محزنة صورة الموظفين المصروفين من مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت، لا تحكي فقط، حكاية ما يزيد عن 800 موظف صاروا في الشارع، بل هي واحدة من مئات مثلها تخلّت فيها مئات المؤسسات عن موظفيها في خضم ازمة خانقة مفتوحة على الأسوأ، في ظلّ سلطة قاصرة وعاجزة لا تتمتع بالحدّ الأدنى من القوة والإرادة لبناء مظلّة الأمان للبلد واهله.
فلبنان بين مصيبتين؛ من جهة، مصيبةٌ هزّت اركانه وحاصرته بأزمة اقتصادية ومالية تتراكم ويلاتها على مدار الساعة، وحفرت عميقاً في الواقع اللبناني والقت بكل اللبنانيين في قعرها، وأفقها مسدود بالكامل. ومن جهة ثانية مصيبة اكبر متمثلة بما باتت تسمى عن جدارة «سلطة التجارب الفاشلة»!
فالخطة التي سخّرت السلطة كل عقول فريقها لابتداعها، واقامت الافراح وعلّقت الزينة السياسية على حبالها التكنوقراطية احتفاء بهذا الانجاز العظيم، ثبت لهذه السلطة، وبعد نحو شهرين من ولادتها، انّها بمضمونها الحالي خطة فاشلة وغير صالحة لأن تحقق التعافي الذي نشدته، وبالتالي هي بحاجة الى تطوير.
من الاساس قيل للسلطة انّ خطتها قاصرة، وبحاجة الى تحصين، لكنّ العناد صمّ الآذان، وضيّع على البلد ما يزيد على الشهرين في الدوران حولها، وهي فترة كانت كافية لإصابة البلد بمزيد من الضعف والترهّل، ولإصابة اهله بمزيد من الهريان، والقت بالكيان اللبناني برّمته في رمال متحركة تبلعه رويداً رويداً.
إقرار السلطة، بعدم صلاحية خطّتها بطبعتها الاولى، يعني سقوطها امام اللبنانيين الذين اوهمتهم بأنّ هذه الخطة هي خشبة خلاصهم، ويعني ايضاً سقوطها امام المجتمع الدولي وكل مؤسساته المالية، وعلى وجه الخصوص صندوق النقد الدولي، الذي شكّك بهذه الخطة من اللحظة الاولى، وتحوّل في جلسات التفاوض الى حَكَم بين الجانب اللبناني، في فضيحة انقسامه على ارقام الخسائر، والذي لم ينتهِ بعد.
عملياً، عادت السلطة بخطتها الى نقطة الصفر، ما يعني انّها ستُقدم على «طبعة ثانية»، ومن الآن وحتى تولد خطتها الجديدة وتتكشف تفاصيلها، وحده الله يعلم بحال البلد وما قد يصيبه، وأيّ منحدر سينزلق فيه. علماً انّ اللبنانيين بالكاد صدّقوا ترويجات السلطة حول الخطة، بأنّها تشكّل بارقة أمل لهم، وانّها المفتاح لتدفقات الاموال من كل حدب وصوب عربي او غربي، وهذا ما اكّدت عليه الجلسة الحوارية حول هذه الخطة التي انعقدت في السادس من ايار الماضي في القصر الجمهوري.
لدى اللبنانيين الفُ سبب وسبب، لعدم الثقة بسلطة لم تستطع ان تبني لها رصيداً لديهم، والقدر نفسه من الاسباب، وربما اكثر، هو لدى المجتمع الدولي ومؤسساته المالية، وتحديداً صندوق النقد الدولي، لعدم تصديق السلطة بالنظر على وعودها السابقة المخلّة بالإصلاح، فكيف لها وبعد تجربة، او بالاحرى تجارب فاشلة، ان تثبت انّها تتمتع ولو بقدر ضئيل جداً من الصدقية؟
وهذا متوقف على ما تُسمّى «الصيغة المتطورة» للخطة، والتي تتوخّى منها السلطة ان تحظى بقبول اللبنانيين، كذلك برضى صندوق النقد عليها، علماً انّ الصندوق، ومن خلفه المجتمع الدولي، لم يقفل الباب امام السلطة، وبشهادة كل الخبراء العارفين بخفايا وتوجّهات الصندوق، فإنّه ظلّ حتى اللحظة الاخيرة، يساعدها في بناء رصيد لها عنده، عبر نصائحه المتتالية وتأكيده على استعداده ان يتعاون معها، لمنع الوضع البائس في لبنان من أن يصبح أسوأ. واما الشرط الاساس لإثبات صدقية ومسؤولية هذه السلطة فهو الشروع فوراً في اجراء الاصلاحات. وهذا ما لم يحصل حتى الآن.
وفي مجال التطوير، علمت «الجمهورية»، انّ الاستشاري المالي للبنان (لازارد)، سيكون في بيروت الاسبوع المقبل. وقالت مصادر وزارة المالية، انّ الهدف من الزيارة هو التداول مع الاستشاري في التطورات التي حصلت في الاشهر الخمسة الاخيرة اقتصادياً ومالياً، وما يمكن ان يستخلص من اقتراحات لتحسين خطة التعافي الحكومية.
وذكرت وكالة «رويترز»، انّ الاستشاري «لازارد» سيرى إذا كان من الممكن تعديل خطة الإنقاذ المالي الحكومية للتوصل إلى تسوية مجدية بالنسبة لصندوق النقد الدولي، بعد أن لقيت الخطة رفضاً من جانب سياسيين وبنوك ومصرف لبنان المركزي.
ونسبت الوكالة الى مصدر قوله: «إنّ هدف زيارة «لازارد» هو كيف يمكننا محاولة تعديل الخطة الحكومية لنرى ما إذا كان بمقدورنا التوصل إلى أمر مجدٍ لصندوق النقد الدولي وللأطراف اللبنانية الأخرى».
وفيما امتنع «لازارد» عن التعليق»، ذكرت الوكالة، «ان «كليري جوتليب ستين اند هاملتون» التي تتولّى دور المستشار القانوني ستزور البلاد (لبنان) أيضا.
صندوق سيادي؟
في السياق، يجري العمل على قدم وساق في هذه الفترة على توحيد الارقام والمقاربات، من اجل الخروج بخطة واحدة توافق عليها الاطراف الاساسية في المعادلة، أي الحكومة، مصرف لبنان والمصارف. وفي المعلومات، انّه تمّ اجتياز مسافة جيدة في هذا الاتجاه، وانّ مؤسسة «لازارد»، وهي المستشار المالي للدولة اللبنانية، سوف تشارك في مسعى تعديل الخطة السابقة وصولاً الى خطة جديدة تراعي مصالح القطاعات والاقتصاد الوطني، وتصلح للتفاوض في شأنها مع صندوق النقد الدولي.
وفي السياق، تمّ تسجيل خطوتين تندرجان في إطار ملاقاة خطة الإنقاذ التي قد ترى النور قريباً: الخطوة الاولى تمثلت في قرار مصرف لبنان امس الاول تشكيل لجنة مهمتها دراسة ملف اعادة هيكلة القطاع المصرفي. والخطوة الثانية تمثلت في تشكيل نواة لجنة تحضيرية لإنشاء الصندوق السيادي لإدارة ممتلكات الدولة. هذه الخطوة تولّاها رئيس الجمهورية، وسمّى للغاية سبعة اسماء بينها النائب ميشال ضاهر، والوزير السابق منصور بطيش. وبقيت هذه الخطوة بعيدة من الاعلام، بانتظار بلورة مهامها.
واثارت الخطوة تساؤلات حول توقيتها، خصوصاً انّ مسألة الصندوق السيادي كمبدأ لا تزال مدار خلافات وتجاذبات سياسية، خصوصاً لجهة تحديد هوية صاحب الوصاية.
ومن المتوقع ان يثير هذا الملف المزيد من الجدل في الايام المقبلة.
السرايا
اللافت في هذا السياق، ما قالته مصادر قريبة من رئيس الحكومة حسان دياب لـ»الجمهورية»: «نحن من الاساس «مش مسكرين» على الخطة، ولم نقل لحظة انّها خطة مُنزلة، بل قلنا انّ هذه الخطة قابلة للتعديل وفق الظروف والمعطيات التي تستجد وتتغيّر. ويوم اعلن عنها رئيس الحكومة استخدم هذا التعبير، وبالتالي في اي لحظة يمكن ان يطرأ عليها تعديل وتطوير. وحتى الآن لا يوجد اي تعديل على الخطة. والخبراء والاستشاريون يعقدون اجتماعات ويتناقشون مع بعضهم البعض ويتداولون بأفكار تطويرية، وكذلك استعراض ملاحظات صندوق النقد».
ولفتت المصادر، الى انّ «اولوية الحكومة معالجة الشأن الاجتماعي المعيشي الاقتصادي، وهذا العلاج يحصل عبر اكثر من خط واكثر من مسار. هناك مسار يتعلق بالسلّة المدعومة، بالتوازي مع عمل حثيث تجاه الخارج، لتأمين النفط من العراق او من الكويت، وتأمين دعم مالي خارجي. والامر الثالث هو العمل على موضوع تخفيض سعر صرف الدولار. هذه المسارات كلها تسير بالتوازي مع بعضها البعض. وهناك مؤشرات ايجابية كثيرة. وهذه الامور وغيرها ستكون محل تشاور بين رئيس الحكومة والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي، الذي يستقبل دياب في المقر البطريركي الصيفي في الديمان اليوم».
ورداً على سؤال: «متى يمكن ان تظهر نتائج السلّة المدعومة؟»، قالت المصادر القريبة من رئيس الحكومة: «بعض السلع بدأت النتائج تظهر في انخفاض اسعارها، لكن المسألة مرتبطة بالتجّار والمدى الذي ستصل فيها بضائعهم المستوردة، وهذا يتطلب ما بين الاسبوعين الى ثلاثة اسابيع، وبالتالي يفترض قبل نهاية الشهر الجاري ان تكون السلّة قد اكتملت وظهرت نتائجها الفورية».
تطوير
واكّدت مصادر معنية بالخطة لـ«الجمهورية»، انّ العمل يجري لتطوير الخطة، وهناك محاولة جدّية للوصول الى ارقام موحّدة، من شأنها ان تسهّل التفاوض مع صندوق النقد الدولي. والنقاش بين الحكومة ومصرف لبنان يمكن وصفه في هذه الفترة بأنّه اكثر ايجابية من السابق، والاجواء توحي باقتراب التوافق على الارقام الموحّدة.
وزني
وفي السياق، قال وزير المال غازي وزني: «الخطة ما زالت موجودة ولم تُنسف، وما زلنا نحن والمصرف المركزي والقطاع المصرفي في اجتماعات ولقاءات مكثفة من اجل الوصول الى رؤية موحّدة ومقاربة موحّدة (لأرقام الخسائر)، والاسبوع المقبل ستُعقد اجتماعات مكثفة الاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس، ويوم الجمعة يُفترض ان نخرج بمقاربة موحّدة»
صندوق النقد
توازياً، رأت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا في حديث «للجزيرة» أنّ «لبنان في وضع اقتصادي صعب جداً ويحتاج للقيام بإصلاحات صعبة لتجاوز أزمته».
وناشدت اللبنانيين للعمل على وحدة الهدف «لنتخذ إجراءات إعادة التوازن للاقتصاد ونواصل انخراطنا مع الحكومة اللبنانية لكننا لم نتوصل بعد إلى اتفاق».
وأشارت إلى «أننا لم نحقق بعد أي تقدم في المفاوضات مع لبنان لكننا سنبقى ملتزمين معه»
الحاضنة قلقة
الى ذلك، كشفت مصادر رفيعة المستوى في الحاضنة السياسية للحكومة لـ«الجمهورية» أنها تملك معطيات حول «توجّه خارجي» لم تحدد هويته، لإدخال البلد في مراوحة سلبية من الآن وحتى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية في تشرين الثاني المقبل.
وبحسب المصادر فإنه على الرغم من محاولة تبريد الاجواء تجاه الحكومة، والذي تندرج في سياقه زيارة السفيرة الاميركية في بيروت دوروثي شيا لرئيس الحكومة وتناول الغداء الى مائدته، فإنّ كل الاجواء توحي بالتشاؤم، اذ ليس متوقّعاً على الاطلاق أن يُتاح للحكومة اللبنانية الاستفادة من أي دعم خارجي لا من الدول العربية ولا من غيرها، أقله خلال الاشهر الفاصلة عن تشرين الثاني.
وتتخوّف المصادر من أن ينحدر وضع البلد الى مراحل اخطر مما هي عليه الآن، وهو الأمر الذي يضع الحكومة في خانة الاحراج أكثر، بالنظر الى افتقادها الحلول الفورية واللازمة للتخفيف من وطأة الازمة المتفاقمة. وهو ما قد يضعها في خانة الاستهداف بطريقة أعنف مما كانت عليه.
واشارت المصادر الى انّ نصائح وجّهت من قبل بعض اطراف الحاضنة الى القيّمين على الحكومة بوجوب طَي صفحة الاشهر الماضية، وفتح صفحة الانجاز حتى بالمقدور عليه، وعدم الدخول في معارك شخصية او ثأرية مع أيّ كان، على ما هو حاصل مع حاكم مصرف لبنان، بل محاولة الاستفادة من قدرات الجميع، فلا نستطيع ان نُجمّد البلد عند اي خلاف، بل في الامكان التعاون حول كيفية الخروج من الازمة، وكيفية لمّ البلد الذي يوشِك ان يتشتت.
التكلّس الوطني
وقال مرجع معني بالحاضنة لـ«الجمهورية»: مشكلة البلد انّ الداخل مصاب بالتكلّس الوطني، كل الناس تراقب بعضها بعضاً، وربما تضع مخابرات على بعضها بعضاً، وتكمن لبعضها بعضاً، وكل طرف ينتظر من سيصرخ أولاً ومن سيقع في الكمين قبل الآخر. المشكلة الاساس انّ الوفاء للبلد معدوم، فلو انّ اللبنانيين متفاهمين مع بعضهم البعض ومتوحدين على موقف واحد وشعور واحد، فمن يستطيع ان يهزّهم، حتى ولو تعرّضوا للضغوط من كل الدنيا، ولكن مع الأسف «نحن مِش مناح بحقّ بلدنا».
الخطأ القاتل
الى ذلك، اكد خبير اقتصادي لـ«الجمهورية» انّ الخطأ الكبير الذي ارتكبته السلطة من البداية انها وضعت الخطة بطريقة عشوائية ومتسرّعة تجاوزت كل القطاعات التي يفترض ان يؤخذ رأيها في الخطة وآليات الحلول والمعالجات.
واشار الخبير المذكور الى انّ الخطأ القاتل الذي ارتكبته هو انها قدمت شيئاً سَمّته خطة، فيما هو فقط مجرد ارقام لا اكثر، واخطر ما فيه انها نَأت بالدولة عن المسؤولية عن الخسائر التي وقعت، وألقتها على كل الآخرين، أي على المصارف وعلى مصرف لبنان – وهذا يحتمل بعض الصحة – وكذلك على المودعين، الّا انّ الحكومة لا تستطيع ان تقول انّ الكل مسؤولون والدولة لا دخل لها، فقط عليها ان تراجع المادة 113 من قانون النقد والتسليف، التي تشير الى انّ العجز يُغطى من الاحتياط العام، ولكن عند عدم وجود هذا الاحتياط او عدم كفايته تغطّى الخسارة بدفعة موازية من خزينة الدولة. وهذا يعني انّ الدولة لا يمكن ان تكون على الحياد فيما تحمّل المسؤولية للمصارف ومصرف لبنان والمودعين.
خريطة حل!
وفي هذا الاطار، قالت مصادر اللجنة النيابية للمال والموازنة لـ«الجمهورية» انّ خطة التعافي مطلوبة شرط ان تُحاكي الوضع الاقتصادي والمالي كما هو، وليس بافتراضات وتخيّلات غير واقعية.
واشارت المصادر الى انها سبق وعرضت على الجانب الحكومي مجموعة من الافكار التي من شأنها ان تخفف من وطأة الازمة، وتفتح الآفاق نحو الحلول، وبالتالي وضع لبنان فعلاً على سكة الانقاذ والتعافي. وجاءت هذه الافكار على شكل خريطة طريق تقوم على ما يلي:
أولاً، أن تبادر السلطة ولو متأخرة، الى ان تُظهِر للبنانيين وللمجتمع الدولي بأنّ النمط القديم من الأداء قد تغيّر، وان تعتمد الواقعية في مقاربة الازمة وتبتعد عن لغة التحدي.
ثانياً، انّ الحلول موجودة، فلبنان ليس دولة مفلسة، بل دولة متعثرة بالنقد والسيولة، والمعيار اليوم كم هو دينها الخارجي وكم تملك من اصول؟ فالدين الخارجي كان نحو 30 مليار دولار، وفي التفاوض مع الدائنين قد ينخفض بنسبة عالية الى حدود 10 او 11 مليار دولار. وموجودات الدولة كبيرة جداً، فقطاع الخلوي وحده يساوي هذا المبلغ.
ثالثاً، لبنان يستطيع ان ينهض من جديد، فلدى الدولة احتياط في المصرف المركزي بنحو 21 مليار دولار، واحتياط من الذهب بنحو 15 مليار دولار واكثر، وأصول بعشرات مليارات الدولارات. وفي مقدور الدولة ان تحوّل هذه الاصول الى قطاعات منتجة، من دون ان تبيعها، وتظهر بالتالي انّ لبنان دولة غنية. لكن هذا مشروط بحُسن التخطيط.
فعلى سبيل المثال، بحسب هذه الخريطة، فإنّ لدى الدولة ما يزيد عن مليار م2 أرض، واذا شملت المليار متر بـ50 دولاراً للمتر الواحد، فثمنها يجمع نحو 50 مليار دولار. وبذلك، تستطيع ان تُنشىء الدولة شركة عقارية، وشركة لمنشآت النفط ثمنها مليارات الدولارات لأنّ لديها املاكاً هائلة، وتُنشىء شركة للسكة الحديد، وشركة لمرفأ بيروت، وشركات في قطاعات عديدة، وشركة ليبان تيليكوم. والشرط الاساس لذلك هو ان تبادر السلطة الى جَمع المجلس الاعلى للخصخصة، وتوكِل اليه مهمة إعداد خطة «تشركة»، وتبدأ بإعداد دفاتر شروط شفافة، وتستعين بشركات متخصصة لبنانية ودولية لدرس المشاريع وجدواها، وبهذه الطريقة تستطيع ان تمدّ نفسها بالانتعاش من جديد، وبهذه الطريقة لا تجذب فقط المستثمرين العرب والاجانب، بل تجذب قبلهم المستثمرين اللبنانيين، سواء في الداخل اللبناني او في بلاد الاغتراب. وللعلم انّ سيولة طائلة في ايدي المغتربين اللبنانيين تقارب الثلاثة الى اربعة مليارات دولار، يُراد إرسالها الى لبنان والاستثمار فيه، ولكن هؤلاء المغتربين، في حاجة قبل كل شيء الى طمأنتهم بخطوات تجعلهم يثقون بالسلطة. التي أرسلت اليهم رسالة شديدة السلبية بأنها ستعتمد «الهيركات» ليطال 90% واكثر من ودائعهم. والدولة تنتظر من صندوق النقد ان يقدّم 3 او 4 مليارات دولار على سنوات. وتستطيع الدولة، اذا أنشأت هذه الشركات، ان تُحَصّل مبلغاً يعادل ما سيقدمه صندوق النقد واكثر.
رابعاً، بعد ان تقوم بخطة «التشركة»، تبادر السلطة في اتجاه المودعين، لتؤكد لهم انها تضمن ودائعهم. وكونها لا تستطيع ان تدفع «كاش»، تستعيض عن ذلك بأن تمنح المودعين سندات دين بفائدة 1 او 2%، وفي الوقت نفسه تعيد فتح بورصة بيروت، ويتم تداول هذه السندات فيها، ويستطيع حامل السند ان يبيعه إن شاء ذلك بالنسبة التي ترضيه بمعدّل 60 سنتاً للدولار او 70 سنتاً.
وتفترض خريطة الحل انّ المودعين سيقبلون بذلك لأنهم بالتأكيد يريدون ودائعهم، علماً انّ كثيرين منهم يعمدون في هذه الفترة الى بيع ودائعهم بثلث قيمتها وحتى بربعها.
وبرأي المصادر النيابية فإنّ السلطة إذا اعتمدت هذه الطريقة، تخلق مصداقية لها، لكنّ المشكلة تكمن في انّ الادارة السياسية لا هي مبادرة ولا هي ذكية ولا هي خلّاقة، ولا احد يثق فيها داخلياً وخارجياً.
وخلصت مصادر اللجنة المالية الى القول: الوقت لم ينته بعد، والفرصة ما زالت متاحة امام السلطة لكي تبادر الى العلاج، وليس هناك من عذر للحكومة في ان تبقى في دائرة العجز، بل المبادرة الى التخطيط لكيفية الاستفادة من اصول الدولة من دون ان تبيعها، والى البدء بالاصلاحات بالتزامن مع المفاوضات مع صندوق النقد، لأنّ البديل هو الشلل والانحدار التدريجي الى وضع أسوأ بكثير من نموذج فنزويلا.
قانون الشراء
وفي سياق مرتبط بالاصلاح، أعرب النائب ياسين جابر عن أمله في ان ينجز مجلس النواب أواخر الصيف اقتراح قانون الشراء.
وقال جابر لـ«الجمهورية»: انّ هذا الاقتراح يحظى باهتمام بالغ من قبل الاتحاد الاوروبي والفرنسيين والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وهو يدرس حالياً من قبل لجنة نيابية مصغّرة متفرّعة عن اللجان النيابية المشتركة، وإقراره يوجّه رسالة جيدة في اتجاه كل العالم بأنّ لبنان أنجز واحدة من الاصلاحات الهامة والاساسية المطلوبة.
ولفت جابر الى انّ هذا القانون يشكّل نقلة نوعية توقِف كل مزاريب الهدر والانفاق غير المجدي، اذ يتضمن في مواده الـ93 الكثير من التفاصيل التي تعزّز الشفافية في موضوع المشتريات العامة، بدءاً من شراء طاولة او مكتب لوزارة او مؤسسة عامة او بلدية، وصولاً الى إنشاء اي مشروع. ففي ظل هذا القانون لا يمكن ان نجري عقداً مثل عقد سوناطراك وغيرها.