كشف مصدر نيابي لبناني بارز أن عدم توصُّل الوفد الحكومي المفاوض إلى اتفاق على برنامج مع صندوق النقد الدولي لتمويل خطة التعافي المالي يكمن في أن الوفد لم يطلق أي إشارة تنمّ عن رغبة الحكومة في تحقيق الإصلاحات المالية والإدارية. وقال إن الوفد النيابي المؤلف من إبراهيم كنعان وياسين جابر ونقولا نحاس، التقى ممثّلين عن الصندوق، وتبلغ منهم بأن الاتفاق على البرنامج يرتبط بتحقيق الإصلاحات وإلا لا جدوى من المفاوضات.
ولفت المصدر النيابي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الوفد النيابي التقى ممثلين عن الصندوق وعلى جدول أعماله بند وحيد يتعلق بحماية أموال المودعين في المصارف اللبنانية وعدم التفريط فيها، وهذا ما أكده عضو الوفد النائب جابر بقوله: «إننا ذهبنا إلى هذا اللقاء كوكلاء دفاع عن المودعين وإن البرلمان يقف بالمرصاد في وجه من يحاول المساس بودائعهم».
وقال جابر لـ«الشرق الأوسط» إن «الوفد النيابي ليس طرفاً في المشكلة القائمة بين الحكومة من جهة وبين مصرف لبنان المركزي وجمعية المصارف من جهة أخرى، ونحن تدخلنا لإصلاح ذات البين بين الفريق الحكومي المفاوض لأنه من غير الجائز أن نستمر في الإرباك، وبالتالي نؤخر الوصول إلى اتفاق مع الصندوق الذي تحوّل إلى حَكَم بين الفريق المفاوض بسبب الخلاف على الأرقام المالية، بدلاً من أن نذهب إلى التفاوض برؤية اقتصادية ومالية واضحة».
وأكد أن «المشكلة في الوفد الحكومي المفاوض تكمن في أنه باشر بالتفاوض مع الصندوق من دون أن يتواصل مع الآخرين للتوصل إلى مقاربة موحدة للخسائر المالية».
وفي هذا السياق، قال المصدر النيابي إن الوفد المفاوض بدأ مفاوضاته مع الصندوق في غياب أي قرار سياسي بتحقيق الإصلاحات، ورأى أن ما يهم الحكومة تحميل الخسائر المالية لمصرف لبنان وجمعية المصارف، وهذا ما يؤدي إلى الانقلاب على النظام المصرفي والمالي المعمول به حالياً.
وأضاف: «إن الحكومة تحاول تبرئة ذمتها من الخسائر المالية بخلاف ما تنص عليه المادة 113 من قانون النقد والتسليف الذي يُلزم الحكومة انطلاقاً من الشراكة مع المصرف المركزي بأن تتحمل الخسائر المالية، خصوصاً أنها تستدين باستمرار من أموال المودعين من خلال (المركزي)».
وكشف أن خلية الأزمة المالية التي شكّلها دياب وتضم هذا الحشد من الوزراء والمستشارين، لم تتوصل حتى الساعة، وفي ضوء استمرار المفاوضات مع الصندوق، إلى توحيد موقفها لمخاطبته بلغة واحدة بدلاً من أن ينبري بعض الوزراء إلى تخوين المصارف ومخاطبة القيمين عليها بلهجة غير مألوفة وأحياناً بعبارات لا تليق بالوزراء أنفسهم.
وسأل: كيف تُجيز الحكومة لنفسها بأن تحيل المودعين لتأمين ودائعهم على المصارف مع أنها أودعت أموالها لدى «المركزي» واستدانتهم الحكومات؟ وتابع: هل يُعقل أن تطلب من أصحاب الودائع الانتظار للحصول على ودائعهم إلى حين استرداد الأموال المنهوبة؟
كما سأل: كيف يمكن للمودعين الحصول على سندات من المصارف لضمان ودائعهم رغم أن هذه السندات ورقية بامتياز ولا تغطية مالية لها لأن الدولة هي من استدانت ودائعهم؟
وعليه فإن ما تقترحه الحكومة ينم عن رغبتها في اقتطاع أموال المودعين وإنما بطريقة غير مباشرة، وهذا ما يلقى معارضة من البرلمان الذي يتعامل بلسان رئيسه الرئيس نبيه بري مع الودائع على أنها من «قدس الأقداس»، وأنه لا مجال لوضع اليد على أموال المودعين، بدلاً من أن تقوم الحكومة بتشكيل شركة سيادية تضم الأصول العقارية والمؤسساتية للدولة على أن يصار إلى إيداع المودعين أسهماً في هذه الشركة.
لذلك لا مجال لمواصلة التفاوض مع صندوق النقد ما لم تبادر الحكومة إلى تشكيل وفد مفاوض غير الوفد الحالي الذي تبيّن أنه يفتقد إلى الخبرة وأنه لا هم له سوى تحميل الخسائر لـ«المركزي» والمصارف وكأنه يدفع في اتجاه القضاء على النظام المصرفي.