كتبت صحيفة نداء الوطن تقول: بعدما استشعر خطراً وجودياً على مشروعه في لبنان، وتلمّس مفاعيل هزات ارتدادية لزلزال المرفأ على أرضية منظومة الحكم التي أرساها في البلد، شمّر محور الممانعة بالأمس عن سواعده واستنفر رافعاته الإقليمية والمحلية لاستنهاض ركائز هذه المنظومة وانتشال قوائمها الرئاسية والسياسية من تحت أنقاض “العنبر رقم 12″، فكانت الرسالة تهديداً صريحاً للداخل والخارج: “لبنان ساقط عسكرياً في يدنا فلا تلعبوا بالنار”. أقله هذا ما استشفته مصادر ديبلوماسية سواءً من “الغارة” التي شنتها طهران على البوارج الأجنبية الراسية في مرفأ بيروت من خلال اعتبار وزير خارجيتها محمد جواد ظريف بأنها تشكل “تهديداً للمقاومة”، أو من خلال كلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي بدا بمثابة “وضع الإصبع على الزناد” في مواجهة الداخل والخارج مهدداً بتفجير “صاعق الغضب” لإعادة بسط سطوة الحزب دون منازع على المشهد اللبناني، مؤكدةً لـ”نداء الوطن” أنّ ما شهدناه بالأمس هو “رسالة تهويل ضد تدويل الملف اللبناني مفادها بأنّ إيران مستعدة لهدم الهيكل فوق رؤوس الجميع في لبنان إذا ما أفضى التدخل الأجنبي إلى تهديد نفوذها فيه”.
وإذا كان وزير الخارجية الإيرانية قد رسم أمام المسؤولين اللبنانيين حدود المسموح وغير المسموح في مقاربة تداعيات انفجار المرفأ رافضاً إجراء تحقيق دولي بمسببات الانفجار والمسؤولين عنه، مشدداً في الوقت عينه على إمكانية الاستعانة فقط بمساهمة إيرانية في التحقيقات، أطل نصرالله ليلاً في ذكرى “انتصار تموز” ليوجّه خطاباً تصعيدياً مدججاً برسائل تحذيرية مباشرة وغير مباشرة برسم من يعنيهم الأمر داخلياً وخارجياً، بدءاً من تأكيده على ديمومة سلاح المقاومة باعتبارها “شرطاً وجودياً” وضامناً للاستقرار والهدوء في البلد، مروراً بتهديده كل من يحاول إسقاط العهد العوني والمجلس النيابي بملاقاة مصير مشابه لسيناريو 7 أيار 2008 عبر دعوته جمهوره إلى المحافظة على غضبهم لأنه قد يحتاجه “يوماً ما”، وصولاً إلى فرض شروطه الحكومية على القوى السياسية التي دعاها إلى “عدم تضييع الوقت” في الحديث عن حكومة حيادية والشروع فوراً إلى تأليف حكومة “محمية سياسياً” سواءً كانت “حكومة وحدة وطنية أو ذات أوسع تمثيل سياسي ممكن”… ومن يرفض هذا الموضوع ما عليه سوى “الخروج من الحياة السياسية” في البلد.
أما على المقلب الآخر من المشهد، فأن يغادر وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل قصر بعبدا من دون الادلاء بأي تصريح وألا يلتقي رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، فذلك بحد ذاته رسالة أميركية إلى العهد العوني بأنّ “أوان الاختيار قد حان بين الشرعية واللاشرعية في لبنان” وفق تعبير مصادر لبنانية مواكبة لزيارة هيل، موضحةً لـ”نداء الوطن” أنّ حرص المسؤول الأميركي على التصريح من بكركي وليس من بعبدا “يؤكد أنّ واشنطن باتت تعتبر أنّ الموقع المسيحي الأول في البلد الذي يحاكي هواجس المسيحيين ويجسد حقيقة موقفهم هو في الصرح البطريركي من خلال نداءات البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي المتكررة لاستعادة هوية لبنان وتحريرها من قيود المحاور والصراعات الخارجية”.
ولفتت المصادر في هذا المجال إلى أنّ تشديد هيل على أنّ واشنطن لم تعد تقبل “بالمزيد من الوعود الفارغة بعد اليوم والمزيد من الحكم غير الفعال” بدا من خلاله “عون وباسيل أكثر المعنيين به بوصفهما الجهة التي تمثل الحكم والتي لطالما تحدثت أمام المجتمع الدولي وفي كواليس اللقاءات الديبلوماسية مع الأميركيين عن وعود إصلاحية وشعارات سيادية سرعان ما تبيّن أنّ تطبيقاتها أتت مغايرة على أرض الواقع، حيث ساد وتعزز أكثر فأكثر نهج الفساد في الدولة وتسارعت وتيرة بسط “حزب الله” سطوته على مفاصل المؤسسات الرسمية خلال العهد العوني”، مشيرةً إلى أنّ الإدارة الأميركية ومعها المجتمع الدولي باتت في مرحلة “تقييم الأفعال وليس الأقوال وتنتظر ترجمات عملية سريعة للإصلاح والتغيير الحقيقي في إدارة الدولة دون مزيد من المناورات والشعارات”، وتوقعت من هذا المنطلق “أن تتبلور الرسالة الأميركية بوضوح أكبر اليوم خلال اللقاء الذي سيجمع المسؤول الأميركي بمجموعات من المجتمع المدني والناشطين لناحية التشديد على ضرورة إحداث التغيير الجاد الذي يستجيب مطالب الشعب اللبناني”.