الأجدى برئيس الحكومة حسان دياب أن يعتكف عن عقد جلسات لمجلس الوزراء في السراي الكبير وألا يُكلّف نفسه عناء ترؤس الجلسات، طالما أن قرارات السراي تمحوها قرارات بعبدا، والأجدى أيضاً أن يوفرّ طاقة إنجازاته وعدم استنفادها في “مشاوير” بعيدة لا طائل منها، تارةً إلى الحدود الجنوبية للتأكيد على أهمية بقاء “اليونيفيل” وتارةً إلى الحدود الشرقية للتوكيد على وجوب إقفال المعابر الشرعية، طالما أنّ الممسك بعصا القرار في الحكومة ومايسترو توليفتها “حزب الله” حسم الموقف إزاء الملفين الحدوديين، “فإذا بدها اليونيفيل تفلّ ألله معها” و”المعابر مش ممكن ضبطها” من دون التطبيع اللبناني الرسمي مع النظام السوري. عذراً دولة الرئيس، لا أنت مالك قرار حكومتك ولا حتى “بتمون” على رعاتها الذين لا ينفكون يكسرون كلمتك “على الطالعة والنازلة”، من إجبارك على التراجع عن تسمية بترا خوري لموقع محافظ بيروت، مروراً بإخضاعك لشعار رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل “سلعاتا حتماً” على قائمة معامل الكهرباء، وصولاً إلى فرملة اندفاعتك لتسمية رئيسة مجلس الخدمة المدنية… ولعل القول المأثور: “شو بتعمل الماشطة مع الوجّ العكش”، كان الأكثر تعبيراً في معرض توصيف مصادر معارضة لمشهدية الأمس بين “تصفيف الشعر نهاراً في الجرود، وإهدار ماء الوجه مساءً في بعبدا”.
وفي الوقائع، حسبما نقلها لـ”نداء الوطن” مصدر مواكب عن كثب للاتصالات التي جرت قبيل انعقاد جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا أمس، أنّ “حزب الله” وضع ثقله في عملية إيجاد مخرج لإشكالية “معمل سلعاتا”، من جهة لأنه لا يريد توتير العلاقة مع رئيس الجمهورية ميشال عون باعتباره هو من طلب إعادة النظر بالقرار المتخذ في مجلس الوزراء بخصوص استبعاد أولوية سلعاتا، ومن ناحية ثانية لأنه يسعى إلى تطويق الخلاف مع رئيس “التيار الوطني الحر” والحؤول دون تفاقمه، بعد تصويت “الحزب” ضد رغبة باسيل في هذا الملف وما أعقب ذلك من تشنج بين الجانبين. وعلى هذا الأساس تدخّل “الحزب” ودخّل الوساطات على أكثر من جبهة للوصول إلى الصيغة التي تمّ التوصل إليها، والتي قضت بأن يطلب رئيس الجمهورية إعادة النظر بقرار سلعاتا خلال جلسة مجلس الوزراء، فيجيب رئيس الحكومة بتأكيد التمسك بخطة الكهرباء الواردة في البيان الوزاري وبقرارات مجلس الوزراء ذات الصلة، التي تتحدث عن إنشاء 3 معامل للكهرباء ومن بينها معمل سلعاتا، كما طرح أخيراً وزير الطاقة ريمون غجر بشكل لا يستثني معملاً دون آخر، ولا يضطر مجلس الوزراء إلى إعادة التصويت على هذا البند مجدداً والإمعان أكثر في كسر رئيس الحكومة.
وإذ يلفت المصدر الانتباه إلى أنّ “مسألة تحديد الأولويات باتت متروكة للشركات التي ستتقدم لإنشاء المعامل، بحيث تحدد هي من أين تبدأ في التنفيذ وما إذا كانت الإنشاءات ستسير بالتوازي في أكثر من معمل”، أبدت مصادر معنية بهذا الملف لـ”نداء الوطن” توجسها من أنّ ذلك “سيفتح الباب واسعاً أمام إمكانية ممارسة باسيل، عبر وزير الطاقة، ضغوطاً ترغيبية وترهيبية على الشركات لوضع سلعاتا على لائحة المرحلة الأولى لعملية تنفيذ خطة الكهرباء”، مشددة في هذا الإطار على أنّ “مناعة الشركات أمام التدخلات السياسية ستكون ضعيفة، خصوصاً بعدما أحكم باسيل قبضته على هذا الملف في الحكومة وأثبت أنه قادر على فرض شروطه على الجميع”.
وإلى ملف سلعاتا، كذلك “كهربت” التعيينات الإدارية أجواء جلسة بعبدا، حيث شهد النقاش حولها توتراً ملحوظاً بين رئيس الحكومة وعدد من الوزراء، إذ وبينما كان مدرجاً على طاولة مجلس الوزراء تعيين 4 أسماء جديدة تشمل محافظ بيروت ورئيس مجلس الخدمة المدنية ومديرين عامين في وزارتي الاقتصاد والطاقة، شكل تعميم هذه الأسماء عبر وسائل الإعلام عقبة أساسية أمام “تهريب” سلة التعيينات الرباعية، بعدما تكشّف حجم “المحاصصة الفاقعة” في عملية اختيار الأشخاص المنوي تعيينهم في مراكز إدارية، بمعزل عن أي معيار أو آلية سوى معيار الولاء وآلية التبعية لهذا الحزب أو ذالك الفريق، بحيث بات محسوماً أنّ “حزب الله” هو من سيسمي المدير العام للاستثمار في وزارة الطاقة، ورئيس مجلس النواب نبيه بري مدير عام الاقتصاد، في حين أنّ ما زاد الطين بلة هو أنّ الإسم الذي طرحه رئيس الحكومة (القاضية رندة يقظان) لتولي موقع رئاسة مجلس الخدمة المدنية، كتعويض له عن رفض تعيين (بترا خوري) مرشحته لمنصب محافظ بيروت، جوبه بالرفض أيضاً أمس في ظل ما برز من معطيات تفيد أنّ في سجلها ملفاً قضائياً متعلقاً بقضية تاجر مخدرات وجرى خفض رتبتها درجتين على خلفية هذا الملف، لكن وأمام تمسك دياب بتعيينها وإصراره على إقرار التعيينات المقترحة الأربعة وإلا إرجاء البت بهذا البند برمته إلى وقت لاحق، تقرر التأجيل تفادياً لاندلاع مشكل حكومي جديد.
من ناحيتها، برّرت مصادر وزارية ما حصل في ملف التعيينات بأنه “يتعلق بالآلية المعتمدة”، موضحةً لـ”نداء الوطن” أنّ “قانون الآلية الذي أقره مجلس النواب (أمس الأول) لم يصبح نافذاً بعد، بينما هناك آلية كانت قد أقرتها إحدى اللجان الوزارية المعنية لم تُحترم”، مؤكدةً أنّ مجلس الوزراء سيعيد طرح الموضوع الأسبوع المقبل “من باب إعادة دراسة الآلية المطلوب اعتمادها قبل طرح بند التعيينات مجدداً على الطاولة”.
وفي هذا الإطار، توقعت مصادر نيابية أن تستمر محاولات الالتفاف الحكومي على الآلية التي أقرها مجلس النواب، للتملّص من قيودها في عملية حرمان الوزير من حق المشاركة في تسمية المرشحين لملء المواقع الإدارية، ونقلت في هذا الإطار لـ”نداء الوطن” عدم استبعاد أكثر من طرف “أن يعمد رئيس الجمهورية إلى رفع فيتو جديد مماثل لفيتو سلعاتا في مواجهة آلية التعيينات، خصوصاً وأنه من المتوقع أن يستنفد عون كامل المهلة الدستورية التي تمنحه مدة شهر للتوقيع على قانون الآلية، إفساحاً في المجال أمام الطعن الذي ينوي “التيار الوطني” تقديمه بهذا القانون، كي يأخذ مداه في تجميد المفاعيل الدستورية للآلية الجديدة فتصبح في خبر كان”.