أدار الرئيس نبيه بري محركاته السياسية، ومن الآن حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري، ستكون عين التينة قبلة الكثيرين ومحطة لتعبيد الطريق إلى اللقاء الجامع الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا. أخذ بري على عاتقه عملية تفكيك الألغام السياسية من على طريق بعبدا. وقد بدأ ذلك بمسعاه المشترك بين الحكومة وحاكم مصرف لبنان، واستكمل باللقاء الدرزي، ويستعد بري لإكمال خارطة لقاءاته مع كل القوى والأفرقاء، وقد كان أولهم الرئيس سعد الحريري.
اللقاء مع الحريري تركز حول وقف التوتر السني الشيعي، وفق مصادر مطلعة على اجواء الإجتماع، وشدد على إرساء التهدئة على الأرض ومنع تكرار المشاهد التخريبية التي شهدتها بيروت في الأيام الماضية، وكذلك على التعاون مع تيار المستقبل وسط كل هذه التحديات.
كما سيستقبل الرئيس نبيه بري بحسب معلومات “الأنباء” ممثلين عن التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية وتيار المردة، وذلك للبحث عن مخارج سياسية لحالة التوتر السائدة على الساحة المحلية، خصوصاً ان الوضع في لبنان وصل إلى مرحلة خطرة جداً ولا بد فيها من مواكبتها بتعزيز الحوار الداخلي لأنه وحده كفيل بلجم التوتر.
وتشير معلومات “الأنباء” إلى أن رئيس الجمهورية ميشال عون، وصل إلى قناعة بأنه لا يمكن الإستمرار في ظل هذا التوتر وهذه المعارك السياسية ولا بد من البحث عن توافق والتقاء مع كل القوى السياسية الموالية والمعارضة على عنوان أساسي وهو إرساء التهدئة في ظل تكثيف وتشديد الضغوط الأميركية على لبنان بموجب قانون قيصر، خصوصاً وأن التعيينات المالية التي أقرت أخيراً أغضبت الأميركيين إلى حدّ كبير. وتكشف المعلومات أن هناك شعوراً محلياً بأنه تم إستعجال إقرارها، وقد تؤدي إلى إجراءات اميركية صعبة وقاسية، قد تتجلى هذا الأسبوع مع صدور لائحة عقوبات تشمل أسماء لرجال أعمال لبنانيين ولهم علاقة بالنظام السوري، كإشارة أميركية على أن لا مجال للمزاح ولا لرمادية المواقف. ومواجهة هذه الضغوط سيبدأها عون بتحصين الساحة الداخلية ومحاولة تحسين العلاقات مع كل القوى السياسية.
مالياً، ومع سريان خطة المصرف المركزي الأخيرة القاضية بضخ دولارات في السوق عبر الصرافين من فئة “أ”، والتي بموجبها من المفترض أن ينخفض سعر الصرف إلى ما يقارب الـ3800 ليرة لتوازي تسعيرة نقابة الصرافين، لا نتائج إيجابية ملموسة حتى الآن، بعد ضخ أكثر من 8.5 مليون دولار خلال اليومين السابقين.
فمن جهة، افتَقدت أسواق الصرافين للعملة الصعبة لعدم تسليمهم جميعا، ومن جهة أخرى، نشطت الأسواق السوداء، حيث سجل الدولار أرقاما قاربت الـ4700 ليرة مساء أمس، بإشارة إلى عدم فعالية الخطة والرقابة الأمنية التي فرضتها الحكومة، حيث أن الحلول المالية متعّلِقة بخطوات جدّية تقوم بها الحكومة، منها ضبط التهريب إلى سوريا، وأخرى ترتبط بالإصلاحات التي تعيد الثقة إلى لبنان.
في ظل كل ذلك، تتوالى أزمة القطاعات على اختلافها مع هذا الواقع المالي، وسط غياب أي خطوات حكومية جدّية للمعالجة، أو بالأقل للحد من الخسائر.
وقد عادت أزمة موظفي مستشفى رفيق الحريري الحكومي إلى الواجهة، مع إعلانهم عن وقفة إحتجاجية صباح اليوم أمام المستشفى، للمطالبة بحقوقهم، التي تتعدى التصفيق والتشجيع، بحكم أن الأخيرة لا تطعم أولادهم خبزا.
وعبر “الأنباء”، رفع رئيس لجنة موظفي مستشفى الحريري سامر نزّال الصوت بسبب الإجحاف الذي يعاني منه العمال، بعد أن توالت المطالبات لتسوية أمورهم منذ سنوات، إلّا أن لا آذان صاغية.
وفي التفاصيل، يقول نزّال “إن سلسلة الرتب والرواتب التي أُقرت منذ سنوات تضمّنت أرقاما خاطئة في ما خصّنا، وبعد الإعتراض وُعدنا بأن تعدّل الأرقام في ما بعد، لكن اسلوب المماطلة كان سيد الموقف”.
وعلى خطى الحكومة تسير المستشفى عبر تشكيل لجان تدور في حلقات مفرغة، فحسب نزّال، “إن مجلس إدارة المستشفى ألفّ لجنة منذ اشهر من مختلف الأقسام الموجودة، لتصدر جدولا يتضمّن التعديلات المطلوبة في سلسلة الرتب والرواتب لإرسالها إلى وزارة المالية، لكن المشكلة تكمن في وجوب عرض الجدول على المدير العام لوزارة الصحة، إلأّ أن المدير العام شغر موقعه بحكم تقاعد الدكتور وليد عمار منذ مدّة، وهو اليوم غير قادر على البت بأي موضوع بإنتظار المدير العام الجديد، أي المزيد من التأخير”.
وعن موقف وزير الصحة حمد حسن ورئيس الحكومة حسان دياب من الموضوع، يشير نزّال إلى أن “الوزير أقر بالمستحقات ووعد خيراً، وكذلك فعل رئيس الحكومة، إلّا أنه حتى اليوم، لا زالت الوعود كلاما”.
ويتابع نزّال: “لقد رضينا بالقليل حاليا، إلّا أن الأزمة لا تقف عند هذا الحد، فالزيادة التي لحقت بالأجور تُدفع كسلفات مالية، أي كجزء منفصل عن الراتب، ونتقاضاها متأخرة حوالي الأسبوعين عن أول الشهر، في وقت يجب أن تكون هذه الإضافات على الراتب الأساسي، لتكون جزءاً لا يتجزأ منه”. وفي السياق، يلفت نزّال إلى “وجود متعاقدين وأجراء في المستشفى يستحقون درجات كل سنتين، ويبلغ عددهم بما يقارب الـ45 موظفا، إلّا أن القانون لا يُطبّق، وبالتالي يُحرم هؤلاء من رتبهم”.
ويختم نزّال حديثه محذراً من “التصعيد في حال لم تتم الإستجابة إلى مطالبهم، في ظل الأوضاع الصعبة التي يعانيها اللبنانيون بشكلٍ عام”.
أزمة القطاع الإستشفائي لا تقف عند مطالب الموظفين والعاملين فحسب، بل هي في المستشفيات نفسها، التي بعد أن أعلنت عدم قدرتها على الإستمرار في ظل إرتفاع سعر صرف الدولار من جهة، وعدم تسديد الجهات الضامنة المستحقات من جهة أخرى، وبعد أسابيع من إمضاء الوزير حسن على المستحقات لدى الوزارة، إلّا أن المستشفيات الخاصة لم تتقاضَ شيئا حتى اليوم، فهل يجوز إهمال قطاع أساسي يتعلق بحياة المواطنين؟
وفي التفاصيل، يقول نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون في إتصالٍ مع ”الأنباء” إن “المستشفيات لم تستلم الأموال، فالموافقة التي منحها حسن هي في عهدة وزارة المالية، كما أن الجهات الضامنة الأخرى، كالقوى الأمنية والجيش لم تسوِّ ملفاتها بعد”.
وحول إرتفاع سعر الصرف وبالتالي إرتفاع كلفة إستيراد المواد الإستشفائية والفندقية، أعلن هارون أن “إجتماعا حصل يوم أمس بين وزير الصحة والشركات المستوردة، تم فيه الإتفاق على أن تضع الشركات آلية لإستيراد السلع حسب أسعار تتحرك تبعا لسعر الصرف، ويتم الإتفاق عليها مع الجهات الضامنة، بحكم أنها الجهة التي تدفع”، وهنا يشدد هارون على “ضرورة إلتزام الشركات المستوردة بالأسعار التي تضعها، خلافا لما حصل في الفترة الأخيرة”.
وعن الفاتورة الإستشفائية، يعيد هارون ويجدد دعوته إلى تعديلها، “وهي التي تعود دراستها إلى العام 2000، ومع التضخم الحاصل، وارتفاع الدولار، يجب أن تصدر دراسة جديدة تراعي المستجدات، لتحديث هذه الفاتورة”.
ويتطرق هارون إلى تحركات عمال وموظفي المستشفيات داعما إياهم في مسارهم، لافتا إلى “تعاونهم مع الإدارات وتفهمهم للأزمة التي يمر بها القطاع بشكل خاص، والبلاد بشكل عام”. وتجدر الإشارة إلى صرف 25% من عمال وموظفي مستشفى الجامعة الأميركية، وهي الأقدر ماليا في لبنان، فكيف الحال لدى المستشفيات الأخرى؟
في سياقٍ آخر، يظهر بصيص أمل بسيط في القطاع الصناعي مع إعلان الوزير عماد حب الله يوم الخميس الماضي عن مبلغ 100 مليون دولار كمواد أولية للقطاع، وهي خطوةً تثمّنها جمعية الصناعيين اللبنانيين.
وفي إتصال له مع “الأنباء”، يرى رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميّل أن “الخطوة الإيجابية هي مدخل للحل، إلّا أنها ليست كافية، فالقطاع يحتاج سنويا إلى 3 مليار دولار مواد أولية، والرقم الممنوح اليوم هو بسيط جدا”، مشيراً إلى أنه “لا يمكن تحقيق حل مستدام إلّا عبر إستقدام أموال “Oxygen cedar fund” التي تبلغ قيمتها قرابة الـ700 مليون دولار، وهي كافية للنهوض بالقطاع”.
إلّا أن هذا التمويل خارجي، وفي هذا الإطار، يلفت الجميّل إلى “عقبات مختلفة تواجه سير هذا الدعم، فمن جهة أزمة كورونا التي أرخت بثقلها على الدول المانحة، ومن جهة أخرى غياب الحماس الخارجي للمساعدة، لأساب سياسية”.
وعن ضخ مصرف لبنان الدولارات في السوق ضمن خطته الأخيرة، نفى الجميّل معرفته بإستفادة أحد الصناعيين من هذا الإجراء، مشيراً إلى أنه “من الممكن إستيراد مواد أولية من أجل الصناعات الغذائية، لمد السوق اللبناني بمنتجات وطنية”.