بَلسمت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخاطفة والسريعة إلى لبنان جروح اللبنانيين البالغة من جرّاء المجزرة التي خلّفها الانفجار – الزلزال، وعلى رغم عمق المأساة اللبنانية إلّا انّ الشعب اللبناني وجد في هذه الزيارة سنداً وأملاً وثقة لا يجدها في المسؤولين الذين يعتبرهم في غربة عنه وأصبح في موقع الإدانة لهم.
وقد برهنَ ماكرون عمق الروابط التاريخية والثقافية والانسانية والسياسية التي تربط فرنسا بلبنان، وعبّر صراحة عن عاطفته وتعلقه بهذا البلد، وساهمت هذه الزيارة في التخفيف من آثار الجريمة المروّعة في النفوس أقلّه مع شعور اللبنانيين بأنهم غير متروكين في هذا العالم لقدرهم ومصيرهم.
وفي موازاة التضامن والتعاطف الإنسانيين، حملت زيارة الرئيس الفرنسي 3 مؤشرات سياسية:
ـ المؤشر الأول، إعلانه صراحة انّ المساعدات ستأتي إمّا مباشرة للشعب أو للمنظامات غير الحكومية، ما يعني انّ الموقف الفرنسي واستطراداً الدولي لم يتبدّل لجهة انّ المساعدات للسلطة مشروطة بالإصلاحات، وما لم تتحقق هذه الإصلاحات فإنّ الحصار الدولي على الدولة سيراوح، وقد كان لافتاً منحه الأولوية للناس لا السلطة.
ـ المؤشر الثاني، رعايته وعلى عجل لطاولة حوار لبنانية جمعت رؤساء الأحزاب والكتل، أي انّ ما تعذّر على الرئاسة اللبنانية تحقيقه حقّقته الرئاسة الفرنسية، والعنوان الأساس لهذه الجَمعة تشجيع اللبنانيين على الحوار والاتفاق على أولويات لبنانية، وما صرّح به عن حاجة اللبنانيين إلى نظام سياسي جديد وضعه في إطار المسؤولية اللبنانية في البحث عمّا يؤمّن المصلحة اللبنانية.
ـ المؤشر الثالث، تشجيعه على تحقيق دولي جدي وشفّاف يكشف ملابسات التفجير الذي دمّر العاصمة، ووضع إمكانات الدولة الفرنسية في تَصرّف اللبنانيين من أجل الوصول إلى الحقيقة.
ولا شك في انّ الدخول الفرنسي على خط الأزمة اللبنانية، ومع زيارة ثانية أعلن عنها في مطلع أيلول المقبل في ذكرى إعلان «دولة لبنان الكبير»، هو دخول منسّق مع الأميركيين بدليل انّ كلامه جاء تعبيراً عن المجتمع الدولي بأن لا رفع للعقوبات إلّا وفق خريطة طريق إصلاحية، محمّلاً السلطة مسؤولية تقاعسها على هذا المستوى.
ويرى مراقبون انّ زيارة ماكرون لبيروت هي زيارة تاريخية، في لحظة لبنانية تاريخية قرّر فيها المجتمع الدولي تفويض فرنسا محاولة أخيرة قبل ان ينزلق لبنان في قعر الهاوية. وأنهى زيارته بعبارة توجّهَ بها الى اللبنانيين، قائلاً: «سنكون دائماً الى جانبكم… بحبك يا لبنان».
ما يميّز الزيارة
وقبل ان يغادر ماكرون بيروت، قالت مصادر واكبت اللقاءات التي جَمعته في القمة المشتركة في قصر بعبدا مع رئيس الجمهورية ورئيسي مجلس النواب والحكومة، وفي اللقاء مع القيادات السياسية، لـ«الجمهورية»، انّ «ما ورد في مؤتمره الصحافي لم يترك مجالاً للبحث عن محضر للقاءاته مع القيادات الرسمية وغير الرسمية».
ولاحظت هذه المصادر «انّ النظر الى ما يميّز الزيارة يدفع الى التوقّف عند الجانب الشكلي المتّصل بها، ولذلك يجدر التوقف أمام مسلسل جولاته الميدانية التي قدّمها على لقاءاته السياسية». ولفتت الى «انّ تقديمه تَفقّد مكان الانفجار وما تركته النكبة في المرفأ والأحياء السكنية والمؤسسات، ولقاءه بالمواطنين في بعض الشوارع على اللقاءات الرسمية، شكّلت الرسالة الأهم والأكبر من الزيارة، وخصوصاً ما أطلقه من مواقف لطمأنة الناس الى انه لم يأت الى بيروت لدعم الحكم والحكومة والمسؤولين الكبار إنما لِحضّهم على تحمّل المسؤولية وتغيير قواعد العمل والآليّة المعتمدة الى اليوم».
وعلمت «الجمهورية» انّ اللقاء بين ماكرون والرؤساء الثلاثة كان صريحاً، أكد خلاله الرئيس الفرنسي انّ لبنان يجب ان يتجاوز هذه الازمة، والشرط الاساسي لذلك هو التوافق الداخلي قبل كل شيء، وتطوير النظام اللبناني الذي أثبت انه لم يعد يصلح.
وشدّد على انّ الاولوية الآن هي لتشكيل حكومة وحدة وطنية، واللافت انّ الرؤساء الثلاثة أيّدوا هذا الامر.
مع الأحزاب
واللافت للانتباه انّ الاجتماع الموسّع بين ماكرون والقوى السياسية عكسَ الانقسام اللبناني من خلال مداخلات القوى السياسية، بحيث جرى تقديم مداخلات اتهامية لبعضها البعض، أثير فيها موضوع ترسيم الحدود مع سوريا، ولجنة تحقيق دولية وسلاح «حزب الله».
وكان اللافت انّ ماكرون أكد لهذه القوى ما مفاده انّ امامكم اولويات داخلية مرتبطة بمعالجة الازمة، وانّ الخلافات والقضايا المعقدة يمكن تأجيلها، مُجدِّداً اقتراحه بتشكيل حكومة وحدة وطنية. وشدّد على ضرورة مبادرة الحكومة الى القيام بإجراءات وإصلاحات، مشيراً الى انه سيعود في 1 ايلول المقبل، مُطلقاً ما يشبه التحذير وإجراءات نوعية، وأنه سيكون لفرنسا موقف آخر.
ولاحظ المشاركون انّ ماكرون أيّدَ طرح ممثّل الرئيس نبيه بري النائب ابراهيم عازار «بالذهاب الى الدولة المدنية»، كما انه لم يُبدِ أيّ رد فعل عندما طرح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ما مفاده «انّ بديل الفريق الحاكم والفساد الموجود هي مكوّنات 14 آذار».
كما لاحظ المشاركون في الاجتماع التفاتة خاصة من الرئيس الفرنسي الى ممثل «حزب الله» رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، إذ بعد انتهاء اللقاء حرصَ ماكرون على إيقاف رعد لدى مغادرته، وعقدا خلوة قصيرة «على الواقِف»، بَدا فيها الرئيس الفرنسي أنه يهمس بأمر مهمّ لرعد، الذي آثَر إبقاء ما دار بينه وبين الرئيس الفرنسي طَي الكتمان، إلّا أنه كان مرتاحاً الى ما سمعه من ماكرون.
وفي الخلاصة، بَدا الرئيس الفرنسي حريصاً على لبنان أكثر من اللبنانيين أنفسهم.
وقال احد الاقطاب الذين شاركوا في اللقاء مع ماكرون في قصر الصنوبر لـ»الجمهورية» انّ الرئيس الفرنسي أكد تأثّر الفرنسيين جداً بالانفجار الذي دمّر مرفأ بيروت، و»انّ لبنان لا يستطيع الاستمرار في هذه الطريقة، وانّ فرنسا، التي تشارك في أعمال الاغاثة والانقاذ، حريصة في الوقت نفسه على نهوض لبنان من الازمة التي وقع فيها». وتوجّه ماكرون الى الحاضرين قائلاً: تجاوزوا الآن خلافاتكم وتناقضاتكم الاستراتيجية، واتفقوا على تنفيذ مجموعة من المشاريع لتكسبوا ثقة المواطن اللبناني اولاً وثقتكم ببعضكم ثانياً، وبعدئذٍ اجلسوا وابحثوا في القضايا الاستراتيجية التي تختلفون حولها، ومن لا يريد ان يتكلم مع الآخر عليه ان يحسم أمره».
وعلمت «الجمهورية» أنّ رعد، الذي وصف لـ«الجمهورية» طرح ماكرون بأنه «طرح واقعي»، قال خلال اللقاء للرئيس الفرنسي: «ليس لدينا مشكلة في ان نتحدث بعضنا مع بعض، ولكن المشكلة هي انّ ما نتّفِق عليه لا ننفذه، بدليل اننا أقرّينا اتفاق الطائف ولكننا لم ننفّذه».
الجميّل
وفي الوقت الذي لفت رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، بعد مغادرته قصر الصنوبر، إلى «أننا سمعنا من الرئيس الفرنسي فشّة خلق، فقد قال الحقيقة كما هي»، طالبَ بلجنة دولية للتحقيق في انفجار مرفأ بيروت. كما جدد تأكيده أنّ من أوصَلنا الى هنا ليس هو من سينقذنا، ويجب أن نعيد القرار للناس بانتخابات مبكرة، وأضاف: «أول طرح هو تغيير الحكومة، ومن ثم تأتي الحلول الأخرى».
ومما جاء في مداخلة رئيس الكتائب أمام المشاركين في اللقاء مع ماكرون ان «لا ثقة بهذه السلطة لكي تستلم أيّ مساعدات وتؤمّن إيصالها للناس»، كما أكد امام جميع الحضور «أن لا ثقة بأيّ تحقيق تقوم به جهات محلية بهذه القضية»، وشدد أمام الجميع على «أنّ من خَرّبها لن يُصلحها الآن». وكذلك شدد على «ضرورة تشكيل حكومة مستقلة بالفعل، والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة لكي يكون القرار للشعب اللبناني في التغيير المنتظر، على أن يَلي هذه الانتخابات مؤتمر وطني لمعالجة السلاح غير الشرعي ولإعادة النظر في الآليات الدستورية من أجل إرساء لبنان الجديد».
وكشفت مصادر كتائبية انّ الجميّل سَلّم ماكرون رسالة ارتكَز مضمونها على 3 نقاط، هي:
1 – تحقيق تقوم به جهات أجنبيّة أو دوليّة.
2 – منصّة دولية لتنظيم الإغاثة وتقديم الدعم للسكان وإعادة الإعمار، بالاعتماد على المنظّمات المحليّة غير الحكوميّة، وليس على المؤسّسات العامّة.
3 – دعم مطالب اللبنانيّين من أجل تشكيل حكومة جديدة مستقلّة بكل ما للكلمة من معنى، وتنظيم انتخابات مبكرة تسمح للبنانيّين بممارسة حقّهم في التغيير بطريقة سلميّة، وإثارة قضية الأسلحة غير الشرعية من على منابر أعلى المرجعيات الدولية وصولاً الى إدانة كل من يستمر في إضفاء صفة الشرعية على هذه الأسلحة من دون اي تحفظ.
ولوحِظ انّ ماكرون، قبَيل اللقاء، كان قد اختلى لبعض الوقت مع الرئيس سعد الحريري، الذي غادر بعد اللقاء من دون الإدلاء بأيّ تصريح.
فيما قال رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط: «كلام ماكرون واضح، اذا لم تساعدوا أنفسكم فإننا لن نساعدكم. وبدأ بالأمور البسيطة التي قالها وزير خارجيته، أي «حلّوا قصة الكهرباء والمياه والامور الحياتية»، وهي أهم من مناقشة السياسات الدولية والاقليمية، وكان واضحاً ان لا ثقة للشعب بالطبقة السياسية».
أما رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية فأعلن انّ «ماكرون تحدث بتغيير اسلوب العمل لا تغيير النظام، وهو أثبتَ أنه صديق حقيقي للبنان».
فيما قال جعجع: «بمجرّد انّ رئيس فرنسا تركَ كل مشاكل بلاده ليأتي الى لبنان فهذه خطوة كبيرة، ولقد قدّموا مساعدات ويريدون تقديم سواها».
مجريات الزيارة
وكان ماكرون زار لبنان أمس، حيث كان في استقباله والوفد المرافق في مطار رفيق الحريري الدولي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وقال لدى وصوله: «أتيتُ الى بيروت بصورة طارئة حاملاً رسالة تضامن وشهادة دعم وصداقة أخوية للبنان ولشعبه بعد الانفجار الذي حصل في 4 آب الفائت في مرفأ بيروت». وأضاف: «أتيت تالياً لأصغي واطّلع، وأقوم بتنظيم المساعدات الاولية والدعم الى الشعب اللبناني».
وكشف عن «أنّنا على الصعيد الفرنسي، نرغب بتنظيم المساعدات الى لبنان على الصعيد الأوروبي وبشكل أوسَع على الصعيد الدولي».
وبعد أن تفقّد موقع الإنفجار في مرفأ بيروت، زار منطقة الجميزة وأكد أنّ «هذا الإنفجار هو بداية عهد جديد، مبادرتنا تقوم على إصلاحات وتغيير النظام ووقف الإنقسامات، وسنقدم مساعدات دولية تحت إشراف الأمم المتحدة، وستصل مباشرة الى الشعب والمنظمات غير الحكومية». وشدد على أنّ «لبنان بحاجة إلى تغيير».
وعندما ردّد المتظاهرون «ثورة» و«الشعب يريد إسقاط النظام»، قال ماكرون: «لستُ هنا لدعم النظام أو الدولة أو الحكومة»، معلناً أنه سيطلق «مبادرة سياسية جديدة بعد ظهر اليوم»، مشدداً على أنّ «المساعدات الفرنسية لن تنتهي في أيدي الفاسدين، وسنقدّم مساعدات دولية تحت إشراف الأمم المتحدة وستصل مباشرة الى الشعب والجمعيات غير الحكومية».
ثمّ توجّه ماكرون الى القصر الجمهوري في بعبدا، حيث عُقدت قمة لبنانية – فرنسية استمرت لنحو نصف ساعة، انتقل بعدها عون وماكرون إلى صالة السفراء حيث انضَمّ اليهما رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة الدكتور حسان دياب، ودام الاجتماع الرباعي قرابة 35 دقيقة، ليغادر بعدها بري ودياب. ثم اختلى عون بضيفه لدقائق، استكمالاً لمحادثات القمة.
وقال ماكرون بعد انتهاء الخلوة: «أود أن تُجرى التحقيقات سريعاً في إطار مستقلّ تماماً وشفاف، بغية الوصول الى معرفة ما حصل وأسباب هذا التفجير». وأضاف: «أبعد من الانفجار، هناك أزمة سياسية معنوية واقتصادية ومالية مستمرة منذ أشهر عدة لا بل منذ سنوات، وقد أصغيتُ الى صداها اليوم من خلال الغضب في الشارع. وهي أزمة تستلزم مبادرات سياسية قوية، ولقد تحدثت في الأمر مع عون وبري ودياب، بكثير من الصراحة والشفافية. في الواقع، يجب اتخاذ مبادرات سياسية قوية بهدف مكافحة الفساد، وفرض الشفافية، والقيام بالإصلاحات التي نعرفها، إضافة الى معالجة عدم شفافية القطاع المصرفي ووضوحه، وصولاً الى إجراء تدقيق محاسبي شفّاف في المصرف المركزي والنظام المصرفي، وإطلاق التفاوض مع البنك الدولي، ومواصلة أجندة «سيدر».
وأشار الى أنّه قال للجميع بكلّ صراحة «إنّه يعود الى المسؤولين في السلطة، ولشعب يتمتّع بالسيادة، أن يضعوا هذه المقررات موضع التنفيذ، وهي ترتدي بالنسبة إليّ طابعاً طارئاً بنحو استثنائي، وتشكّل بنود عقد سياسي جديد لا مفرّ منه».
الى ذلك، عقد ماكرون أمس لقاء في قصر الصنوبر في بيروت، مع رؤساء الكتل النيابية، حضره: رئيس الحكومة السابق رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري، رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ورئيس «اللقاء الديمقراطي» تيمور جنبلاط، رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميّل.
عون
ووصف عون زيارة الرئيس الفرنسي للبنان بأنها «ناجحة ومفيدة»، مؤكداً أنّ «فرنسا ستساعد لبنان». وأشاد بـ«جهود الرئيس ماكرون الشخصية لدعم لبنان في مواجهة الأزمات العديدة التي يواجهها لبنان على المستوى الثنائي، وكذلك على الصعيد الدولي».
صور الأقمار الصناعية
من جهة أخرى، طلب عون من ماكرون تزويد لبنان بالصوَر التي التقطتها الأقمار الصناعية خلال الانفجار في مرفأ بيروت، بهدف توفير معطيات إضافية تساعد التحقيق في ملابسات الجريمة. وقد وعد ماكرون بتأمينها في أسرع وقت ممكن.
فهمي يلوّح بالاستقالة
وقال وزير الداخلية العميد محمد فهمي لـ»الجمهورية» انه «اذا لم تُسمّ لجنة التحقيق المسؤولين عن انفجار بيروت بعد انتهاء مهلة الايام الخمسة، فأنا سأستقيل»، مضيفاً: «امّا ان يجري اتخاذ أقصى العقوبات في حق المتسبّبين بالكارثة، وامّا ان اذهب الى البيت… لا حل وسطاً في هذه المسألة».
وكشف فهمي انه «تم حتى الآن توقيف 23 شخصاً على ذمة التحقيق، من كل الفئات الادارية في المرفأ»، لافتاً الى «انّ رؤوساً كبيرة في المرفأ يجب أن تُحاسب وتنال عقابها، من دون أن تكون هناك مراعاة لأيّ حصانات سياسية او طائفية». واشار الى انه تأثر كثيراً بالحالات الإنسانية التي تَرتّبت على الكارثة، واضاف: «وما زاد من تأثّري مقطع فيديو أرسله إلي ابني، ويَظهر فيه كيف أنّ المكان الذي كان يوجد فيه اهتَزّ بقوة تحت وطأة الانفجار، ما عَرّض حياته للخطر. وقد قال لي ابني: «لا تنسى هذا الفيديو ولا الشهداء والجرحى الذين سقطوا نتيجة الإهمال، وعليكم أن تحاسبوا المسؤولين عمّا حصل او أن ترحلوا»، وهو على حق بالتأكيد».
قضائياً ومصرفياً
وفي أولى الخطوات العملية لعمل لجنة التحقيق، قرّر المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، وبناء على التحقيقات، منع سفر كل من الميدر العام السابق للجمارك شفيق مرعي والحالي بدري ضاهر، وعضو المجلس الاعلى للجمارك نايلا الحاج، ورئيس اللجنة المؤقتة لمرفأ بيروت حسن قريطم، وكل من مصطفى فرشوخ وميشال نحول وفوزي البراكس، علماً أنه سبق وأرسل كتاباً الى هيئة التحقيق الخاصة لتجميد حساباتهم.
وبناءً على ما جاء في قرار عويدات، جَمّد مصرف لبنان المركزي على الفور جميع الحسابات الخاصة بهؤلاء.
16 موقوفاً
وفي خطوة قضائية بالغة الدلالة توحي بالمراحل السريعة للتحقيق الجاري، كشفَ مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي، في بيان ليلي له، عن استكمال المرحلة الأولية من التحقيقات المتعلقة بالانفجار المشؤوم الذي وقع في مرفأ بيروت ـ العنبر رقم 12، والتي كان قد باشَرها عند الساعة السابعة من تاريخ 4/08/2020 في مسرح الجريمة الذي سيبقى مقفلاً حتى انتهاء التحقيق، وتولّاها بإشرافه على قسمين: الأول من قبل الشرطة العسكرية في الجيش اللبناني، والثاني من قبل شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي.
وأوضح القاضي عقيقي أنّ التحقيق «شملَ كافة الملابسات التي أدّت إلى حصول هذا الانفجار الهائل، وما نَجمَ عنه من سقوط شهداء وجرحى أبرياء من العسكريين والمدنيين، ووقوع أضرار جسيمة جداً». وأكد أنه «تمّ استجواب أكثر من 18 شخصاً حتى الآن، من مسؤولين في مجلس إدارة مرفأ بيروت وإدارة الجمارك، ومسؤولين عن أعمال الصيانة ومنفّذي هذه الأعمال في العنبر الرقم 12، الذي يحوي مادة «نيترات الأمونيوم» العالي الدرجة (34.7 %)، المستعملة لتصنيع المتفجرات، بالإضافة إلى مواد ملتهبة سريعة الاشتعال وكابلات (فتيل) للتفجير البطيء».
وكشف مفوض الحكومة بالإنابة القاضي فادي عقيقي أنّ «الموقوفين حالياً على ذمّة التحقيق بلغ عددهم 16 شخصاً، فضلاً عن آخرين متروكين رهن التحقيق»، مشيراً إلى أنّ «التحقيقات مستمرة لتشمل كل المشتبه بهم الآخرين، تَوصّلاً لجلاء كل الحقائق المتعلقة بهذه الكارثة، وستتابع من قبل النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات بناء للطلب، استكمالاً للاجراءات المتخذة من قبله».
ومن أبرز الموقوفين مدير المرفأ حسن قريطم.
هوفمان
ومن جهة ثانية، أكد المتحدث بإسم البنتاغون جونثان هوفمان إستعداد وزاره الدفاع الأميركية لمساعدة لبنان في التحقيق في أسباب الأنفجار في مرفأ بيروت في حال طلب لبنان ذلك، وقال لا أريد الدخول في مزايدات حول الأسباب المحتمله للإنفجار ونحن نتابع باهتمام سير التحقيقات التي تجريها الحكومة اللبنانية وسنساعدها في حال طلبت منا ذلك.
ترامب يتراجع
وفي المواقف الدولية، أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس «أنّ الانفجار الدموي في بيروت ربّما يكون حادثاً»، وذلك بعدما كان وصفه في وقت سابق بأنّه اعتداء.
وأشار ترامب إلى «أنّ ما حدث في بيروت لا يزال غير واضح، على رغم من أنّ السلطات اللبنانيّة قالت إنّ الانفجار في العاصمة نتج عن تخزين 2750 طنّاً من نيترات الأمونيوم داخل مستودع في مرفأ بيروت «من دون أيّ تدابير للوقاية». وقال: «أستطيع أن أخبركم أنّ الذي حصل، مهما يكُن، هو أمر رهيب. لكنّهم لا يعرفون حقاً ما هو. لا أحد يعرف حتّى الآن». واضاف: «سمعتُ كلا الأمرين. سمعت (بأنّه) حادث. سمعتُ (بأنّها) متفجّرات». وقال: «إننا متضامنون مع هذا البلد. لدينا علاقة جيدة جداً مع هذا البلد، لكنه بلد غارق في أزمة ومشاكل كثيرة». وتَعهّد تقديم دعم للبنان.
جونسون
وبدوره، رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، قال أمس إنه شعر بصدمة من مشاهد انفجار بيروت، مؤكداً أنّ بلاده ستواصل التركيز على احتياجات الشعب اللبناني. وأضاف: «شعرتُ بالتأكيد بفزع وصدمة من المشاهد من لبنان.. من بيروت. إنني متأكد أنّ المملكة المتحدة ستواصل التركيز على احتياجات شعب لبنان».
روحاني
واتصل الرئيس الإيراني حسن روحاني هاتفياً بنظيره اللبناني، وبحث معه في تقديم مساعدات إيرانية إلى لبنان. وأعلن أنه كلّف وزيري الخارجية والصحة ورئيس جمعية الهلال الأحمر التواصل مع نظرائهم في لبنان، «من أجل التمكّن من إيصال ما يحتاجه الشعب اللبناني بسرعة».
مواجهات ليلاً
وليلاً، تحوّل تجمّع لمجموعة من الناشطين في وسط العاصمة الى مواجهات بينهم وبين القوى الأمنية. وأشعل المحتجون النيران داخل المحلات التجارية من خلال إحراق ألواح خشبية ولوحات إعلانية، وأتت المواجهات على ما تبقّى من المحال التجارية المتضررة أساساً من إنفجار المرفأ.