وقت يرصد اللبنانيون حركة سعر صرف الدولار طلوعاً أو هبوطاً، نظراً إلى انعكاس تلك الحركة، غير الطبيعية، على حياتهم الاقتصادية والاجتماعية، التي باتت غير طبيعية في ظروف استثنائية لا ترقى اليها المعالجات، أو الاجراءات والاجتماعات التي لا تطعم جائعاً، استرعت الانتباه المواقف التي أطلقها كل من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ومتروبوليت بيروت للروم الارثوذكس الياس عوده أمس، اذ دعا الاول رئيس الجمهورية ميشال عون الى “فك الحصار عن الشرعية” في موقف اتهامي واضح لأنظمة وأحزاب تتبع لها بتكبيل الشرعية اللبنانية. أما المطران عوده فخاطب “ما تبقّى من ضمير لدى قادة البلاد”، وسألهم: “هل تنامون مُرتاحينَ ومن استلمتُم مسؤولية رعايتهم يتضورون جوعًا، ويموتون عطشاً وانتحاراً؟ الناس يغرقون في ظلمة أَدخلتموهم فيها بسَبب نهجكم العشوائيِّ غير المسؤول”.
مالياً، فاجأت السوق السوداء لصرف الدولار المتعاملين معها بهبوط غير متوقع، بعدما لامس الخميس الماضي سقف الـ10 آلاف ليرة. وبدأ الانخفاض تدريجاً، فلامس بعد ظهر الجمعة 3 تموز نحو 8200 ليرة للشراء و8700 ليرة للمبيع. وخلال تعاملات السبت 4 منه، وصل سعر الدولار بين الصرافين وفي السوق السوداء، إلى ما بين 7800 و8000 ليرة .
وفيما يتوقع البعض عودة سعر الصرف الى الارتفاع باعتبار أن الامر لا يعدو كونه مناورة من الصرافين، كما جرت العادة منذ أشهر، إذ يعمدون إلى خفض السعر وسحب الدولارات من المواطنين، ليعيدوا بيعها بأسعار مرتفعة، لاحظ رئيس معهد دراسات السوق باتريك مارديني أن ثمة حركة نمطية مطلع كل شهر، إذ ينخفض سعر الصرف ومن ثم يعاود الارتفاع منتصف الشهر وفي آخره. وسبب هذه الحال هو أن البعض يقبض بالعملة الخضراء وتالياً يزيد عرض الدولار في السوق على نحو يخفض سعره، لافتاً الى أنه في كل مرة تتم محاولات لاقناع الناس ببيع دولاراتهم قبل انخفاض سعرها، وهذه المرة استعملت ذريعة عودة المغتربين مع دولاراتهم، وتوقع لـ”النهار” عودة سعر الصرف الى الارتفاع بعد أيام.
والسبب الثاني اعلان مصرف لبنان الية جديدة لتزويد المصارف الدولارات بدل الصرافين على نحو دفع التجار الذين يطلبون الدولار الى التريث.
وفي قراءة لخلفيات هذا الهبوط، عزا الخبير الاقتصادي لويس حبيقة انخفاض سعر الدولار الى ثلاثة عوامل هي:
- بدء عودة اللبنانيين عبر المطار حيث يقدر عدد الوافدين بنحو ألفي شخص تقريباً يحملون دولارات بمعدل ألفي دولار (أكثر أو أقل) أي نحو أربعة ملايين دولار يومياً.
- انخفاض الطلب على الدولار بعد انخفاض سعره، خصوصاً ان الطلب المرتفع يعود الى الأمل في تسجيل ربح اضافي عند بيعه.
- زيادة العرض بعد بيع المواطنين جزءاً من دولاراتهم التي يحتفظون بها في منازلهم.
هذه العوامل أدت، استناداً إلى حبيقة، الى انخفاض الطلب وتالياً انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء تدريجاً، متوقعا أن يصل الى أربعة آلاف ليرة في الأشهر المقبلة وصولاً الى تغيير السعر الرسمي للصرف الذي “نعرف أنه لن يستمر لأنه سعر غير واقعي”. ورأى أن تغيير سعر الصرف في حاجة الى تدابير موازية خصوصاً حيال الاجور والمنح التعليمية والصحية التي يمكن القطاع الخاص أن يوفر جزءًا منها لإجرائه إذا استقر سعر الصرف، وكذلك الامر بالنسبة إلى الدولة التي يمكن ان تؤمنها إذا شرعت في الاجراءات الاصلاحية. ويبدو حبيقة متفائلاً بأن ما يحصل اليوم سيساهم في زوال السوق السوداء تدريجاً والوصول الى السوق الشرعية على سعر الأربعة آلاف ليرة، بما يساهم في انخفاض أسعار السلع والمواد الغذائية التي تسعّر اليوم على أساس سعر تسعة آلاف و10 آلاف ليرة.
وإذ اعتبر أن هذه الأوضاع لا يمكن أن تستمر، دعا المعنيين الى المبادرة إلى وضع الحلول لأن أي مشكلة قد تعيد تنشيط السوق السوداء.
في المقابل، شرح الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة لـ”النهار” عملية تحرك الدولار نتيجة التلاعب بسعره في السوق السوداء. وقال إن ما بين 60 و70% من المعاملات تتم على سعر 1515 أو السعر الذي تفيد به المنصة الإلكترونية، مضيفاً أنه بغية استيراد المواد الأساسية والغذائية غير المدعومة، يلجأ المستورد إلى شراء الدولار ما يحرّك سعره في شكل غير طبيعي وفقاً لمنظومتين:
- المضاربة وتحقيق مجموعة عصابات أرباحاً خيالية.
- العنصر السياسي المرتبط بالمواجهة السياسية الداخلية وبالمواجهة السياسية مع المجتمع الدولي وعلى الأخص مع أميركا”.