قبيل الجلسة التشريعية التي تقرّر عقدها في قصر الأونيسكو لتوفير إجراءات التباعد التي تمليها الضرورات الوقائية بسبب فيروس كورونا، والتي ستحفل بمنازلة سياسية بين نواب المعارضة من جهة والحكومة والكتل النيابية الموالية لها من جهة ثانية على خلفية الكثير من الملفات الضرورية ماليًا وصحيًا ومعيشياً واقتصادياً، فإن الخلاف على اقتراح قانون العفو العام المقدم يأخذ بعدًا يتجاوز المواقف السياسية ليصل الى البعد الطائفي بعد إعلان غالبية الكتل المسيحية رفضها له بالصيغة التي قُدم فيها.
حجة المطالبين بالعفو تنطلق من جانب إنساني وصحي للذين ينفّذون عقوبات في السجن قد تصل لدى البعض الى 20 سنة، كما للبعض الذي لا يزال دون محاكمة، بالإضافة الى مئات المدانين بقضايا مخدرات بين موقوفين ومحكومين غيابياً، وذلك من أجل تخفيف الاكتظاظ الهائل في السجون اللبنانية التي لم تعد تتسع لمزيد من السجناء، وتداركاً للخطر الصحي المتمثل بفيروس كورونا والكارثة التي يمكن ان يسببها في حال انتشاره فيها.
في المقابل فإن الأسباب المعلنة للقوى الرافضة لمبدأ العفو العام تندرج في اطار عدم الرغبة بالعفو عن الذين قاموا بأعمال إرهابية والمتورطين بقتل جنود لبنانيين، كتلك التي حصلت في أكثر من منطقة في لبنان خلال المواجهات بين الجيش اللبناني والارهابيين، بالاضافة الى رفضهم العفو عن المحكومين بجرائم الاتجار بالمخدرات وترويجها وما تشكله هذه الآفة من خطر على جيل الشباب الذي يقع ضحيته بعد أن ينساق اليها.
الا ان مصادر سياسية متابعة للملف ذكرت أن السبب الأساس لرفض البعض لمشروع العفو العام يبقى هو عدم شموله الفارين إلى الاراضي المحتلة بعد 25 أيار 2000، وهذا هو لبّ المشكلة.
وأفادت المصادر عينها عبر “الأنباء” أن ما تجدر الإشارة اليه أن رئيس الجمهورية ميشال عون منذ توقيعه على ورقة التفاهم مع حزب الله في السادس من شباط 2006 بصفته رئيساً للتيار الوطني الحر وعَد بالعمل على إصدار عفو خاص عن هؤلاء، كما وعد بكشف مصير المعتقلين في السجون السورية، لكن هذه الوعود لا زالت حتى الآن حبرا على ورق.
مصادر تكتل “لبنان القوي” أبلغت “الأنباء” رفضها السير بمشروع عفو عام قد يطال آلاف المساجين بذريعة التخفيف من الاكتظاظ ومن تفشي كورونا في السجون، بل إن التكتل مع “عفو مدروس وضيق النطاق، ولا يجب ان يستفيد منه سوى المحكومين الذين أنهوا غالبية محكوميتهم”، والتكتل “ضد أي عفو يطال الذين ثبت ارتكابهم جرائم ضد الجيش وقتل أبرياء”.
مصادر “لبنان القوي” رأت أنه إمّا أن يحال هذا المشروع الى اللجان لإعادة دراسته واتخاذ القرار اللازم بشأنه، أو أن يصدر بنطاق ضيّق وواضح الأسباب، وإلا فان نواب التكتل يصوتون ضده.
من جهتها، رفضت مصادر حزب “الكتائب اللبنانية” عبر “الأنباء” بشكل قاطع مشروع العفو، وكشفت أن نواب الكتائب هم ضد مشروع القانون، مستغربة إدراجه في جدول اعمال الجلسة في وقت يجب ان يبحث فيه مجلس النواب والحكومة عن حل للأزمة الاقتصادية وانعكاساتها السلبية على حياة المواطنين المعيشية في ظل الارتفاع الجنوني في سعر الدولار وغياب الخطة الانقاذية من قبل الحكومة.
عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب وهبة قاطيشا أعرب في حديث مع “الأنباء” عن اعتقاده بأن العفو لن يمر في الجلسة التشريعية، لأن هناك مشروعين مقدمين، واحد من كتلة “المستقبل” وآخر من “التنمية والتحرير”، فإذا تعذّر جمعهما في مشروع واحد لتتم مناقشته يجب أن يتحوّلا إلى لجنة الإدارة والعدل أو إلى اللجان المشتركة لدراسته من جديد، نافياً في مقابل ذلك وجود علاقة بين هذا المشروع وبين الفارين إلى الأراضي المحتلة لأن هذا الموضوع غير مطروح.
واعتبر قاطيشا أن الأولوية الآن هي لمعالجة الأزمة الاقتصادية وإطعام اللبنانيين لأن الناس لا تستطيع أن تنتظر استعادة الأموال المهرّبة حتى تأكل، متسائلا: “أين خطة الانقاذ التي وعدت بها الحكومة؟”.
وعلى ضفة الداعمين، شددت مصادر كتلة “التنمية والتحرير” عبر “الأنباء” على أن مشروع العفو لا يشمل الذين اعتدوا على أمن الدولة والذين قاموا بأعمال إرهابية. ورأت ان مشروع العفو العام “واضح والهدف منه تخفيف الاكتظاظ في السجون وإطلاق الذين شارفت محكومياتهم على الانتهاء”، معتبرة ان المشروع المقترح “لا توجد خلفية سياسية له في حال اقراره، لأننا لسنا على ابواب انتخابات نيابية كما يزعم البعض”، وسألت: “أين الكسب السياسي من العفو العام؟ فهذا الأمر محض انساني ومن غير المقبول التعاطي معه بغير هذه الخلفية”.
من جهتها مصادر “حزب الله” أكدت عبر “الأنباء” أن الحزب مع أي عفو يراعي الجوانب الانسانية للذين أمضوا القسم الأكبر من محكوميتهم، في ظل الحديث عن عدم القدرة الاستيعابية للسجون والخوف من تفشي كورونا فيها. ورأت ان مشروع العفو يُعمل به في كافة دول العالم وليس الأمر مقتصرا على لبنان وحده، وعلى الهيئة العامة في مجلس النواب تحديد مصيره.
وفي موازاة ذلك في الشأن الصحي، أفادت مصادر صحية “الأنباء” ان خلية الأزمة المكلفة متابعة موضوع كورونا عقدت اجتماعين متتاليين في السراي الحكومي بهذا الخصوص، حيث تمت مناقشة الاجراءات التي ساعدت على احتواء الوباء بعد الانخفاض اللافت في عدد الاصابات وفحوص الpcr التي تقوم بها وزارة الصحة في المناطق اللبنانية التي رفعت نسبة هذه الفحوص الى 1500 فحص في اليوم الواحد، على ان تصل الى 2000 فحص ابتداء من الأسبوع المقبل.
وقالت المصادر ان المجتمعين درسوا احتمالات التخفيف من خطة التعبئة العامة لكن الأمر لن يتم الا بعد عودة الدفعة الثانية من المغتربين والطلاب الى لبنان، والتي ستنطلق في 27 الجاري على أن تشمل أكبر عدد من الراغبين بالعودة.