التقرير الصادر عن وحدة الأبحاث التابعة لـ”بنك أوف أميركا” (ميريل لينش) في 25 تشرين الثاني 2019 والذي يؤكد أنّ المصرف المركزي اللبناني يتجه نحو أزمة سيولة في منتصف عام 2020 وأنّ احتياطي المصرف من العملات الصعبة ستنفد بحلول نهاية النصف الأول من هذا العام، لم يكن نبوءة بقدر ما كان تقديراً واقعياً لمسار الأمور في البلد ربطاً بـ”حالة الشلل السياسي وعدم اتخاذ أي إجراء لتدارك الموقف” كما أشار حينها التقرير في إضاءة منه على سياسات التعطيل ومنع الإصلاح التي مارستها السلطة الحاكمة في لبنان. واليوم يعود “بنك أوف أميركا” نفسه ليعرّي نوايا هذه السلطة في اقتطاع أموال المودعين من شريحة “مئة ألف دولار وما فوق” بغية تعويض الخسائر الناتجة عن الفساد والهدر من جيوب هذه الشريحة، لا سيما وأن التقرير يقرأ في خطة الحكومة اللبنانية استمراراً في الدوران بحلقة العجز والهدر في إدارة قطاعات الدولة وبالأخص منها قطاع الكهرباء أقله حتى العام 2024… في وقت استرعى الانتباه خلال الساعات الأخيرة احتدام الكباش بين الطبقتين السياسية والمصرفية مع تسجيل المصارف ما يشبه “الهجمة المرتدة” على الشراكة مع أرباب السلطة ومواجهتهم بحقيقة أنهم “الحرامية” الفعليين الذين أفسدوا ونهبوا وهدروا المال والوقت على حساب مصالح الناس وأموال المودعين.
فعلى قاعدة “القلة بتولّد النقار”، وبعدما استُنزفت الخزينة العامة وجفت مواردها، لم يعد أهل المصارف لديهم ما يخسروه في مواجهة الحملة السياسية التي يقودها أهل الحكم لـ”شيطنتهم” أمام الرأي العام مقابل التنصل من مسؤولية السلطة في ما آلت إليه الأمور اقتصادياً ومالياً واجتماعياً في البلاد. وأوضحت دوائر مواكبة لما وصفته بـ”الكباش الشرس” الدائر بين السلطة والقطاع المصرفي أنّ ما يجري في هذا الإطار هو عبارة عن تقاذف لكرة “المسؤولية” بين الجانبين بحيث طفح كيل المصارف من الحملة السياسية التي تتعرض لها، فكان قرار جمعية المصارف بضرورة التصدي لهذه الحملة بكافة الوسائل ومواجهة الطبقة الحاكمة بمسؤوليتها عن الفساد والهدر ونهب الخزينة العامة وتوسيع رقعة عجز ميزان المدفوعات عبر سلسلة قرارات شعبوية تبدأ من سلسلة الرتب والرواتب ولا تنتهي بتوظيف 31 ألف شخص في القطاع العام بين الأعوام 2014-2018، أما مسؤولية المصارف فكانت مقتصرة على تمويل الدولة وسياساتها لمنع الانهيار، وهي إن تربحت من الهندسات المالية لكنها في أحيان كثيرة أقرضت الدولة بفوائد صفر % رغم ارتفاع نسبة المخاطر في التقييم الخارجي للملاءة اللبنانية، مقابل وعود قطعتها السلطة للمجتمع الدولي ولم تلتزم بها لإعادة تنشيط الاقتصاد سواءً في عملية الإصلاح أو في ما يتعلق بوجوب وقف الهدر واستنزاف المال العام في قطاع الكهرباء.
إلى ذلك، كشفت مصادر معنيّة بهذا الملف لـ”نداء الوطن” أنّ “لبّ الصراع يدور حالياً حول النسبة المئوية التي سيتم الإتفاق عليها بين الحكومة والمصارف من أساس قيمة اليوروبوندز المستحقة للمصارف، بعد إعلان الحكومة تخلفها عن الدفع”، ولفتت إلى أنّ “وديعة المصارف داخل الحكومة والمتمثلة بثلاثة وزراء على أقل تقدير، تدفع باتجاه رفع تلك النسبة فوق حدود الستين في المئة المقترحة من قبل مجموعة لازارد كأساس للتفاوض مع المصارف، وهو تفاوض سيشمل إعادة هيكلة تلك المصارف، لا سيما من فشل منها في تطبيق تعميم حاكم مصرف لبنان المتعلق بضخ نسب مئوية نقداً من رساميلها”، مشيرةً إلى أنّ الموضوع أخذ أبعاداً محتدمة أكثر على وقع تسريب معلومات عن خطة الحكومة تفيد بدفع بعض الجهات السياسية إلى شطب ديون المصارف على الدولة نهائياً، وذلك بالتوازي مع ما كشفته تقارير صادرة عن مؤسسات مالية مرموقة تؤكد أنّ هذه الخطة تشمل اقتطاعاً يفوق الخمسين بالمئة على الودائع التي تتجاوز سقف المئة ألف دولار لسد الفجوة المالية الكبيرة الراهنة في ميزان الحسابات.
وفي الغضون، برزت أمس سابقة قضائية تمثلت بقرار رئيس دائرة تنفيذ صور القاضي محمد مازح “إلقاء الحجز التنفيذي” على موجودات بنك لبنان والمهجر – فرع صور، لإرغامه على تسديد مبلغ 15 ألف دولار للمدعي حسن مغنية تحت طائل عرض أملاك المصرف في المزاد العلني بعد انقضاء مهلة 10 أيام من دون سداد المبلغ بالإضافة إلى تكاليف التبليغ ورسوم التنفيذ، حسبما أوضح المحامي خالد مرعب لـ”نداء الوطن”، مشيراً إلى أنّ المصرف كان قد رفض سابقاً تسديد هذا المبلغ باعتبار أنّ “الشيك المصرفي لم يعد وسيلة إيفاء وابراء”.
وبينما البلد غارق ومستغرق في متاهة أزماته الاقتصادية والمالية والمصرفية والاجتماعية والصحية، اقتحم المعطى الإسرائيلي بقوة المشهد اللبناني أمس عبر جبهتين حدوديتين، فعلى الحدود الجنوبية اضطرت قوات اليونيفل إلى التدخل للفصل بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي والحؤول دون تطور الأمور إلى اشتباك مباشر بين الجانبين إثر استنفار عسكري متبادل على خلفية دخول دورية لقوات الاحتلال برفقة آلية مجنزرة إلى الأراضي المتحفظ عليها جنوبي بلدة العديسة. أما على الحدود مع سوريا، فعادت “حرب المسيّرات” الإسرائيلية لتضرب مجدداً في مواجهة “حزب الله” مستهدفةً جيب شيروكي كانت على متنه عناصر للحزب عند “جديدة يابوس” من دون أن يسفر الهجوم عن إصابة أي منهم نتيجة فرارهم من السيارة قبل نجاح المسيّرة الإسرائيلية في استهدافها مباشرةً.
وإذ لوحظ تكتم “حزب الله” إزاء الشخصية التي كانت مستهدفة بالهجوم وسعت أوساطه إلى التقليل من أهميته، مقابل التزام إسرائيل عدم التعليق الرسمي على الموضوع، توقف محللون عسكريون عند تصاعد وتيرة الطلعات الجوية الإسرائيلية فوق الأجواء اللبنانية وصولاً إلى العاصمة بيروت وعلى مستويات منخفضة خلال الفترة الأخيرة، مع ما يختزنه ذلك من أبعاد استخباراتية لتعزيز داتا المعلومات المتصلة بـ”بنك الأهداف” الإٍسرائيلية في لبنان سواءً عبر التصوير الجوي أو من خلال زرع أجهزة مراقبة متقدمة عند الحدود الجنوبية كما حصل أمس في العديسة.
المحللون العسكريون الذي رأوا في هجوم “جديدة يابوس” نوازع إسرائيلية تصعيدية لإعادة كسر قواعد اللعبة التي أرستها أخيراً “حرب المسيّرات” بين إسرائيل والحزب، أعربوا في الوقت عينه عن توجسهم من دواعي تسريع إسرائيل وتيرة حربها الاستخبارية والأمنية مع “حزب الله” في الآونة الأخيرة، سيما وأنّ هذا الأمر قد يُستشف منه أنّ إسرائيل لديها “أجندة ما” تعمل على تنفيذ روزنامتها بمعزل عن كل الظروف الطارئة المفروضة في زمن “كورونا”، خصوصاً وأنّ بعض التقارير كانت قد تحدثت عن مخاوف من “ربيع ساخن” في المنطقة يشمل سيناريوات مواجهة عسكرية تتحضر لها إسرائيل على الجبهتين اللبنانية والسورية.