّداً في الفترة المقبلة.
رغم ذلك لا يرتدع الفريق المناهض للسلطة اللبنانيّةَ الحالية في الإدارة الأميركية عن استغلال أي حدث من أجل الضغط على إدارة الرئيس دونالد ترامب لوقف برنامج المساعدات المالية والعسكرية للجيش اللبناني. ويعتقد هذا الفريق أن ترامب سيعيد النظر في عدد من المساعدات التي تقدمها بلاده إلى دول صديقة بعد التكاليف التي تكبدتها الخزينةُ الأميركية في مواجهة وباء كورونا (ألفا مليار دولار أميركي)، ويراهن على أن يكون البرنامجُ العائد إلى الجيش اللبناني أحدَ ضحايا هذا التقشف.
يذكر انه منذ العام 2010 قدّمت واشنطن مساعدات عسكرية للجيش اللبناني بقيمة مليار وثمانمئة مليون دولار. لكن الإدارة تلمس أن الحكم في لبنان يتّبع سياسة لا تساعد البنتاغون في الدفاع عن الجيش اللبناني أمام إدارة ترامب لأن هذه السياسة تكاد تتماثل مع “حزب الله” عوض أن تحدّ من سيطرته.
في المقابل، تتحرك إسرائيل كثيرا في هذه المرحلة لتعديل الموقف الأميركي الإيجابي، حتى الآن، تجاه الجيش اللبناني. وتدّعي إسرائيل أن هذا الجيش لم يقم بأي جهدٍ لمنع وصول العتاد إلى “حزب الله” حتى صار يملك نحو 150000 صاروخ، وأنه تمكّن أخيرا من الحصول على أجهزة تقنية متطورة، لاسيما أجهزة التحكّم بقيادة الصواريخ وتصويب إطلاقها لكي تصيب هدفها. ويذكر تقرير “وان ديفانس” أن عسكريّين أميركيّين زاروا بيروت، قبل تفشي وباء كورونا، وأبلغوا الإدارة أن الجيش ينسق في الجنوب مع “حزب الله” ضد إسرائيل، وأن عناصر الحزب يتحرشون دوريّا بالقوات الدولية.
وفيما يؤكد فريق في الإدارة الأميركية أن التنسيق كان على أشدّه بين الجيش و”حزب الله” في معركة الجرود سنة 2017، وضع مكتب المحاسبة الحكومي في واشنطن (Government Accountability Office) تقريرا في كانون الأول 2019 يذكر فيه حرفيّا أن “لبنان هو البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي طرد داعش من أراضيه من دون مشاركة القوات البرية الأميركية”. كما أن الإدارة الأميركية قدّرت موقف الجيش من الانتفاضة الشعبية التي حصلت في 17 تشرين الأول، وأنه لم يعطِ آذانه لـ “حزب الله” الذي كان يريد منه أن يقمع التظاهرات السلمية.
إذا كان مؤيدو الجيش اللبناني في البنتاغون ما زالوا أقوياء وضغطهم هو الراجح، فان التطورات المالية والانتخابية في أميركا من شأنها أن تضعف موقفه خصوصا أن وتيرة تسليح إيران لـ “حزب الله” مستمرة. ففي النصف الثاني من آذار الماضي وجد صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية الأخرى صعوبةً في إقناع الخزانة الأميركية بمساعدة إيران وسوريا ولبنان لتجتاز الأزمة الصحية، إذ وضعت واشنطن فيتو على طهران ودمشق وشروطا على بيروت.
في السياق نفسه، ومن أجل تخطي شروط البيت الأبيض والخزانة، عمد البنتاغون إلى وضع البند التالي في موازنة سنة 2020: “الهدف من المساعدات للجيش اللبناني هو تعزيز مهنيّته ليتمكن من خفض التهديدات الخارجية والداخلية للقوى غير الشرعية ومنها حزب الله”. واضحٌ أن ما يهم أميركا هو أن يكون الجيش قويّا ضد “حزب الله” لا معه لأن الاستراتيجية الأميركية الحالية تقوم على الاتكال على الجيوش المحلية في المنطقة لحفظ الاستقرار الشرعي لكي تتفرغ هي للصراع مع الصين وروسيا وكوريا الشمالية.
واللافت أن هناك فريقا أميركيّا يريد أن يضع الجيش اللبناني في “بوز المدفع” في وقت وضع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن (CSIS) دراسة تؤكد أن “حزب الله” هو أكبر قوة غير حكومية في العالم وأن الإسرائيليين يعتبرون ان قدراته العسكرية تفوق قدرات بعض الدول الأوروبية.
الكورونا
كورونيا، وفي انتظار زيادة عدد فحوص PCR كما وعد وزير الصحة حمد حسن، لتحديد أرقام أكثر دقة للإصابات في لبنان، سجلت أمس 9 اصابات جديدة بكورونا، من بينها إثنان من المغتربين العائدين ليرتفع عدد الحالات المثبتة الى 641. كما سجلت حالة وفاة جديدة لترتفع الوفيات الى 21.
واذا كان مجلس الوزراء لم ينه بعد تقويم المرحلة الاولى من عودة المغتربين، أفيد أن المرحلة الثانية للعودة قد تنطلق بعد نحو أسبوعين أي في 27 الجاري، إذ ترأس الرئيس حسان دياب في السرايا الحكومية أمس اجتماع اللجنة الوزارية لعودة المغتربين، وأوصى المجتمعون برفع عدد فحوص الـPCR اليومية في لبنان، كما اتخذوا قرار استئناف الرحلات إلى لبنان بعد أسبوعين. وستعمل وزارتا الخارجية والأشغال خلال الأسبوع المقبل على وضع جدول الرحلات المقبلة.