كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول” “من نكد الدهر” أن يأتي يوم يكون فيه أرباب الفساد والتعطيل والتنكيل بمؤسسات الدولة ونهب ماليتها منذ أواخر الثمانينات، هم أنفسهم اليوم دعاة الإصلاح وأدعيائه. أقله إخجلوا من أنفسكم إن لم يكن من الناس، فجلّكم أصبح مليارديراً أو مليونيراً بأقل تقدير بعدما كان إما موظفاً في سلك عسكري أو أمني أو ميليشياوي أو حتى تسلق سلّم الاستزلام والوشاية ليهبط بمظلة الوصاية على كرسي من كراسي السلطة، واليوم بعدما غنم منكم ما غنم من غنائم الخزينة العامة، دبّت نخوة الإصلاح في عروقكم واستغبيتم الناس بعقولهم بأن نقلتم “البارودة” من كتف إلى كتف وحاولتم حرف سهام الثورة عن صدوركم باتجاه “كبش محرقة” اخترتموه من بين صفوفكم المتقدمة لتقديمه أضحية على مذبح أزمتكم. رياض سلامة “حاكم” بأمر “حكام”، جزء لا يتجزأ من منظومتكم، أنتم سرقتم وهو هندسَ التمويه عن سرقاتكم. باختصار هو واحد منكم واسمه يختصر كل أسمائكم… “كلكن يعني كلكن” رياض سلامة، فاسقطوا معه أو أسكتوا عنه.
فبعدما استقرّ الحكم لـ”أباطرة” الثامن من آذار وانهار البلد تحت قبضتهم، تدهورت الليرة وطار الدولار إلى مستويات صاروخية على مدى الأشهر الأخيرة حتى لامس بالأمس الأربعة آلاف ليرة، وحكومة حسان دياب لا تزال تدور في دوائرها المفرغة من اللجان والمستشارين والخبراء لتدارس المسوّدات والخيارات بينما الشارع يتآكله الجوع والبطالة. واليوم سيكون رئيسها على موعد جديد مع مجموعة من الاختصاصيين الماليين والاقتصاديين للوقوف على ملاحظاتهم بشأن خطة الحكومة المرتقبة، في حين ستتجه الأنظار إلى قصر بعبدا لتلمّس مضامين ما سيعلنه دياب من “إجراءات متشددة” وعد اللبنانيين بالكشف عنها بعد جلسة مجلس الوزراء للتخفيف مما يكابدونه مالياً ومصرفياً تحت وطأة مسلسل التعاميم الصادرة عن حاكم المصرف المركزي. لكن عشية انعقاد الحكومة لوحظ ضخ إعلامي ممنهج وضع رأس سلامة على مقصلة “التطيير” من الحاكمية بالتزامن مع تحريك “حزب الله” شارعه باتجاه المصرف المركزي لتجييش الأرض وتأجيج هذا المطلب شعبياً، خصوصاً وأنّ العديد من المواطنين الواقعين تحت خط نار الفقر اندفعوا في عدد من المناطق إلى قطع الطرقات أمس احتجاجاً على تردي الأوضاع المالية والمعيشية وتقهقر القدرة الشرائية في البلاد.
وإذ تسارعت الاتصالات على أكثر من مستوى رئاسي وسياسي بهدف مقاطعة المعلومات الذاتية والبينية حيال المدى المقدّر للهجوم على حاكم المصرف المركزي والمآلات التي سيبلغها، خلصت المعطيات المتوافرة بهذا الصدد إلى نفي أي توجه لاتخاذ أي موقف أو قرار يمس بموقع سلامة في مجلس الوزراء، وسط تأكيدات أنّ كل ما يحصل هو مجرد “حملة ضغوط واستدراج عروض”. وأوضحت مصادر مواكبة لهذا الملف لـ”نداء الوطن” أنّ “لحزب الله حساباً قديماً مع حاكم مصرف لبنان ومع القطاع المصرفي عموماً على خلفية العقوبات الأميركية المفروضة على الحزب، وعلى ما يبدو فإنه وجد الفرصة سانحة أمامه اليوم لتصفية هذا الحساب بشكل يمكنه من “تقريشه” في السياسة من خلال تجيير الضغط الذي يمارسه لمصلحة تعزيز أرضية حكمه وتمتين سطوتها على مختلف مفاصل الدولة، في وقت يتولى كل من رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء عملية استدراج العروض لمساعدة السلطة على استنهاض نفسها داخلياً وخارجياً بدءاً من التفاوض مع سلامة نفسه على سلسلة إجراءات تؤمن المعونة المصرفية للحكومة، وصولاً إلى الطموح بمفاوضة الأميركيين مباشرةً إذا ما دخلوا على خط الاتصالات في سبيل عرض مقايضات معينة عليهم على شاكلة حماية “رأس سلامة” مقابل تأمين المعونة الدولية للحكومة”. وأضافت: “معلوم أنّ “حزب الله” هو رأس الحربة في المعركة ضد سلامة لكن قرار الإطاحة به لم يتخذ بعد وإن كان سيبقى مطروحاً على طاولة الأخذ والرد بانتظار ما ستنتهي إليه حملة الضغوط، فإذا فقدت السلطة الأمل بتحقيق شروطها عندها قد يصار إلى الدفع باتجاه إزاحته، إما عبر تعديل قانون النقد والتسليف لتعبيد الطريق أمام إقالته أو عبر تحضير ادعاءات وشكاوى قضائية ضده للضغط عليه ودفعه إلى “الاستقالة الاختيارية” المنصوص عنها في نص القانون الحالي”.
وفي سياق مؤكد لعدم وجود قرار حاسم حتى الساعة في أجندة الرئاستين الأولى والثالثة للإطاحة بسلامة، حرص كل من المصادر القريبة من قصر بعبدا ومن السراي الحكومي على الإشادة بأجواء اجتماعات حاكم المصرف المركزي مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب خلال الساعات الأخيرة، وقالت مصادر بعبدا لـ”نداء الوطن”: “موضوع إقالة رياض سلامة غير مطروح، من جهة لأنّ المادة 19 من قانون النقد والتسليف تحول دون إمكانية الإقالة، ومن جهة أخرى لأنّ الرئيس عون ليس في هذا الوارد حالياً سيّما وأنّ اجتماعه الأخير به كان جيداً”، معتبرةً في المقابل أنّ “هناك في البلد من يريد تفجير الوضع لكن مخططاته لن تنجح”.
بدورها، وصفت مصادر وزارية لـ”نداء الوطن” ما يجري في الشارع بـ”الأمر الخطير”، وشددت في الوقت عينه على “عدم وجود اتجاه لتطيير رياض سلامة لأنّ ذلك من شأنه أن يعقّد الأمور أكثر ويرفع منسوب الخطورة”، كاشفةً أنّ اللقاء الذي جمع دياب بسلامة ليل الأريعاء “لم يكن سلبيا”. وعن فحوى الكلمة التي سيلقيها رئيس الحكومة إثر جلسة مجلس الوزراء اليوم، اكتفت المصادر بالقول: “سيتحدث عن الأوضاع في البلد لكنه لن يتطرق إلى الورقة الإصلاحية المالية باعتبار أنّ الكلام لا يزال مؤجلاً بشأنها إلى وقت لاحق بعد بلورة صورة المناقشات الأخيرة حيالها”.