لعل الملف الذي يتقدم، بل يتجاوز بأشواط طاولة الحوار الموعودة، والتي باتت في حكم المؤجلة، أو الملغاة، سواء انعقدت أم لم تنعقد، نتيجة غياب مكونات أساسية سياسية ومذهبية عنها، خصوصا بعد بروز اعتراضات خافتة اضافية تتمثل في غياب التمثيل الارثوذكسي والكاثوليكي، أو تهميشه، والذي يدخل في باب تغييب الميثاقية أيضاً – هو الملف الاقتصادي المالي الذي يتخبط في صراع أهل السلطة، ومضيهم في الاختلاف على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، كل من موقعه، وفي تضارب لا مثيل له، حتى في الدول المتخلفة في انظمتها. وتحدث مصدر سياسي متابع الى “النهار” مبديا تخوفه من اقدام الصندوق على الاعتذار من لبنان عن عدم تلبيته طلب المساعدة للاسباب التقنية الاتية:
اولا: ان كثرة الطباخين تفسد الطبخة، وهذا ما يجري في لبنان، ذلك انه اضافة الى الحكومة التي قدمت خطتها وأرقامها، دخل مجلس النواب على الخط عبر ما سمي “لجنة تقصي الحقائق” التي بدت كأنها تعمل ضد الحكومة. اضافة الى محاولة مستشارين واداريين ايصال وجهات نظر مختلفة، والتشويش على الجهات الاخرى، ما يؤكد الانقسام في النظرة الى الامور، وغياب الرؤية الموحدة.
وفي هذا الاطار، قال رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان: «نحن لبّينا هذا الطلب الذي جاء من صندوق النقد، كما سعينا الى التحقق لمعرفة اسباب التناقض بين ارقام الحكومة ومصرف لبنان، وتوصلنا من خلال جلسات طويلة الى تحديد مكامن الخلل والوصول الى بعض المقاربات المشتركة التي ساهمت في توحيد بعض الارقام الاساسية. وبعيداً من حالات الانقسام التي كانت موجودة، والتي يحاول البعض اعادة انتاجها من جديد من دون جدوى، نحن مستعدون لأيّ مساهمة أو لأي تعاون يؤدي الى عدم ضياع فرصة انقاذ لبنان، علماً انّ ورقة صندوق النقد هي واحدة من الاوراق الاساسية المتوفرة حالياً للتمويل، ونحن مستعدون بكلّ ايجابية لتسهيل هذه المهمة تحت سقف المصلحة الوطنية والامكانات التي تؤمن نهوض الاقتصاد اللبناني وحمايته”.
ثانيا: ان الارقام المتناقضة بين الحكومة ومجلس النواب ومصرف لبنان وجمعية المصارف، تظهر بوضوح الادارة المالية السيئة للبلاد، وغياب الشفافية، وعدم القدرة الحالية على ضبط المالية العامة، خصوصاً ان أرقام الحكومة بدت أقرب الى الواقع، وفي الغالب انها ستعتمد على مسودة العمل التي سيرفعها الفريق المفاوض الى ادارة الصندوق.
ثالثا: ان خفض ارقام الخسائر المالية لبى مشيئة مصرف لبنان وجمعية المصارف، اللذين يتجهان الى تصفير الخسائر بعد انكار الجزء الاكبر منها، وهذا الامر سيؤدي الى تحميل المودعين التكلفة الباهظة، في حين ان خطة الحكومة تهدف الى تقاسم الخسارة بين مصرف لبنان والمصارف من دون المودعين.
رابعا: ان ابعاد الحكومة جمعية المصارف عن المشاركة في اعداد خطتها المالية، ثم العودة عن هذا الخطأ متأخرة، يدفع الى تأخير محتوم في تنفيذ الخطط، واعتماد الرؤى الواضحة.
خامسا: ان الخلافات السياسية القائمة، والحملات الممنهجة بين أهل الحكم أنفسهم، واستقالة أحد المستشارين الاساسيين في التفاوض، يضعف الثقة في إمكان تطبيق خطط اصلاحية، كما صرح المستشار المستقيل هنري شاوول الذي عزا استقالته الى “عدم وجود نية لدى السياسيين للقيام بالإصلاحات”، واصفاً لبنان بالشخص “المصاب بالسرطان وتمّ تشخيص المرض من خلال الخطة، إلا أنه لم يبدأ بعد مسار العلاج، وكل يوم تأخير يزيد صعوبة شفائه”، معتبراً أن “هناك منظومة سياسية استقالت من مسؤولياتها”.
كما ان تلك الخلافات ترفع نسبة الشكوك في امكان صرف المال في الوجهة الصحيحة المقررة له. والدليل على ذلك الصراع القائم بين وزيري المال الحالي والسابق على رغم انتمائهما الى الجهة السياسية نفسها، وتلويح الوزير غازي وزني بالاستقالة، اضافة الى خلاف رئيس “تكتل لبنان القوي” جبران باسيل وأمين سر التكتل رئيس لجنة المال والموازنة النيابية ابرهيم كنعان على الارقام أيضاً.
وفي هذا الاطار قال عضو “تكتل لبنان القوي” النائب ألان عون: “أشعر أن الفريق التفاوضي الحكومي يمثل صندوق النقد في لبنان لا الموقف اللبناني لدى الصندوق، وكلما قلنا شيئاً يجيبوننا أن صندوق النقد لا يقبل، فهل أنتم تفاوضون للتعبير عن وجهة نظر لبنان ومصلحته أم وجهة نظر صندوق النقد؟”.
سادسا: وهذا أمر مفترض وليس أكيداً، استناداً الى المصدر المتابع الذي يرجح ان تعمد الولايات المتحدة الى الضغط على الصندوق للامتناع عن مساعدة لبنان في هذه المرحلة لاسباب سياسية تتعلق بارتباط الحكم ارتباطاً وثيقاً بـ”حزب الله” المصنف ارهابيا لدى الادارة الاميركية، وتنفيذاً لسياسة العقوبات على كل دول المحور الايراني – السوري، في انتظار الانتخابات الرئاسية في اميركا، وما يتبعها من حوار اميركي – ايراني، أو عدمه. وهذا الوضع اذا حصل سيجعل البلد اسير قرار اشنطن تقديم المساعدات المرتبطة بالغذاء والدواء أو الافراج عنها من دول أخرى.
وأ:د المصدر المتابع ان ممارسات جهات لبنانية تبدو كأنها تدفع صندوق النقد الى عدم التجاوب مع لبنان في اطار صراعها السياسي الذي سيتعكس سلبا على الجميع.
حوار بعبدا
وفي شأن داخلي متعلق بالحوار الذي تحول كلحس المبرد وحواراً للموالين في غياب المعارضة، بعد اعلان رئيس “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجيه مقاطعته اللقاء، واعتذار رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل عن عدم الحضور، وكذلك الرئيس أمين الجميل الذي فضل ارجاء الموعد، اضافة الى الاعتذارات السابقة التي شملت رؤساء الوزراء السابقين سعد الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، وترجيح تغيب رئيس “القوات” سمير جعجع اليوم، أعلنت رئاسة الجمهورية أن دوائر القصر الجمهوري تواصل التحضيرات لانعقاد “اللقاء الوطني” غدا الخميس، والذي دعا اليه رئيس الجمهورية بعد التطورات الأمنية المقلقة التي شهدتها بيروت وطرابلس قبل أسبوعين والتي كادت تهدد الاستقرار والسلم الأهلي في البلاد.
وأوضح زوار رئيس الجمهورية ميشال عون أن موعد “اللقاء الوطني” لا يزال قائماً قبل ظهر الخميس، و”من يقاطعه فهذا قراره وليتحمل مسؤولية تغيبه فالمناسبة وطنية وليست اجتماعية للبحث في موضوع اقلق اللبنانيين، وهو التطورات الامنية في بيروت وطرابلس وبعد ردود الفعل التي ظهرت عن المتظاهرين ولامست الخط الاحمر وهو الفتنة”.
وقال الزوار أن الرئيس عون يرى أن “التقاء الاطراف على رفض الفتنة وتحصين الوحدة الوطنية هو ابلغ ردّ على أي جهة داخلية أو خارجية تعمل على ضرب السلم الاهلي، وهو لن يقبل ان يعود شبح الحرب الأهلية التي دفع اللبنانيون غالياً ثمنها”.
وعن عدم وجود جدول أعمال للقاء، شرح الزوار أنّ “نص الدعوة واضح وهو يحدد مواضيع البحث ولاسيما بالشق الامني الذي كان سبب هذه الدعوة”.
وقالت مصادر مقربة من رئاسة الجمهورية إن لقاء بعبدا لا يحتمل التأجيل ولا المقاطعة، كما لا يتطلب ميثاقية، فهو ليس طاولة حوار وهدفه في الدرجة الأولى رأب الفتنة. ورداً على غياب الميثاقية عن اجتماع بعبدا بغياب الفريق السني الممثل برؤساء الوزراء السابقين، قالت المصادر إن الرئيس دياب يمثل لا السنة فحسب بل كل لبنان.
وعن مرسوم التشكيلات القضائية العالق في بعبدا، نقل عن الرئيس أن “توقيعي على المرسوم ليس مجرد بصم، بل يعطيني صلاحية التصحيح وأنا أريد تصحيح الخلل الذي اعترى بعض التشكيلات. وعدم صدور التشكيلات لا يوقف عمل القضاء. مع العلم بأن دفعة من القضاة الجدد سيتخرجون خلال أيام ولا بد من توزيعهم على أماكن محددة الامر الذي يسمح اذذاك باعادة النظر في التشكيلات”.
الدولار
اقتصادياً، استمرت الفوضى في الأسواق المالية وفي أسعار الصرف، اذ ارتفع سعر صرف الدولار الى ما فوق الستة آلاف ليرة وبلغ في بعض الأماكن 6500 ليرة في ظل التضييق على عملية البيع الذي اعتمده الصرافون بإجراءاتهم الجديدة المرتبطة بالوثائق والمستندات. هذا الارتفاع يهدّد الاستقرار الاجتماعي ما دفع وكالات عالمية أمس الى نشر تحقيقات عن الفقر المتزايد في لبنان.