الصورة قاتمة في لبنان. الجوع دخل معظم بيوت اللبنانيين والشغب الاجتماعي يتفاقم مع تردي الحالة الاقتصادية والمعيشية والمالية. الحكومة لم تنفذ اي بند اصلاحي يعزز صورتها امام المجتمع الدولي، وخاصة امام صندوق النقد الدولي لتحصل على المساعدة المالية بأسرع وقت. نظام المحاصصة لا يزال سائرا في مؤسسات الدولة، الامر الذي يدل ان ما من شيء تغير حتى الان، وان السياسيين ليسوا مهتمين في اوضاع الناس المعيشية بل فقط في توسيع نفوذهم داخل الدولة.
الحكومة اظهرت عجزا في اتخاذ قرارات داخلية تظهر تصميمها على معالجة الازمة المالية غير المسبوقة وفي ضوء ذلك، وقع الحمل الثقيل على المواطن اللبناني الفقير وعلى المودعين الصغار في حين ينعم السارقون والناهبون بالحرية، رغم ان الازمة المالية هي نتيجة سوء ادارتهم وهدرهم ونهبهم.
بموازاة ذلك، يحضر الكونغرس الاميركي مشروع قرار يطالب بوقف المساعدات الاميركية الى دول في الشرق الاوسط منها لبنان، اضافة الى قانون قيصر الذي يصبح نافذا في 17 حزيران. وفي ظل هذه التطورات، نرى السلطة تغرق في سجالات سياسية لا تندرج في اولويات المرحلة الخطرة والدقيقة نظرا للواقع الاقتصادي السيىء والانهيار المالي الذي اصبح لبنان في صميمه. فما نفع الحصول على المناصب والمراكز اذا انهار لبنان بشكل كامل؟
مليونا لبناني جائعون وتحت خط الفقر، ما يوازي 50% نسبة من الشعب اللبناني حسب تقرير البنك الدولي، ولا تزال الحكومة تدرس الخطط ولا تسارع في الحصول على اموال من صندوق النقد الدولي. وهنا، يقول الخبير الاقتصادي سامي نادر ان الخزينة تنزف والكهرباء تنزف وفاتورة الاستيراد تنزف، وهذا يستنفد من احتياط مصرف لبنان. في المقابل، بات تدفق الدولارات الى لبنان يندرج ضمن نسبة ضئيلة جدا «فالحنفية» اقفلت وما عاد لبنان يتلقى اموالا، لا من اللبنانيين المغتربين ولا من دول كانت تسعفه.
وتساءل نادر اذا كان الاقتصاد اللبناني سيصلح نفسه بنفسه، اي بمعنى اخر، هل سيترك اللبناني لعيش تجربة المجاعة مجددا الى جانب اقفال نسبة كبيرة من الشركات؟ من هنا ، طالب نادر الاسراع في التفاوض مع صندوق النقد الدولي قبل ان يفرط الاقتصاد اللبناني، والسعي بكل الطرق للحصول على مساعدات مؤتمر سيدر، متوجها الى الجهات التي تحاول تخويف اللبنانيين من ان شروط سيدر هي توطين السوريين: «كفى تلاعبا بمصير الشعب اللبناني».
التشكيلات القضائية
الى ذلك، لم يوقع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على مشروع مرسوم التشكيلات والمناقلات القضائية واضعا ملاحظات حولها، انما في الوقت ذاته لم يقفل الباب امام مجلس القضاء الاعلى للحوار ولمعالجة الموضوع، وذلك الامر واضح في الفقرة الاخيرة من رسالة الرئيس.
وقد شدد الرئيس عون على اهمية وجود قضاء يراقب ويلاحق ويكافح الفساد بجدية متناهية مؤكدا رفضه المطلق لأي محاولات الاستتباع او الوصاية او المحاصصة السياسية او السلطوية او المناطقية او الطائفية او المذهبية. وقال الرئيس عون في رسالته: «ان نشوء السلطات الدستورية من خارج اطار الدستور والقانون هو شكل من اشكال موتها». وأبدى الرئيس عون، وهو حامي الدستو،ر مرونة في التعاطي مع مجلس القضاء الاعلى متوجها اليه بالقول :« ان ابواب القصر الجمهوري مفتوحة دوما للقضاة للمساندة في هذا السياق وعلى جميع المستويات. «فهل يظل مجلس القضاء الاعلى مصراً على تشكيلاته ام يأخذ بعين الاعتبار ملاحظات الرئيس»؟
في المقابل، تحدثت اوساط سياسية، عن احتمال استقالة القاضي سهيل عبود رئيس مجلس القضاء الاعلى، خصوصاً ان القاضي عبود يوم تعيينه اكد ان التشكيلات القضائية اذا تعارضت مع قناعاته فهو لن يقبل ذلك وسيستقيل. واشارت هذه الاوساط الى ان القاضي سهيل عبود كان قد طلب موعدا من الرئيس عون منذ اسبوعين، الا ان اللقاء لم يحصل.
وفي السياق ذاته، اعتبرت اوساط وزارية عدم التوقيع على المرسوم كضربة للحكومة ولمصداقيتها التي رفعت شعار القضاء المستقل، خاصة ان رئيس الحكومة وقع على التشكيلات القضائية التي وردت اليه من مجلس القضاء الاعلى. واشارت هذه الاوساط الى ان هناك فريقاً صامتاً داخل الحكومة لا يريد استفزاز رئاسة الجمهورية بما ان ما حصل يندرج ضمن حقه الدستوري، لكنه في الوقت ذاته وفي قرارة نفسه يؤيد هذا الفريق التشكيلات القضائية التي وضعها مجلس القضاء الاعلى.
وفي هذا السياق، كان لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع موقف واضح حيال عدم توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم التشكيلات القضائية بالقول: «إنه بالرغم من عدم مثالية التشكيلات القضائية المطروحة، فإن رد رئيس الجمهورية لها هو عشر خطوات إلى الوراء».
وتعقيبا على كلام جعجع، اكدت مصادر قواتية ان حزبها شكل رأس حربة في قيام الدولة في لبنان وتعتبر ان هناك تلازماً كبيراً بين موضوع التشكيلات القضائية وآلية التعيينات فلا يمكن بناء دولة القانون دون الفصل بين القضاء والسياسة وبين التعيينات المالية والادارية والسياسة. واضافت هذه المصادر ان الفصل اذا وجد فهو فصل نظري للاسف فيما الواقع يكشف ان القوى السياسية وضعت يدها على القضاء وعلى كل التعيينات لاسباب زبائنية لتوسيع رقعة نفوذها على مؤسسات الدولة بما يضرب مفهوم الدولة الفعلية.
وتابعت هذه المصادر القواتية ان القضاء المستقل يعطي ثقة للمواطن في لبنان بانه ليس بحاجة لأن ينتزع حقه عبر الوقوف على باب هذا السياسي او ذاك الزعيم انما القضاء كفيل بان يعطيه حقه انطلاقا من العدالة والعدل. واعربت المصادر القواتية عن اسفها لكل هذه العراقيل التي حصلت على مستوى التشكيلات القضائية في حين كان يجب ان توقع منذ اللحظة الاولى. ووصفت ما حصل انها رسالة سلبية للقضاة ولمجلس القضاء الاعلى وللمجتمع الدولي الذي يراهن على قضاء مستقل في لبنان.
وبمعزل عن التذرع بمواد قانونية من هنا ومن هناك، ما حصل هو ضرب لمفهوم الاصلاح، وذلك يؤكد ان لبنان يجب ان يبقى ساحة مستباحة للقوى السياسية وفقا للمصادر القواتية. وفي التعيينات المالية والادارية، اعتبرت المصادر القواتية ان ما يحصل في هذا الشأن امر كارثي فسنشهد هذه التعيينات على قاعدة المحاصصة بعيدا عن موضوع آلية التعيينات التي اقرها المجلس النيابي مؤخرا وهناك تقصد بعدم توقيع هذا المرسوم لابقاء لبنان دولة مزرعة.
بدوره، تلقف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري رد رئيس الجمهورية على التشكيلات القضائية مهاجما اياه بالقول: «العهد القوي ينافس الرئيس القوي بسرعة الفشل والتخبط والكيدية وخرق الدستور واثارة العصبيات والجوع المزمن للامساك بالتعيينات والمواقع الادارية والمالية والاقتصادية»، على حد تعبير الحريري.
وتساءلت المعارضة اذا كان هذا النهج سينطلي ايضا على التعيينات المالية والادارية؟ ذلك ان المعارضة تتهم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بسعيه للاستئثار على اهم المراكز. ويشار الى ان الوزير سليمان فرنجية اعلن ان وزراؤه لن يحضروا جلسة مجلس الوزراء اعتراضا على النهج المتبع في التعيينات وعلى استحواذ الوطني الحر على المراكز المسيحية.
التعيينات المالية: دياب يريد تغييرا كاملا
وفي التعيينات المالية، علمت «الديار» ان رئيس الوزراء حسان دياب يريد وجوه جديدة في لجنة الرقابة على المصارف وعدم ابقاء وجوه قديمة في اللجنة. وقد طرح الرئيس دياب لرئاسة لجنة الرقابة مايا دباغ (سنية) وكامل وزني (شيعي) وجوزيف حداد (كاثوليكي) ليكونوا اعضاء في هذه اللجنة في حين يعين التيار الوطني الحر المقعد الماروني والارثوذوكسي. وهنا تقول المعلومات ان التيار الوطني الحر يريد ابقاء جوزيف سركيس (ماروني) في لجنة الرقابة المعروف بمعارضته لسياسة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في حين يصر الرئيس دياب على تغيير شامل في اللجنة. اما المقعد الارثوذوكسي في لجنة الرقابة فهو من حصة التيار الوطني الحر ولكن لم يعرف حتى الان اسماء المرشحين لهذا المنصب. ويذكر ان الوزير سليمان فرنجية اعلن انه لن ينخرط في لعبة المحاصصة وبالتالي لا يريد اي منصب له في التعيينات المالية.
جمعية المصارف: خطة الحكومة خطيرة على لبنان
تؤكد مصادر مصرفية أن مصرف لبنان لم يوافق على خطة الحكومة كمنطلق للتفاوض مع صندوق النقد الدولي كما قيل وخير دليل على ذلك بيان جمعية المصارف ان خطة الحكومة خطيرة على البلاد مشيرة الى ان الأرقام المقدمة من الحكومة إلى صندوق النقد لا تشكل قاعدة صالحة للانقاذ المالي. وجاء في البيان ايضا: «الدعوة الى توسيع وتعميق الحوار حول الخطة الحكومية التي يخشى أن يقع المواطنون والإقتصاد اللبناني ضحية لمنطلقاتها ومضامينها الخطرة، مع ما تنطوي عليه من اقتطاع عشوائي من مدخرات الناس ومن فرض ضرائب ورسوم ينوء تحت عبئها الاقتصاد الوطني، ومن خرق مستهجن لكل النظم والقوانين السائدة في لبنان منذ عشرات السنين، وأخيرا من تهديد جدي لمستقبل لبنان الاقتصادي من دون تكليف من الشعب اللبناني وممثليه».
وتضيف المصادر «لو قبل مصرف لبنان بخطة الحكومة او باعتماد ارقامها لما كانت لجنة المال والموازنة تواصل عملها من اجل توحيد الارقام بين البنك المركزي والحكومة».
طرابلس الفقيرة قابلة للانفجار الاجتماعي المعيشي
على صعيد اخر، قالت مصادر مقربة من اللواء ريفي ان التخوف من الفوضى في طرابلس يأتي في محله وهي جزء من حالة البلد ولكن لانها الاكثر فقرا فهي معرضة للانفجار الاجتماعي بسبب تردي الحالة المعيشية.ولفتت هذه المصادر الى انه عند حصول ذلك لن يتمكن احد من احتواء هذا الانفجار. كما القت هذه المصادر باللوم على حزب الله حول الاوضاع التي وصلت اليها البلاد.
بهاء الحريري
في غضون ذلك، قالت اوساط وزارية لـ«الديار» ان بهاء الحريري يحاول القول ان «سعد الحريري فشل وانا امثل مشروع سياسي ولدي رؤية اقتصادية انقاذية للبلد وانا نجل الرئيس الشهيد رفيق الحريري». ولكن هل تنجح محاولة بهاء الحريري في الدخول الى المشهد السياسي اللبناني خاصة اذا كان يرتكز على التمدد التركي في صفوف السنة؟
ازمة المحروقات
الى ذلك، اعلن وزير الطاقة والمياه ريمون غجر بعد زيارته للرئيس نبيه بري ان اول سفينة محروقات تصل غدا ويليها باخرتي محروقات وعليه يبدأ الانفراج الجزئي في هذا المجال غدا. واللافت ان بعد قانون قيصر باتت الدولة اللبنانية تضع نسبة معينة لاستيراد المازوت تجنبا لاي تهريب للمازوت الى سوريا وتفاديا لاي عقوبات من واشنطن التي تضيق الخناق على لبنان.
الصيرفة والسوق السوداء
على صعيد اخر، تبقى الصورة ضبابية في مسألة الصيرفة وضبط سعر الصرف والحال ان الدولار كان يوازي 4000 ليرة لبنانية ولكن فجأة وبشكل غير منطقي ارتفع الدولار الى 4500 ل.ل واصبح الدولار مفقود يتم تداوله فقط في السوق السوداء بين 4300 و4500 ل.ل. اما تسعيرة الدولار فقد حصلت في السياسة وليس عند محلات الصيرفة الامر الذي يثير الريبة في هذا الشأن.
بكركي: «لبنان طائفتي»
في غضون ذلك، ومع ارتفاع اصوات تطالب بالغاء الصيغة وتطرح الفيدرالية مكانها الى جانب الاجواء الطائفية والمذهبية التي برزت بشكل مخيف يوم السبت 6 حزيران، تداركت بكركي الخطر مشددة على خطها التاريخي وهو خط المصالحة وخط العيش المشترك وعلى هذا الاساس ترفض رفضا قاطعا اي تنافر طائفي او اي توظيف ديني لخلافات تشحن النفوس مرتكزة دائما على مقولة البطريرك الياس الحويك: «لبنان طائفتي».
وأعرب مصدر مأذون له في الصرح البطريركي عن اسفه لهذه المظاهر التي حصلت في 6 حزيران مؤكدا ان بكركي تشجب اي تصرف مبني على قاعدة طائفية في حين انها تدعم المطالب المحقة للمواطنين. واضاف هذا المصدر: «اذا كان هناك افراداً يتصرفون باندفاع طائفي فبكركي تعتبر ان هؤلاء لا يمثلون طائفتهم مشيرا الى ان المطلوب اليوم الحكمة والتعاون لتخطي هذه المرحلة فاذا غرق لبنان فكل الطوائف ستغرق ايضا وعلى كل طائفة ان تقدم ما عندها لانقاذ هذه السفينة.
وقد ارتفعت اصوات عند الطائفة المسيحية تضمنت لوم وعتب على بكركي بانها لا تساعد المسيحيين في محنتهم المعيشية السيئة، اكد المحامي غياض ان بكركي انشأت لجنة طوارئ على صعيد لبنان وتتعاون مع كاريتاس لبنان والابرشيات من اجل تقديم مساعدات مالية وزراعية وعينية وهذا العمل متواصل وبكركي تحرص على عدم الاستعراض في هذا المجال لان كرامة الناس عندها اولوية.
جنبلاط: معارضة متوازنة
تقول المعلومات ان الوزير وليد جنبلاط اعتمد معارضة متوازنة حيث هدأ العلاقة مع العهد ولم يشن هجوما شرسا على الحكومة كما ان جماعته لم تشارك في مظاهرة 6 حزيران ولم تتبن القرار 1559. وفي التفاصيل، يوم حصول الاحتكاكات الطائفية في 6 حزيران سارع جنبلاط الى زيارة الرئيس بري مما ادى الى تهدئة الامور كما كان الحريري ايجابيا في هذا المجال واصفا 6 حزيران باليوم الاسود الذي خرج عن قيم «الثورة» وأطلق «شرارة خبيثة».
وفي الجبل، علمت الديار ان جنبلاط يكثف جهوده في ارساء اجواء التهدئة وهو في عملية صيانة دائمة للمصالحة واحباط اي محاولة تؤثر على الاستقرار والسلم الاهلي. وتقول المعلومات ان الوزير جنبلاط حاول ويحاول تكرارا اقامة علاقة متوازنة مع العهد والتيار الوطني الحر لتعزيز العيش المشترك في الجبل الا انه لا يلمس الايجابية ذاتها من العهد.