كتبت صحيفة ” الأنباء ” الالكترونية تقول : “وشهدَ شاهدٌ من أهل” الحكومة… هذا ما ينطبق بالتمام والكمال على ما قاله وزير الخارجية المستقيل، ناصيف حتّي، في بيان استقالته الذي أكّد فيه، بقرينة من عاش التجربة، كل ما تقوله قوى المعارضة، ومعها اللبنانيون، والمجتمَعَين العربي والدولي، بأن هذه الحكومة تقود البلاد إلى الفشل، وتعاني من مصالح أرباب عملها، ومن غياب إرادة حقيقيةٍ للإصلاح، ومن سوء السياسات والممارسات.
ولكي يُظهر أفرقاء السلطة أنهم متماسكون، سارعوا إلى تعيين البديل عن حتّي في غضون ساعات قليلة، علّهم يسترون التشتّت الحالي وتشرذم الصفوف. لكنّهم، وكعادتهم في تكرار الفشل، فشلوا في حرف الأنظار عن سوء ما بلغته الأوضاع.
ومع تعيين مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدبلوماسية، السفير السابق شربل وهبة، وزيراً جديداً للخارجية دون خوض أي مشاورات سياسية مع مختلف الأقطاب المشاركة في الحكومة، بدت عملية الاختيار وگأنها مخططةٌ ومحضّرة سلفاً للإمساك بالخارجية، وذلك بعد أن فقدَ حتّي “جنين الأمل” الذي انتظر ولادته يوم قَبِل المشاركة بالحكومة.
وإذا كانت خطوة حتّي تؤشر، فيما تؤشر إليه، إلى مدى انسداد الأفق أمام أي إمكانية للعلاج، إلّا أنها لقيت ترحيباً من عددٍ من القوى السياسية المعارِضة، حيث أعرب عضو كتلة الجمهورية القوية، النائب عماد واكيم، عن ارتياحه لأي استقالةٍ من قِبَل أي وزير في هذه الحكومة، منوّهاً بجرأة حتّي ومناقبيّته، داعياً جميع الوزراء في الحكومة إلى ”مراجعة أدائهم ومواقفهم، والالتحاق بركب وزير الخارجية”.
وفي اتصالٍ له مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية، رأى واكيم أن “الأسباب المذكورة في بيان الاستقالة منطقية وتشكّل واقعاً، معتبراً أن المعاملة التي تمّت من قِبَل الحكومة مع وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، كانت من بين ”الممارسات التي وردت في مضمون الدوافع الرسمية المقدّمة في بيان الاستقالة”.
إلّا أن واكيم لم يُخفِ تشاؤمه لتعيين بديلٍ “من حاشية القصر”، ورأى في تعيين وهبة “اعتماداً للعقلية الديكتاتورية، وذلك في إشارةٍ إلى تعالي السلطة الحاكمة، وترسيخ معادلة الآمر الناهي”.
وجدّد واكيم التأكيد على أن “لا حلّ في ظل استمرار القوى الممسكة بزمام الحكم، أي حزب اللّه والتيار الوطني الحر، في هذا النهج، وفي ظلّ غياب أي سياساتٍ واضحة للخروج من الأزمات الراهنة”، لافتاً إلى أن “صرخة المواطنين، ودعوة البطريرك الراعي في ما خصّ الحياد، واستقالة الوزير حتّي، كلّها مؤشراتٍ على ضرورة تصويب البوصلة في الاتّجاه الصحيح، على أمل أن يلتحق الجميع بهذا التوجّه”.
ومن فريق المشاركين في الحكومة، اعتبر عضو كتلة التنمية والتحرير، ميشال موسى، في اتصالٍ مع “الأنباء” أن، ”غياب الانسجام بين الوزراء ظهر جلياً في استقالة الوزير حتّي، كما أن غياب الخطوات الإصلاحية الجدّية، والارتباك الذي تعانيه الحكومة، هما دوافع وراء الاستقالة”. وأضاف: “إلّا أننا بدورنا نحترم قراره الشخصي، ونحترم مهنيّته وانسجامه مع ذاته”، نافياً احتمال وجود أي تأثيرٍ خارجي على حتّي للاستقالة.
موسى برّر في كلامه سرعة البت في تعيين وهبة خلفاً لحتّي بالقول إنها، “محاولة لتفادي أي تأخيرٍ أو تباطؤ”، وشدّد في الوقت نفسه على، “خروج الحكومة بقراراتٍ استثنائية وسريعة تُجاري الوضع الصعب، من أجل محاولة إنقاذ لبنان من الانهيار الحالي”.
وفي السياق نفسه، اعتبر عضو كتلة المستقبل النيابية النائب محمد الحجّار، أن الاستقالة، “دليلٌ واضحٌ على عجز الحكومة، وفشل العهد في إدارة البلاد”، لافتاً إلى أن، “الوزير حتّي شارك في الحكومة على أساس القيام بإصلاحاتٍ جدّية، وأخذ القرارات الجريئة، إلّا أنه ما لبث أن اكتشف عدم وجود هذه الأمور داخل مجلس الوزراء”.
وفي اتصالٍ مع “الأنباء”، أكّد الحجّار “حتمية تدخّل رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، بالاستقالة”، لافتاً إلى أن ”بصماته السيّئة موجودة، وهي برزت في تدخّله في شؤون وزارة الخارجية، وعرقلته عمل الوزير”.
وعن تعيين وهبة خلفاً لحتّي، رأى الحجّار أن “التعيين، والضغط بهدف الاستقالة، هما سيناريو مدبّر يهدف إلى سيطرة باسيل على الموقع، بحيث أن السفير وهبة يطبّق تعليمات رئيس التيار، مما يدل على انعدام استقلالية الحكومة، واتباعها نهجاً أسوأ”.
واستبعد الحجّار كرّ سبحة الاستقالات، “في ظل إصرار رعاة الحكومة على استمرارها لإحكام السيطرة أكثر على مقاليد الحكم”.
ومن الفريق الحكومي أيضاً، وافق عضو تكتّل لبنان القوي النائب جورج عطاللّه، في حديثٍ مع “الأنباء” على أن “إنتاجية الحكومة اليوم غير كافية، وقراراتها ليست بقدر التحديات، وهي قد تكون السبب وراء استقالة الوزير حتّي الذي نكنّ له كل الاحترام”. لكنّه نفى، “وجود أي تدخّلٍ من قِبَل التيار، أو رئيسه، لدفع الوزير إلى أخذ قراره”، مشيرا إلى أن “محاولات التضليل هذه تصبُّ في خانة الاستهداف السياسي”.
عطاللّه، “نوّه” بسرعة تعيين وهبة بديلاً لحتّي في الوزارة، معتبراً أن “التفاهم والتنسيق الموجودان بين عون ودياب هو أمرٌ إيجابي، والهدف تفادي إضاعة الوقت، وعدم التأخير في تعيين الوزير في ظلّ دقّة الوضع الدبلوماسي الذي يمرّ به لبنان، مع وجود استحقاقات كبيرة على الصعيد الخارجي، أكان لجهة قانون قيصر، أو المفاوضات مع صندوق النقد”.
ورداً على احتمالية توالي الاستقالات، نفى عطالله، “وجود جوٍ مماثل في الحكومة، إلّا أن أي خطوةٍ مشابهةٍ يجب أن تقترن بتوضيحات منطقية للأسباب والدوافع”.
وعلى خطٍ آخر، لا يزال لبنان يشهد انتشاراً خطيراً لفيروس كورونا، مع ارتفاع عدد الإصابات يوم أمس إلى 177 حالة، وتسجيل 3 حالات وفاة، إحداها لممرضةٍ عملت سابقاً في الطواقم الطبية المتخصّصة لمعالجة مرضى كورونا.
وفي اتصالٍ مع “الأنباء”، رأى المحاضر الجامعي الدكتور نزيه أبو شاهين، أن “استراتيجية الإقفال 5-2-5 التي تمّ اعتمادها خاطئة، وكان يجب استبدالها بفترة أسبوعين متتاليين من أجل إحصاءٍ دقيقٍ للمصابين، ومحاولة جدّية لكبح الانتشار الخطير”، لافتاً إلى أن، “التوصيات الأخيرة لوزير الصحة جيّدة، وتصبّ في خانة التخفيف من وطأة التفشّي”.
وشدّد أبو شاهين على دور المجتمع الأهلي، والمؤسّسات المجتمعية المحلية، من بلديات، ونوادٍ، وجمعياتٍ كشفية وشبابية في البلدات والمناطق، في “متابعة المرضى المحجورين في منازلهم، لجهة إلزامية الحجر، أو مساعدتهم على تسيير أمورهم وتفادي اختلاطهم، وعددهم كبير إذ يبلغون ما نسبته 80% من مجمل عدد الإصابات في لبنان”.
كما أكّد أبو شاهين على “ضرورة توفير اللقاحات الموجودة لمختلف فيروسات الإنفلونزا التي تستجد في أوائل الخريف، تزامناً مع بدء الموجة الثانية من فيروس كورونا، وإعطائها لجميع المواطنين بهدف تقوية مناعة المجتمع، وتقليص نسبة الإصابة بالفيروسات الأخرى، ما من شأنه تسهيل عملية التفريق بين مصابي كورونا، والمصابين بالانفلونزا العادية على الفرق الطبية”.
ولفتَ أبو شاهين إلى “وجوب تغيير نمط العيش، والتأقلم مع الأسلوب الجديد الذي فرضه الفيروس، وتفادي الاختلاط، والتشدّد في الإلتزام بالمعايير الوقائية”.