كانت الخشية أن يكون حوار 25 حزيران شبيهاً لحوار 6 أيار فأتت النتيجة أسوأ شكلاً ومضموناً… إذ ومع خروج رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من حلقة المتحاورين واضعاً مصير العهد على المحك بتشديده على وجوب أن يشمل التغيير جميع مَن في السلطة، من دون استثناءات وحصانات سياسية ورئاسية، ومع إعادة رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط حسابات تموضعه في الوسط إزاء الدعوة الحوارية بين عدم الحضور وعدم المقاطعة، يكون حوار بعبدا بحضوره الطاغي كناية عن مجرد جلسة حوارية “أهلية بمحلّية” بين أركان بيت السلطة المتصدّع والآيل للسقوط تحت أنقاض الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي المتدحرج في البلد. ولأنّ الوضع كذلك، فإنّ صورة لقاء بعبدا ستكون أقرب في أبعادها إلى “خلية أزمة” ستحاول قوى 8 آذار تسخيرها لإعادة تثبيت ركائز حكمها وحكومتها في قالب صلب يرصّ صفوف المواجهة داخلياً وخارجياً، ليتوّج بذلك مسار النفير العام الذي أطلقه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في مواجهة “قانون قيصر”، وقد بدأت تتشكل معالمه تدريجياً خلال الأيام الأخيرة، بدءاً من تظاهرة السفارة السورية دعماً لنظام الأسد، ووصولاً إلى ما يُشبه إعادة استنساخ مشهدية “خلية حمد” دعماً لحكومة حسان دياب.
فصورة اللقاء الذي عُقد في السراي الحكومي أمس بين دياب ووفد أحزاب وقوى الممانعة تأكيداً على “دعم الحكومة ورفض إسقاطها”، أعاد مصادر معارضة بالذاكرة إلى العام 2002 حين شكّلت هذه الأحزاب والقوى نفسها ما عُرف حينها بـ”خلية حمد” في مواجهة “قرنة شهوان” التي رعتها بكركي وتكوّنت من شخصيات سيادية وطنية للمطالبة بخروج لبنان من كنف الوصاية السورية. واليوم مع تصاعد نبرة بكركي في مواجهة محاولات سلطة الممانعة لتغيير وجه لبنان وتكريس التحاقه بمحورها، ترى المصادر المعارضة أنّ ما شهدناه أمس في السراي أقرب إلى محاولة إعادة بعث مشهد الـ2002 في الـ2020، حيث ستسعى قوى 8 آذار بكل ما أوتيت من قوة إلى إعادة فرض المعادلة ذاتها في مواجهة أي نواة سياسية – رعوية تنادي برفع الوصاية المتجددة على لبنان، مؤكدةً أنّ المسار الذي تسلكه السلطة يختزن في طياته مؤشرات بالغة الخطورة تشي بأنّ الأمور مرشحة لبلوغ مستويات دراماتيكية في القمع ومواجهة النشطاء المدنيين والمعارضين، سواء من قبل الأجهزة الأمنية كما لوحظ ليلاً من خلال تعاملها بالشدة والعنف مع المتظاهرين لإجبارهم على فضّ تحركاتهم الاعتراضية في بيروت والمناطق، أو من قبل قوى 8 آذار التي لن تتوانى، ليس فقط عن إعادة إحياء “خلية حمد”، بل ربما عن إعادة إحياء “تظاهرة السواطير” (رعتها “الداخلية” حينذاك وتصدرها “الأحباش”) ضمن إطار لعبة “الشارع والشارع المضاد” منعاً لأي تهديد يطال وجودها في سدة الحكم.
وبالعودة إلى لقاء بعبدا، وقرار رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” عدم الانضمام شخصياً إلى مقاعد المتحاورين، فقد كشفت مصادر اشتراكية قيادية لـ”نداء الوطن” أنّ هذا القرار “متخذ مسبقاً ولم يأتِ وليد تطورات المواقف المقاطعة للحوار”، موضحةً أنّ جنبلاط “ترك الأمور والاتصالات تأخذ مجراها لكي يبني على النتائج مقتضياتها، فكان القرار بمشاركة رئيس “اللقاء الديمقراطي” النائب تيمور جنبلاط في الحوار انطلاقاً من ثلاثة اعتبارات، الأول مبني على موقف مبدئي بأنّ كل الحلول في لبنان لا يمكن أن تكون إلا بالحوار، والثاني يرتكز على عدم وجود خطط أو قرارات معلبة مسبقاً على طاولة الحوار كما حصل في الحوار الاقتصادي السابق الذي تمت الدعوة إليه بعد إقرار الحكومة خطتها الاقتصادية والمالية، إنما سيكون النقاش مفتوحاً (اليوم) أمام كل طرف مشارك لإبداء رأيه وتصوره إزاء الحلول الممكنة لإخراج البلد من أزمته الطاحنة وهذا ما سيفعله “اللقاء الديمقراطي” من دون مواربة وبكل صراحة تأكيداً على أنّ إدارة البلد لا يمكن أن تستمر بسياسات استنسابية كيدية تتعامل مع بعض المكونات الوطنية على أنهم شياطين ومَن في السلطة على أنهم ملائكة”. ومن هنا يأتي الاعتبار الثالث والأهم في قرار عدم المقاطعة، بحسب المصادر الاشتراكية، ليتمحور حول النظرة إلى أنّ مجرد دعوة بعبدا للأطراف غير المشاركة في الحكومة إلى الحوار، هو بحد ذاته إقرار ضمنيّ بأنّ كل خطاب العهد والحكومة المرتكز على “تركة الثلاثين سنة” ومحاولة التنصل من المسؤولية عن الانهيار وتحميلها إلى الأفرقاء الموجودين خارج السلطة القائمة حالياً، إنما هو خطاب خاطئ أدى إلى تعميق الهوة بين اللبنانيين وشرذمة الجهود الهادفة إلى إيجاد الحلول الوطنية اللازمة للأزمة”.
وإذ آثرت عدم الخوض في تفاصيل المذكرة التي سيضعها تيمور جنبلاط اليوم على طاولة الحوار، تردد أنّها تشمل تصوّراً لخريطة طريق إنقاذية، فيها بنود تضع الإصبع على عمق المشكلة اللبنانية في مختلف أبعادها الاقتصادية والسياسية بالإضافة إلى بُعدها “السيادي” لا سيما في ما يتعلق بمسألة “الاستراتيجية الدفاعية”.