في الشكل، نجح الرئيس سعد الحريري في تجريد رئيس الجمهورية ميشال عون من لقب “بيّ الكل” وإعادة موضعته في خندق الخصم لا الحكم في إدارة شؤون البلاد، أما في الجوهر فنجح رئيس مجلس النواب نبيه بري، ونجاحه كان باهراً، في الوقوف خلف الكواليس حاملاً عصاة المايسترو إلى جانب “المستقبل” و”الاشتراكي” و”المردة” ليقود “حلفاً رباعياً” في مواجهة محاولة سلب مطرقة “لقاء الأربعاء النيابي” من عين التينة وتجييرها “بالمونة” الرئاسية إلى قصر بعبدا. فرئيس المجلس الذي كان قد “ابتلع موس” الدعوة الموجهة إليه من رئيس الجمهورية ميشال عون للمشاركة بعد غد في لقاء بعبدا النيابي، قرر أن يستجيب شخصياً للدعوة بحيث سيحلّ ضيفاً الأربعاء على قصر بعبدا بصفته رئيساً للمجلس النيابي ورئيساً لكتلة “التنمية والتحرير”، غير أن طيفه كان حاضراً بقوة في عملية “بنشرة” هذا اللقاء، سواءً من خلال قرار مقاطعته من جانب ثاني أكبر كتلة على المستوى النيابي وأكبر كتلة سنّية على المستوى الميثاقي، أو عبر خفض كل من “الحزب التقدمي الاشتراكي” و”تيار المردة” مستوى تمثيل كتلتيهما في هذا اللقاء.
وبحسب مصادر مواكبة لخريطة المواقف النيابية إزاء دعوة عون رؤساء الكتل والأحزاب إلى عقد لقاء الأربعاء في بعبدا لشرح الخطة الإصلاحية للحكومة، فإنّ المشهد استقر، إلى جانب مقاطعة “المستقبل”، على غياب رئيس “الاشتراكي” وليد جنبلاط ورئيس “المردة” سليمان فرنجية وإيفاد كل منهما من يمثله في اللقاء، فضلاً عن ترجيح أن يتمثل حزب “القوات اللبنانية” بوفد يرأسه نائب رئيس الحزب النائب جورج عدوان، في حين سيقاطع الرئيس نجيب ميقاتي اللقاء على أن يمثل كتلته أحد نوابها. وبناءً عليه، رأت المصادر أنّ “اللقاء تحت وطأة هذه المواقف بات عملياً فاقداً لرونقه ولم تعد تنطبق عليه صيغة اللقاء الوطني الجامع كما أراده عون”، مشيرةً في الوقت عينه ربطاً بقرار كتلة “المستقبل” إلى أن الكتلة أخطأت في استدراج الرئاسة الأولى إلى “صراع على الصلاحيات” وكان من الأجدى أن تكتفي بما ضمنته بيانها من تصويب على وجوب أن يتحمل “العهد وحكومته” مسؤولية إقرار الخطة وتنفيذها أمام الداخل والخارج بدل أن تفتح باباً للسجال مع رئاسة الجمهورية حول صلاحياتها بشكل قد يعطي موضوع المقاطعة طابع “كباش مسيحي – سني” بهذا الخصوص من شأنه أن يحرف الاختلاف في وجهات النظر عن جوهره المعارض لأداء الرئاستين الأولى والثالثة في مقاربة الخطة الإصلاحية ويأخذ بالتالي الأمور باتجاه استدرار العطف والتجييش المسيحي خلف رئاسة الجمهورية باعتبارها تدافع عن صلاحيات موقع الرئاسة الأولى. وهذا ما حصل بالفعل من خلال ما بدا من ارتكاز صياغة البيان الصادر عن القصر الجمهوري على نقطة “الصلاحيات” رداً على موقف كتلة “المستقبل”، التي سرعان ما استدركت الهفوة التي ارتكبتها ربما من خلال إصدار بيان آخر تنصلت فيه من تهمة “الالتفاف على الصلاحيات الدستورية للرئاسة الأولى”، وأعادت تصويب موقفها نحو التشديد على عدم جدوى اللقاء التشاوري في بعبدا لمناقشة خطة حكومية بعد إقرارها في مجلس الوزراء باعتبار أنّ “من لديه النية الصادقة بالأخذ بالآراء يشاور قبل إقرار الخطة وليس بعد إقرارها”.
وفي الغضون، تحديات كثيرة ستتصدّر جدول أعمال مجلس الوزراء خلال الأيام المقبلة، وأبرزها ملف “تأميم قطاع الاتصالات” ووضع إدارته في قبضة الدولة. إذ ومنذ انتهاء العقد المبرم مع شركتي الخلوي في 31كانون الأول 2019كثر التحليل والتأويل حول مسألة التجديد للشركتين المشغلتين أو استعادة الدولة للقطاع وتشغيله وتحضير دفتر شروط جديد بشروط جديدة، إلى أن حسمت الحكومة اتجاهها باسترداد إدارة الخلوي بقوة دفع ملحوظة من جانب “حزب الله”.
وعن المجريات التطبيقية للاسترداد، توضح مصادر معنية لـ”نداء الوطن” أنّ مجلس الوزراء سيكون أمام خيارين عند تدارسه الملف على طاولة مجلس الوزراء “فإما تقرر الدولة الاسترداد الفوري للقطاع من الشركتين المشغلتين أو يصار إلى الطلب من الشركتين الحاليتين “ألفا” و”تاتش” الاستمرار في تسيير المرفق لمدة ستة أشهر إلى حين تحضير دفتر شروط جديد وإجراء مناقصة عالمية لتنفيذ عملية الاسترداد”، لافتةً الانتباه إلى أنه “في حال اعتماد مجلس الوزراء الخيار الأول فسيعمد حكماً إلى تعيين مديرين لإدارة القطاع الخلوي ريثما يتم تحضير دفتر شروط وإجراء مناقصة عالمية”، وفي هذا الإطار كشفت المصادر عن عدة أسماء مقترحة لتولي هذه المسؤولية ومن بينها الأوفر حظاً: حسن الدهيني (محسوب على “حزب الله”) شربل قرداحي (محسوب على التيار الوطني الحر) ورولا أبو ضهر”.
إلى ذلك يبرز ملف ضاغط آخر أمام الحكومة هو ملف محافظ بيروت القاضي زياد شبيب الذي وبعد أن نشرت “نداء الوطن” نهاية الأسبوع الفائت معطيات تفنّد بالأرقام والوقائع الشبهات التي تحوم حول أدائه، في ظل اتجاه لدى “التيار الوطني الحر” بالتمديد له، كشفت مصادر مواكبة لهذا الملف لـ”نداء الوطن” أنّ المعنيين في “التيار الوطني” أبلغوا من يعنيهم الأمر خلال الساعات الأخيرة بأنهم لم يعودوا معنيين بالتمديد لشبيب بعد انتهاء مدة ولايته في 19 الجاري، غير أنّ الموضوع سرعان ما اتخذ طابعاً مذهبياً من خلال لجوء شبيب إلى مطرانية بيروت للأرثوذكس طلباً للتدخل على اعتبار أنّ الطائفة تتعرض للتهميش في هذا الموقع. وعلى الأثر، استوضحت المطرانية الموضوع من وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي فزوّدها بملف شامل حول الارتكابات التي تحوم حول محافظ بيروت.
وإذ علُم أن من بين الأسماء المطروحة لخلافة شبيب في محافظة بيروت يبرز إسم كل من بترا خوري والقاضي زياد مكنا، بادر المطران الياس عودة إنطلاقاً من رفضه لسياسة إسقاط الأسماء الأرثوذكسية على المواقع الرسمية من دون التشاور مع الفاعليات في الطائفة، إلى دعوة النواب الأرثوذكس الحاليين والسابقين إلى اجتماع يُعقد عصر اليوم في دار المطرانية لدرس الموضوع والخروج بموقف موحد إزاءه.